27‏/03‏/2011

القرار 1973 واستنساخ التجربة العراقية

القرار 1973 واستنساخ التجربة العراقية د.خليل حسين أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية بين القرار 1970 و1973 المزيد من المجازر ارتكبت في ليبيا،ولم يكن ثمة تحرك دولي واضح لوقفها.ما يعني ان ثمَّة اتجاه واضح مشت فيه القوى المسيطرة في مجلس الأمن لإدارة الأزمة بدل الولوج في سياق حل ما؛ما يعني ان لا حل قريب لمجمل الواقع الليبي القائم،بانتظار ظهور مزيد من التداعيات التي يمكن استثمارها داخليا وخارجيا ربطا بالحراك الشعبي العربي القائم في المنطقة. وربطا بالتجارب السابقة التي لجأ فيها مجلس الأمن لمثل هذه الوسائل، يمكن ملاحظة التشابه ان لم يكن التطابق في السلوك تجاه القضايا المتشابهة.فعلى سبيل الماثل لا الحصر، سجَّل مجلس الأمن تحركا فيه الكثير من الريبة في سياق معالجة المسألة العراقية قبل عشرين سنة، عندما أنشأ منطقتين آمنتين في العراق بذريعة حماية الأكراد شمالا،والشيعة جنوبا،وتواصل الحظر الجوي مع سياسات النفط مقابل الغذاء.في كلا الحالتين،لم يتمكن مجلس الأمن من حماية لا الأكراد ولا الشيعة،كما لم يطعم الشعب العراقي من خيرات نفطه،بل أدى السلوك المعتمد إلى تكوين البيئة المناسبة لغزوه واحتلاله بصرف النظر عن الشرعية والمبررات التي أدّت إلى الاحتلال والتداعيات الناجمة عنه. ما يجري اليوم في ليبيا مشابه إلى حد كبير بما جرى في العراق سابقا،ويبدو ان الذرائع والمبررات وحتى أدوات الحذر الغربي في التعاطي مع المسألة العراقية هي متطابقة مع الظروف الليبية،ما يعني ان مزيدا من الوقت سوف تأكله إدارة الأزمة في ليبيا،وهذا ما ظهر تحديدا في بعض التصريحات حول آليات تطبيق القرار 1973،بحيث ان تنفيذ القرار مرهون بتصرف النظام الليبي،ما يعني ان تحرك مجلس الأمن سيكون في موقع رد الفعل لا الفعل،وكأن ما جرى حتى الآن لا يستحق المبادرة والمبادأة في التحرك والتصرّف؛ما يثير جملة من الأسئلة المتعلقة بخلفية التدخل الدولي وما سيؤول إليه من نتائج وتداعيات لاحقة. في المبدأ،وفي سياق التحليل والتدقيق في الوقائع الميدانية الليبية،تشير الأمور ان همَّ النظام منذ بداية الحراك الشعبي، محاولة تأمين ربط نزاع طويل الأمد مع الثوار ان لم يتمكن من إخماد التحرّك في بداياته وهذا ما حصل. ما يعني ان القرار 1973 أتى ليكرس الأمر الواقع الموجود ميدانيا. منطقة شرقية تحت سيطرة النظام إلى حد بعيد،تقابلها منطقة غربية لا زال الثوار في معرض الكفاح لإبقاء سيطرتهم عليها.وبين عمليات الهجوم والصّد ظهر القراران 1970 و1973 ليرسمان حدود اللعبة في المدى المنظور في الواقع الليبي. ان ذلك الوضع لا يعني بالضرورة، انه لن تكون هناك ضربات جوية أو بالأحرى استعمال القوة غير الناعمة ضد النظام مستقبلا، بل بالتأكيد سيكون هذا الخيار قائما فقط للترتيب الدائم لميزان القوى الداخلي في ليبيا، ريثما تنضج ظروف التفاوض داخليا حول مستقبل الاستفادات الغربية من المزايا الليبية النفطية وغيرها، كما تأثيرات التدخل الدولي في ليبيا على النظام الإقليمي العربي وبخاصة في الجانب الإفريقي منه خارجيا. طبعا ان الظروف الديموغرافية والطبوغرافية للواقع الليبي يجعلان التدخل الخارجي أمرا محتما لإيجاد موازين قوى داخلية متقاربة، ان كان الحسم خيارا بعيدا أو متعذرا بحكم الحسابات الدولية البرغماتية. لكن الخوف كل الخوف ان يكون هذا التدخل هو بداية لتواجد قوات دولية بصرف النظر ان كانت تحت سلطة القبعات الزرق التابعة للأمم المتحدة، أم قوات متعددة الجنسيات اذا تعذر تشكيلها بفعل الحذر الروسي والصيني حتى الآن. ما يشكّل سابقة أخرى في تعاطي المجتمع الدولي مع القضايا العربية وهذه المرّة في الجانب الإفريقي للنظام الإقليمي العربي وما يشكّل هذا الواقع من حساسية عالية في ظروف الثورة المصرية الواعدة أو على الأقل المخيفة لإسرائيل خاصة والغرب عامة،وفي ظل انفصال جنوب السودان،والمترافق مع الجمر الراكد تحت رماد المغرب العربي بكل أزماته وتفاصيل قضاياه المملة تقسيما وانفصالا،حيث تختلط المطالب السياسية بالعرقية والقومية وبشتى صنوف المطالب القابلة للاستثمار والتحريك بشتى الاتجاهات والأهداف والغايات. ان فداحة ما يجري في ليبيا يتطلب تدخلا من نوع آخر،قوامه حراك على ركيزة عربية لدعم الثوار في سبيل تحقيق التغيير السريع،وليس بالضرورة التدخل العسكري ان كان عربيا أو غربيا ،باعتباره سيخلق حساسية ومشكلة أخرى مستقبلا وبخاصة في سياق التجارب الجارية حاليا كنموذج درع الجزيرة في البحرين. وبمعنى آخر، إن جسامة الواقع الليبي وأثره المباشر في داخله وخارجه يحتِّمان التصرّف بعناية كبيرة،باعتبار ان أي تدخل عسكري في ليبيا سيكون له تداعيات مستقبلية على مجمل النظام الإقليمي العربي في إفريقيا،والذي سيكون مرتكزا ومنطلقا شرقا وغربا باتجاه جميع الدول العربية المستلقية على صفيح ساخن حيث تتقلب ثورات الجماهير ربما بعفوية كاملة،لكن إداراتها وطرق استثماراتها ليست كذلك. بالأمس كان العراق والصومال،وقبله لبنان، واليوم ليبيا ولا نعرف من سينضم إلى لائحة التدخلات الخارجية في المستقبل القريب، لكننا يمكن ان نعرف مدى جسامة وخطورة واقعنا العربي الذي بات مشرّعا على الخارج دون حسيب أو رقيب أو دون وازع أو رادع ممن يرسم سياساتنا ويجثم على صدورنا. لقد أوصلتنا السلطات التي عشنا في كنفها إلى حالة من الخنوع واليأس وحتى الاكتئاب السياسي، الذي بات فيه المواطن العربي ومجتمعاته يتعلقان بأوهام الحلول الدولية وترياقها عبر التدخلات العسكرية وهي تعلم علم اليقين ان هذه التدخلات لن تكون سوى مرحلة في سياق إعادة إنتاج السلطات والأنظمة غير المختلفة عن التي سبقتها سوى بالوجوه. خوفنا اليوم ان تتكرّر تجربة العراق مع مجلس الأمن في ليبيا، واستنساخ القرار 1973 ظروفا ليبية هي أشبه ما تكون إلى حالة من الفوضى التي تريدها الولايات المتحدة "خلاقة" عبر الحراك الشعبي بعدما فشلت في فرضها بوسائل مختلفة سابقا ومنها العسكري!.