23‏/03‏/2025

 

لبنان والارتطام الأخير

د.خليل حسين

رئيس قسم العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية

16-10-2021

       ربما قدر لبنان ان يتلقى ودون انقطاع ، الصدمات ذات الطابع المكلف في شتى المجالات وفي طليعتها وحدته الوطنية، صحيح ان ما جرى مؤخرا ليست سابقة في تاريخه المعاصر، الا ان حجم الشرخ ودلالاته وتداعياته ستكون مكلفة جدا وتهدد أسس الكيان التي باتت أصلا في وضع حرج ، بعد سلسلة التحلل التي طالت مختلف القطاعات الرئيسة في الدولة.

       سجل لبنان اليوم آخر الارتطامات النوعية، بحيث يصعب إعادة الترميم والبناء من جديد، فمؤسسات الدولة بشكل عام تترنح تحت وطأة عوز وطني موصوف، في وقت باتت مختلف اطيافه السياسية والاجتماعية تعيش حالة انفصام سياسي عن واقع يحتاج الكثير ،  طلاق سياسي وصل الى المؤسسات الدستورية ، في وقت تبدو الحاجة ماسة لتعاون مدروس يبقي حدا ادنى من مظاهر السلطة والدولة، فما تبقى من دولة تنتظر ظروفا قاسية وصعبة في القادم من الأيام، حيث تلوح في الأفق ازمة حكم وحكومة، على قاعدة انقسام عامودي حاد، لن يكون بمقدارها مواجهتها او حتى التكيف معها ، كما كان يحصل سابقا،  فثمة قضايا تتطلب مواقف تتصف بعناية فائقة وهو امر غير متوفر بحسب ما يظهر من مواقف حادة تنذر بشر مستطير، وسط استحقاقات دستورية داهمة لا مجال للمناورة فيها ، لضيق الوقت وحجم التناقضات والتباينات الهائلة.

          ولا يقتصر الامر على التكوين البنيوي للسلطة والدولة، بل يمتد الامر الى الواقع الاقتصادي والاجتماعي الذي دخل عين العاصفة، فثمة انهيار اقتصادي مالي غير مسبوق لا لبنانيا ولا في غيره من الدول، انهيار للعملة الوطنية وفقدان العملات الأجنبية التي تشكل ركنا أساسيا في تأمين الحاجات الاجتماعية  الأساسية، في ظل عجز كامل في القدرة للتعاطي مع الواقع المأساوي، وفي سياق فشل متتالي في استغلال الفرص المتاحة نسبيا من المؤسسات المالية الدولية لإعادة ضخ بعض اوجه الحياة الاقتصادية، المتصل أساسا بمطالب الإصلاح التي تتطلب بدورها توافقا غير متوفر، والأمر الأخطر من ذلك اذا تكررت سوابق المقاطعة والاعتكاف الحكومي ، وما يمكن ان ترتبه من حالات شد وجذب بين السلطات الدستورية الأخرى الدائمة التأهب لحالات الاستقطاب المتصل بخلافات لا حل لها.

         ولكي تكتمل صورة الواقع اللبناني المأساوي، زُجت مختلف التشكيلات الاجتماعية في فقر وعوز غير مسبوق، حيث الفقر المدقع تجاوز نسبا خيالية يكاد يمكن وصفها، ان لا احدا في لبنان قادر على تأمين ليس الحد الأدنى، انما أبسط متطلبات الحياة اليومية. ثمة طوابير مختلفة الأنواع تشاهد يوميا وفي كل المناطق، تبدأ على محطات الوقود ، ولا تنتهي بالأفران ولا  محطات المياه او غيرها من السلع الحيوية. كل ذلك يترافق مع مظاهر تفكك اسري واجتماعي خطير ، في الكثير من حالات التحلل الاجتماعي ذات الطابع السلوكي الخطير، كحالات القتل والسلب والتفلت  القيمي الذي ينذر بأبشع أنواع صور التفجر الاجتماعي.

        التداعيات الأخطر لهذه المظاهر السيئة جدا، تظهر في السلوك الجمعي للبنانيين، حيث تشكل الهجرة حالة تلبس عقلي وسلوكي لدى اللبنانيين، حيث الطلب على جوازات السفر بشكل غير مسبوق، إضافة الى محاولات الهجرة وان كانت غير شرعية ومحاطة بمخاطر محققة، حيث تبرر هذه المظاهر من قبل أصحابها، انه لن نواجه اقسى وابشع واخطر مما نحن فيه. فالتدقيق في ارقام (الهاربين) من الجحيم تشكل أرقاما مهولة تمس الواقع السكاني والديموغرافي للبنانيين الذي افتقد أساسا الكثير من مقوماته الأساسية.

        لبنان اليوم يقبع في عين العاصفة، بعد ارتطام سياسي واقتصادي واجتماعي لا وصف له، وهو يتطلب معجزات في عصر لا وجود لها، الكل لديه اهتماماته ومتطلباته ومصالحه، في وقت يحتاج لبنان لعناية مركزة غير قابلة للتحقق، فلبنان فقد دوره فعليا وواقعيا، ولإيجاد دور ما يعيده الى المجتمع الدولي يتطلب الكثير الكثير داخليا وإقليميا ودوليا، في وقت يتهيأ بنوه لحفلة صدام اهلي سيمتد كثيرا، بعد سلم اهلي بارد لم يُبن وطنا ولا سلطة .