05‏/02‏/2013

عوامل الصراعات الداخلية في الوطن العربي


عوامل الصراعات الداخلية في الوطن العربي
د.خليل حسين

استاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية

نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 5/2/2013

       تعتبر الصراعات الأهلية العربية ذات طبيعة مركبة فهي ذات طبيعة سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية ودينية، بأبعاد داخلية وخارجية، وكذلك ذات امتدادات تاريخية .ومن هنا فإن أسباب ومحركات الصراعات الداخلية العربية تداخلت مع هذه الطبيعة المركبة بكل جوانبها وأبعادها. ورغم ان هذه المسألة ليست عربية المنشأ في الأساس، إلا ان ثمة عوامل عدة كرّست وافعا مربكا ومخيفا في آن.

     اولى العوامل تكمن في ازمة شرعية السلطة السياسية الحاكمة في الوطن العربي، إذ أن غالبية الأنظمة لم تصل إلى السلطة بوسائل ديمقراطية حقيقية. لذا فإن انتماء الشعب للنظام السياسي محدود أو هامشي، ويكاد ينحصر في المصالح الضيقة لبعض فئات الشعب. وغياب الشرعية يعني غياب أهم أسس الطبيعة الديمقراطية للسلطة السياسية. فتعامل الأنظمة مع التنوع العرقي أو المذهبي أو الديني أو العشائري داخل الدولة العربية المعاصرة، لم يكن ديمقراطياً، فكان التعامل إما سلوكا تسلطيا إن كانت رافضة لـشرعية النظام السياسي أو رافعة لقوى التنوع أو الأقلية، إن كانت مناصرة ومؤيدة للنظام السياسي . وكلا الحالتين أو الوضعين تسببا في الصراعات الداخلية.

      كما إن الطبيعة التسلطية للنظام السياسي ذي الشرعية الهشة رفضت مشاركة القوى السياسية في القرار، مما جعلها سبباً أساسياً في ردود فعل شعبية عنيفة ضد النظام السياسي. وفي أحيان كثيرة كان السلاح هو الحكم في العلاقة ما بين السلطة السياسية وفئات أو حركات سياسية معارضة لسياسات وقرارات النظام السياسي الحاكم في بعض الدول العربية.

      عامل آخر يتعلق بالتباعد والتعارض بين الانتماء الثقافي والأيديولوجي للشعب وللأمة ، والانتماء الثقافي والأيديولوجي للسلطة الحاكمة. فالشعب يغلب عليه الانتماء الحضاري العربي والإسلامي، في حين أن السلطة السياسية يغلب عليها الانتماء الثقافي الغربي على الأقل على صعيد السلوك والممارسة. فالشعب يرغب بالإرادة السياسية المستقلة للدولة، فيما سار النظام السياسي في سياسات التبعية للقوى العظمى في فترة الحرب الباردة وما بعدها. وهذا التباعد الثقافي والأيديولوجي والسياسي ترافق مع حالة الإحباط الشعبي العام جراء فشل السلطة السياسية الحاكمة في إدارة قضايا الوطن المحلية ، أو الفشل في قضايا الوطن الخارجية.ونتيجة هذا الفشل لم تعد الدولة قادرة على تحصيل شرعيتها من الأمة أو الشعب لذا لجأت إلى القوة المادية المجردة، مما ادى إلى نزاعات بينها وبين حركات معارضة داخلية مسلحة في عدد من الدول العربية.

      عامل آخر يرتبط بعلاقة السلطة السياسية والأقليات العرقية أو الدينية من جهة أخرى، ومرد ذلك غياب علاقة تعاقدية واضحة وملزمة وفي نفس الوقت عادلة، يضاف إلى ذلك غياب البعد المؤسسي للعلاقة التعاقدية ، مما يجعلها غير مستمرة أو مستقرة؛ بسبب فردية السلطة السياسية أو بسبب تغير طبيعة النظام السياسي أو تغيير الارتباطات الخارجية للقوى الفاعلة لدى العديد من الأقليات العرقية أو الدينية.

      والجهل بالنسبة للعالم العربي ذي البيئة الإنسانية القوية الالتصاق والاعتزاز بثقافتها ودينها، والمليئة بالتنوع العرقي، سلاح أو مصدر أساسي للعنف. وكما هو معروف فإن الإسلام هو الدين السائد في العالم العربي، فالجهل بالدين الإسلامي، هذا الدين ذو الطبيعة الديناميكية والقوة الأيديولوجية، تم التعامل معه بجهل بأسسه ومضامينه ومقاصده العامة، والابتعاد به عن العصر ومقتضياته، ووضعه في عزلة حضارية ادى بدوره إلى مناخات متشددة.

       ان نشوء الكيانات القطرية العربية بشكل قسري، ادى بالدولة القطرية إلى استقطاب مجتمعات غير متجانسة بل متصارعة أحياناً عرقياً أو طائفياً أو عشائرياً أو مذهبياً، وهذا التكوين أو النشوء القسري لكيانات قطرية جعل من الدول العربية في بعض الأحيان مهيأة تلقائياً للصراعات عند توفر أجواء سياسية واجتماعية ـ اقتصادية معينة.

      هذا التكوين القسري للدولة القطرية يفتح المجال للحديث عن مدى فشل الدولة القطرية المعاصرة في أن تكوّن هوية ثقافية موحدة للأمة من جهة، وأن تلبي متطلبات واحتياجات الأمة من جهة ثانية، وقدرتها على أدائها وظيفتها السياسية والأمنية للأمة من جهة ثالثة. ويبدو أن هذه الجوانب الثلاثة جعلت الدولة القطرية في حالة أزمة، وهذا الوضع كان سبباً أساسياً في المحيط الخارجي للعالم العربي؛ إما إلى سياسيات اندماج، أو تكتل مجموعة من الدول القطرية لتطوير قدراتها بدلاً من تطوير دورها وفاعليتها كما هو حال أوروبا. أو اتجاهها نحو التفكك إلى كيانات أضعف أو أكثر قطرية ولكن أكثر التصاقا بالهوية الثقافية والحضارية للأمة.

      كما يمكن أن تطرح قضية هيمنة الأقلية على الأغلبية في بعض الكيانات القطرية العربية مع عجز هذه الأقلية، غالباً، عن الحصول على شرعية الأغلبية بالإرادة الحرة كسبب للصراعات. فرفض هذه الأقلية أن تأخذ موقعها وحجمها الطبيعي ضمن فئات وطوائف المجتمع المختلفة؛ دفعها إلى استخدام القوة المادية للمحافظة على موقعها الاستثنائي. وفي المقابل، فإن تجاهل أو استثناء أو عدم اعتراف الأغلبية بحقوق الأقلية السياسية والثقافية، أو اضطهادها دفعها للجوء إلى القوة المادية لرفع الظلم والحصول على حقوقها. وكلا الوضعين تسببا في نزاعات مسلحة في بعض الدول العربية.

    كما كانت النخب السياسية عاملاً من العوامل الرئيسة في صنع الصراعات أو تسويتها. فقد أدت النخب السياسية أو العسكرية دوراً في داخل بعض الدول العربية على ابتعاد الدولة سياسياً وثقافياً عن مجتمعاتها. حيث مارست دوراً في إيجاد طبقة ثقافية وسياسية بعيدة عن الطبيعة الثقافية والحضارية الذاتية للمجتمع العربي. مما أوجد بيئة نفور ما بين السلطة السياسية الحاكمة من جهة، وما بين أفراد المجتمع ذي الارتباط العفوي والتلقائي مع حضارته العربية الإسلامية. كما ان هيمنة الفردية والمطامع السياسية والاقتصادية في بنية الدولة والنظام السياسي. أنتج فساداً مالياً وإدارياً وسياسياً. ما شكل إحباطاً وغياباً للعدالة. أما النخب السياسية والثقافية للأقليات فهي الأخرى تعد بمثابة قادة التوجيه والتأثير أو النفوذ في سلوك الأقلية السياسي، ومن هنا فإن طبيعة مواقفها وسلوكها كان يؤدي إلى التعايش أو الصراع بين الأقلية والدولة القطرية التي تستقر فيها. حيث غلب عليها الارتباط الخارجي مع دول ذات طبيعة عدائية لبعض النظم العربية الرافضة لمطامع ومصالح هذه القوى الخارجية.

      اليوم تحتفل مجتمعاتنا العربية بالعام الثاني لانطلاقة حراكها، وهي في نفس الوقت تغرق بعوامل الاقتتال والصراع. انه خليط غريب عجيب من العوامل التي باتت تقض مضاجع احلامنا بالغد الافضل.