08‏/08‏/2012

واقع النظام الاقليمي العربي ومتطلباته

واقع النظام الاقليمي العربي ومتطلباته
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشر ت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 7-8-2012

من الواضح ان ثمة متغيرات هائلة شهدها النظام الاقليمي العربي خلال السنوات الماضية،وبالتالي ان كثيرا من المفاهيم والأسس التي قام عليها منذ منتصف القرن الماضي قد تغيرت وتبدلت، وبات من الضروري اعادة هيكلة الكثير من الصيغ والتفاهمات بحيث تتكيف ومستجدات الواقع الراهن.
في المبد أ، ثمة حاجة لمزيد من الوقت لبروز صور النظم العربية التي سوف تستقر عليها لاحقا ، فحراك الشعوب العربية في غير بلد عربي قد أحدث صورا نمطية من الصعب التكهّن بما ستؤول اليه الأمور مستقبلا ، وبالتالي ان تحديد أسس النظام الاقليمي العربي بما يتطلب من تحديد لمستوى التعاون بين النظم العربية اولا،ومن ثم تحديد وهيكلة العلاقات العربية غير العربية وبخاصة الاقليمية منها ثانيا، وهو اولا وأخيرا يتطلب المزيد من التدقيق في بعض المبادئ التي قامت عليها جامعة الدول العربية التي ظلت لأكثر من نصف قرن ونيف البيئة الحاضنة لهموم العرب وشجونهم ولو في حدها الأدنى.
اضافة إلى ذلك ثمة متغيرات أساسية ظهرت في محيط النظام الاقليمي وقلبه، ويتمثل في ثلاث دول،اسرائيل وتركيا وإيران ، ولكل منها وضعها وقوتها وطموحاتها.فإسرائيل التي زرعت في قلب النظام الاقليمي العربي باتت اليوم خارج استهدافات هذا النظام بشكل عام ، وتمكنت من اقامة معاهدات سلام مع بعض دول الطوق ، بل جرت محاولات جادة خلال العقدين الماضيين لإدخالها في النظام من خلال مشاريع اقتصادية وتجارية وسياسية،كمشروع الشرق الأوسط الجديد في بداية العقد الأخير من القرن الماضي ، والشرق الأوسط الكبير في منتصف العقد الماضي.بمعنى آخر لم تعد اسرائيل تشكل حالة عداء بالشكل والمضمون التي كانت عليه عند بناء النظام الاقليمي العربي.
في المقلب الغربي من النظام الاقليمي العربي ، ثمة دولة خرجت من العباءة الأمريكية وبنت نظامها السياسي على اسس معاداة الغرب وإسرائيل ، لكنها في الوقت عينه شكلت هاجسا مقلقا جراء طموحاتها للعب ادوار اقليمية عظمى ، أثرت بشكل مباشر على بعض عناصر قوة النظام الاقليمي العربي من خلال سلسلة من ادوات السياسة الخارجية التي اتبعتها ، ومن بينها علاقاتها مع سوريا والعراق ولبنان على الصعيد الرسمي ، وامتداداتها لاحقا مع اطراف وجماعات داخلية في هذه الدول وغيرها ، مما شكل عاملا اضافيا لضرب بنية النظام من الداخل.
وفي الشمال حيث الدولة التي حكمت العرب اربعة قرون ، تحاول اليوم كغيرها من الدول لعب ادوار مؤثرة في نطاقها الجيوسياسي، الأمر الذي ارسى كذلك ظلالا كثيفة على تماسك النظام الاقليمي العربي وقدرته على الاستمرار،وهذا ما جرى في الفترة الأخيرة ابان شيوع الحراك العربي وبخاصة في سوريا.
ان اعادة احياء النظام الاقليمي العربي على قواعد وأسس جديدة تراعي المتغيرات الحاصلة ، يتطلب اعادة هيكلة للنظم السياسية العربية ،وتحديد توجهاتها الاستراتيجية مع دول المنطقة أولا ، وثانيا اعادة النظر في بنى جامعة الدول العربية وآليات عملها ، وثالثا اعادة صياغة شاملة للنظم العقائدية التي تحكم سلوك مجتمعاتنا العربية.
ان الحديث عن النظام الاقليمي العربي في هذه المرحلة التي تمر فيها بلداننا العربية ، يبدو امرا غريبا وعند البعض الآخر امرا مستهجنا، لكن حجم المخاطر ومستوياتها المتقدمة ، تنذر بعواقب أشد خطرا على ما تبقى من نظام اقليمي عربي تهاوت أضلعه وركائزه تحت ضغوط دول اقليمية يبدو انها لن تقف عند هذا الحد من التأثير المباشر.
لقد عاشت بلداننا العربية ومجتمعاتها لأكثر من ستة عقود في ظل نظام اقليمي ربما أدى بعض مهامه في ظروف اقليمية ودولية هي الأشد وطأة على المنطقة. واليوم ثمة حاجة ملحة لتخطي الكثير من المشاكل العربية - العربية ، ومحاولة بناء نظام اقليمي يحدد العدو من الصديق ، كما يراعي ظروف الداخل العربي المعني اولا وأخيرا في أي نظام اقليمي يمكن ان يجد الطمأنينة ، في محيط اقليمي ودولي لم يترك أي وسيلة إلا واستعملها لبلع وهضم الدول العربية وشعوبها.