المفاوضات
اللبنانية – الإسرائيلية
د. خليل حسين
رئيس قسم
العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية
بيروت:
8/10/2020
تنطلق منتصف الشهر الحالي اكتوبر / تشرين
الأول مفاوضات لبنانية - إسرائيلية غير مباشرة، وسط لغط كبير بين اللبنانيين حول
توقيتها وخلفياتها وأهدافها ونتائجها. وبالمناسبة لا تعتبر المفاوضات بين الجانبين
سابقة، فقد سبق وأجرى الطرفان مفاوضات غير مباشرة بدأت في اعقاب الحرب العربية - الإسرائيلية
الأولى في العام 1948 والتي انتهت بتوقيع اتفاقية الهدنة اللبنانية - الإسرائيلية
التي جرت في اطار الاـمم المتحدة وبرعايتها وتحت الفصل السابع من ميثاقها.
وفي واقع الأمر، لم تغب الأمم المتحدة عن أي حدث
للقاءات ثنائية عسكرية جرت بين الطرفين لمعالجة قضايا طارئة، ويعتبر مؤتمر مدريد
للسلام الذي عُقد في العام 1991 برعاية أميركية روسية علاوة على الأمم المتحدة،
حدثا ذات دلالات واضحة لجهة السلام العربي الإسرائيلي الذي كان لبنان جزءاً منه
ومتلازما في مواقفه آنذاك مع الموقف السوري. لكن المسار اللبناني توقف بطبيعة
الحال مع المسار السوري بعد اتفاق وادي عربة مع الأردن واتفاق أوسلو مع
الفلسطينيين 1993.
الا ان اجتياح إسرائيل للأراضي اللبنانية
في العامين 1993 و1996 شكل مناسبة للتفاوض غير المباشر بين الطرفين وبخاصة في
العام 1996 وما تم التوصل اليه من قواعد اشتباك توجت بتفاهم نيسان الذي رعته
مبدئيا كل من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، وتمكن الاتفاق من إرساء تفاهمات
تتصل بحماية المدنيين، أي بمعنى آخر ما يتصل بالقانون الدولي الإنساني.
الا ان سلسلة المفاوضات الأبرز والأصعب تلك
التي جرت بعيد الانسحاب الإسرائيلي من الشريط الحدودي المحتل في25 مايو/ أيار العام 2000، والذي تمّت فيها ترسيم الخط الأزرق
بين الطرفين وتوقفت المفاوضات عند الاختلاف حول لبنانية تلال كفر شوبا ومزارع شبعا
، على قاعدة هل تتبع في الأساس الى الاندوف ام اليونيفيل وبالتالي لمن تعود ملكية
الأراضي هل للبنان او لسوريا. تتابعت المفاوضات لما بعد حرب العام 2006 على قاعدة
متابعة تنفيذ تداعيات القرار الدولي 1701/2006. إضافة الى جملة من المفاوضات غير
المباشرة التي قادتها الولايات المتحدة مع لبنان حول محاولة ترسيم الحدود البحرية،
التي تعثرت في الكثير من محطاتها ربطا ووصلا بمساحات مختلف عليها تقدر 850
كيلومترا مربعا والتي تحتوي على كميات واعدة من الغاز والنفط.
اذا، ثمة سلسلة من المفاوضات غير المباشرة
تخللها مفاوضات وحيدة مباشرة بعيد الاجتياح الإسرائيلي للبنان 1982 والذي أدى الى
توقيع اتفاق 17 مايو/ أيار الذي الغيَّ فيما بعد. وتنطلق المفاوضات المزمعة بهدف
التوصل الى إطار لترسيم الحدود البحرية وتلازمها مع ترسيم للحدود البرية، على انها
ستكون عبر مستوى عسكري وبرعاية الأمم المتحدة.
وبصرف النظر عن توقيتها وما يمكن ان تتوصل
لاحقا من نتائج ، ثمة وقائع ومعطيات دولية وإقليمية ولبنانية تصب في اتجاه تزخيم
عمليات التفاوض ربطا ووصلا بالمكتشفات النفطية والغازية في شرق البحر الأبيض
المتوسط والذي بات مرتعا لتنافس ونزاعات وصراعات كبرى على الموارد، كما يزيد من
هذا التزخيم أيضا الوضع الاقتصادي والمالي الذي يمر به لبنان، وما يُعلق من آمال
كبيرة على استخراج الموارد لإعادة إطفاء الدين العام والخروج من مآزقه والوضع
الحرج الذي يرزح تحته.
في اطار القانون الدولي العام، تعتبر
المفاوضات جزءا رئيسا من الوسائل الممكنة لحل النزاعات القانونية على الحدود او
الموارد، وبالتالي ما اختاره لبنان ربما يعتبر من بين الوسائل التي تتيح له مخرجا مقبولا
لحل بعض ازماته التي باتت تهدد كيانه الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، في وقت سبقت
فيه إسرائيل بأشواط عمليات الاستكشاف والاستخراج والاستثمار، فهل سيتمكن لبنان من
الوصول الى حيث تكمن مصالحه الاستراتيجية؟ في المبدأ ان قراءة دقيقة لطبيعة
المفاوضات غير المباشرة وما انتجت، تشي بقدرة لبنان على تجاوز الكثير من المصاعب
والوصول الى حيث يجب الوصول اليه، سيما وان اتفاق الإطار قد استهلك للوصول اليه
عشر سنوات من المفاوضات الشاقة غير المباشرة برعاية أميركية.