أزمة حكم ورئاسة
في لبنان
د.خليل حسين
رئيس قسم
العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
2=8=2022
بات من المؤكد ان تشكيل الحكومة اللبنانية
في خلال الثلاثة اشهر من ولاية رئيس الجمعورية بات امرا مستحيلا ان لم تحدث معجزة،
ذلك بفعل التباين الحاد بين مخنلف الأطراف حول العديد من القضايا الحساسة،
وبالتالي يتجه الاهتمام حاليا الى مصير رئاسة الجمهورية والعوامل المؤثرة في انجاز
الاستحقاق.
وفي واقع الامر، ان انتخاب رئيس للجمهورية
في لبنان يشكل تحديا دائما في الحياة السياسية اللبنانية في مختلف الحقبات التي مر
بها لبنان، اذ ان التدقيق في مختلف الظروف التي أحاطت بعمليات الانتخابات تثبت ان
جميع الرؤساء قد مروا بمخاض عسير قبل الوصول الى الرئاسة الأولى. وظروف اليوم تبدو
اشد تعقيدا من أي ظروف مرت بها انتخابات الرئاسة سابقا، ذلك للتباين الحاد بين
مختلف الأطراف حول مشروع الرئيس وقدراته وامكانية ايصاله لسدة الحكم.
ثمة اتجاهات عدة تتحكم بمصير الرئاسة وبالتالي
الخيارات المطروحة من حيث المبدأ، ثمة خيار الرئيس القوي القادر على اخراج لبنان
من ازماته المتلاحقة، وهوخيار صعب التحقق أولا لعدم قدرة أي طرف لوحده حسم
النتيجة، ذلك بفعل تشتت القوى الناخبة بين اكثريات متعددة، تحتاج لبعضها البعض
لايصال مرشح ينال ثلثي الأصوات في الدورة الأولى وهو في الظروف الحالية امر
مستحيل، فيما الخيار الثاني وهو الاتفاق على مرشح تسوية يحتاج لمناورات وضغوط
داخلية وخارجية للتوصل لاتفاق مقبول للجميع.
ان التدقيق في تاريخ الانتخابات الرئاسية
اللبنانية تثبت عدم قدرة أي طرف من الأطراف الداخليين إيصال مرشج محدد للرئاسة الا
بعد مخاض عسير وصل أحيانا لتفلت امني يجبرالأطراف القبول بتسوية ما ، وعادة ما
تكون برعاية خارجية. وهذا ما حصل عمليا بعد انتهاء ولاية الرئيس امين الجميل في
العام 1982 وتسليم الحكم لحكومة عسكرية برئاسة قائد الجيش آنذاك ميشال عون، والامر
سبق وحدث في انتخاب الرئيس الياس سركيس في العام
1976 قبل نهاية ولاية الرئيس سليمات فرنجية بستة اشهر، فيما انتخب الرئيس الياس الهراوي بعد اغتيال الرئيس
رينيه معوض في العام 1991 أي بعد ترتيبات اتفاق الطائف، والامر تكرر مع الفراغ
الرئاسي بعد ولاية الرئيس اميل لحود حيث
انتخب مبشال سليمان اثر تسوية ما سمي باتفاق الدوحة، وتكررت ظاهرة الفراغ الرئاسي
الى حين التسوية التي أوصلت العماد ميشال عون الى الرئاسة. ما يعني ان معظم
الرؤساء انتخبوا في ظروف اسنثنائية ونتيجة تسويات غلب عليها الطابع الخارجي بنكهة
داخلية على الطريقة اللبنانية.
يبدو اليوم ان لا حكومة ستشكل وسط قبول
غير معلن من معظم الافرقاء باعتباره يخدم مصالح مشتركة وتتقاطهع مع رؤى ومصالح
خارجية ، لما يمكن ان يتيح لحالات استثمار داخلي وحتى إقليمي ودولي في العديد من
الملفات المتصلة بالواقع اللبناني. وعليه يبدو ان الظروف تتجمع للوصول الى القراغ
الرئاسي وسط حكومة مستقيلة تصرف الاعمال
ورئيس حكومة مكلف غير قادر على التشكيل.
ثلاثة عهود رئاسية انتهت بفراغ رئاسي ، تلاها تسويات في طبيعة
النظام السياسي والدستوري، الأول بعد الرئيس امين الجميل واتفاق الطائف والثاني
بعد الرئيس اميل لحود واتفاق الدوحة الذي أوصل الرئيس ميشال سليمان والفراغ الذي
أدى بتسوية إقليمية ودولية لايصال مبشال عون للرئاسة، فهل ان لبنان يتجه الى فخامة الفراغ لتهيأة الظروف
لتسوية ما ؟ ام ان للرئيس الحالي ميشال عون كلام آخر في الواحد والثلاثين من
نوفمبر / تشرين الثاني القادم.؟ وهذا ما حاول الإيحاء به في كلمته بمناسبة عيد الجيش مؤخرا.
ربما قدر لبنان ان يكون مع كل ولاية رئاسية
ظروفا لم تعد استثنائية بل متكررة، تضعه دائما في وجه أزمات تبدأ بأزنات حكم
وتنتهي بأزمة نظام تتخلها الكثير من المصاعب والويلات للتوصل الى تسوية ما، ويبدو
ان مجمل الظروف الحالية تتجمع لذلك للأسف.