05‏/03‏/2011

مقابلة مجلة شؤون الأوسط

ندوة العدد 138 ربيع 2011 من شؤون الأوسط د.خليل حسين أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي في الجامعة اللبنانية س - ما هي العوامل المختلفة التي أدت برأيكم إلى انفجار الشارع العربي ضد أنظمته؟ ج - باعتقادي ثمة العديد من الأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي لعبت دورا بارزا في الحراك العربي القائم في العديد من البلدان العربية.ومن الصعب بمكان حصر هذه الأسباب بجانب معيّن.إذ أن الشعوب العربية عاشت حالات تهميش واسعة في ظل أنظمتها،ما جعل هذه الشعوب تفتقر إلى الحد الأدنى المطلوب،وبات جلهم يعيش تحت خط الفقر.ففي الجانب السياسي ثمَّة اضمحلال سياسي واضح في بنية الأنظمة السياسية الدستورية،حيث غياب تداول السلطة وانفراد الحكام بالإمساك بمقدرات الدول،وصلت زمانيا ليلامس النصف قرن، وتكديس الأموال والثروات عبر سرقة موارد الشعوب وتكديسها في بنوك خارجية،تصل قيم أصولها واستثماراتها إلى آلاف المليارات من الدولارات.علاوة على ذلك، غياب الحريات العامة وأدنى الحقوق الطبيعية التي ينبغي ممارستها الإنسان في القرن الواحد والعشرين.ففي أحسن الأحوال ثمّة أنظمة توارث حكامها السلطة منذ بدايات القرن الماضي، وتحديدا بعد الحرب العالمية الأولى ،وان حصل بعض المتغيرات فيها في النصف الثاني من القرن الماضي،كانت تغيّرات شكلية لم تقدم أو تؤخر في حياة شعوبها.بل ان بعضها حكم شعوبها بشعارات وقضايا استهلكت القضية نفسها،وباتت بمثابة عدة شغل سياسية لا أكثر ولا أقل هدفها،الاستحواذ على الشرعية ولو بالقوة . وفي الجانب الاقتصادي ثمّة كلام آخر،موارد طبيعية تكاد تنفرد المنطقة العربية بين مناطق العالم بضخامة ما فيها من ثروات يصعب إيجاد البديل عنها، وبالتالي تشكيلها مصدرا هاما للاستهلاك الغربي قبل غيره،في المقابل شعوب تعيش على فتات هذه الثروات إذا وصل إليها من فتات.استثمارات أجنبية هائلة وصلت إلى حد النهب المنظم بوسائط خارجية وداخلية مقننة بقوانين وتشريعات تحافظ على الامتيازات وتجعل منها بيئة للمقايضة بين النظام وإمكانية استمراره. وفي الشق الاجتماعي،الحديث يطول بطول عمر هذه الأمة وضخامة قضاياها. اكتئاب اجتماعي وسياسي واضح في شرائح مجتمعات كانت تمثل يوما قمة التقدم العلمي والحضاري،فجعلها حكامها أثر بعد عين في سلم التقدم الحضاري بين شعوب العالم.فدبَّ الفقر بها،وعتّم الجهل عليها. لا يكاد يصرف في موازناتها على البحث العلمي أقل من عُشر من واحد بالألف،فعلا انه رقم مخيف ومعبِّر في آن معا.بطالة حقيقة ومقنّعة.عشرات المظاهر الاجتماعية التي لا تفسير لها سوى شعوب حكمت بكبت واضح لا مفر منه سوى بالثورة على الواقع الذي حكمها وتحكّم بها. س - هل ترون إمكانية لتغيير جذري في الاتجاهات العامة الأساسية التي كانت سائدة حتى اليوم ولا سيما على صعيد بناء نظام ديموقراطي واحترام الحريات الحقوق الأساسية للإنسان في الدول العربية؟ عملية التغيير في الواقع العربي أمر أكثر من مطلوب بل ضروري في واقع مزري يعبّر عن حياة خارج الجغرافيا والتاريخ في آن معا.وإذا كان التغيير مطلبا جماهيريا واضحا ،إلا انه يستلزم عناصر إضافية كثيرة لكي يكون التغيّر حقيقيا وفعالا ويعبر عن طموحات وآمال من يبحث عنه. في المبدأ،ان الشرط الأول هو متوفّر وهو الإحساس بضرورة التغيّر والتغيير،أي الشعور بمأساة الواقع الذي تعيش فيه الشعوب العربية. وثانيا التصميم والإرادة للتغيير.وثالثا وجود البيئة أو الوسيلة للتغيير.الاحساس والعور موجود كما التصميم والإرادة،لكن المتممات الأخرى اعقد بأنها غير متوفرة. ثمّة من يقول، ان إرادة الشعوب لا تحتاج إلى وسائل للتعبير،فهذا صحيح نسبيا،لكن الواقع الموجود حاليا في البلدان العربية هو أمر مختلف،سلطات حاكمة ومتحكمة تعرف كيف تتملص من وعودها ولها أساليبها وطرقها للالتفاف واحتواء شعارات الثورات.من هنا يبدو ان الأمر يستلزم أطر تنظيمية لإعادة إطلاق الشعارات بشكلها القابل للحياة والبناء عليها للتغير.بمعنى آخر ان افتقار مجتمعاتنا العربية إلى أحزاب معارضة قادرة على استيعاب مطالب جماهيرها عامل معوّق للتغير، وهذا لا يعني بالضرورة ان هذا الحراك العربي لن يصل إلى نتيجة ،إلا ان الأمر يستلزم مزيدا من الوقت لتبلور اوضاع نسمى تغييرية. ففي تونس ومصر واليمن وليبيا والجزائر حتى الآن لم يتغير الأمر بشكل جذري، بل كل ما كان الأمر هو معالجات تسكينية تقدمها السلطات القابضة على الحكم بحكم خوفها وتخوفها من إعادة إشعال الأوضاع بشكل غير قابل لاحتوائه. ان نظرتنا التشاؤمية،لا تعني بالضرورة ،ان لا إمكانية للتغيير الجذري في مجتمعاتنا، بقدر ما هو كلام للتحذير من محاولات التحكم بقوى الحراك القائم،ومحاولة بلعها وهضمها دون تقديم المراد منها. س - أي دور لحركات الإسلام السياسي في الخريطة السياسية البديلة؟ هل نحن أمام حركات إسلامية ترفع شعار الإسلام هو الحل أم ان النموذج التركي قد يكون مثالا أمام هذه الحركات؟ ج - نتيجة للعديد من العوامل سجلت الأحزاب القومية العربية والاشتراكية والشيوعية تراجعا هائلا في امتداداتها الجماهيرية،بل اضمحل دورها وبدت في حكم المنهية سياسيا،ما مكّن الحركات والأحزاب السياسية الإسلامية من أخذ مكانها المتقدم في قيادة الجماهير. لكن يبدو حنى الآم ان مجمل هذه الأحزاب كانت بداية في محل رد الفعل على الواقع الموجود، ولم تتمكن من صياغة برامج متكاملة لإمكانية استلام السلطة في أماكن تواجدها وعملها. علاوة على ذلك ان الدعاية المشوَّهة التي طال عملها من لصق الإرهاب فيها وبطريقة عملها،جعل منها خطا أحمر يرتاب من تتقدم بالخطاب إليهم،ما جعلها غير فاعلة إلى حد كبير،وموقعا سياسيا صعب الانخراط فيه والعمل من ضمنه.طبعا هذا الكلام لا يعني أيضا بالضرورة ان هذه الحركات لا تملك مقومات العمل القابل للاستثمار السياسي على المستوى الوطني،بقدر ما هو توصيف لواقع حزبي امتلك تجارب واسعة في بعض الدول لكنه لم يتمكن من احراز شيء يذكر على مستوى العمل الوطني العام.فعلى سبيل المثال الأخوان المسلمين في مصر لم يكن رياديا في الحراك الجماهيري المصري،بل ظل خلفها،وحتى الحزب نفسه لم يطرح نفسه كمرشح بديل للتركيبة السياسية المصرية القادمة. كل ذلك يطرح أسئلة حول دورها ومستقبلها السياسي في الوطن العربي،وبالتالي بطرح أسئلة من نوع آخر،في طليعتها إعادة النظر في تركيبتها وطبيعة ووسائل عملها،في ظل نموذج الأحزاب الإسلامية غير العربية التي تمكنت من الوصول للسلطة وقدرتها على الاستمرار وطرح العديد من البدائل التي لم تكن يوما متاحة إمامها.الأمر الذي يثير مقاربة أحزابنا الإسلامية وكيفية استفادتها من التجربة التركية على سبيل المثال لا الحصر،وهي بالفعل تجربة جديرة بالمتابعة والدراسة وإمكانية الاستفادة منها أمر معقول ومقبول. س - ما التأثير المحتمل للثورات الشعبية على مستقبل :أولا الصراع العربي الإسرائيلي وثانيا علاقة العرب بالغرب؟ ج - بداية من المثير للاستغراب فعلا ،ان الحراك القائم في الدول العربية كان بمجمله حراكا متصلا بالحريات العامة أو برغيف الخبز أو بغيره من القضايا الاجتماعية ذات الصلة دون تعديه إلى قضايا ومسائل تعتبر أهم كمن ذلك بكثير. فعلى الرغم من أهمية هذه المطالب ومركزيتها في السلوك السياسي والاجتماعي لكل فرد عربي أو غير عربي،إلا ان ثمة غياب ان لم نقل تغييب لقضايانا المركزية كالقضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي على سبيل المثال.فهل يعقل انه لم يتم إطلاق حجر على السفارة الإسرائيلية في مصر،ولم يوجه إي شعار ضمن فعاليات الثورة ضد إسرائيل،بل كان ثمة إشارات واضح بالتزام مصر بكافة معاهداتها الدولية والإقليمية وبالتحديد الإسرائيلية،الأمر الذي يعني ان ثمة ضمورا واضحا في الوعي الجماهيري العربي حول قضاياه المصيرية،وهذا أمر معيب في حياة الأمم والشعوب كشعبنا العربي. كن وبصرف النظر عن البدايات بدأنا نسمع بعض التحولات الخجولة في المطالب والشعارات المرفوعة التي تصيب هذه القضايا وهو أمر مشجع اذا ما تم البناء عليه والعمل في سبيل تحقيقه.وفي واقع الأمر ان تأثير هذا الحراك العربي على الصراع العربي الإسرائيلي سيكون مفيدا وكبيرا في المستقبل،إذ ان تغييب الجماهير العربية عن أدوارها المفترضة،قد شكَّل حالات من كبت الوعي تجاه القضايا القومية الأمر الذي اثر بشكل ايجابي لاحق عند يقظته وشعوره بالظلم الذي ألحق به وأستمر فيه وعليه لاحقا. وعليه ان التأثير المستقبلي سيكون ايجابيا بالتأكيد ولو كان خجولا في بداياته. كما ان الأمر نفسه سينسحب على مستوى علاقة العرب بالغرب،بخاصة بعض كشف المستور من علاقات هذه الأنظمة مع الغرب وتحالفهما ضد مصالح شعوبها. ثمة تغييرات دراماتيكية سريعة حصلت وستحصل،وبصرف النظر عن حجم ونوعية وكيفية هذا التغيير،ينبغي ان نعي أولا وأخيرا،ان التغير هو المطلوب أي بإرادة ذاتية ودون قوى تحفيز أو دفع من الخارج،وهو الأمر القادر على نقلنا من ضفة إلى أخرى في سياق تطورنا وارتقائنا بين الأمم والشعوب.