01‏/12‏/2012

حصاد اسرائيل المر

حصاد اسرائيل المر
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
شرت في الشرق الاوسط بتاريخ 1/12/2012

من هزيمة إلى هزيمة، تلك هي صورة اسرائيل ، فخلال ثمانية ايام من العدوان على غزة لم تتمكن من تغيير قواعد اللعبة السياسية والعسكرية مع الفلسطينيين،وإذا كانت الأهداف المعلنة من العدوان والتي أطلقتها القيادتين السياسية والعسكرية هي متواضعة بالنظر للطموحات الاسرائيلية وبالنظر للأهداف المضمرة أو غير المعلنة من العدوان، فهي لم تحقق مكسبا ذات معنى، بل أكثر من ذلك فالأيام الثمانية رسخت قواعد اشتباك تكاد مهينة لجيش طالما كان يفتخر بأنه جيش لا يقهر.
في المبدأ وان كان الاتفاق الذي اعلن من باب وقف العمليات العدائية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي ، لم يكن وقفا لإطلاق النار بالمفهوم العسكري، إلا انه لم يعط لإسرائيل ما طلبت من هدنة لمدة خمسة عشرعاما، وهو معطى له ابعادا سياسية وقانونية ، وله صلة بمشاريع التسوية المطروحة، ومن بينها حل الدولتين الذي أكله الزمن أصلا بفعل السياسات الاسرائيلية من عمليات التفاوض السابقة. فالواقع الجديد الذي لم يُحدد له فترة زمنية ، وترك الباب مفتوحا على احتمالات متعددة . وبطبيعة الأمر ان احتمال استثماراته هي لصالح الفلسطينيين أكثر من الاسرائيليين لجهة عدم الالتزام بوقف لإطلاق النار ليس له افق سياسي واضح ، وبخاصة لجهة الدولة الفلسطينية الموعودة.
كما ان الفلسطينيين تمكنوا على الأقل من هذا الاتفاق ، التعهد بفك الحصار عن قطاع غزة وتسهيل دخول مستلزمات الفلسطينيين بالحدود المعقولة. وهذا امر يعتبر مكسبا اضافيا وأساسيا في سياق المطالب الفلسطينية المزمنة منذ بداية الحصار.وفي الجانب الفلسطيني أيضا تمكن الفلسطينيون هذه المرة الخروج من العدوان موحدي الموقف والقرارات ، وظهرت مختلف فصائل المقاومة على رأي واحد بما يختص وسائل وطرق المواجهة مع اسرائيل بعدما برزت بعض التباينات في القترة الماضية.
في المقلب الاسرائيلي ، لم تتمكن الآلة العسكرية مجددا من اعادة هيبة الردع،بل تبين من خلال مسار العدوان والرد عليه،ان المقاومة هي التي تمكنت من تعزيز كسر الهيبة العسكرية الإسرائيلية ، بل كرّست توازن ردع ورعب لم تتذوقه تل ابيب منذ صراعها مع الفلسطينيين منذ العام 1948،فقد سجلت سابقة قصف تل ابيب والقدس ومناطق قريبة من ديمونا،بمعنى أبقت معظم الاراضي الفلسطينية المحتلة تحت رحمة صواريخها لمدة ثماني ايام،ولم تتمكن قبة اسرائيل الحديدية من منع تساقط الصواريخ. علاوة على ذلك ان تفجير الحافلة في تل ابيب وهي الأولى من نوعها منذ العام 2006،اعاد رسم صورة نمطية أخرى للصراع ، مفادها ان اسرائيل مهما تعاظمت قوتها الأمنية والاستخبارية هي غير قادرة على ابعاد مخاطر العمليات في الداخل ، وهي أشد ايلاما من الصواريخ بطبيعة الحال من الناحية النفسية والعملية. اضافة إلى ذلك لم تتمكن اسرائيل من تنفيذ عمليات برية ضد قطاع غزة بعدما استدعت خمسة وسبعين الف جندي احتياطي،وتبيّن من ذلك، انها لم تجد ممارسة الحرب النفسية ولا العملية،بل ان تقارير صحافية محايدة أكدت تحطم معنويات جنودها خلال ثمانية ايام وهم ينتظرون قرارا تعرف تل ابيب انها لن تتمكن من اتخاذه بسهولة ، بالنظر إلى السوابق التي وقعت بها في لبنان 2006 وغزة 2008.
ومن باب الطرافة والتهكم، نعم تمكنت اسرائيل من تحقيق انجازات باهرة، اولا سجلت رقما قياسيا يتيح لها دخول موسوعة غينس لجهة عدد الأطفال الفلسطينيين التي قتلتهم خلال ثمانية ايام. وثانيا تمكنها من تجييش اضخم دبلوماسية في العالم من بينها الولايات المتحدة الامريكية ودول اوروبية اخرى لإيجاد مخرج لها لوقف العدوان في يومه الرابع،وثالثا اعادت تكتيل الوضع العربي مجددا حول الشعب الفلسطيني وقضاياه.ورابعا تمكن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وفريقه من اعادة تعويم خصومه السياسيين في انتخاباته المبكرة والتي كانت من بين الاهداف غير المعلنة للعدوان.
في السوابق الاسرائيلية أيضا ،الكثير من الاخفاقات والهزائم الموصوفة امام المقاومات العربية بمختلف فصائلها، لكن في المقابل يسجل لإسرائيل قدرتها على استثمار الوقائع والسياسات للتملص من تعهداتها والتزاماتها،فهل ستتمكن هذه المرة من التفلت مجددا؟ ام انه سيكون للعرب والفلسطينيين كلام آخر بعد متغيرات الوضع العربي مؤخرا ؟ ان تنقل اسرائيل بين هزيمة وهزيمة بات امرا واقعا ينبغي تعزيزه وتكريسه في الذاكرة الجماعية للعرب ،بعدنا تمكنت اسرائيل من كي وعينا وذاكرتنا بأن جيشها لا يهزم ولا يقهر، وفي الواقع تبين انه جيش لا يقرأ دروس الماضي ولا يفهم عِبره !.