01‏/01‏/2011

عامان على محرقة غزة .. ما الجديد؟

عامان على محرقة غزة .. ما الجديد؟
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الإماراتية بتاريخ 1-1-2011
قبل عامين أطلقت إسرائيل ما أسمته عملية الرصاص المسكوب لتنفذ محرقة القرن العشرين بحق الفلسطينيين في غزة،واليوم تعيد حياكة نفس الظروف والوقائع وكأنها تحاول استنساخ المبررات نفسها لترجمة ما تخفيه ظاهرا وما تضمره باطنا.عمليات عسكرية ذات طابع نوعي استفزازي،مترافقة مع تهديدات علنية بأبعاد متعددة، فما الذي تغيّر منذ سنتين؟وما هي المستجدات؟ وبالتالي هل تكوَّنت المبررات والأسباب للانطلاق في مغامرة جديدة خلال الفترة القادمة؟.ثمة العديد من المظاهر وان تشابهت في الزمان والمكان، إلا ان ذلك لا يعني بالضرورة ان إسرائيل طليقة اليدين تماما لتفعل ما فعلته في السابق للعديد من الاعتبارات والحسابات.
بعد سنتين،ثمة سابقة كرّستها مقاومة حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى في غزة ،وهي قدرتها على تبديد ما حاولت إسرائيل ان تسميه انتصارا في عملية الرصاص المسكوب.فقد انتزعت حماس تقرير غولدستون الذي يشكل سابقة قانونية فلسطينية في مواجهة إسرائيل وبخاصة من مجلس حقوق الإنسان الذي بدا وكأنه تحديا لانطلاقته وفعالية عمله.علاوة على تشكيله فخا يمكن البناء عليه للتشكيك بشرعية الكيان المغتصب لفلسطين. وفي موازاة ذلك أيضا تمكّنت حكومة حماس ولو في وضعها الحالي من انتزاع الإقرار الإسرائيلي بفشل عمليتها بأهدافها العسكرية والسياسية، بعدما ارتأت إسرائيل بأن ترقى بمجريات أحداثها كتعويض عن صفعتها غير المسبوقة في عدوانها ضد حزب الله في لبنان العام 2006. ما يعني ان إسرائيل يلزمها الكثير لترميم صورتها المادية والمعنوية في الداخل الإسرائيلي قبل قيامها بأي تحرك لاحق لمواجهة حماس وغيرها في قطاع غزة.
في نفس السياق ،ثمة تقدير إسرائيلي متزايد بأن أي عملية ذات أهداف وازنة في قطاع غزة، لن يكون منفردا في الوقت الراهن،باعتبار ان ظروفا مستجدة يمكن أن تربط وضع غزة بغيرها من المواقع الأخرى وفي طليعتها الحدود اللبنانية ،وبالتالي إمكانية اشتراك حزب الله في المعارك بخلاف الأمر قبل عامين.علاوة على ذلك ان نوعية التسلح والتدريبات التي تقوم بها حماس في قطاع غزة ذات أبعاد نوعية لجهة السلاح الذي تمكّنت من امتلاكه مؤخرا وبخاصة صواريخ كورنيت وغيرها،وهذا ما اعترفت به إسرائيل وكأنه إقرار غير مباشر بنوع من توازن الرعب ولو في حدود ضيّقة لكنها فعالة بالنظر لطبيعة المعارك المرشح انطلاقها في حال أقدمت إسرائيل عليها.
في مقابل ذلك،ثمة وقائع من الصعب تجاهلها والتي يمكن ان ـاخذ الأمور في اتجاهات مختلفة ومن بينها إقدام إسرائيل على تفجير الأوضاع في محاولة لكسر حالة الستاتيكو القائم والذي يبدو لغير مصلحتها؛ومن بين تلك المؤشرات طبيعة السلوك السياسي للحكومة الإسرائيلية ورموزها بدءا من رئيسها بنيامين نتنياهو،وانتهاء بأفيغدور ليبرمان اللذان يمثلان حالة الغرور والنزعة التفوقية في الذاكرة الجماعية الإسرائيلية.وفي أمر متصل أيضا بالحالة الحكومية ، قبل سنتين كان ايهود اولمرت يقود حكومة تبجحت بالبحث عن طرق السلام مع الفلسطينيين كما مع السوريين عبر تركيا،وفي نهاية المطاف نفذت محرقة غزة دون وازع أو رادع من التجارب السابقة،فكيف بحكومة يقودها رموز التطرف اليميني الذي أدمن الهروب نحو الحروب والمجازر والمحارق.
وفي نفس السياق أيضا، ثمة متغيّرات مرتبطة بالوضع اللبناني وما يواجه به حزب الله في لبنان على قاعدة المحكمة الخاصة بلبنان، وما يعنيه هذا الاتهام من تزايد الضغط الخارجي والداخلي الذي يجعل التفكير بالانجرار إلى المواجهة مع إسرائيل من الخيارات القابلة للتنفيذ أكثر من غيرها للعديد من الاعتبارات الداخلية اللبنانية والخارجية الإقليمية والعربية. وبخاصة بعد التصريحات الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية بأن المنطقة لن تكون هادئة في العام 2011،ومنها من رجحت اشتعال حرب إقليمية لن تكون سوريا وإيران بعيدتين عنها.
في الثوابت الإسرائيلية غير القابلة للكسر،الهروب إلى الأمام بعد التسلح بظاهر السلام وإفشالها له، عماده صناعة دقيقة لظروف الحرب بصرف النظر عن نتائجها ومآلاتها وتداعياتها.قبل كانون الأول 2008 أجهضت إسرائيل مناخات السلام التي حاولت واشنطن إطلاقها في ظل وصول الديمقراطيين للسلطة. وقبل 2011 أنعشت إسرائيل ظروف الاستيطان وأعدمت محادثات السلام مع الفلسطينيين، فهل هيأت لما تضمره في العام 2011؟ ان الرجوع للسوابق الإسرائيلية لا تبقي ادني شك بأنها أنهت حياكة الظروف ، وبدأت بتطريز المواقف،ولم يبق سوى زخرفة التنفيذ.
في الحروب النظامية التي تقودها الدول،تذهب الجيوش وقادتها إلى ساحات الحرب وفي عقلها الباطني صورا للنصر الذي ينتظرها. بينما الدروس المستفادة من تجارب المقاومة في صولاتها وجولاتها صورا أخرى تقض مضاجع السياسيين والعسكريين في آن معا.ان تجربتي إسرائيل في العام 2006 في لبنان و 2008 في غزة تؤكد هذه النظرية فهل يعلم العرب قبل الإسرائيليين ذلك؟ ثمة موعدان داهمان ذات صلة ،مفاوضات الكعكة الصفراء في اسطنبول،وقرار المحكمة الخاصة في لبنان ،فكيف ستقرأهما إسرائيل ؟ هل ستأخذ بالنصيحة الأمريكية التي أطلقها جيفري فيلتمن،بالانتظار ومشاهدة ما يجري،أم سيكون لها قراءتها المختلفة؟ لقد عوّدت إسرائيل أميركا وغيرها بأن لها قراءتها وحساباتها الخاصتين بصرف النظر عن أي معطى آخر.