22‏/03‏/2025

 

زلزال بيروت ومستقبل لبنان

د. خليل حسين

رئيس قسم العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية

بيروت : 10/8/2020

          ليست سابقة ان تستقيل الحكومة في ظروف دقيقة، لكن الاستقالة هذه المرة أتت على انقاض زلزال سياسي مدمر ، ستمتد تداعياته وارتداداته الى بنية النظام السياسي نفسه بعد معاناة من الاحتراب الداخلي والخارجي استمرت قرن من الزمن .ومفارقة اليوم ان جميع الأطراف قد وصلت الى امكنة يصعب التراجع عنها، لكل رؤيته وبرامجه وارتباطاته وتحالفاته، وما يجمعهم الاقتناع بأن صيغة لبنان القائمة لم تعد قابلة للاستمرار ولا بد للبحث عن اطر جديدة.

     انفجار بيروت الذي تزامن مع مئوية انشاء الكيان اللبناني، يبدو انه سيكون نقطة الانطلاق نحو لبنان جديد، من الصعب تحديد ملامحه الدقيقة، مبدئيا سيكون بداية تحت مظلة دولية ليست معروفة النتائج حيث الشد والجذب سيكون على أوجه بين اطراف كثر كل منها لها مصالحها الخاصة في المنطقة انطلاقا من الواقع اللبناني. ويأتي هذا الجذب من فرنسا التي تقود خطا دوليا للبحث عن مخارج للازمة القائمة حاليا، وهي محاولة تتعدى المساعدات والاحتياجات المالية التي يحتاجها لبنان، الى مشروع عقد اجتماعي جديد ينتج نظاما سياسيا مغايرا لاتفاق الطائف الذي استنفد طاقاته على مدى ثلاثين عاما تخللتها أزمات وطنية حادة لا نهاية لها.

       حياد لبنان الذي طالب به قسم من اللبنانيين يرفضه القسم الآخر ويعتبره سببا لإشعال فتنة داخلية جديدة، والمشروع عينه ينسحب على مشاريع متفرعة من بينها الفدرالية واللامركزية الادارية الموسعة لتي تنتهي الى تقسيمات فضفاضة، وجميعها لا اجماع عليها وتشكل نقاط اختلاف لا اتفاق. وبصرف النظر عن هذه الشروخ الكبيرة، ستكون على جدول اعمال أي مشروع حكومة يمكن ان تنطلق مستقبلا، وهو امر صعب المنال في ظل عدم توفر الظروف المناسبة لأطلاق أي حكومة، حيث في الأحوال الاقل توترا يستغرق انطلاق الحكومة اشهرا طويلة للتوصل الى تسوية هادئة لا تستمر طويلا ولا ينفذ من برنامجها شيئا يذكر، فكيف في المهام المطروحة حاليا.

        ثمة من يعلق آمالا كبيرة على ظروف تدويل الأزمة اللبنانية الحالية للتوصل الى قواعد مقبولة، لكن التدقيق في محطات تاريخ لبنان السياسي المعاصر يوضح العديد من أنماط التدويل التي لم تتمكن أي منها في الاسهام في حل متدني الكلفة، ذلك بالنظر لطبيعة التركيبة الاجتماعية اللبنانية التي يسهل الاستثمار فيها لتعطيل الحلول وهذا ما يتوقع ان يحصل حاليا.

       صحيح ان الضغط الخارجي وبخاصة الفرنسي سيكون كبيرا على الاطراف اللبنانية للتوصل الى صيغة ما، لكن القياس على التجارب السابقة غير مشجعة بالمطلق، فمن السهل على أي طرف الاستقواء بطرف خارجي لتعطيل أي حل ممكن، وبالتالي ذهاب الامور الى أماكن اكثر حساسية واكثر احتمالية للتفجير. وهو امر اعتادت عليه الاطراف اللبنانية كما الأطراف الخارجية التي ترعاها وتدعمها.

      في المحصلة ثمة ضرورة لإعادة هيكلة النظام السياسي الدستوري في لبنان وفق ترتيبات واتفاقات ترعى الكثير من المتغيرات الحاصلة حاليا، لكن القضية تكمن في اتاحة المجال للدور الفرنسي الذي يعتبر منافسا للدور الامريكي، فهل ستسمح هذه الأخيرة لباريس الذهاب بعيدا في الحلول اللبنانية التي ستطرح، ربما تكون مصلحة الرئيس الاميركي دونالد ترامب المناورة في الشأن اللبناني من خلال الدور الفرنسي في هذه المرحلة قبل الانتخابات الرئاسية.

      ثمة ظروف ضاغطة جدا سيمر بها لبنان في الأشهر القادمة، وسط فراغ حكومي سيطول زمنه وستشتد تداعياته الداخلية، حيث الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في أسوأ صورها ، بطالة وفقر وعوز لم يشهده لبنان في تاريخه المعاصر، اليوم يحتاج لبنان الى تضافر جهود دولية ومحلية كبيرة جدا للوصول الى بر الأمان فهل سيتمكن من ذلك، كل الآمال المعلقة حاليا على الدعم الدولي الذي يبدو مشروطا ، وليس للبنان هذه المرة التفلت من هذه الشروط التي تبدو محقة في بعضها وبخاصة ما يتعلق بالإصلاحات.