28‏/12‏/2012

المعاهدات مدلولها وأنواعها في القانون الدولي الإسلامي


المعاهدات مدلولها وأنواعها في القانون الدولي الإسلامي
 
اولا : مدلول المعاهدات في القانون الدولي الإسلامي:

       كلمة المعاهدة، كلمة تستعمل في التعبير عن الاتفاقات بين الدول تمييزاً لها؛ لأنها لا تحكم بقواعد القانون الداخلي؛ ولا تكاد تستعمل في المعاهدات التي تعقدها الدول مع المنظمات والأحزاب والفئات الداخلية؛ وهذا منهج قانوني يختلف عن المنهج الإسلامي الذي يعطي المعاهدة قوة ملزمة لأطرافها، سواء كانت مع دول أو مع جماعات دون ذلك، وسواء كانت مع أطراف قوية أو ضعيفة، وسواء كانت خارجية أو داخلية.

        ومن هنا كان الإطار الذي يحصر المعاهدات في القانون الدولي الإسلامي، هو إضافة المعاهدات إلى الدولة الإسلامية؛ لتتحقق مراعاة أحكام الشريعة فيها؛ فالمعاهدات التي تعقدها الدولة الإسلامية الملتزمة بأحكام الإسلام، هي التي يمكن أن يطلق عليها: (معاهدات الدولة الإسلامية)، فتنسب إلى الدولة الإسلامية باعتبار أنها تُعقد باسم الدولة الإسلامية، ووفق القانون الإسلامي، سواء كانت مع دول أو مع منظمات دولية أو محلية أو مع فئات من المجتمع الإسلامي نفسه؛ وعلى هذا فهي: كل اتفاق، تعقده الدولة الإسلامية، مع الأجانب (غير المسلمين من رعايا الدول غير الإسلامية)، أو الذميين (غير المسلمين من رعايا الدولة الإسلامية)، أو البغاة (المعارضة الإسلامية المسلحة، التي تستهدف نظام الحكم المعترف به شرعاً) لأجل علاقة مشروعة، وتذكر فيه قواعد الاتفاق وشروطه.

      هذا هو مدلول المعاهدات بالمعنى العام في القانون الدولي الإسلامي، متضمنا ما بحثه فقهاء القانون الدولي الإسلامي من أنواع العهود، وهو لا يخرج عن المدلول اللغوي للعهد، الذي يعني الدخول في عقد مع طرف آخر، أو أطراف آخرين.

 
ثانيا : أنواع المعاهدات في القانون الإسلامي:

1.  المعاهدات التي تعقد مع الأجانب:

أ. معاهدة الصلح العام؛ وهي: المعاقدة بين الدولة الإسلامية، والدول المعادية أو بعضها، على الصلح والمسالمة، ووقف الأعمال العدائية، مدَّة محددة أو غير محدَّدة، ولو لم يخضعوا لحكم الدولة الإسلامية.

ومن أهم أحكامها ما يلي:

-        أنَّ عقد الصلح مظلة لكثير من المعاهدات والمواثيق التي تتم بين الدولة الإسلامية والدول الأخرى؛ كالمعاهدات التجارية، والاقتصادية، والعلمية وتبادل الخبرات..؛ فيمكن أن يندرج تحتها معاهدات كثيرة؛ لأنَّ مشروعية معاهدة الصلح: عامَّة، لم يرد فيها تقييد لنوع العلاقة التي يتم الاتفاق عليها؛ فموضوع المعاهدة الأساس هو المسالمة، وما زاد على ذلك متروك للدولة الإسلامية، يُنظر فيه سياسة بما تقتضيه المصلحة الشرعية؛ فالدليل الشرعي على جواز معاهدة ما، هو دليل جواز العلاقة التي تنظمها تلك المعاهدة؛ فإذا كانت مشروعة شرعت هذه المعاهدة، وصح الاتفاق عليها، وإذا كانت غير مشروعة لم تشرع المعاهدة، وبطل الاتفاق عليها.[1]

-        ينظر القانون الدولي الإسلامي إلى الدول المعادية بواقعية؛ فيشترط لصحة عقد الصلح أن لا يكون مؤبَّداً؛ وإنَّما يكون محدَّداً بمدَّة معيَّنة، قابلة للتمديد، أو بدون مدة بشرط أن يُعْلِم أحد الطرفين - أو الأطراف - الآخرَ عند نيته الانسحاب من المعاهدة؛ فهو يوافق القانون الدولي في تحديد المدَّة وإطلاقها؛ لكنه لا يقبل الصلح المؤَّبد؛ لعدم واقعيته؛ وعقد الصلح المؤبَّد باطل باتفاق فقهاء القانون الدولي الإسلامي؛ لا يلزم الدولة الإسلامية تنفيذه؛ وهذا ما يفسِّر معارضة الشعوب والحركات الإسلامية لعقد صلح مؤبَّد مع الكيان الصهيوني في فلسطين

-             أنَّ القانون الدولي الإسلامي يرفض المعاهدة التي تتم بالإكراه، إلا في حالات استثنائية ضيقة؛ لأنَّها تكون قد عقدت مع المكرَه، والمكرَه في القانون الإسلامي فاقد لأهلية التعاقد؛ فالقاعدة العامة أنَّه: إذا أُكره مندوب الدولة الإسلامية على عقد معاهدة، لإجحافها بالدولة الإسلامية ورعاياها؛ فإنَّها تعد معاهدة باطلة؛ ويجب على الدولة الإسلامية رفض التصديق عليها.

-         يؤكد القانون الدولي الإسلامي ضرورة توضيح قواعد الاتفاق وشروطه، منعاً لِلَّبْس والغموض، حتى لا يكون في بنود المعاهدة ما قد يكون مثاراً للاختلاف عند التطبيق، مما قد يؤدي إلى زوال الغرض من المعاهدة، أو نقضها؛ وذلك انسجاماً مع وجوب تقيّد الدولة الإسلامية بما تعقده من معاهدات مشروعة؛ إذْ يتحتم الوفاء بها وفق القانون الدولي الإسلامي[2].

 
ب. معاهدة الأمان العام، وهي: نوع من أنواع الصلح، يتميز بأنه يمنح لمحصورين لا يجدون مفرَّاً من الاستسلام للدولة الإسلامية، وفق شروط يتفق عليها.

ج. معاهدة الأمان (الخاص): معاهدة الأمان. وهي التي سبق الحديث عنها في محور خاص.

د.  معاهدة الذمة (عقد الذمة): فهو في بدايته عقد مع أجانب، لكنهم ينضمون بمقتضاه إلى رعايا الدولة الإسلامية، مع بقائهم على دينهم، وتلتزم بموجبه الدولة الإسلامية بحمايتهم على أن يبذلوا الجزية (ضريبة مالية رمزية سنوية)، ويلتزموا أحكام الملة فيما يتعلق بهم.

ويلحظ في الجزية أمور، منها:

-        أنَّ الجزية عامة في الأفراد والجماعات، فقد تعقد مع فرد، وقد تعقد مع جماعة، بحيث يكونون مواطنين في الدولة الإسلامية.

-        أنَّ الجزية ضريبة مالية رمزية مقطوعة؛ فهي أقل بكثير من الزكاة (المبلغ المالي الذي يتعبد المسلم لله جل وعلا بإخراجه من ماله بنسبة معينة حسب نوع المال، وهي في العملات = 2.5 في المائة).

-        أنَّ الجزية لا تؤخذ من النساء والأطفال والرهبان؛ أمَّا الزكاة فتؤخذ من كل مسلم يملك مالاً تجب فيه الزكاة، سواء كان امرأة أو طفلاً أو منقطعاً للعبادة أو عالماً بالدين.

-        أنَّ الدولة الإسلامية تلتزم بموجب هذا العقد بحماية الذميين - رعايا الدولة الإسلامية من غير المسلمين - وإذا عجزت عن ذلك ترد عليهم ما أخذ منهم من جزية؛ ولذلك ردّ المسلمون ما جبوه من نصارى الشام من الجزية والخراج، و قالوا لهم لما بلغتهم الحشود العسكرية الضخمة التي كانت في طريقها إلى الشام: "رددنا عليكم ما أخذنا منكم، ونحن لكم على الشرط، وما كتبنا بيننا وبينكم إنْ نصرنا الله عليهم"؛ وكان نصارى الشام معجبين بعدل الجيش الإسلامي ووفائه فقد قالوا للمسلمين: "ردَّكم الله علينا ونصركم عليهم، فلو كانوا هم، لم يردوا علينا شيئاً وأخذوا كل شيءٍ بقي لنا حتى لا يدعوا لنا شيئاً".

-        ومما يؤكد البند السابق: أنَّ الذمي يجب أن يعفى من الجزية بمجرد دخوله في الإسلام؛ علماً أنَّ الجزية أوفر - لدافعها - من الزكاة؛ التي تجب على من تتوفر فيهم شروطها من المسلمين، وعلى من يدخلون في الإسلام من أهل الديانات الأخرى.

 
ب- المعاهدات التي تعقدها الدولة الإسلامية مع رعاياها:

-         المعاهدات التي تعقد مع رعايا الدولة الإسلامية من غير المسلمين: وهي العقود والعهود الداخلية، التي تقتضي المصلحة العامة عقدها، مع رعايا الدولة الإسلامية من غير المسلمين (الذميين)؛ كمعاهدات ترميم الكنائس للمواطنين من أهل الذمّة، أو الاعتراف الرسمي بممثلين لأصحاب الديانات، كممثل للنصارى أو ممثل لليهود، أو تغيير التعرفة الضريبية التجارية (العشور)، أو تغيير مقدار الضريبة الخاصة (الجزية)، ونحو ذلك.

-        المعاهدات التي تعقد مع رعايا الدولة الإسلامية من المسلمين: وهي التي تعقد بين الدولة الإسلامية والمعارضة الإسلامية المسلحة (البغاة)، التي تستهدف نظام الحكم المعترف به شرعاً، كمعاهدة وقف القتال، وتبادل المحتجزين.

[1]   ومثال ذلك: المعاهدات التجارية؛ فإنَّها تكون غير مشروعة، إذا كان موضوعها المتاجرة في شيء من المحرمات، كالخمور، والربا، والقمار، ونحو ذلك؛ بل يكون هذا الاتفاق باطلاً، يجب إلغاؤه وعدم الوفاء به، وتكون مشروعة إذا كان موضوعها المتاجرة في شيء من المباحات، كالأطعمة المباحة، والأنعام، والسيارات، والثياب، ونحو ذلك.
 
 [2] لك أن تقارن هذه الأخلاقيات الإسلامية، بمحاولات قادة ما يسمى (الشرعية الدولية) التفلتَ من بنود المعاهدات، بعرض تفسيرات جديدة،لم ترد في خلد من صاغ تلك المعاهدات ووقعها وصادق عليها؛ كمحاولات الولايات المتحدة الأمريكية التملصَ من الاتفاقات الدولية المتعلقة بالأسرى، ومحاولة تفسيرها تفسيراً تنفرد من خلاله بهضم حقوق الأسرى .وأين هذا من محاولات الدولة ذاتها من الخروج بالمسؤولية الجنائية لعسكرييها عن دائرة المحاكمة في محكمة الجنايات الدولية؛ ولمَّا حاصرها العالم لجأت إلى دول صغيرة معترف بها دولياً أو غير معترف بها لتعقد معها ما يعرف بالاتفاقات الثنائية؛ التي تقضي بعدم تسليم مجرمي الحرب من جنود الولايات المتحدة، لمحكمة الجنايات الدولية التي كانت الولايات المتحدة ذاتها من الدول التي اقترحت إنشاءها !؟