23‏/03‏/2025

 

ماذا بعد الخروج الأميركي من أفغانستان؟

د.خليل حسين

رئيس قسم العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية

19-4-2021

      ستحتفل الولايات المتحدة الأميركية بخروجها من أفغانستان بعد عقدين من الزمن على اغرب عملية نفذت في تاريخ الحروب الحديثة والمعاصرة، فهي حرب انطلقت ضد تنظيم القاعدة الموجود عنوة في ارض تجمّع فيها عشرات الآلاف من الإرهابيين من مختلف اصقاع العالم، والذي تسبب في تغيير معالم النظام الدولي ، واجبر العالم بقيادة واشنطن على مواجهة وضعت أسس لمعالم نظام عالمي عنوانه مكافحة الإرهاب الذي خصص له البيئة القانونية والمالية والعسكرية والأمنية  غير المسبوقة.

      تمكن الحلف الدولي من هزيمة القاعدة وقتل زعيمها، لكن المصيبة ما انتجته لاحقا من تنظيمات اشد إرهابا  كتنظيم داعش واخواته. لقد كلفت هذه الحرب العالمية  مئات آلاف الضحايا ومئات مليارات الدولارات وتداعيات حروب متصلة في غير مكان من العالم كاحتلال العراق وغيرها من العمليات على مساحة العالم بأكمله. لكنها تبقى الأشد اثرا على الولايات المتحدة ماديا وبشريا لخُمس قرن من الاستنزاف. لكن السؤال الذي يُطرح ماذا بعد الانسحاب الأميركي؟   

        التداعيات الأولى ستصيب أفغانستان نفسها، او بالأحرى ما تبقى منها ، ففي اقل تقدير لن تتمكن السلطة القائمة من احتواء ما يحيط البلاد من ظروف لا طاقة لها على تحمل اعبائها، ماديا وامنيا. إضافة الى حالة تنظيم طالبان الذي ينتظر هذا الانسحاب لينفذ ما عجز عنه سابقا، وهو يتهيأ عمليا لذلك بعد مظاهر الفشل التي تسود محادثات إسطنبول حول مستقبل الوضع الافغاني بعد الانسحاب. ثمة مؤشرات كثيرة مبنية على سوابق كثيرة في هذا المجال ، من بينها على سبيل المثال لا الحصر الصور المأساوية التي انتشرت في العراق بعد الانسحاب الاميركي في العام 2009، حيث الاقتتال الداخلي والفوضى العارمة التي وقع فيها العراق ومن ثم انتشار تنظيم داعش وتمدده الى سوريا وغيرها. وما يعزز تلك الصور ما يختزنه المجتمع الافغاني والتنظيمات المسيطرة هناك من بيئات تعتبر من شرائعها واختصاصاتها عبر العقود.

        ربما المفارقة الاغرب في هذا المجال التصريحات الأميركية حول الانسحاب وأسبابه المعلنة وهو مواجهة الصين، وفي المبدأ امر واضح ولا يحتاج الكثير من التصريح او التلميح، ويبقى نص الاستراتيجية الأميركية للأمن القومي التي اطلقها الرئيس جو بايدن، اشارات واضحة وحثيثة على مواجهة الصين، وهو هدف ليس بجديد، وانما معروف ومسند الى وثائق أميركية دامغة، وثمة من يعيد الاحتلال الأميركي لأفغانستان بعد تفجير البرجين، الى ان هذا الاحتلال هو الأساس لقطع الصين عن تمدد نفوذها في آسيا وأوروبا لاحقا على ما سُميًّ بخط الحرير، وتأتي هذه المفارقة الاميركية لتعلن سبب الانسحاب من أفغانستان هو التفرغ لمواجهة الصين!.

        حرب اميركا في أفغانستان كلفتها اكثر من 2500 قتيل واكثر من عشرين الف جريح ، عدا عن المصابين نفسيا وحالات الانتحار والتفكك المجتمعي، والى ما يربو على 1000 مليار دولار من الخسائر المادية المباشرة عدا عن تلك غير المباشرة؛ النتيجة سحق القاعدة لكن تفريخ المزيد من التنظيمات الإرهابية، وبقاء السلطة في أفغانستان هائمة على وجهها في مواجهة صخور تورا بورا. وهي مهيأة اليوم وبكل وضوح الدخول في حرب أهلية ستقضي تماما على أي مظهر من معالم ما كانت تسمى افغانستان، ذلك البلد الذي مرَّ عليه كافة مصائب العالم منذ  الاجتياح السوفياتي له في العام 1978 وتعيين بابراك كارمل رئيسا ، مرورا بالقاعدة وطالبان وصولا الى ما تبقى من أشلاء.

       طبعا البقاء الأميركي في أفغانستان الى ما لا نهاية ليس امرا طبيعيا وليس مقبولا بأي مقياس، لكن المنطق يقول بوجوب البحث عن حل لأرض وشعب ظلت سائبة لعقود طويلة، وهي تستحق اليوم اكثر من مجرد مفاوضات في إسطنبول ، هي بحاجة لمؤتمر دولي يكون فيه النية التوصل الى حل.