تحديات الحكومة
اللبنانية
د. خليل حسين
رئيس قسم
العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
12-9-2021
ليست سابقة ان يستهلك تكليف وتشكيل
الحكومة في لبنان وقتا غير اعتيادي، لكن الجديد
في القضية التوقيت والتركيبة كما الظروف الداخلية والخارجية. فقد ولدت بعد ثلاثة
عشر شهرا، فيما عمرها الافتراضي لن يتعد الثماني شهور وفعليا اقل من ذلك بالنظر
للاستحقاقات التي ستتقاطع وعملها.
ثمة الكثير من الثقل الخارجي الدي انتج
ظروفا ضاغطة جدا والتي أجبرت الفرقاء الداخليين على القبول بتسوية هلامية غير
معروفة لا الحدود ولا التوازنات التي أنشئت في حكومة ثلاثية الاضلع لا يدعي كل
منهم امتلاكه لمفاتيح الحل والربط عبر ما يسمى الثلث المعطل، فيما ثمة توازنات
دقيقة ومقنعة تتيح خلط الأوراق في معرض ممارسة السلطة ، وبالتالي إمكانية التعطيل
او في احسن الأحوال ممارسة الضغوط للوصول
الى قرارات تتوافق ومصالح من يمارسها، وهي حالات معتادة في الحياة السياسية
اللبنانية، وسبق ان جُربت وعطلت سياسات حكومية واسقطت بعضها .
وفي أي حال من الأحوال، ستواجه الحكومة
تحديات كبرى لا طاقة لها عليها، ثمة انهيار مالي واقتصادي وفقر وعوز اجتماعي، وشبه
تحلل في مؤسسات الدولة، ومطالب دولية لا مجال للهروب منها كبرامج الاصلاح المطلوب
البدء في تنفيذها كشرط أساسي للبدء في المنح والمساعدات والقروض المالية
والاستثمارات الأجنبية.، وهو شرط رئيس وضعته المؤسسات المالية الدولية وأصحاب
القرار فيها في عمليات إعادة رفع لبنان من الهوة التي سقط فيها.
فلبنان يقبع حاليا في حالة ارتطام مالي
واقتصادي ضخم ، يستلزم عمل مؤسسات دولية ذات فعالية عالية جدا، وهو ما تمسك
قراراتها دول محددة، ويبدو ان مواقفها ومصالحها تقاطعت حاليا على وضع لبنان على
الخريطة مجددا ، لكن في اطر وحدود متفق عليها سلفا بين واشنطن وباريس، من بينها
البرامج الإصلاحية وفي طليعتها رفع الدعم عن الكثير من السلع التي كانت مجالا
واسعا للفساد في الحياة السياسية اللبنانية، وهذا ما ستمشي به الحكومة العتيدة في
بيانها الوزاري الذي أشار اليه رئيسها نجيب ميقاتي في تصريحه الاول حول رفع الدعم
عن سلع حيوية التي تطال شرائح واسعة وتصيب طبقات شعبية محددة باتت مسحوقة.
الى جانب التحديات المالية والاقتصادية
والاجتماعية ثمة تحدي إعادة تركيب موقع لبنان الإقليمي والدولي ورسم سياسات خارجية
تتوافق مع الفاعلين الإقليميين والدوليين، وهو امر ليس من السهل تنفيذه وان وجدت
النية لذلك، وقبل كل ذلك هل لا زال لبنان يمتلك قادرا على إعادة تموضعه واثبات
دوره؟ كلها أسئلة تبحث عن إجابات صعبة التحقق في وقت دقيق وغير مناسب إقليميا ودوليا،
فهل ستتمكن باريس من فرض برامجها وتطلعاتها السياسية بعد المالية والاقتصادية؟ وهل
سيتمكن لبنان من تجاوز العقد التي لا تعد ولا تحصى في رسم موقع مفقود منذ عقود
خلت.
في المقلب الآخر، من بين المهام الرئيسة
التي ستحاول الحكومة إنجازها، اجراء الانتخابات النيابية التي تعتبر مفصلا رئيسا
في الاستحقاق الرئاسي، وهو لغم كبير ستواجهه على قاعدة أي قانون انتخابي ستعتمده،
وهو امر مختلف عليه بين اللبنانيين، لم تتمكن حكومات سابقة كثيرة من الوصول لقانون
مرضي عنه، إضافة الى ان ثمة شكوك كثيرة تحوم حول القدرة على إنجازها وعدم الدخول
في متاهات الفراغ البرلماني والرئاسي.
لبنان القابع في ظروف غير مسبوقة يحتاج
لعلاجات استثنائية يشك الكثيرون في قدرة هذه الحكومة على الولوج بها، دون دعم
خارجي واضح وكبير، مصحوب مع قدرة اللبنانيين على تحمل التقشف الشديد لمرحلة طويلة
لتجد ملامح إعادة تموضع جديد. وفي أي حال من الأحوال ستواجه الحكومة الكثير من المصاعب التي يصعب عليها تجاوزها دون اكلاف عالية، ورغم
ذلك، لا مجال امام اللبنانيين وحكومتهم الا الصمود واجتراح المعجزات في وقت ينشغل
العالم اجمع بمشاكل وهموم كبرى يهرب منها ولا ينقصه هموم ولا اكلاف إضافية.