07‏/08‏/2012

زلزال دمشق وارتداداته

زلزال دمشق وارتداداته
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 22/7/2012

بصرف النظر عن الجهة التي نفذت أو خططت،ان كانت داخلية أو خارجية أو الاثنين معا ، وبصرف النظر أيضا عن الكيفية التي تمّت بها عملية الاغتيال،تبقى لتداعياتها ارتدادات كثيرة في غير اتجاه محلي وإقليمي ودولي.ذلك للعديد من الأسباب.
فالعملية استهدفت عصب النظام وقلبه السياسي والعسكري والأمني، والأخطر من ذلك ان المستهدفين يشكلون خلية ادارة الأزمة،وبالتالي ان فقدان هذه الخلية ،سيفقد النظام القدرة على التحرك بفعالية في أشد الظروف حساسية بالنسبة اليه،وبخاصة ان العمليات العسكرية انتقلت إلى اماكن حساسة في العاصمة.
اضافة إلى ذلك، ان القدرة على تعويض عمل هذه الخلية بالسرعة المطلوبة أمر دونه صعوبات كثيرة،فالإعلان عن تعيين وزير للدفاع بعد وقت قصير،لا يعني التعويض عن عمل الخلية مجتمعة،فالأجنحة الأمنية الأخرى المعنية بالمتابعة اليومية ليست مرتبطة بعمل وزارة الدفاع فقط، وتعيين بدلاء عن رؤساء الأجهزة الأخرى يتطلب شروطا تبدو صعبة التحقق في ظل الضغوط الأمنية المتزايدة،في وقت كان رؤساء هذه الأجهزة تحديدا تربعوا على رئاستها لفترات طويلة،مما اكسبهم خبرات متراكمة يصعب على الآخرين ملأه بفعالية وكفاءة مطلوبتين في تلك الظروف،علما ان هذه الخلية الامنية – السياسية تترأس سبعة عشر جهازا ذات مروحة واسعة من الصلاحيات والاختصاصات تبدأ بالأمن والسياسة وصولا إلى الاقتصاد وكافة مناحي الحياة اليومية المعاشة في سوريا.
وبصرف النظر عن امكانية التعويض من عدمه، فمن الطبيعي ان تستثمر هذه العملية في أبرز أدوات الحرب المستعرة بين النظام والمعارضة لجهة الحرب النفسية التي ستسهم في المزيد من حالات الانشقاق، والتي ستبدو أكثر حساسية في المستقبل لجهة النوعية أو الكمية،الأمر الذي سيؤثر في الكثير من التوازنات التي سادت خلال الفترة الماضية.ففي الفترة السابقة تمكن النظام من اثبات قدرته على الاستمرار والظهور بمظهر اللاعب الأقوى بين مجموعة من اللاعبين في ادارة الأزمة،الأمر الذي افتقده بهذه العملية.
ان تراتبية الخلية تأتي في المحيط الأول لرأس قيادة النظام،وتضم موالين حقيقيين، ويمثلون الحلقة الضيقة للقرار السياسي والأمني، والتي سيتأثر العديد من الحلقات التالية بفقدانها، أي بمعنى آخر لقد افتقد النظام حلقة الوصل الحساسة التي تلعب دور التهيئة لاتخاذ القرار والإشراف العملي على التنفيذ وهي الحلقة الأكثر ضرورة لاستقرار أي نظام سياسي في أي دولة.
ان عملية الاغتيال ستشكل منعطفا رئيسا في نوعية الأزمة وكيفية التعاطي معها من طرفي الأزمة،فمن المتوقع ان يكون التصعيد كبيرا مع كسر المحرمات المتعارف عليها،سيما وان الطرفان وصلا إلى نقطة اللارجوع منذ أشهر مضت.
لقد أتت العملية في أكثر الظروف الاقليمية والدولية حساسية، ففي لبنان حيث الدولة الآيلة للسقوط ،سيكون الأكثر تأثرا،وربما سيبتعد لبنان أكثر فأكثر ويعزز سياسة النأي بالنفس التي اعتمدها منذ بداية الأزمة،لكن تداعيات العملية لن تكون بمنأى عن الشارع الذي يتخبط في أكثر من اتجاه وينذر بفلتان أمني واسع النطاق يصعب السيطرة عليه وإدارته.
في المقلب الدولي الآخر ، ثمة مزيد من الضغوط ستمارس عبر الامم المتحدة بهدف التوصل إلى حل ما ، وبخاصة لجهة المراقبين الدوليين ، اضافة إلى الموقفين الروسي والصيني من الأزمة. والسؤال الذي يطرح نفسه ، عن مدى قدرة موسكو الاستمرار في نفس نهج ادارة الأزمة في المحافل الدولية،وهل ستؤثر العملية على مجمل سياسة روسيا الخارجية في الشرق الأوسط عبر الأزمة السورية وتداعياتها وارتداداتها المستقبلية.
ان قوة اي نظام سياسي تتمظهر في قدرته على ادارة ازماته الداخلية والخارجية، كما ان هذه القوة مرهونة بقدرته على تأليف خلايا الأزمات وقدرتها على تظهير الحلول المناسبة،فهل فقدت سوريا هذه الميزة،الجواب مرهون بتطور الأحداث في القليل من الأيام القادمة.