2023
عام التحديات الكبرى
د.خليل حسين
رئيس قسم العلاقات
الدولية في الجامعة اللبنانية
20-12-2022
يبدو ان ما مر به العام الحالي من أزمات
وقضايا دولية وإقليمية فتح المجال واسعا لتأسيس صورة نمطية في العام القادم،
مفادها تفاقم الآثار والتداعيات في غير اتجاه، ان لجهة السياق العام للنظام
العالمي القائم، ام لجهة التداعيات المتصلة بفروع ازماته المعقدة والممتدة .
فالازمة الأوكرانية وضعت اطارا
لاستراتيجيات دولية لن يكون مداها محددا، سيما وانها اشعلت حربا لم تعد باردة بين
قطبين خبرا طويلا أسس تلك الحروب وايقنا خطورة تداعياتها وعاشاها بمراحل وادوات
مختلفة ومتعددة، بل بات الصراع الروسي الأميركي اشد عنفا عما سبقه في الحقبة
السوفياتية، ومن هنا يبدو ان المشهد القادم بنسخة العام 2023 اشد قسوة وقتامة في
ظل تعثر مسارب الحلول وبقائها بعيدة المنال.
فالحرب الأوكرانية التي بدت واجهة متقدمة للعديد من القضايا
الصدامية بين موسكو وواشنطن، تركت تداعيات مبدئية كثيرة، تمتد في غير موقع تدار
فيه الازمات، في ظروف صدامية قاسية زادت فيه الانقسامات الدولية بين الطرفين وجرت
ورائها قضايا متصلة لا تقل خطورة عن الازمة الأساسية، بل راكمت سلبياتها وخطوراتها
لتضع العالم على شفير براكين قاتلة كأزمات الحروب الصغيرة ذات الوجهات الممتدة من
الاقتصادية كموارد الطاقة ، والاجتماعية كالهجرة والصحة، وصولا الى الأمنية
والعسكرية؛ وجميعها بدت ملفات متشعبة ستوظف لاحقا باحترافية بهدف تحقيق مكاسب ذات
مستوى استراتيجي عال بأكلاف ليست كبيرة مقارنة مع حجم نتائجها.
ويبدو ان روسيا ستستأنف في العام 2023
تنفيذ استراتيجيتها لهندسة الامن الأوروبي من خلال مواجهة الناتو عبر الحرب
الأوكرانية ذلك بصرف النظر اذا كان ذلك خيارا وقرارا خاصا ام فرض عليها فرضا، وفي
مطلق الأحوال بدا ذلك المسار في الحرب الاوكرتنية امرا ممتدا في محاولة للوصول الى
نهايات روسية محددة، في وقت تواجه واشنطن بأدوات ووسائل تقليدية مجربة في تاريخ
الصدامات السابقة، مكتفية بتكتيك دفع الحلفاء للمواجهة دون الانخراط المباشر ولو
مواربة عبر حلف الناتو كواجهة تشاركية. علما ان هذه القضية تحديدا تركت آثارا
ومجالات مفتوحة للمواجهة وان بأطر منضبطة نسبيا كساحات التوتر في الشرق الأوسط على
سبيل ألمثال لا الحصر.
ان ابرز تداعيات الحرب الأوكرانية
المباشرة، حركات الهجرة والتهجير في أوروبا ، والتي بسببها أيضا فاضت حركات الهجرة
باتجاه أوروبا من غير منطقة كأفريقيا وآسيا، وشكلت بدورها أعباء إضافية على
المجتمع الأوروبي والدولي، اذ يشكبل المهاجرون تعدادا يصل الى المئة مليون وهو رقم
مهول يوازي تعداد دول كبرى سكانيا في وقت ات خطط نمويلية لمواجهة هذا الواقع
المأساوي الذي سيظل بارزا بقوة في العام القادم وسيظل قائما في المحافل الدولية
وسط غياب التمويل اللازم لذلك.والى جانب ذلك ثمة تحديات صحية انتشرت في العامين
المنصرمين كوباء كورونا وسلالاته الممتدة، او غيره من الأوبئة محلية الظهور
كالكوليرا او حمى القرود او غيرها، جميعها ستكون لائحة تحديات العام المقبل، ايضا
وسط غياب الرؤى الاستراتيجة القابلة للحياة والاستثمار الفاعل لمواجهة تلك
الأوبئة.
وعلى هامش تلك الازمات الاجنماعية
الصحية، ثمة تحد يبدو سيظل قائما دون حلول، كموضوع الطاقة استخراجا وتصديرا
وإدارة، وهو ملف ذات ابعاد متشعبة لا تقتصر على الاقتصاد والمال ، وانما يلامس عمليا
قضايا حياتية وسلوكية يومية تبتدأ بقضايا الإنتاج المتعددة ولا تنتهي بأسلوب حياة
الأسر ومطالبها كالتدفأة في النصف الشمالي من الكرة الأرضية حيث الصقيع يشكل عقبة
كأدأء في سياسات الدول العامة، وهي شكلت قضية كبرى في توريد الطاقة الى أوروبا
واستثمار روسيا في هذا الاطار أوروبيا.
ثمة حفلة مستمرة من العراك السياسي في
العلاقات الدولية سيظل قائما ومن غير المستبعد ان يتصاعد ويشكل اطرا صراعية أخرى ،
تبدأ في التجارة والمال والاقتصاد ولا تنتهي حتى في المجالات الاستخبارية
والأمنية، حيث يعج الشرق الأوسط وشرق آسيا مرورا بأفريقيا وأميركا اللاتينية بالساحات
القابلة وبقوة للتحريك والاستثمار، سيما وان ثمة رتلا من الدول الناهضة التي تتطلع
لبناء دور لها في النظام العالمي او النظم الإقليمية، لذا ومن باب الاستطراد في
الاستنتاج لا افق واضحا لبداية حل للعديد من الازمات الإقليمية والدولية التي باتت
جزءا متوارثا في حثل العلاقات الدولية الدائمة التوتر.