ارقام لبنانية
مرعبة
د.خليل حسين
رئيس قسم العلاقات
الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية
5-7-2022
لم تعد بعض المصطلحات تعبر بدقة عن واقع
لبنان المنهار، لا الصادم ولا المرعب، بتنا في قعر الثقب الاقتصاذي الأسود الذي
ابتلع شعبا ودولة بعد اجرام ممنهج استمر لعقود طويلة ومنذ نشأة كيان ولد لقيطا
مشوها لا افق له.
لبنان
اقتصاديا اليوم من ضمن أسوأ الدول العشرة عالميا ، ويشهد ثالث أسوأ ظاهرة اقتصادية مرت بها الدول
منذ العام 1850، بعد التشيلي ازمة 1926 واسبانيا الحرب الاهلية 1936، وبحسب تقرير البنك الدولي
الأخير، اكثر من نصف الشعب اللبناني يعيش تحت خط الفقر، وتجد صعوبة بالغة في تأمين
قوتها اليومي ، علاوة على ان هذه النسبة تعاني من فقر وعوز شديدين وباتت تؤثر على السلوك
النفسي والاجتماعي الذي يميل الى سلوك عدواني واجرامي لتيسير اموره ولو بطرق غير
مشروعة. وبحسب دراسات
أجراها برنامج الأغذية العالمي أواخر العام 2020، تشير إلى أنّ 41% من الأسر
اللبنانية يصعب عليها الحصول على المواد الغذائيّة، وتعجز عن سدّ حاجاتها
الأساسيّة الأخرى، كما ارتفعت نسبة الأُسر التي تواجه صعوبات في الحصول على
الرعاية الصحيّة من 25% قبل الأزمة إلى 36% حاليا، اذ لا ادوية وسط بدء الكثير من
المستشفيات اغلاق أبوابها لعدم توفر المواد الأساسية والضرورية للعلاجات والعمليات
وفي وقت يشهد القطاع الصحي هجرة واسعة للأطباء والممرضين. كما ارتفع معدّل البطالة
من 28% قبل وباء كورونا، إلى 50% في نهاية
العام 2020.
ثمة تدهور مالي
ونقدي ، تقاطع وتفاعل مع أسعار الصرف المتعدّدة للعملات الأجنبية وبحاصة الدولار
الاميركي، والتضخّم، وأحجام الكتل النقديّة. اذ شهد سعر صرف الدولار تقلّبات
حادّة، فتجاوز 15 ألف ليرة لبنانيّة، قبل أن يتراجع إلى 13 الفا ويعاود الارتفاع مجددا
وسط مؤشرات ان انزلاق سعر الصرف لن يكون له سقف محدد. مما أثّر على أسعار السلع،
فتضخّمت الأسعار نحو 84.3% العام 2020، وزاد حجم الكتلة النقدية المتداولة بنسبة
197%، وتراجعت تراخيص البناء 26.9%، وتدنّت كميّات الإسمنت المسلَّمة 44.7%، خلال
الأشهر العشرة الأولى من العام 2020.
واقتصاد لبنان
القائم بشكل أساسي على قطاع السياحة والخدمات، تعرّض لضربة قاسية جدا بسبب فيروس
كورونا، فتراجع عدد المسافرين الوافدين بنسبة 71.5% على مدى الأشهر الخمسة الأولى
من العام 2020، مقارنة بالعام الحالي.
يشار الى ان "خطة القطاع المصرفي التي أعدّت ، كجزء من سياسة
إصلاحية تشمل أصولاً تملكها الدولة، واحتياط الذهب والعقارات العامة، كان الهدف
منها إصلاح ميزانيّات المصارف الضعيفة، اذ بدا انقاذا للقطاع الخاص على حساب القطاع العام، ولا يتماشى
مع مبادئ إعادة الهيكلة التي يُفترض بها أن تحمي دافعي الضرائب.
ان افضل التوقعات تشير الى ان لبنان يحتاج الى
اثني عشر عاما لكي يتجاوز مبدئيا ازمته الحالية اذا لم يتخطى الناتج القومي
عن 35% انخفاضا عما كان عليه نهاية العام
2017، في وقت تشير ارقام أخرى اشد تشاؤما ، فتقدر ان لبنان يحتاج الى عقدين من
الزمن ليستعيد عافيته الاقتصادية.
هذه الأرقام
المرعبة حقا، ليست المشكلة وحدها، بل الازمة الحقيقية هي بتداعيات هذه الأرقام على
النسيج الاجتماعي والمؤسساتي التي تلاشت وانهارت بفعل، سياسات التحلل والتفتيت
البطيء والتي أدت الى ظروف ستكون العودة معها الى الوضع السابق شبه مستحيلة ،وهي
سياسات متبعة في ظل أزمات متلاحقة وقعت فيها العديد من الدول، فانهارت واندثرت
ومنها امبراطوريات كبيرة كالاتحاد السوفياتي مؤخرا.
لقد فقد لبنان
دوره خلال العقود الماضية في ظل النزاعات الداخلية الحادة، ووسط نزاعات إقليمية
ودولية اثرت فيه بشكل مباشر، مما سيصعب إعادة هيكلته اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا في
ظل غياب المعجزات. ويعيش حاليا ما تبقى من لبنان عصر المشاعات، لا سلطة ، قطاع طرق
يتحكمون باشلاء مجتمعية، شعب خامد ، ينتظر قدره المحتوم بعد الارتطام الكبير ، لقد دخل لبنان الثقب
الأسود وابتلعه الى غير رجعة، الا ادا اعيد احياءه برعاية عربية ودولية جدية؟