10‏/01‏/2011

نفط لبنان إلى ماء وغازه إلى هواء

نفط لبنان إلى ماء وغازه إلى هواء
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفةالخليج الاماراتية بتاريخ 11-1-2011
بين النعمة والنقمة يُبحر لبنان في بحر من النفط يمكن ان يغير مساره الاقتصادي والاجتماعي الذي يتخبط به منذ عقدين ونيف من الزمن.ديون خارجية تجاوزت فوائدها السنوية قدرته على سدادها دون عقبات ضرائبية ،علاوة على مصاعب اقتصادية ومالية بنيوية,وبين تلك الأزمات المتلاحقة استقالت الدولة من وظائفها المفترضة بانتظار عودة انطلاق حكومة دخلت غيبوبة سياسية لن تنجو منها في ظل الحراك السياسي الداخلي غير المريح.
منذ خمسينات القرن الماضي علق لبنان آمالا على تقارير ودراسات متصلة بنفط وغاز على شواطئه وبحره الإقليمي ومنطقته الاقتصادية الخالصة،وفجأة ما كانت ملفات هذا الموضوع تُغلق دون سبب واضح أو حتى مقنع،وفي نفس الوقت كانت تُعاد إحياء هذه الملفات بين فترة وفترة وبخاصة عند ازدهار مشاريع السلام في المنطقة،وكأن ثمة ربط مباشر بين إمكانية استغلال موارده ومشاريع التسوية التذكيرية.
لكن المشكلة ليست فقط بالظروف الموضوعية التي تحيط بلبنان رغم ضخامة حجمها ومؤثراتها،إذ ان التجاذب الداخلي اللبناني الذي يصل في كثير من الأحيان إلى حالات صدامية،امتد هذه الإثناء إلى ملفات ومواضيع تطال بنيانه وكيانه، ومن بينها النفط والغاز المكتشف في شرقي البحر المتوسط والتي تتشارك به أكثر من دولة من بينها لبنان وإسرائيل.
تشابك وتداخل حقول النفط والغاز البحرية، يشكلان عقبات إضافية للبنان. لجهة تهيئة البيئة القانونية والسياسية لاستغلال هذه الموارد ،علاوة على إيجاد البيئة الخارجية لتحقيق ذلك،وسط قراءة إسرائيلية تبدو شديدة الوضوح لجهة عرقلة استفادة لبنان من موارده بل وصولا إلى نفي أحقية لبنان بذلك على قاعدة الحدود البحرية التي إقامتها إسرائيل من جهة واحدة وفي طليعتها مع قبرص اليونانية،ومد اليد على مناطق بحرية لبنانية ذات صلة بهذه الموارد. فإسرائيل التي بدأت ترتيب ملفاتها عمليا وبشكل تنفيذي منذ العام 2002 لجهة ترسيم حدودها البحرية بمعزل عن لبنان، كما استفادت من ملفات الدراسات وصولا إلى بدء التنقيب وهي على قاب قوسين من بدء الإنتاج الفعلي.
وإذا كانت إسرائيل قد سبقت لبنان أقله بثماني سنوات،فلبنان يجهد ويجاهد على ما يبدو لتأجيل هذه الملفات بعكس ما هو مفروض.فعلى سبيل المثال رغم تأخره في إنجاز قانون النفط إلى ستة اشهر خلت، يبدو ان أمر تنفيذه معطل بفعل عدم إصدار المراسيم التنظيمية من الحكومة،ويبدو ان الأمر مرتبط أيضا وكالعادة بجملة المقايضات التي تجريها الأطراف السياسية الداخلية اللبنانية. فالخلاف بدأ منذ الأساس على خلفية عدم الاتفاق على الهيئة التي ستتابع هذا الملف وتديره،حيث طفا على سطح الخلافات اللبنانية المعتادة على خلفية من سيتولى الأمر والنهي في الهيئة وحجم الحصص على ما يبدو في إدارتها. وبين خلافات الطوائف تلعب إسرائيل براحة تامة في تسيير ملف النفط والغاز وفق قراءتها الخاصة.
والمضحك المبكي في موارد لبنان وأساليب إدارته،أنه من أوائل الدول التي تسجل سوابق غير مستفادة ،عبر قدرته المستمرة عبر طوائفه وأحزابه على تعطيل أي مشروع ذات بعد وطني قومي استراتيجي.فملف المياه على سبيل المثال الذي شكَّل عنصرا حيويا في صراعه مع إسرائيل لم يتمكن من حسمه وظلت مياهه تذهب هدرا إلى البحر،والمحاولة الوحيدة التي حاول المضي بها في العام 1964 بخصوص تحويل مياه الحاصباني، أجهضتها إسرائيل بنسف المنشآت الممولة من قبل جامعة الدول العربية وفقا لمعادة الدفاع المشترك.
اليوم،ظروف لبنان مختلفة ،كما ظروف العرب وجامعتهم.وعلى قاعدة يا رب نفسي، يتعرّض لبنان حاليا لمجمل تحدّيات تحاكي كيانه ووجوده، ويبدو انه عاجز أيضا عن تخطي هذه التحديات الاستثمارية المصيرية بالنسبة له. فإذا ما ظلت أوضاعه المالية والاقتصادية على ما هي عليه، ثمة مشكلة كبيرة متصلة بقدرته على سداد فوائد ديونه الخارجية والداخلية،وبالتالي دخوله في نفق أزمات مختلفة.
ثمة إشاعات سرت منذ بداية عقد تسعينيات القرن الماضي،وفيها الشيء الكثير من الصحة، مفادها ان أيا من الدول والأزمات المتلاحقة على لبنان لم تتمكن من تطويعه لقبول حلول لمشاكل إقليمية، وبنظر هذه الدول نفسها،ان التطويع المفترض قابل للتحقيق من بوابة المال والاقتصاد الذي يتغنى به اللبنانيون، عبر إغراقه بالديون وفرض الملفات السياسية والأمنية المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي وفي طليعتها التوطين.وأيضا ثمة من ربط ويربط بين السماح باستغلال موارده وموافقته على مجمل ملفات المنطقة.
كثير من الملفات التي تخبّط بها لبنان، ولم يتمكّن من الخروج بمكاسب واضحة منها،ويأتي ملف النفط والغاز اليوم، ليضع موارده في مجال النقمة لا النعمة،وبالتأكيد اذا ما استمرت أوضاعه الداخلية على هذا المنوال،فسيتحوّل نفطه إلى ماء ، وغازه إلى هواء.