25‏/01‏/2011

قوى 14 آذار ولعبة الشارع مجددا

قوى 14 آذار ولعبة الشارع مجددا
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة البناء اللبنانية بتاريخ 27-1-2011
أما وقد اختارت قوى 14 آذار لعبة الشارع مجددا وبإضافات نوعية ليست بالضرورة جديدة ،عمادها الحقن المذهبي والطائفي في الشارع ،فذلك يعني أقله عدم اعتراف بتراجع مشروعها ومشروع من ترتبط به إقليميا ودوليا.وإذا كان بالإمكان القول أنها تعيد إنتاج تجارب وأوهام سبق ان اختبرتها فشلا،فان بخياراتها هذه ستجر قواها السياسية وربما الشعبية إلى أماكن لم تكن يوما قادرة على جني المكاسب السياسية ولا حتى الشعبية أو المذهبية التي تتلطى وراءها.
في شباط 2005 جرّت هذه القوى لبنان وبعض شعبه إلى أتون انقسام لم يمر لبنان فيه يوما بهذا الحجم، رغم فظاعة ما مرَّ به من انقسامات على مدى عقود مضت. واليوم تجرّب ما جرّبته وبغطاءات مذهبية ،على قاعدة الدفاع عن منصب رئاسة الحكومة معتبرة إياه هو حصرا بعائلة في هذا المذهب،وكل ما ينافسها خارج عن الدين والوطنية والقومية،بل هو كافر وجاحد ومرتد ينبغي تحليل دمه.
لعبة الشارع اليوم هي مختلفة تماما عما سبقتها، في الماضي القريب أنزلت جحافلها المضَّللة على قاعدة الاتهام السياسي لسوريا باغتيال الحريري، ثم عاد ونفاه ولي الدم بعد خراب البصرة اذا جاز التعبير! واليوم تحاول هذه الفئة نفسها إلصاق التهمة تحديدا بـ "المقاومة" وليس بحزب أو جماعة أو غيره من التوصيفات،لأن المقاومة هي المعنية وهي التي تضرب على اليد التي تؤلم إسرائيل ومن يدعمها إقليميا ودوليا ولسنا محرجين اذا قلنا محليا.
اليوم ومن عاصمة العروبة بيروت،ومن عرين العروبة طرابلس، تطل علينا أصوات خاوية لا طعم ولا لون لها سوى أبواق تردد ما تتمناه أو ما تحاول فرضه واشنطن وتل أبيب، والمفارقة الغريبة العجيبة ان نبرتها وأسلوبها ومصطلحاتها تفوق وتتفوق على أصوات محركيها،وكأنها تؤكد جدارتها وكفاءتها لاستجداء اعتماد جديد لها في هذه المرحلة التي تشهد هذه القوى الخارجية الكبرى تراجعات موصوفة في المنطقة.
اليوم قوى 14 آذار تحج والناس راجعة، تلهث وراء مشروع شرق أوسط جديد تحاول إحياءه أميركا بشعارات برّاقة طنانة،من وراء ثورات مخملية تطيح برؤساء دول وتبقي رموز أنظمتها.وكأنها تخال ان القوى الكبرى لم يعد لديها من اهتمام سوى بشجيرات أرز تحاول نسج انتفاضات عليها لتغيير وقائع باتت من الماضي.
نزلت قوى 14 آذار أو بالأحرى أنزلت في توقيت أمريكي واضح وبالتحديد على عقارب ساعة بلمار وفرانسين علَّ الوقت المستقطع بين صدور القرار والإعلان عنه يكون مناسبة شد وجذب لإجراء أوسع عمليات البيع والشراء بدءا من المحكمة نفسها وقراراتها مرورا بصفقات الداخل اللبناني بمتفرعاته السياسية والاقتصادية والأمنية،وهذا ما كان أصلا يفاوض عليه رموزها في معرض التسويات العربية والدولية الأسبوع الماضي وبتوقيع وربما ببصمة للتأكيد ،باعتبار ان الثقة بتوقيعاته السابقة باتت معدومة تماما.
ماذا تريد قوى 14 آذار من هبّتها الشوارعية الآن، الاعتراض على استشارات نيابية ملزمة كانت هي من تطالب وتتمسك بها وعندما باتت ليست بمصلحتها اعترضت عليها بالصور الحضارية التي تدعي لبوسها بالتعدي على الناس وممتلكاتها؟ ماذا تريد هذه القوى هل إشعال البلد بأتون حروب مذهبية لا يدري أحد نهايتها ونتائجها وتداعياتها ليس على لبنان فقط بل حتى على الأنظمة التي تموّلها؟ إلا تريد هذه القوى الاتعاظ من خطايا الماضي وتداعياتها عليها قبل غيرها؟ إلى أين تسير بلبنان في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ منطقة تعج فيها الأزمات وأسباب الانفجارات القابلة للاشتعال في كل لحظة ولأي سبب كان؟.
يحدثونك عن السيادة والحرية والاستقلال،وهم من استجدى قوى كثيرة في العام 2006 لضرب مقاومة كانت تدافع عن شعاراتهم،يحدثونك عن الحقيقة وهم يفاوضون عليها لحفظ ماء الوجه السياسي لكثير من رموزهم اذا ما بقيَّ ماء لهذه الوجوه.
في لبنان لعبة الشارع لعبة لا أحد قادر على ضبطها في ظل قيادات متهورة متهالكة، لا تعرف ماذا تفعل،أو بالأحرى تغمض أعينها عن حقيقة ماذا تفعل. لعبة الشارع في لبنان يمكن ان تطيح برموز من يحركها في النهاية قبل ان تحقق هذه القيادات أهدافها وغاياتها.فهل تعلم؟
في العام 1992 أسقطت حكومة الرئيس عمر كرامي بثورة الدواليب المشهورة على قاعدة احتجاجات غلاء الأسعار وارتفاع الدولار وكان من وراءها هم أنفسهم من كان وراء الأزمة،فنال عقابا على عمل لم يقم به بل سددها من افتعل الأزمة وركب موجتها. وفي العام 2005 اسقط عمر كرامي على وقع ضغط الشارع بذريعة اغتيال الحريري. واليوم الفئة نفسها وقفت بوجه الرئيس ميقاتي التي ارتضت به رئيسا للحكومة خلفا لكرامي في العام 2005.
فعلا انه أمر عجيب،ففي الوقت الذي كانت فيه المعارضة قادرة على الإتيان برئيس حكومة تحدّي من العيار الثقيل، لم تفعل ذلك للعديد من الاعتبارات،وفضّلت مرشح تسوية وسطي ،سرعان ما خلعت عليه قوى 14 آذار صفة مرشح حزب الله، وعلى قاعدة "يا غيرة الدين" فعلت فعلتها وأنزلت بالمغرر بهم لديها وقودا لتحقيق مكاسب شخصية عائلية فئوية.
اذا كان هذا التحرك تعبيرا عن رد فعل ما ليس إلا،أو إفساحا في المجال للتعبير عن مشاعر فئة مضَّللة ،فهذا أمر متعارف عليه في السياسة وفي لعبة الشارع أيضا.أما اذا كان الأمر يتعدّى ذلك إلى أجندات أوسع وأكبر من ذلك فللكلام معنى آخر. عندها فعلا على المعارضة ان تمتلك الجرأة الأدبية والأخلاقية لاستلام فعلي للسلطة،لأن ثمة فئتين من اللبنانيين هم بطبيعة الأمر خاسرون، جماهير المعارضة والموالاة أيضا،وعندها سيكون الحِمل مضاعفا والمسؤوليات أكبر.فهل المعارضة قادرة على اتخاذ قرارها التاريخي كما تحلى جنبلاط بالجرأة المطلوبة؟ربما أسئلة كثيرة تنتظر القادم من الأيام.