04‏/03‏/2011

احتلال ليبيا بالقرار 1970

احتلال ليبيا بالقرار 1970 د.خليل حسين أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية نشر في صحيفة الخليج الإماراتية في 4/3/2011 http://www.alkhaleej.ae/portal/9bb7b822-a17d-4817-a443-22b723c421f9.aspx www.drkhalilhussein.blogspot.com يبدو ان القرار 1970 الصادر عن مجلس الأمن وفقا للفصل السابع سيشكل منعطفا جديدا في السياسات الدولية نحو الشرق الأوسط، وليس لليبيا وحدها.فعلى الرغم من ظاهر النص وموضوعه المتعلق بالنظام السياسي في ليبيا ومن يديره،فإن المبطن فيه هو أخطر بكثير من المعلن . في أساس القرار وهو بطبيعته القانونية ملزم لكافة الدول تطبيقا وتنفيذا، بدءا من الحصار وصولا إلى استعمال القوة العسكرية.وبالتالي لا مفر ولا مناص من الولوج فيه بخاصة ان ثمّة إجماعا عليه،ويأتي في سياق الضغوط الإعلامية والشعبية العربية والغربية ضمن الحراك الحاصل في ليبيا. في موضوع النص،وهو ليس بسابقة لا بالنسبة لليبيا ولا لغيرها من الدول العربية.فالسودان سبقها إلى ذلك، كما ان ليبيا نفسها عانت سنوات طويلة من حصار اقتصادي كبير نتيجة قرارات دولية سابقة على قاعدة قضية طائرة لوكربي، إضافة إلى مسائل متعلقة بسلوكيات النظام السياسي تجاه العديد من القضايا الإقليمية والدولية،وفي مجمل الأمور كانت تداعيات الحصار ليس على النظام كما هدفت القرارات بل كانت معاناة الشعب هي الواضحة في كثير من الجوانب والمسائل. كما ان تجميد الأموال للعقيد القذافي وأسرته وأركان النظام ،ليس بموضوع جديد لا بالنسبة لليبيا ولا لغيرها من الدول،وفي مطلق الأحوال تمكّنت الدول التي تعرّضت لمثل تلك العقوبات من التفلت منها بطريقة أو بأخرى عبر شبكة علاقات تجارية دولية كنموذج العراق وسوريا سابقا وإيران والسودان حاليا. الجديد بالنسبة لليبيا تحرّك مجلس الأمن عبر قراره 1970 لإحالة من تسبَّب في مجازر جماعية وإبادات "ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية"،وبالتالي إحالة الموضوع إلى المحكمة الجنائية الدولية.والتي سيكون للمدعي العام دور أساسي في تركيب البيئة القانونية لإطلاق المحاكة،مع ما يعني هذا الاسم للعرب جميعا أنظمة وجماهير ربطا بقضية الرئيس السوداني حسن البشير وما جرى فيها من مساومات أدت اقلها إلى انفصال جنوب السودان وما سيتركه من تداعيات لاحقة، علاوة على المحكمة الخاصة بلبنان وما فعلت به،وان كانت من فئة المحاكم الدولية المختلطة. إضافة إلى ذلك ثمّة حصار اقتصادي وإمكانية إنشاء مناطق محظورة على غرار ما حصل في العراق قبل غزوه في العام 2003 بحجة حماية الأكراد في الشمال والشيعة في الجنوب، ومعنّوناً بشعار النفط مقابل الغذاء. في أوجه كثيرة يتشابه الوضع الليبي بالعراقي ،وثمّة من يحيك شِباكاً غير بريئة في المنطقة وبالتحديد من قبل الولايات المتحدة الأمريكية،التي أعلنت وزيرة خارجيتها، هيلاري كيلنتون بأن بلادها تنسّق مع قوى المعارضة الليبية حاليا،وهو المدخل القابل للحياة لتأجيج الفوضى الخلاقة،"الإستراتيجية الأمريكية" التي لا زالت صالحة بالنسبة إليها،وبالتالي إعادة احتواء الثورات ومنها الليبية ، عبر تدخّل عسكري هدفه المعلن حماية الشعب الليبي من النظام ،وباطنه أهداف ذات إبعاد ليبية وعربية أخرى. فماذا في الأهداف الأخرى؟ انطلق الحراك العربي من تونس وقفز فوق ليبيا ليستقر في مصر. في وقت تشتعل ساحات عربية أخرى.استقالت حكومة الغنوشي التونسية تحت ضغط الحراك الشعبي، وحكومة شفيق المصرية تترنح بدورها، ثورتان أسستا لحراك عربي واعد،في ظل عدم قدرة واشنطن على الحد من اندفاعتهما وتأثيراتهما،وبالتالي عدم قدرتها حاليا على احتواء أي حراك عربي بما فيه التونسي والمصري. حجر الرحى الإقليمي في مصر وليس في أي مكان آخر، وان ما يخفيه القرار 1970 هو التدخّل الدولي في ليبيا مستقبلا، لا لحماية الشعب الليبي، بل ليكون التدخّل ملاصقا لمصر ، القوة التي تخيف الغرب و"إسرائيل" اذا ما اتجهت بغير الوجهة الحالية. ثمّة ثورة مصرية حقيقية تكاد تبلور مواقفها الداخلية ومواقعها الإقليمية، ما يستدعي لجمها واحتوائها وربما يكون القرار 1970 أحد وسائله الرئيسية مستقبلا عبر قوة دولية في خاصرتها الغربية الرخوة، إضافة إلى الخاصرة الجنوبية المجروحة بانفصال جنوب السودان وبقرار ومحكمة دوليتين. طبعا ثمة صور مخيفة يندى لها جبين الانساية في ليبيا، وتستحق أكثر من تدخل لإيقافها،لكن وبحسب السوابق الدولية ذات الصلة،هو من نوع الكلام الحق الذي يراد به باطل.فلا التدخل في العراق كان لحماية العراقيين بأكثر من الضغط على الدول المجاورة، ولا التدخل في السودان كان لحماية دارفور بل لهز العصا للبشير،ولم يكن التدخل في الصومال لنقله إلى مصاف الدول الراقية بل زاده التدخل تمزقا وحروبا وضياعا. في كل القضايا والمناطق وبخاصة العربية،استأسد مجلس الأمن في إصدار قرارات من فصيلة الفصل السابع، فيما أصيب بالحوّل السياسي في القضايا المتعلقة بمجازر "إسرائيل" ضد العرب عامة والفلسطينيين خاصة. كل يوم ثمة جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم إرهاب وجرائم عدوان، باختصار جميع العناوين التي يمكن للمحكمة الجنائية الدولية التحرّك بموجبها متوفرة، فلا حياة لمن تنادي،فيما مجلس حقوق الإنسان التابع للجمعية العامة،لا يكاد يلفظ حكما إلا ليعود ليبلع قراره ولسانه معا. نعاني نحن العرب الكثير من الاكتئاب السياسي الذي يستلزم الكثير من القرارات الداخلية الوطنية،نحن بحاجة للتغيّر ،وليس للتغيير بتحفيز من الخارج ودفعه. لسنا بحاجة إلى قرارات دولية تفصّل على مقاسات مصالح السياسات الدولية التي لم تحسب حسابا لنا يوما. عيبنا نحن العرب أننا لم نتعلم لا من تجاربنا ولا من تجارب غيرنا، نظل نتوسّل التدخل لحسم مشاكلنا وقضايانا.وعيب من يحكمنا عدم الاتعاظ من تجارب كثيرة سبقت،تُقدم التنازلات متأخرة وهي حق للشعوب وليست مِنَّة من أحد.وسفك الدماء أهون من التخلي عن المناصب، متى نعرف نحن العرب ان مصيرنا ومسارنا بين الأمم والشعوب مرهون بالديموقراطية الحقّة التي لم نتذوقها يوما،رغم أننا دفعنا أثمانا غالية لها وعليها.