14‏/08‏/2012

اين اسرائيل من عملية رفح؟

اين اسرائيل من عملية رفح؟

د.خليل حسين

استاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية

نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 14/8/2012

لا تعتبر هذه العملية سابقة في سياق الخروق الأمنية والعسكرية التي تمت في سيناء، وبالأخص في مواقع حساسة لها دلالاتها ورمزيتها الامنية وأبعادها السياسية. فقد شهدت في الفترة السابقة العديد من العمليات المتفرقة،لكن ثمة ثلاث عمليات كان لها دلالاتها وتداعياتها،الأولى في طابا في تشرين الأول / أكتوبر 2004 ، والثانية في شرم الشيخ في تموز / يوليو 2005, والثالثة في منطقة ذهب في خليج العقبة في نسيان / أبريل 2006 , ليبلغ عدد ضحاياها أكثر من 130 قتيلا ومئات الجرحي من مختلف الجنسيات .
وقي مقاربة بسيطة بين تلك العمليات تظهر العديد من الدلالات في العملية الأخيرة وبالتالي الابعاد والأهداف المبتغاة منها.فقد وقعت الهجمات السابقة ضد أهداف مدنية سياحية وكان الضحايا جميعا تقريبا من المدنيين وغالبيتهم من الأجانب, بينما وقع الهجوم الأخير ضد مواقع عسكرية مصرية على الحدود مع اسرائيل. وبخلاف بعض العمليات الصغيرة المتفرقة التي نفذت في داخل سيناء خلال الأشهر الأخيرة ضد الجيش المصري, فتعتبر العملية الأخيرة أول وأضخم عملية تعرض لها الجيش منذ اندلاع موجات العنف في تسعينيات القرن الماضي سواء من حيث الأسلوب أو عدد الضحايا.
وفي مزيد من التدقيق يتضح بعض اوجه التشابه في تلك العمليات، التي توضح أيضا طبيعة الأطراف القائمين فيها،ومن بين اوجه التشابه، مكانها الجغرافي حيث تمت جميعها في اقصى الشمال الشرقي للحدود المصرية وليس في قلب سيناء أو جنوبها أو الساحل الشمالي لها. والأمر الثاني وقوعها في منطقة صعبة وحساسة بالتوصيف الأمني وهي تبعد قليلا عن الحدود المصرية الاسرائيلية.
أن توقيت العملية والمستهدفين منها يثيران أسئلة لافتة حول طبيعة منفذيها, فقد نفذت لحظة إفطار رمضان وفي ذكري غزوة بدر وضد موقع عسكري حدودي يواجه قوات دولة غاصبة. من هنا فإذا كانت الجماعة التي نفذت العملية ذات توجه إسلامي جهادي،فالأرجح أن الاشارات السابقة للتوقيت ولهدف العملية تشيران إلى أنها أيضا ذات طابع تكفيري,
ثمة بعض المؤشرات التي توضح ان بعض المؤثرات التسليحية واللوجستية التي ليس هناك من مصدر لها في هذه المنطقة سوى اسرائيل التي وقعت معظم العمليات على مسافة قليلة من حدودها. وفي الواقع ان مثل هذه المساعدات التي تقدمها اسرائيل لهذه الجماعات المتطرفة لا تصل إليها مباشرة بل تمر عبر خطوط متداخلة من العملاء بما يبعدها عن مصدرها الأساسي وهو أمر تحترفه أجهزة المخابرات الإسرائيلية.
ومن الطبيعي ان يُثار التساؤل حول مصلحة اسرائيل في دعم مثل تلك الجماعات في منطقة حساسة بالنسبة إليها ، الاجابة تكمن في عدة اتجاهات من بينها، ثمة مصلحة اسرائيلية واضحة من خلال تصريحات مسؤوليها منذ العام 2003 ومفادها ان سيناء باتت مرتعا لتنظيمات ارهابية ومصر غير قادرة على ضبط الأمن في سيناء،ما يبرر المطالبة بقوات دولية تنشر في سيناء بكاملها،اي بمعنى آخر محاولة تعديل اتفاقية كامب ديفيد وبخاصة الشق الأمني سيما بعد المتغيرات الحاصلة نتيجة ازالة حكم مبارك والتوجس والخوف الذي تعيشه اسرائيل جراء ذلك.
كما ان من مصلحة اسرائيل دق اسفين بين حركة حماس ومصر بعد وصول الاخوان المسلمين إلى السلطة ، سيما وأن ثمة اتهامات اسرائيلية واضحة ، ان ثمة تعاون بين حماس وهذه الحركات المتطرفة التي تنطلق إلى سيناء عبر الانفاق من غزة. اما الهدف الآخر الذي تبتغيه اسرائيل هو اعادة زج مصر في حصار غزة كما كان سائدا إبان حكم الرئيس حسني مبارك.
ثمة سجل اسرائيلي حافل بمثل تلك العمليات التي تمكنت اسرائيل من استثمارها بشكل جيد ، والتي اعطت نتائج لافتة لجهة شق الصف العربي. ثمة سعي اسرائيلي دؤوب لاشغال مصر وإضافة أعباء اضافية جديدة على عاتق الثورة المصرية وهي في بداية التحوّل نحو نظام سياسي مختلف عما سبقه.