02‏/05‏/2012

إسرائيل بعد عام من الثورات العربية

إسرائيل بعد عام من الثورات العربية
أ.د.خليل حسين
نشرت في صحيفة الخليج الإماراتية بتاريخ 1/5/2012

ثمة من يقول ان إسرائيل تنام قريرة العين وهي مطمئنة على وضعها،في ظل تلاشي أو انعدام الأخطار عليها، بفعل تشتت اهتمام العرب بأوضاعه الداخلية التي لا يحسد عليها.وثمة رأي إسرائيلي آخر ، مفاده ان الوضع العربي غير مطمئن بفعل ضبابية وضعه ،وعدم وضوح ما ستؤول إليه الأمور بخاصة في دول الطوق.

وبصرف النظر عن نظريات المؤامرة التي تفننا في تفسيرها وتفنيدها وشرحها نحن العرب،ثمة استنتاجات موضوعية وطبيعية في ظروفها ومكوناتها،بأن إسرائيل قد استفادت إلى حد كبير مما يجري في البلدان العربية عامة ودول الطوق خاصة.لكن الأمر لا يبدو بهذه البساطة وهذا التسطيح في التحليل.للعديد من الأسباب التي تبدو أيضا منطقية ولا يمكن تجاهلها.

فثمة أخطار لا تقل أهمية عما كان سائدا سابقا. صحيح ان معظم الأنظمة العربية قد اعتادت ، وعوّدت إسرائيل على نمط معين من الستاتيكو الذي أراح الطرفين العربي والإسرائيلي لعقود مضت مع وجود استثناءات قليلة هنا أو هناك، إلا ان المتغيّر الحاصل ليس واضحا إلى الحد الذي يمكن البناء عليه إسرائيليا واعتباره أمرا مقبولا في حده الأدنى ومن وجهة تكتية لا إستراتيجية.

فمعظم الثورات التي تمكنت من الظهور بمظهر المنتصر عبر توليها السلطة واقعيا لا عمليا،هي إسلامية التوجّه بصرف النظر عن نوعيتها ومستوى عدائها الإيديولوجي لإسرائيل. وعلى الرغم من كل التوصيفات التي تطلق عليها من هنا أو هناك ،فهي من وجهة النظر الإسرائيلية إسلامية وتكن العداء لإسرائيل بشكل أو بآخر،وربما تشكل خطرا عليها أكثر من أي بيئة سياسية تبنتها الأنظمة العربية سابقا.

وبعيدا عن التنظير أو التحليل،ثمة وقائع ميدانية تقود إلى استنتاجات واضحة وجلية. ففي مصر حيث وصل الإخوان المسلمين إلى البرلمان مثلا وهم يرشحون رئيسا من بينهم، في بيئة باتت معادية لإسرائيل بشكل علني ومختلف الوجه عن السابق، ففي بداية الثورة لم تسمع إسرائيل حتى شعارا معاديا لها،لكن ما لبث الأمر إلى ان انتقل إلى مرحلة إحراق السفارة الإسرائيلية في القاهرة وضرب أنابيب الغاز المصرية المغذية لها؛في ظل تنامي حركة الجهاديين في سيناء،وبشكل ملفت ويدعو إلى القلق الإسرائيلي سيما بعد تنامي وازدباد التنسيق مع الفلسطينيين في غزة،رغم خصوصية العلاقة مع حركة حماس في الفترة الأخيرة.

في المقلب الشمالي الآخر من الصورة في سوريا، وان كان الأمر مختلفا نوعا ما، فيبدو ان التشويش يلف الرؤية الإسرائيلية،صحيح ان الجولان لا زال هادئا،لكنه سجّل سابقة وان كانت مفتعلة في يوم الأرض العام الماضي.فعلى رمزيتها،فمن يضمن لإسرائيل مثلا عدم تكرارها بصورة متواترة وغير مضبوطة التحرك أو الأهداف العملية؟ وعندها سيكون الأمر مغايرا وسيكون الجولان مكانا مختلفا عما عُهِدَ لعقود خلت.

في المقلب الشرقي،حيث أطول الحدود مع إسرائيل،الأمر ليس مختلفا أيضا،صحيح ان الجبهة الأردنية هي آمنة رسميا بفعل معاهدة وادي عربة منذ العام 1993، لكن ثمة حراك إسلامي أردني قوي ومؤثر في الحياة الشعبية والسياسية الأردنية،وهنا مكمن الخوف الإسرائيلي مما هو غير مؤكد عمليا.فبين الفترة والفترة جرت عمليات ضد إسرائيل انطلاقا من الأراضي الأردنية ورغم محدودية فعاليتها،إلا أنها ترسم صورة إسرائيلية غير مريحة للوضع هناك.

مكمن الخوف الإسرائيلي الأكثر شدة ينطلق من الساحة اللبنانية، وهنا الأمر ليس متعلقا بالضرورة بالحراك الراكد أو المقنع،بقدر ما هو خوف من انفجار عسكري غير محسوب النتائج بدقة، وهو مرتبط بشكل عام بحسابات إقليمية أكثر منها لبنانية بحتة، وعليه فإن القلق الإسرائيلي هنا أعم وأشمل بفعل أبعاده وتداعياته التي يصعب السيطرة عليه.

أربعة وستون عاما من الصراع العربي - الإسرائيلي تخلله حروب تحريرية وتحريكية أيضا، لكن بمجملها كانت مضبوطة الإيقاع إسرائيليا،وكانت قادرة على استيعاب نتائجها وتداعياتها بيسر وسهولة بعد فترة وجيزة من انطلاقها، لكن ما يجري الآن في البلدان العربية هو بمثابة المعروف المجهول إسرائيليا، وهي المرة الأولى التي تقف القيادات الإسرائيلية أمام تحديات غير واضحة المعالم،عاجزة عن الإجابة عن السؤال المركزي،ماذا بعد الثورات العربية؟

ربما عام واحد غير كاف لرسم صورة واضحة المعالم عن منطقة تعج بالأزمات والتناقضات والمصالح، فيها أنظمة استهلكت نفسها في مواجهة إسرائيل بطرق عفا عليها زمن الحرب والسلم معا، والمضحك المبكي في هذه الصورة السريالية ، ان طرفي المعادلة الحقيقيين، إسرائيل وشعوب البلدان العربية يقفان حائرين عن تفسير ما يجري. شعوب عربية تبحث عن ضالتها، وإسرائيل تبحث عن أمنها وفي كلتا الحالتين، حيرة وغموض.فيما الحول السياسي والأمني نخر غالبية الأنظمة العربية دون التمكن من مواجهة إسرائيل أو السماح لغيرها بالمواجهة!