13/03/2011
ثورات العرب الالكترونية وأحزابها
ثورات العرب الالكترونية وأحزابها د.خليل حسين أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 13-3-2011 في خمسينيات وستينيات القرن الماضي كان المد القومي العربي في ذروته،فكانت الأحزاب القومية المطعّمة بالفكر الاشتراكي،إلى جانب العديد من التيارات الفكرية – الحزبية تلعب دورا رئيسا في تأطير الجماهير بهدف أخذها إلى مواقع داعمة لهذه الأفكار والشعارات والتحركات أو تلك،.وعلى الرغم من جاذبية الشعارات وتأثر الجماهير العربية بها آنذاك،عانت هذه الأحزاب والحركات من بعض المصاعب الجدية في قدرتها على جذب الجماهير إليها،فجنّدت أخصائيين في الدعاية والإعلام، علاوة على الكثير من الوسائل لترويج أفكارها ومعتقداتها ووسائل عملها؛ ورغم ذلك لم تكن فاعلة بالمستوى المطلوب رغم ضخامة الجهود ،وضخامة الأعداد التي استهدفت بالمقارنة مع ما تمَّ التوصل إليه من أهداف محدَّدة تخص شعاراتها وطرق عملها. اليوم وبعد سلسلة الانهيارات المدويّة للأحزاب العربية بشكل عام، ثمّة ظاهرة تستحق التوقّف عندها ،وهي نشوء تجمّعات وشرائح اجتماعية مختلفة، لها وسائلها الخاصة في الاتصال وحتى الإقناع حول شعارات متعددة، ربما الكثير منها محق ويستوجب المضي فيه للتحقيق. وجل هذه الحركات أينما وجدت في الساحات العربية استعملت المواقع الالكترونية الاجتماعية كوسيلة للتواصل ونقل الأفكار وصولا إلى أساليب التحرك وطرقه لإسماع الصوت،وصولا إلى التغيير الذي عجزت عنه أحزاب ضربت أرقاما قياسية في تواجدها في السلطة أو المعارضة، ولم تتمكن من تحقيق شيء يذكر لجماهيرها التي اعتقدت بها عفوا أو عنوة خلال تلك الفترات الغابرة من تاريخها غير المضيء. فما السر في ذلك؟ وأين تكمن المشكلة اذا كانت هذه الظاهرة مشكلة بحد ذاتها؟وهل من مستقبل لتلك الظاهرة في مسار التغيير؟ أم ان الواقع العربي بكل تفاصيله المملة يستلزم أطرا مستقبلية أخرى، للوصول إلى النتائج المبتغاة لهذا الحراك المحق؟. لا شك ان أزمة الحياة الحزبية العربية ان كانت حاكمة أو معارضة،هي أزمات من الصعب وصف الدواء لها للخروج منها،ذلك للعديد من الاعتبارات والأسباب، التي يأتي في طليعتها طريقة نظرة الإنسان العربي لهذه الأحزاب ووظيفتها أولا، وقدرته على التماهي معها بهدف تطويرها وتعديلها بما يتناسب مع متغيراته الكثيرة والمتسارعة.علاوة على الوقت الذي وصلت فيه هذه الأحزاب نفسها من فقدان الثقة بينها وبين ناسها،إذ أصبحت مجرد مطيّة لوصول النخب سياسية أو مالية أو اقتصادية أو... إلى السلطة وممارسة مجون التحكّم والحكم قي مجتمعاتها.إضافة إلى العورات التي لا تعد ولا تحصى في أساليب وطرق عملها المطلبية ان كانت في المعارضة،أو أساليب إدارتها للنظام ان كانت حاكمة. وفي كلتا الحالتين شكلت هذه الأحزاب مصدر خوف وقلق لمجتمعاتها بدل ان تكون مرتعا وملجأ لهم. ومن بين جملة من الأسباب الأخرى عدا الحزبية المتآكلة في مجتمعاتنا العربية، شكّلت الثورات التكنولوجية المتسارعة ومنها شبكات الاتصالات الدولية "الانترنت" وسيلة فعالة أولا للاتصال بين الناس أينما وجدت، علاوة على استعمالها كوسيلة للتعبير وإيصال الرأي الآخر إلى أكبر عدد ممكن ممن يهمه الأمر. وبذلك أصبحت دواءً للكرب والاكتئاب السياسي في طول مجتمعاتنا العربية وعرضها،نظرا للحرمان الذي خلقنا فيه وترعرعنا في ظله، ولا زلنا نعاني منه حتى في خلال ثوراتنا التي دفعتنا إليها التكنولوجيا لا أحزابنا التي علقنا عليها الآمال الكبار. طبعا الوسيلة تلك ليست عيبا ولا عارا علينا، وإنما ذلك على أحزابنا التي إدعت يوما قدرتها على التغيير بشعارات منمقة جذبت المثقفين قبل المساكين، فكانت النتيجة وبالا عليها وعلينا،حتى تمكّن الكثيرون من استحداث الطرق الناجعة للثورات والتغيير ؛فكانت صفحات "الفيس بوك" و"التويتر" وغيرها بمثابة الديموقراطية المركزية للأحزاب التي تدعي وصلا بالديموقراطية.كما كانت أقوى من جميع وسائل الإقناع والدعاية،حتى أن غوبلز لو تسنى له الإطلاع على هذه الوسيلة لرفع قبعته إعجابا وإيمانا بها. لكن الغرابة ليست هنا، الغرابة تكمن في نوعية الشعارات التي رُفعت، والتي أصبحت المُسيّر لملايين العرب في مشرقهم ومغربهم.فرغم أهمية الشعارات والمطالب المتصلة بالحقوق السياسية والاجتماعية المتعلقة بالديموقراطية وتداول السلطة وغيرها من الشعارات التي ينبغي ان تكون محققة في عالم القرن الواحد والعشرين. غابت عن الأجندات والشعارات قضايا ومسائل تتعلق بأساس وجودنا وكياننا وموقعنا بين الأمم والشعوب.ومن بينها الصراع العربي الإسرائيلي وملفاته مثلا. ربما ظروف الشباب العربي الذي كان حجر الرحى في الحراك العربي سببا لغياب تلك الشعارات والمطالب.فغالبيتهم العظمى طبعا ولدوا خارج عصر هذا الصراع وشعاراته المدوية، بل بعضهم ربما لا يعنيه هذا الأمر شيئا لعدم معرفته فيه أصلا. وهذا عيب آخر يُضاف إلى أحزابنا ومثقفينا. في أي حال، الحراك العربي انطلق ومن الصعب إيقافه من أي جهة كانت، لكن استمراريته الفعالة هي على المحك ،لجهة النتائج والأهداف،فهل ستتمكن الصفحات الاجتماعية على الانترنت مواصلة لعبها الدور المركزي في الحراك؟ وهل هي قادرة على توليف المواقف والشعارات وشحذ الهمم بدون برامج واضحة؟ انه أمر مشكوك به،فالأنظمة تعرف كيف تحتوي ثورات أبنائها، وتعرف كيف تحافظ على مصالحها عنوة أو سياسة ناعمة. بالأمس كان التغيير عبر الثورات ضربا من الخيال الشعبي والثوري، لكن اليوم ثمة وسائل متواضعة الكلفة فعلت فعلها في واقع كان بالأمس عصيّا على الإصلاح لا التغيير. فأين تنام أحزابنا وهل ستستيقظ من سباتها العميق؟ سؤال يصعب الإجابة عنه في ظل واقع حزبي عربي مهترئ غير قابل حتى لسماع الرأي الآخر،أو النقد الذاتي من ضمن صفوفه. ربما بات اليوم عصر المواقع الالكترونية، لا عصر الأحزاب التي أكلت نفسها وناسها معا.