08/03/2011
هل يمكن محاكمة الرئيس الليبي أمام المحكمة الجنائية الدولية؟
هل يمكن محاكمة الرئيس الليبي أمام المحكمة الجنائية الدولية؟ أ.د. خليل حسين أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية www.drkhalilhussein.blogspot.com في المبدأ يتعلق الأمر ،بالحصانات التي يمكن الدفع بها في حال مساءلة الرؤساء عن أفعالهم المباشرة أو غير المباشرة،فثمة لغط قانوني حول شمول هذه الحصانات ومداها فيما يختص ببعض الجرائم.فهل يمكن محاكمة الرئيس الليبي معمر القذافي،عن الأفعال الجارية في ليبيا؟ أمام المحكمة الجنائية الدولية؟وهل يمكن الاعتداد بالحصانة الرئاسية؟أو بعدم انضمام ليبيا لميثاق روما المؤسس للمحكمة؟ لا توجد اتفاقية دولية تنظم مسألة حصانة الرؤساء والحكام من المسؤولية، غير أن ثمّة عرفاً دولياً يمنح الرؤساء أثناء قيامهم بوظائفهم حصانة من المسؤولية وتوسّع الأمر ليشمل مسؤولين آخرين يمثلون الدولة التي يتبعونها احتراماً لسيادتها. وتطبيقاً لذلك رفضت محكمة العدل الدولية رفع الحصانة عن وزير الخارجية الكونغولي في قرارها في القضية المرفوعة من الكونغو ضد بلجيكا بتاريخ 14/2/2002. وكذلك رفضت فرنسا وبلجيكا الطلبات التي تقدّمت بها المنظمات الحقوقية عام 1998 لمحاكمة لوران كابلا رئيس جمهورية الكونغو الديموقراطية أثناء زيارته لتلك الدولتين. غير أن الدفع بالحصانة وان كان يمكن الاحتجاج به في نطاق القانون الجنائي الداخلي حتى الآن، فإن الوضع بدأ يختلف عندما يتعلق بجرائم دولية خاضعة لأحكام القانون الدولي الجنائي، فقد بات من المستقر انه لا يعتد بالحصانة ولا يمكن ان تكون وسيلة للإفلات من العقاب. وقد تمَّ التأكيد على مبدأ عدم الاعتداد بالحصانة كسبب للإفلات من المسائلة عن الجرائم الدولية في مختلف المواثيق الدولية. ولعلَّ المبادئ التي أسستها محكمة نورمبرغ كانت السباقة في هذا الصدد وتبعها سياقات أخرى كثيرة. أولا: مبدأ عدم الاعتداد بالحصانة نصّت المادة (7) من النظام الأساسي لمحكمة نورمبرغ «أن المركز الرسمي للمتهمين سواء بصفة رؤساء دول أم بصفة موظفين كبار لن يؤخذ بعين الاعتبار كعذر أو كسبب مخفف للعقوبة». إلا ان هذا الاتجاه لم يكن مجمعاً عليه لدى الفقهاء فقد ذهب بعض الكتاب إلى ضرورة عدم محاكمة رؤساء الدول بواسطة محكمة أجنبية، وإنما ينبغي ان يتقرر مصيرهم بمقتضى قرار ذي صفة سياسية يتخذ باتفاق الدول المنتصرة. إلا ان آخرين قد عارضوا هذا الاتجاه ومنهم البروفسور sh.Glueck الذي ذهب إلى أن هذا الرأي سيؤدي إلى نتائج وخيمة جداً، كما انه يتعارض مع روح الأمم المتحدة التي اعتبرت رؤساء دول المحور، خاضعين للاعتبارات نفسها التي يخضع لها رعاياهم السابقون أي لعدالة المحكمة الدولية. وفي ذلك صرح جاكسون المدعي العام الأميركي في المحكمة بأنه يجب ان يستخدم القانون ليس في معاقبة سلوك الناس البسطاء فقط وإنما سلوك الملوك أيضا. وقد تمَّ تأكيد هذا المبدأ في ميثاق المحكمة وكذلك في الأحكام الصادرة منها، والتي صاغتها فيما بعد لجنة القانون الدولي ضمن سبعة مبادئ وهي: 1. أي شخص يرتكب فعلاً يشكل جريمة وفقاً للقانون الدولي يكون مسؤولاً عنها ومعرّضاً للعقاب عليها. 2. لا يعفي عدم وجود عقوبة، في القانون الداخلي عن الفعل الذي يُعد جريمة وفقاً للقانون الدولي، الشخص الذي ارتكب الفعل من المسؤولية طبقا للقانون الدولي. 3. لا يعفى الشخص الذي ارتكب جريمة وفقا للقانون الدولي كونه قد تصرف بوصفه رئيساً للدولة أو مسؤولاً حكومياً، من المسؤولية بالتطبيق للقانون الدولي. 4. لا يعفى الشخص الذي ارتكب الفعل بناء على أمر من حكومته أو رئيسه الأعلى من المسؤولية وفقا للقانون الدولي، بشرط وجود خيار معنوي كان متاحاً له. 5. لكل شخص متهم بجريمة وفقاً للقانون الدولي الحق في محاكمة عادلة بخصوص الوقائع والقانون. 6. يعد من الجرائم المعاقب عليها الجرائم التالية: أ. أ ـ الجرائم ضد السلام. ب. جرائم الحرب. ج. الجرائم ضد الإنسانية. 7. يعتبر جريمة وفقاً للقانون الدولي الاشتراك في ارتكاب جريمة ضد السلام أو جريمة حرب أو جريمة ضد الإنسانية. ومن الملاحظ ان لجنة القانون الدولي عندما صاغت مبدأ عدم الاعتداء بالحصانة كسبب يمنع من المساءلة عن الجرائم الدولية ضمن مبادئ نورمبرغ على النحو السابق أثارت بعض الجدل، فإذا كان وصف رئيس الدولة واضح الدلالة، فإن مصطلح المسؤول الحكومي يثير التساؤل حول المقصود فيه، فهل المقصود به عضو الحكومة حصراً أم عضواً سابقاً في الحكومة، أم هو موظف من رتبة عالية جداً في إحدى السلطات التشريعية أو التنفيذية أو القضائية. وقد درجت المحاكم الجنائية الدولية في كل من يوغسلافيا وراوندا على تقرير هذا المبدأ في النظام الأساسي لكل منها، فقد ورد في المادة (28) من النظام الأساسي لمحكمة يوغسلافيا عام 1993 على انه «لا يعفي المنصب الرسمي للمتهم سواءً أكان رئيس دولة أم حكومة أم مسؤولا حكوميا، هذا الشخص من المسؤولية الجنائية أو يخفف من العقوبة». وبالفعل تمّت مساءلة الرئيس اليوغسلافي السابق، سلوبودان ميلو سوفيتش والذي توفي لاحقاً في السجن، أمام هذه المحكمة. كما أكدت محكمة راوندا لعام 1994 المبدأ ذاته في المادة (27) من نظامها الأساسي. ان هاتين المحكمتين قد تضمنتا مفاهيم واضحة لمسؤولية القادة عن وحشية الجنود تحت إمرتهم، وقد ضربت محكمة يوغسلافيا الأمثلة للقضاء الوطني في كيفية التعامل مع المتهمين بارتكاب جرائم القتل الجماعي والتطهير العرقي، وعدم تركهم يظهرون بمظهر الأبطال القوميين. حتى بدأت المحاكم الصربية والكرواتية اعتباراً من عام 2005 بمحاكمة مواطنيها الضالعين في جرائم حرب. ثانياً: انتفاء الحصانة أمام المحكمة الجنائية الدولية بقيام المحكمة الجنائية الدائمة ترسّخ في القانون الدولي الجنائي مبدأ عدم الاعتداد بالحصانة في الجرائم الدولية. فقد نصّت المادة (27) من نظام روما الأساسي في شأن المحكمة الجنائية الدولية على انه: 1. يطبق هذا النظام الأساسي على جميع الأشخاص بصورة متساوية دون تمييز بسبب الصفة الرسمية، وبوجه خاص فإن الصفة الرسمية للشخص، سواء أكان رئيساً لدولة أم حكومة أم عضوا في حكومة أم برلمان أم ممثلا منتخبا أم موظفا حكوميا، لا تعفيه بأي حال من الأحوال من المسؤولية الجنائية بموجب هذا النظام الأساسي. كما أنها لا تشكل في حد ذاتها سببا لتخفيف العقوبة. 2. لا تحول الحصانات أو القواعد الإجرائية الخاصة التي قد ترتبط بالصفة الرسمية للشخص، سواء أكانت في إطار القوانين الوطنية أم الدولية دون ممارسة المحكمة اختصاصها على هذا الشخص. يؤكد هذا النص مبدأين مهمين الأول هو مساواة الأشخاص أمام هذه المحكمة بصرف النظر عن الصفة التي يتمتع بها أي منهم، حتى ولو كانت هذه الصفة رسمية، بمعنى أن الصفة الرسمية ليست سبباً لتمييز من يتمتع بها عن الآخر الذي لا يحمل هذه الصفة، أما الثاني فيخلص إلى عدم الأخذ بالحصانات أو القواعد الإجرائية سواء نص عليها في القوانين الجنائية الوطنية أو الدولية. ويبدو أن المشرع الدولي حاول جاهداً في نص المادة (27) من نظام المحكمة إلى تلافي الدفع بعدم مسؤولية القادة أو الرؤساء أمام القضاء الدولي بعد أن أصبحت عائقاً في المحاكمة أمام القضاء الوطني ومن شأنه إفلات المسؤولين من العقاب. ومن ذلك ما حصل إثر الغارة الاميركية على ليبيا في 15 نيسان 1986، حيث أصيب أكثر من مئتي شخص من المدنيين، بين قتيل وجريح، وقد رفع ضحايا الغارة دعوى أمام المحاكم الأميركية ضد الرئيس الأميركي والعديد من المسؤولين المدنيين والعسكريين. إلا أن القضاء الأميركي رفض الدعوى استناداً إلى أن المدعى عليهم يتمتعون بالحصانة. 1. المحكمة الدولية الجنائية والحصانة ان مبدأ عدم الأخذ بالصفة الرسمية الواردة في المادة (27) من نظام المحكمة الجنائية الدولية، تواجهه عدة مشاكل يمكن إجمال بعضها بما يلي: أ. تسليم المتهم بارتكاب جريمة تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية: 1) ورد في نص المادة (98) من النظام الأساسي للمحكمة: لا يجوز للمحكمة ان توجه طلب تقديم أو مساعدة يقتضي من الدولة الموجه إليها الطلب ان تتصرف على نحو يتنافى مع التزاماتها بموجب القانون الدولي، فيما يتعلق بحصانات الدولة أو الحصانة الدبلوماسية لشخص أو ممتلكات تابعة لدولة ثالثة، ما لم تستطع المحكمة ان تحصل أولا عن تعاون تلك الدولة الثالثة من اجل التنازل عن الحصانة. 2) لا يجوز للمحكمة ان تتوجه بالطلب من الدولة إليها أن تتصرف على نحو لا يتفق مع التزاماتها بموجب اتفاقيات دولية تقتضي موافقة الدولة المرسلة كشرط لتقديم شخص تابع لتلك الدولة المرسلة لإعطاء موافقتها على التقديم. ويبدو من هذا النص ان المحكمة لا تملك وسيلة مؤثرة أو ناجحة في إحضار المسؤولين عن الجرائم التي تدخل ضمن اختصاصها للمثول أمامها، فنص المادة أعلاه يفترض ان يتواجد المشمولون بالحصانة من رؤساء أو قادة عسكريين أو غيرهم على إقليم دولة غير دولتهم التي ينتمون إليها بجنسيتهم، وتطلب المحكمة من الدولة التي يتواجدون فيها تسليم هؤلاء إليها. وحسب نص المادة (98) يتوجب على المحكمة ان تطلب أيضاً من الدولة التي يحمل المتهم جنسيتها التنازل عن حصانة هؤلاء المتهمين المعترف لهم بها حسب تشريعاتها الوطنية ـ فإذا رفضت ذلك ـ لا تستطيع المحكمة ان تطلب من الدولة المتواجدين على إقليمها ان تتخلى عن التزاماتها بموجب الاتفاقيات الدولية المتضمنة احترام حصانة المتهمين الممنوحة لهم بمقتضى قوانين الدولة التي ينتمون إليها بجنسيتهم تفادياً لما قد يتسبب به تسليمهم دون موافقتها من توتر في العلاقات بين الدول. وعلى ذلك يقتضي مثول المتهمين بارتكاب جرائم دولية تدخل ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية تعاون الدولة التي يتواجد على إقليمها المتهم والدولة التي ينتمي إليها بجنسيته ما يصعب تحقيقه غالباً. وأمام هذه الصياغة لنص الفقرة الأولى من المادة (98) تصبح المحكمة الدولية الجنائية غير قادرة على مباشرة اختصاصها إلا بعد الحصول على موافقة الدولة المعنية أي الدولة الموجه إليها الطلب. وبذلك فإن هذا النص يثير تناقضاً وتعارضاً مع نص المادة (27)، ومن ثم فإن الحصانة لم تعد موجودة من الناحية الفعلية. وللتغلب على هذه المشكلة لا بد من اعتبار رفض الدولة غير المبرر تسليم الشخص المتواجد على إقليمها، والذي يتمتع بالحصانة، أو الدولة التي ينتمي إليها هذا الشخص بجنسيته متى كان هذا الرفض غير المبرر، بمثابة حالة من حالات عدم التعاون مع المحكمة الدولية الجنائية التي ينبغي أن يعرض أمرها على جمعية الدول الأطراف حصراً حتى لو كانت المسألة قد أحالها مجلس الأمن إلى المحكمة الدولية الجنائية. ومن ثم يمكن اتخاذ قرار بشأن هذه الدولة الرافضة على أنها لا ترغب في التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية. وقد تتعقد المشكلة متى كان الشخص الذي يتمتع بالحصانة مزدوج الجنسية، أي يحمل جنسية دولة تمنحه حصانة معينة، ويتواجد على إقليم دولة أخرى يحمل جنسيتها من دون أن تمنحه أية حصانة. فهل يمكن للدولة التي يتواجد على إقليمها أن تتعاون مع المحكمة الدولية الجنائية مباشرة دون انتظار لحصول المحكمة على تعاون من جانب الدولة الأخرى التي يتمتع بجنسيتها الثانية وبما تمنحه له من حصانة؟ إن نص المادة (98) يقضي بجعل عبء الحصول على التعاون من الدولة التي تمنح الشخص هذه الحصانة وليس على الدولة الموجه إليها الطلب. ومن ثم فلن تتمكن الدولة التي يقيم الشخص المطلوب على إقليمها من تقديمه للمحكمة الدولية الجنائية قبل الحصول على التعاون المشار إليه. بل إنه بحسب الاستنتاج الظاهري للنص يمكن للمحكمة أن تلزم الدولة التي يقيم الشخص على إقليمها من ان تتعاون معها قبل ان تحصل على التعاون من الدولة المعنية. إلا ان الوقوف على حقيقة النص ومضمونه تؤكد عكس ذلك. وعلة ذلك ان صياغة المادة (98) عامة، لم تفرق بين حالة مزدوجي الجنسية وغيرهم إلا انه يلاحظ في الوقت ذاته ان هذه المشكلة لا يمكن أن تنشأ بالنسبة إلى حالة عديمي الجنسية والتي لم ترد بشأنها أيضاً أية إشارة ضمن نصوص النظام الأساسي. من جانب ثانٍ تبرز مشكلة أخرى لم تعالجها أحكام النظام الأساسي وهي مدى إمكانية تقديم اللاجئ إلى المحكمة الدولية الجنائية في ضوء الاعتراف بحق اللجوء باعتباره من الحقوق السيادية الخالصة التي تنفرد فيها كل دولة بتنظيم القواعد التي يتم بموجبها منح أو رفض إعطاء هذا الحق لمن يطلبه. وفي ذلك قررت اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين لعام 1951 في الفقرة الأولى من المادة (33) منها على أنه: تمتنع الدول المتعاقدة عن طرد اللاجئ الموجود بصورة شرعية إلا لأسباب تتعلق بالأمن الوطني أو النظام العام، وفي حالة اتخاذ قرار الطرد ينبغي أن تتخذ الأصول القانونية في إصداره. أما الفقرة الثانية من المادة ذاتها فقد حظرت على الدول المتعاقدة أيضاً طرد أو رد اللاجئ بأية صورة إلى الحدود والإقليم اذا كانت حياته وحريته مهددتين لأسباب تتعلق بالعرق أو الجنس أو الدين أو اللغة أو آرائه السياسية أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة. ويتبين من هذين النصين انه لا يجوز رد اللاجئ بأية صورة من الصور أو إعادته إلى دولة قد يلاقي فيها الاضطهاد. ويعد هذا الحكم من القواعد الأساسية الراسخة في نظام تسليم المجرمين، والتي تقضي بعدم جواز تسليم من حصل على حق اللجوء. إلا أنه ينبغي ملاحظة ان مبدأ عدم جواز تسليم اللاجئ ينطبق فقط على تلك الجرائم المحددة بموجب المعاهدات الدولية أو القوانين الوطنية، إذ يخرج عن هذه القواعد الجرائم الجسيمة التي تهدد المجتمع الدولي. وهذا المعنى أكدته المادة الأولى من اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين، إذ قضت بأنه: «لا تسري هذه الاتفاقية على أي شخص توجد بحقه أسباب جدية تدعو إلى اعتبار انه: اقترف جريمة بحق السلام، أو جريمة حرب، أو جريمة ضد الإنسانية، كما هو معروف عنها في الوثائق الدولية الموضوعية...». وتأسيسا على ذلك تزول أية حصانة أو امتياز يمكن أن يتمتع بهما اللاجئ، ذلك متى اقترف إحدى الجرائم الداخلة في نطاق اختصاص المحكمة الدولية الجنائية. ب. اتفاقيات الإفلات من العقاب لعل من أهم المشاكل الأخرى التي تجابه المحكمة في موضوع الحصانة هو اتفاقيات الإفلات من العقاب التي سعت الولايات المتحدة الأميركية إلى إبرامها مع حكومات العديد من الدول والتي تنص على ان الحكومة المعنية لن تسلم أو تنقل مواطني الولايات المتحدة المتهمين بارتكاب الإبادة الجماعية أو الجرائم ضد الإنسانية أو جرائم الحرب إلى المحكمة الجنائية الدولية، إذا طلبت منها المحكمة ذلك، ولا تقتضي الاتفاقيات من الولايات المتحدة الأميركية أو الدول الأخرى المعنية إجراء تحقيق وحتى إذا توافرت أدلة كافية، مقاضاة مثل هؤلاء الأشخاص. وفي 1 تموز/ يوليو 2003 أعلنت الولايات المتحدة عن سحب المعونات العسكرية التي تقدّمها إلى 35 دولة عضو في قانون روما الأساسي رفضت التوقيع على اتفاقية الحصانة من العقاب مع الولايات المتحدة وفي 8 كانون الثاني / ديسمبر 2004 أعلنت الولايات المتحدة سحبها المعونات الاقتصادية عن الدول التي أبقت على رفضها التوقيع على الاتفاقيات فعلاً. ج. اختصاص المحكمة المقيد في نظر الدعوى اختصاص المحكمة مقيّد موضوعياً وزمنياً لجهة طرق تحريك الدعوى. فمن جهة جاءت المادة (5) لتنصّ على الجرائم الخاضعة لاختصاص المحكمة وهي جريمة الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجريمة العدوان. ووضع المشرع آلية معينة من الصعب تحقيقها لشمول الجريمة الأخيرة (جريمة العدوان) باختصاص المحكمة، حيث أشار النظام الأساسي للمحكمة إلى تلك الآلية في المادة (123) التي نصّت على: «بعد انقضاء سبع سنوات على بدء نفاذ هذا النظام يعقد الأمين العام مؤتمراً استعراضياً للدول الأطراف للنظر في أية تعديلات على محتويات هذا النظام، ويجوز أن يشمل الاستعراض من قائمة الجرائم المدرجة ضمن اختصاصات المحكمة». أما من حيث الاختصاص الزمني فقد نصّت المادة (11) من النظام الأساسي على أنه: 1) ليس للمحكمة اختصاص إلا فيما يتعلق بالجرائم التي ترتكب بعد نفاذ النظام الأساسي. 2) إذا أصبحت دولة من الدول طرفاً في هذا النظام الأساسي بعد بدء النفاذ، لا يجوز للمحكمة أن تمارس اختصاصها إلا فيما يتعلق بالجرائم التي ارتكبت بعد بدء نفاذ هذا النظام بالنسبة لتلك الدولة، ما لم تكن الدولة قد أصدرت إعلاناً بموجب الفقرة (3) من المادة (12). ما يعني أنه لا تجوز مساءلة أي شخص جنائياً بموجب النظام الأساسي عن أي سلوك سابق لبدء نفاذ هذا النظام. ويجوز استناداً إلى المادة (124) من النظام الأساسي لأي دولة عندما تصبح طرفاً في هذا النظام ان تطلب تأجيل اختصاص المحكمة، فيما يتعلّق بجرائم الحرب لمدة سبع سنوات من تاريخ بدء سريان النظام الأساسي عليها، وذلك متى حصل ادعاء بأن مواطنين من تلك الدولة قد ارتكبوا جريمة من هذه الجرائم أو أن الجريمة قد ارتكبت على إقليمها. أما بالنسبة للدول التي تنضم بعد دخول النظام الأساسي حيز النفاذ فإن التاريخ الفعلي لنفاذ هذا النظام بالنسبة لتلك الدولة هو اليوم الأول من الشهر الذي يلي اليوم الستين من تاريخ وثائق الانضمام. ومن جانب آخر لا تختص المحكمة في نظر الجرائم بذاتها وإنما لا بد من إحالة هذه الجريمة إليها من قبل جهات حددها النظام الأساسي في المواد (12 و13 و14) وهي: 1. الدولة الطرف في النظام الأساسي: استناداً إلى المادة (14/1) من النظام الأساسي: «يجوز لدولة طرف أن تحيل إلى المدعي العام أية حالة (دعوى) يبدو فيها ان جريمة واحدة أو أكثر من الجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة قد ارتكبت وان تطلب إلى المدعي العام بالتحقيق في هذه الحالة، بغرض البت فيما إذا كان يتعيّن توجيه الاتهام لشخص معين أو لأشخاص معينين بارتكاب تلك الجريمة. كما يحق لأي دولة غير طرف في النظام الأساسي ان تحيل أي (حالة) إلى المحكمة للتحقيق فيها متى ما أعلنت هذه الدولة بمقتضى إعلان خاص يودع لدى مسجل المحكمة تعلن فيها قبولها ممارسة المحكمة اختصاصها فيما يتعلق بالجريمة قيد البحث». 2. مجلس الأمن: أجازت المادة (13/ب) من النظام الأساسي لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن يحيل إلى المدعي العام للمحكمة أي (حالة) يبدو فيها أنها جريمة واحدة أو أكثر من الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة قد ارتكبت شريطة ان يكون مجلس الأمن متصرفاً في ذلك، وفقاً لأحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهذا يعني أنه يتوجب لكي ينعقد الاختصاص للمحكمة بالنسبة إلى الحالات التي يحيلها ان يتضمن قرار الإحالة ما يفيد ان كل (حالة) من هذه الحالات تنطوي على تهديد للأمن والسلم الدوليين. 3. المدعي العام: فضلاً عن الجهات السابقة أجاز النظام الأساسي للمدعي العام للمحكمة الحق في مباشرة التحقيق في ارتكاب الجرائم المنصوص عليها في المادة (5)، ولكن سلطة المدعي العام مقيّدة بأخذ موافقة الشعبة التمهيدية وعند إقرار هذه الشعبة بوجود أساس معقول للشروع في التحقيق تعطي موافقتها للمدعي العام بمباشرة التحقيق. ومن المهم الإشارة إلى أن المحكمة غير ملزمة بقبول أي دعوى أو (حالة) يحال إليها من جانب أي من الجهات الأربع المذكورة آنفاً، حيث يحق للمحكمة أن تعتبر هذه (الحالة) أو تلك الدعوى غير مقبولة إذا ما توفر سبب من الأسباب التالية: - إذا أثبت للمحكمة أن ثمة تحقيقاً أو محاكمة تباشره دولة مختصة قانوناً بهذه (الحالة/الدعوى) إلا إذا تبيّن للمحكمة أن مثل هذه الدولة غير راغبة أو غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها في التحقيق والمحاكمة وتكون الدولة غير راغبة في ثلاث حالات أوردها النظام الأساسي للمحكمة على سبيل المثال هي: - اتخاذ الدولة إجراءات معينة لا يقصد منها سوى حماية الشخص المتهم وتجنيبه اختصاص المحكمة الدولية الجنائية المادة (17/2/أ). - حدوث تأخير لا مبرر له في الإجراءات بما يكشف عن نيتها في عدم تقديم الشخص المعني للعدالة. - عدم مباشرة الدولة المذكورة إجراءات التحقيق والمحاكمة بموضوعية دونما تحيز المادة (17/2/ ب). وبالنظر إلى الوقائع الجارية حاليا في ليبيا يتبيّن: 1. ان ما يحدث حاليا من قيام السلطات القائمة في ليبيا ،وفي معرض محاولتها الاستمرار في اغتصاب السلطة التي قام الشعب الليبي ضدها. 2. وحيث ان التصريحات العلنية والواضحة وغير القابلة للتأويل ،تفيد بأن الرئيس الليبي معمر القذافي قد هدَّد باستعمال القوة ضد الشعب. 3. وحيث أثبتت الوقائع بالأدلة والبيّنات المنقولة على الفضائيات،استعمال القوة بشكل مفرط ،والقيام بأعمال تشكل عناصر واضحة للإبادة الجماعية إضافة إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. 4. وحيث ان مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قد وضع يده على القضية،وأصدر قراره تحت الرقم 1970،وفقا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. 5. وحيث ان القرار قد أشار إلى ان الجرائم المرتكبة بحق الشعب الليبي "ترقى إلى الجرائم ضد الإنسانية". 6. وحيث ان تحرّك مجلس الأمن قد جرى وفقا للفقرة (ب) من المادة (15) للمحكمة الجنائية الدولية وطلب إحالة القضية إليها. 7. وحيث أن المدعي العام للمحكمة قد تحرّك هو بدوره وفقا للمادة (5) من نظام المحكمة. 8. وبالاستناد إلى ما ورد سابقا من وقائع مادية أثبتت قيام الرئيس الليبي ،بأوامر أدّت إلى ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، والتهديد بالمضي بتنفيذ جرائم إبادة جماعية عبر القصف بالطيران الحربي تجمعات المدنيين العزّل. 9. ونظرا لعدم قدرة أو نية السلطات الليبية القائمة حاليا بالسيطرة لمحاكمة من خطط وأمر ونفذ للقيام بمثل هذه الجرائم. 10. وحيث انه لم يعد بإمكان "الرئيس" الليبي التذرّع بحصانته الرئاسية،وبخاصة بعدما سُحبت منه بمجرد عرض القضية أمام مجلس الأمن واتخاذه القرار 1970، علاوة عل بدء العديد من دول العالم سحب هذه الحصانة،ومن بينها المملكة المتحدة. 11. وحيث انه لم يعد ممكنا "للرئيس" الليبي التذرّع أيضا بعدم انضمام ليبيا للمحكمة الجنائية الدولية بفعل تحرك المجتمع الدولي وفقا للفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة. وبصرف النظر عن موقفنا الخاص، تجاه المحاكم الجنائية الدولية إن كانت خاصة أم مختلطة أو دائمة،والحوّل السياسي الذي تمتاز بها هذه المحاكم في التعاطي مع القضايا المتشابهة،كجرائم إسرائيل ضد العرب مثلا؛ يمكن لهذه المحكمة النظر بما نُسب للرئيس الليبي معمر القذافي ومن حوله ،من اتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.