09‏/08‏/2012

لبنان من الحوار إلى الانفجار

لبنان من الحوار إلى الانفجار
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 31/7/2012

ثمة من يقول ان ربيع لبنان بدأ في العام 2005 نتيجة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وما تبعها من تداعيات،وبصرف النظر عن هذا التوصيف الملتبس، ثمة حقائق ووقائع طبعت الواقع السياسي والأمني في لبنان،مفاده قدرة بعض الأطراف اللبنانيين آنذاك على استيعاب واحتواء الكثير من التفاصيل التي كادت في بعض الأوقات ان تأخذ لبنان إلى أماكن أخرى لا تحمد عقباها.
ومن بين هذه الوسائل المتبعة ، كانت حفلات التشاور والحوار التي امتدت على مدى ست سنوات مضت بأوقات متبعادة. لكن المشترك فيها وبينها،خضوعها للعديد من أدوات التأثير الداخلي والخارجي ،ما افقدها المصداقية المطلوبة في مثل هذه الظروف بالذات.
اليوم تمَّ تأجيل الإنعقاد على قاعدة اعتراض بعض الأفرقاء، إلى الشهر القادم،وكالعادة ان التدقيق في أسباب التأجيل ومدته ، هو مرهون ومرتبط بالكثير من الأسباب الخارجية وأبرزها الأزمة السورية. ما يؤكد ان الحوار بنظر الكثير من اللبنانيين هو وسيلة لتقطيع الوقت بانتظار متغيرات وازنة، تعطي نوعا من الدعم للظرف الذي يعتبر المستجدات لمصلحته.
وإذا كان هذا التوصيف ينطبق على الواقع الحالي،فان مستجدات لبنانية داخلية أخرى ظهرت في الفترة السابقة ، هي مظاهر تفريغ المؤسسات السياسية والعسكرية والأمنية ، من قواعد قوتها وسبل استمرارها،ما يدفع للتساؤل عن جوهر ومضمون هذا السياق الذي يمشي به لبنان في هذه الفترة بالذات.فهل المطلوب مثلا ضمور دور الدولة ومؤسساتها وترك زمام الأمور والمبادرة إلى غيرها من بعض قوى الأمر الواقع ؟ وهل ان سياسية الأمن بالتراضي يُعاد العمل فيها بعدما ازدهر اللجوء إليها في فترة الحرب الأهلية السابقة ؟ وهل ان هذا الواقع الذي يتأسس وينتشر في الواقع اللبناني هو مقدمة للانفجار الداخلي الكبير والتي تكاد جميع مكوناته وظروفه وأسبابه قد تكوّنت وباتت جاهزة للدفع بها باتجاه الشارع ؟ جميعها اسئلة تدور في خِلد اللبنانيين كما بدأ التفكير فيها بصوت عالٍ بعد استشعار الأخطار الخارجية وتداعياتها المحتملة على لبنان ومؤسساته ونسيجه الاجتماعي الذي يعتبر أرضا خصبة لكافة انواع الاستثمار الداخلي والخارجي.
ربما كان الحوار وسيلة ناجعة لتأجيل الانفجار بصرف النظر عن مساهمته في حل بعض العثرات التي يتخبط فيها لبنان ، لكن الظروف الداخلية والخارجية لم تعد تسعف لبنان وأدوات حكمه على تقطيع الوقت بنفس الوسائل.ففي جلسة الحوار السابقة كانت بمثابة انتظار ظروف المراقبين الدوليين في سوريا وما سينتج عنها،فيما تم تأجيل الجلسة المقبلة إلى الفترة التي ستنتهي فيها مهمة المراقبين،وهي فترة مفصلية في ادارة الأزمة السورية وما يتوقع لها من انعكاسات خارجية وفي مقدمتها آثارها في الساحة اللبنانية.
ثمة ثوابت حكمت العلاقات اللبنانية السورية لعقود مضت، واليوم ثمة وقائع ومعطيات واضحة تدل على ارتباط البلدين بشكل أو بآخر على وحدة المصير ، من هنا ثمة حاجة ملحة لبناء بيئة سياسية تبعد التداعيات الخارجية عن لبنان اولا،والعمل اقليميا ودوليا على حل ما للوضعين اللبناني والسوري معا.
ان هذا التصور ينبغي ان لا يخيف اللبنانيين بمختلف انتماءاتهم ومشاربهم،والتصور بأن ربط لبنان بالأزمة السورية يعني مزيدا من الوقت الضائع في لبنان ، فشئنا ام ابينا ثمة الكثير من الأسباب والمعطيات التي تربط الواقعين اللبناني والسوري،وبالتالي ان التفتيش عن حل ما ينبغي ان يشمل البلدين معا.
في السابق ثمة شعارات كثيرة حكمت الواقع اللبناني ومنها وحدة المصير والمسار في العديد من مشاريع الحلول الإقليمية ، وكان هذا الشعار مناسبة في تأزيم الواقع اللبناني وتفجيره في العديد من محطات تاريخه السياسي خلال العقود الماضية ، اليوم يبدو لبنان الأقرب إلى هذا التوصيف،وكأنه ينتظر دوره بتفجير الأوضاع الداخلية كمقدمة للحاق بما يجري في العالم العربي ، فهل يعي اللبنانيون ذلك ؟ وهل سيتمكن اللبنانيون من اجتراح المعجزات وإيجاد وسائل وأدوات تدير أزمتهم الداخلية بانتظار حل ما؟ام ان طرق الحوار قد سًدت منافذها بين اللبنانيين وبات الانفجار امرا مقضيا؟.ان تجارب اللبنانيين في هذا المضمار هي متنوعة ومتعددة في الاتجاه الذي يعزز ذلك.