فراغ لبنان المالي بعد الرئاسي
د.خليل حسين
رئيس قسم
العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
23-7-2023
تتوالي
الفراغات في المؤسسات الدستورية والمرافق العامة تباعا في لبنان، وجديدها ما سيحصل
آخر يوليو / تموز الحالي في ابرز اركانه المالية المتصل بحاكمية المصرف المركزي،
وما سيترك من تداعيات وآثار لا حصر لها، وهي ازمة متصلة بالفراغ الرئاسي وما نجم
عنه من استمرار الحكم عبر حكومة بصفة تصريف الاعمال، علاوة على فراغات في مرافق
ومراكز قيادية أخرى لا سيما في المؤسسة العسكرية التي ستلتحق قيادتها اخر يناير/
كانون الثاني اذا لم تجر الانتخابات الرئاسية ويتم تدارك الأسوأ ، سيما وأن ثمة
رفضا قاطعا للتعيين في أي شغور من حكومة تصريف الاعمال وفي ظل الفراغ الرئاسي وهو
على اعتاب سنة من الزمن الا تيفا.
والفراغ في سدة الحاكمية المالية لها
خصوصيات كثيرة لجهة من يشغل المنصب والظروف المحيطة به مع نوابه الأربعة الذين
باتوا يشكلون حالة خاصة ،لحهة التصريح والتلميح باستقالتة جماعية بخلفيات ذات صلة
بمسؤوليات جسام عن حقبة مالية شابها الكثير من الاسئلة والشبهات المتصلة بالحاكم على الصعيد اللبناني والدولي،
وتركت الوضع المالي والاقتصادي في اعصار لا يستطيع احد التنبؤ بنتائجه الكارثية ، حيث
يعيش اللبنانيون على كوابيس الصعود الجنوني لسعر صرف الليرة اللبنانية بين ساعة
وأخرى، حيث ثمة شائعات وفيها الكثير ما يصدق قياسا على القفزات الجنونية للدولار
التي وصلت الى اكثر من 150000 ليرة مقابل الدولار الواحد، وثمة من يؤكد ان سعر
الصرف سيصل الى حدود المليون حيث لا سقف له.
لم يعد خافيا على احد ان الحروب المالية
والاقتصادية التي تمارس كوسيلة ضغط هو السلاح الأبرز الذي سيكون الأكثر فعالية
لايصال الحلول او مشاريعها الى نقطة القبول لمن يرفضها اليوم.، وما يعزز ذلك
السلوك من الضغوط نسبة الضرر الذي يلحقه بالدولة والمجتمع ومن يسيطر عليها، والسوابق المنفذة كثيرة في
هذا المجال.
فالحاكم الحالي ناهزت ولايته في الحاكمية
لخمس دورات متتالية غطت ثلاثون عاما من الإمساك بالهندسة المالية للدولة اللبنانية
ومؤسساتها ، حتى ارتبط مصير الدولة والشعب بشخص الحاكم وتصوير خطورة الوضع بعده بالكارثي الذي سيصل الى انهيار الدولة وتحللها
بشكل نهائي، وبصرف النظر عن دقة التوصيف المعطى للوضع الكارثي، ثمة معطيات وظروف
تعزز خطورة تلك الرؤى وتداعياته الكارثية، ذلك في وقت يشاع فيه انعدام الحلول
المقبولة من الأطراف الوازنة في الحياة
السياسية اللبنانية.
لقد اعتاد اللبنانيون على حلول الفراغات
في العديد من المؤسسات الدستورية والمرافق العامة، وكانت الحلول تُبتدع وتُقبل مع
الوقت، وعلى الرغم من وجود النصوص القانونية لمعضلة حاكمية مصرف لبنان، وإمكانية تسلم
نائب الحاكم الأول والمجلس المركزي لمهام الحاكم في حال الشغور، الا ان حساسية
المنصب وشاغله لجهة ديانته ومذهبه وهي مماثلة لمنصب رئاسة الجمهزرية، جعلت من حالة الشغور ذات طبيعة خاصة ، يُرفض
معها الحلول ولو كانت تخضع لنصوص قانونية واضحة لا لبس فيها، رغم ان ثمة شغور سابق
في احد المؤسسات الأمنية الحساسة قد مُلأ
بغير الطائفة والمدهب المتفق عليه عرفا،
وهي معضلة كبيرة في طبيعة تركيبة الوظائف
القيادية اللبنانية وطرق التعاطي معها.
في أي حال من الأحوال، وان غدت ازمة
الفراغ في حاكمية المصرف المركزي تبدو بهذا الحجم من التوجس والخوف ، فان ما
ينتظره لبنان واللبنانيون أسوأ من ذلك بكثير في الأشهر القلية القادمة، حيث لا افق
واضح بما يتصل لانتخاب الرئيس، حيث لبنان لم يعد له أي أولوية في الوضعين الإقليمي
والدولي، وفي وقت ثمة اتفاق غير معلن على ترك بعض ازمات المنظقة ومنها الازمة
اللبنانية معلقة ومرتبطة بالعديد من
الازمات الاقليمية الشديدة التعقيد، ما يعزز الوضع المأساوي والكارثي الذي حل
بلبنان واللبنانيين، الذي بات وضعهم مرتبط بشكل لا لبس فيه بأزمات المنطقة
المتشعبة التي لا حل لها الا باتفاقات دولية بمستوى رفيع الأهمية وهو غير متوفر
الظروف في المدى المنظور.