23‏/03‏/2025

 

موجة الهجرة الثانية

د.خليل حسين

رئيس قسم العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية

21-11-2021

          بدأت جيوش الهجرة الجماعية غير الشرعية تظهر مجددا الى اوروبا ، ويبدو انها ستتوالى فصولا لجهة الاحجام وطرق الوصول ووسائل التعامل معها، سيما وان السوابق في هذا المجال قد اكدت المؤكد، لجهة الارتجال في التعاطي مع اشد المظاهر الدولية قسوة لجهة النتائج والتداعيات الكارثية، ان لجهة دول الاستقبال ام للدول المصدرة.

     حاليا تشهد الحدود البولندية موجة هجرة مكثفة متعددة المصادر ، وهي بطبيعة الامر كما سابقاتها ذات خلفيات اجتماعية اقتصادية ،حيث البحث عن ظروف اجتماعية افضل في ظل انهيار شبه كامل في العديد من الأنظمة الشرق أوسطية والافريقية وغيرها، الا ان هذه المرة لا تحرك دولي للاستيعاب او التنظيم او إدارة الأزمة ، حيث التجمعات، وسط آلاف الأشخاص والعائلات متروكة لقدرها في الغابات وسط ظروف سيئة جدا تنذر بكوارث لا وصف لها.

      عالج الاتحاد الأوروبي موجة الهجرة السابقة عبر تركيا ، حيث قدم لها ما يزيد عن أربعة مليارات دولار لإدارة الازمة في اراضيها، ورغم ذلك لم تتوقف موجات الهجرة وغرقت معظم الدول الأوروبية باللاجئين غير الشرعيين، وسط غياب الحلول الجذرية لطبيعة المشكلة، والمفارقة ان موجات الهجرة كانت ولا زالت تترافق مع أزمات في الكثير من الدول التي يستهدفها اللاجئون او التي تكون ممرا لبلدان أخرى مطلوب الاستيطان فيها. فقد عانت تركيا هذه الأزمة بداية الأزمة السورية وسط سياسات تركية نشطة في الأزمتين العراقية ومن ثم السورية، وكأن موضوع الهجرة وتداعياته عقابا لهذا الحراك او بمعنى آخر نتيجة منظمة له. وفي وقت هدأ التدخل التركي نسبيا، انفجرت ازمة الموارد النفطية والغازية في البحر الأبيض المتوسط وبالتحديد مع اليونان، حيث زجت مؤخرا بموجة مهاجرين شكلت ارباكا قويا للحكم، ومؤخرا شكلت عمليات الهجرة ازمة لبيلاروسيا وبالتدقيق أيضا تظهر مشاكل التجديد للرئيس البيلا الروسي، وأخيرا في هذا السياق، تقاذف المسؤوليات بين بيلاروسيا وبولندا على الحدود حيث آلاف المهاجرين، ولا استبعاد أيضا لألمانيا في هذه الأزمة حيث يتم التفاوض معها لفتح ممرات إنسانية لبعض طالبي اللجوء وسط حراك سياسي داخلي الماني على خلفية الانتخابات خلفا لميركل,

     في السياق العام، تبدو موجة الهجرة الحالية تتزامن مع ظروف أوروبية ليست مريحة لأنظمتها، بل ستزيدها أعباء وسط تراشق أوروبي ودولي حول المسؤوليات وسبل الحل، وسط غياب تام لاستراتيجيات ذات صدقية للحل، سيما وان ازمة المهاجرين في مختلف مراحلها السابقة والحالية أيضا تتطلب جهودا دولية منسّقة وتحت رعاية الأمم المتحدة وآلياتها المعتمدة، سيما وان لا قدرة لدولة محددة على الاستيعاب لهذه الاعداد الكبيرة والمتزايدة الناجمة عن عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي في غير منطقة من العالم وبالتحديد دول القارة الافريقية والشرق الأوسط. 

        خلال هذا العام وصل الى إيطاليا فقط اثنا عشر الف مهاجر عبر البحر، وهي علامة فارقة ذات دلالات لجهة دول الجذب وما يمكن ان تتركه من آثار وتداعيات سلبية، عدا عن عشرات الآلاف غيرهم الذين وصلوا الى دول أخرى ، او الذين يتحضرون لموجات أخرى، في وقت تتراكم الإثارات بشكل سريع ومتواصل ، ما يستدعي حلولا استثنائية وسريعة أيضا.

       لقد اتسمت الحلول الاوروبية لقضايا الهجرة، بالحلول الأمنية لجهة منع الوصول او الحد منها، في وفت يتطلب الأمر العمل على تشجيع بقاء من يفكر بالهجرة في موطنه، عبر مساعدة دولهم في سيل الاستقرار السياسي والاجتماعي وتقديم المساعدات حيث هم، بدل ان تتراكم ظروف الفرار من مواطنهم واللجوء الى دول الاحلام الأوروبية.  ثمة ازمة كبيرة تتفاقم على الحدود البولندية البيلاروسية قوامها آلاف اللاجئين العالقين بين الدولتين ، وفي وقت تضبط يوميا عشرات القوارب المحملة باللاجئين وهم مشاريع اموات في البحر، فهل ثمة من سينظر في هذه الموجة المستجدة التي ستتفاقم وستزداد اعدادها قريبا ، سؤال جدي قبل فوات الأوان.