25‏/03‏/2013

الارعاب واثره وسبل مكافحته


الارهاب وأثره وسبل مكافخته

محاضرة القيت في الكلية الحربية /الجيش اللبناني

بتاريخ 23/3/2013

 

 

القسم الأول

ماهية الإرهاب

 

        ثمة العديد من المشكلات التي تظهر بقوة لدى محاولتنا تعريف الإرهاب ،ذلك يعود إلى اختلاف وجهات النظر إلى الموضوع من نظام سياسي لآخر . فالإرهابي في نظر بعضهم مناضل أو مكافح أو مجاهد، وهو مجرم في نظر بعضهم الآخر، والعودة لتاريخ الأعمال التي تتسم بالعنف يمكن أن توصلنا إلى معالم التعريف.

أولا: جذور وأصول العنف والأعمال الإرهابية

       عرفت المجتمعات البشرية ظاهرة العنف والتصارع على النفوذ والسلطة منذ أقدم العصور بأشكال مختلفة ومتعددة[1]، فتحدثت البرديات المصرية القديمة عن الصراع الدموي بين الكهنة وصور القسوة التي سادت بينهم بسبب التنافس على المناصب الكهنوتية،كما سجل التاريخ صراعات كثيرة قي المدن اليونانية القديمة،والأمر عينه في العصور الوسطى في أوروبا من خلال العمليات التي كانت تشنها العصابات في أراضي الإقطاعيات المتخاصمة معها.

        وتعتبر  منظمة السيكارى أول منظمة إرهابية عرفها التاريخ التي شكلها بعض المتطرفين من اليهود من طائفة الزيلوت الذين وفدوا إلى فلسطين في نهاية القرن الأول قبل الميلاد بهدف إعادة بناء الهيكل الذي عرف بالمعبد الثاني. وتميّزت هذه الحركة باستخدام وسائل غير تقليدية في عملياتها، فكانت تستخدم سيوفاً قصيرة تسمى سيكا. وفي نهاية القرن التاسع عشر ظهرت أول بوادر الإرهاب الحديث في روسيا بظهور منظمة الأرض والحرية في عام 1876، ثمَّ منظمة الإرادة الشعبية التي تشكلت عام 1879، والتي جعلت الإرهاب جزءاً متكاملاً من العملية الاجتماعية الروسية.

        إن أول من استخدم القنابل كأسلوب عمل لتحقيق أهداف معينة الثوار الايرلنديون في العقد الثامن من القرن التاسع عشر في عملية الفرار من سجن كلير كنوبل في لندن.كما سجلت الثورة الفرنسية سبقا جديدا في ظاهرة العنف السياسي المتمثل بقطع رأس 130 إلف وسجن 300 إلف آخرين. كما أن الاغتيال السياسي أسلوب قديم للعنف ظهر ابتداءً من اغتيال يوليوس قيصر في ميدان كورى بروما، مروراً باغتيال هنري الرابع، والملك الإسكندر ملك يوغوسلافيا وغيرها، وصولا إلى أشهر عمليات الاغتيال السياسي في القرن العشرين ومنها اغتيال الأمير رودولف وليُّ عهد النمسا على يد متطرف صربي، والتي كانت سبباً لإشعال الحرب العالمية الأولى.

         لقد شكّلت الحرب العالمية الثانية نقطة تحوّل وخطاً فاصلاً بين تاريخين للعنف والإرهاب، فقد أصبح للصراع السياسي داخل الدول وفيما بين الدول والحكومات أشكالا جديدة لم تكن معروفة من قبل، وتعاظم دور الإرهاب وأصبح ظاهرة مختلفة تماماً عن تلك الظاهرة التي كانت تعرفها البشرية. وعرفت أوروبا خلال مرحلة الحرب الباردة منذ بداية خمسينيات القرن العشرين ما سُميَّ بالإرهاب الأحمر أو الإرهاب اليساري الذي ارتبط بالتنظيمات الشيوعية التي وجهت عملياتها ضد الدول الغربية، وبصفة خاصة ضد الولايات المتحدة[2]. كما عرفت ما سُميَّ بالإرهاب الأسود الذي ارتبط بالتنظيمات الفاشية والنازية في إيطاليا وألمانيا والنمسا، وكذلك الإرهاب الانفصالي الذي تقوم به إحدى الجماعات الانفصالية بهدف تحقيق انفصال أقلية معينة تقطن إقليماً معيناً عن الدولة الأم كما في حالة الجيش الجمهوري الايرلندي في بريطانيا، وحركة آيتا في إقليم إلباسك بأسبانيا وحزب العمال الكردستاني في تركيا[3].

        وعانى المجتمع الدولي منذ بداية الستينيات من أشدِّ العمليات الإرهابية قسوة وخطورة وهي التي مورست ضد الطائرات المدنية عبر السيطرة عليها وإجبارها بالقوة على تغيير مسارها وحجز ركابها داخلها لتحقيق مطالب معينة لخاطفيها الذين أطلق عليهم قراصنة الجو. وكان أول حادث اختطاف طائرة مدنية في بيرو عام 1930. ولكن الظاهرة لم تأخذ منحى لافتاً إلا في النصف الثاني من القرن العشرين.وكانت المنظمات الإرهابية خلال السبعينيات إما يسارية أو فوضوية، وهي حركات تسعى إلى الحكم وأشهرها الألوية الحمراء في إيطاليا، وبادرماينهوف الألمانية، ولواء الغضب البريطانية، والعمل المباشر الفرنسية، وتوباماروس في أمريكا الجنوبية، .. واستخدمت هذه التنظيمات العنف ضد الحكومات وأهداف مختارة من المنشآت أو الأشخاص بقصد بثِّ الذعر ونشر الرعب لتحقيق شعار "ارهب عدوك وانشر قصتك"، أي أقل عددٍ من الضحايا وأكبر عددٍ من الناس يشاهدون. أما في الثمانينيات فقد شهد الإرهاب تحوّلا ليس في إستراتيجيته فقط، بل أيضاً في نوعية القائمين به فأصبحت مخابرات بعض الدول الكبرى والصغرى تمارس الإرهاب أحياناً . وتحوّلت إستراتيجية الإرهاب من مجرّد بثِّ الذعر والخوف إلى إحداث التدمير وإيقاع الخسائر الكبيرة بالخصم بقصد التأثير في القرار السياسي وإظهار الدولة الخصم بمظهر العاجز عن حماية مواطنيها، أمَّا في عقد التسعينيات وحتى نهاية القرن العشرين، ومع أفول توترات الحرب الباردة بسقوط الاتحاد السوفيتي، تراجع إلى حدٍ كبير استخدام الإرهاب كبديل للحرب التقليدية بين الكتلة الشرقية بقيادة الاتحاد السوفيتي السابق والكتلة الغربية بقيادة الولايات المتحدة. وتحوّلت استراتيجيات الإرهاب في عقد التسعينيات إلى عمليات تهدف إلى الإضرار العام[4].

ثانيا: الاتجاهات الرئيسة في تعريف الإرهاب

        لا يوجد تعريف محدد متفق عليه لتعريف ظاهرة الإرهاب.
والإرهاب ليس مجرد عمليات مثيرة، إنما يعتبر نمطا من أنماط استخدام القوة في الصراع السياسي، وهو استخدام قد تمارسه الجماعات السياسية أو الحكومات بهدف التأثير في القرار السياسي لغيرها، وثمة العديد من المشاكل التي تحيط بالمفهوم وتجعل من الصعب إيجاد تعريف محدد له. ومن أهم المشاكل ، تشعب ظاهرة الإرهاب وتعدد أشكاله وأهدافه وتنوع الدوافع لارتكاب هذه الجريمة، فضلاً عن ممارسات القوى الكبرى وبعض الدول التي تستخدمه أو تشجع عليه. واختلاف مصالح الدول ومحاولة كل مجموعة دولية فرض وجهة نظر تتفق مع مصالحها أو خلفياتها التاريخية، إضافة إلى اختلاط صور العنف السياسي بالإرهاب. كما أصبح الفرق غير واضح بين الإرهاب وبين الجرائم السياسية والجريمة المنظمة وديكتاتورية الدولة، بل تجاوز الأمر إلى اختلاط مفهوم الإرهاب مع بعض صور الحرب والأشكال الأخرى للعنف ومنها حركات التمرد والعصيان والانقلابات وغيرها .

1.     التعريف اللفظي للإرهاب

    أصبح الإرهاب كلمة شائعة الاستخدام، ويثير لفظ الإرهاب معنى الخوف أو التخوّف، ولفظ إرهاب مصدره رَهِبَ، وبابه طَرِب، ورهَبْه ورُهباً، وكلمة َرَجُلُ رَهَبُوت تعني مرهوب، ويُقال رَهَبُوت خير من رَحَمُوت، أي لأن تُرْهَب خير من أن تُرحم. وأرْهَبَه واستَرْهَبَه تعني أخافه. أما عن معانيها في القرآن الكريم، فقد وردت عدة آيات مثل قوله تعالى ]وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُون[5][، وكذلك قوله تعالى ]تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُم[6][ . ومما سبق يتضح أن المعنى الرئيس لكلمة أرهب هو خَوَف وأفزع، ومن ثم فالمصدر منها هو إرهاب بمعنى الإخافة والتخوّف والفزع، والإرهاب يعني الرعب والذعر.

     وبذلك يكون الإرهاب لفظ قرآني له معنى مزدوج، الخوف من الله في قوله ]يَرْهَبُون[، وهو معنى إيجابي لأن الخوف من الله يؤدي إلى التقوى والالتزام بتعاليمه الموجودة في الكتب السماوية، والخوف من الإنسان في قوله تعالى ]تُرْهِبُونَ بِهِ[. بمعنى إرهاب الإنسان للإنسان، ونظراً لأن العلاقات بين البشر قد تأخذ شكل صراع عنيف، يرهب فيه القوي الضعيف ويُرهب الظالم المظلوم، وبذلك يتطلب من الضعيف والمظلوم الاستعداد وتقوية النفس لمواجهة القوي الظالم، فالإرهاب الأول عدوان فعلي والإرهاب الثاني قوة ردع تمنع تحقيق الإرهاب الفعلي، فليس الإرهاب هو الذي يقتل ويدمر، بل قد يردع عن القتل والتدمير أيضاً. بينما كلمة: "الإرهابيون" تعني وصفاً يُطلق على الذين يسلكون سبل العنف والإرهاب لتحقيق أهدافهم السياسية.

     كلمة إرهاب في اللغة الإنكليزية هي Terror وترجع في أصولها إلى الفعل اللاتيني Ters، ويعني الترويع أو الرعب والهول. وفي اللغة الفرنسية Terrorisme. بالمعنى السابق ذاته ، وفي المعجم العربي الحديث تعني كلمة إرهاب الأخذ بالعسّف والتهديد والحكم الإرهابي الذي يقوم على أعمال العنف. وفي قاموس أكسفورد تعني كلمة Terrorism سياسة أو أسلوب يُعد لإرهاب المناوئين أو المعارضين لحكومة ما وإفزاعهم، بينما تستخدم كلمة إرهابي للإشارة إلى الأسلوب الذي مارسه اليعاقبة وعملاؤهم إبان الثورة الفرنسية. كما تشير بوجه عام إلى أي شخص يحاول أن يفرض آراءه بالإكراه أو التهديد والترويع.

2       . التعريف الموسوعي للإرهاب

تعددت التعريفات الموسوعية للإرهاب، إذ تشير Terrorisme في موسوعة لاروس إلى أعمال العنف التي ترتكبها مجموعات ثورية،  وكذلك الإرهابي Terroriste هو الفرد الذي يمارس أعمال العنف، وقد ارتبط وصف إرهابي بزعماء الثورة الفرنسية الذين أقاموا حكماً يعتمد على الرعب والإرهاب في فرنسا عام 1793. وفي قاموس السياسة تعني كلمة إرهابي Terrorist الشخص الذي يلجأ إلى العنف والرعب ليحقق أهدافا سياسية، والتي غالباً ما تترجم الإطاحة بالنظام القائم. وفي معجم المصطلحات السياسية تعني كلمة إرهاب Terrorism العملية التي قد تقوم بها السلطة لتعزيز قبضتها على المجتمع، أو قد تقوم بها عناصر مناوئة للحكومة ترى في الإرهاب وسيلة لتحقيق أهدافها الخاصة، كما يشكل الإرهاب رصيداً للحركات السياسية التي تتخذ العنف طريقاً لتحقيق أهدافها.وفي الموسوعة العالمية نجد أن الإرهابي هو الشخص الذي يقوم بأعمال عنف، وهو لا يعمل بمفرده، ولكنه ينخرط في إطار جماعة أو نظام معين، ذلك وفقاً لإستراتيجية محددة، وفي قاموس السياسة الحديثة نجد أن كلمة إرهابي تستخدم لوصف المجموعات السياسية التي تستخدم العنف أسلوباً للضغط على الحكومات لتأييد الاتجاهات الساعية للتغييرات الاجتماعية الجذرية.

2.    الفقه الغربي والإرهاب

لم تتوحد التعريفات الفقهية على تعريف محدد يلقى قبولاً عاماً، فقد عرَّف الفقيه "غونز  بيرغ" Gunzburg الإرهاب بالاستعمال العمدي للوسائل القادرة على إحداث خطر عام، تتعرض له الحياة، أو السلامة الجسدية أو الصحية أو الأموال العامة. بينما يرى "رادوليسكو" Radulesco أن الإرهاب هو الاستعمال لوسائل قادرة على إحداث خطر عام. كما عَرف الفقيه "جورج ليفاسير" Levasseure Gourg الإرهاب بأنه الاستعمال العمدي والمنظم لوسائل من طبيعتها إثارة الرعب بقصد تحقيق أهداف معينة، كما ذهب الفقيه الإيطالي "بالاتزو" Palatzzo إلى أن العنصر الأساسي في تعريف الجريمة الإرهابية إنما يكمن في قصد إشاعة الرعب في المجتمع.

3.    القوانين الوضعية الغربية والعربية لتعريف الإرهاب

في قانون منع الإرهاب الصادر في المملكة المتحدة، عرَّف المشرع الإرهاب بأنه استخدام العنف لتحقيق أهداف سياسية، بما في ذلك الاستخدام للعنف بغرض إشاعة الخوف بين أفراد الشعب أو قطاع منهم. كما يعد ما أقرته محكمة جنايات جنوفا في حكمها الصادر  بتاريخ 8 تشرين الاول / أكتوبر 1982، أبرز التعريفات القضائية، حيث عرفت الإرهاب بأنه طريقة للكفاح السياسي، تنفذ من خلال اللجوء المتكرر والمنتظم إلى وسائل تتسم بعنف من نوع خاص، أي عنف مفرط لا يعرف الرحمة، وغير مميز بِحيث يختار ضحاياه دون تمييز، ولا يقيم أي اعتبار للمصالح التي يحميها النظام القانوني، للدرجة التي ينشر معها الرعب ويشيعه في المجتمع.

4.      الفقه العربي والإرهاب

ساهم العديد من فقهاء القانون العرب في تعريف الإرهاب، وكان أهمها تعريف الدكتور عبد الوهاب حومد، حيث رأى أن الإرهاب مذهب يعتمد للوصول إلى أهدافه على الذعر والإخافة، وهذا المذهب ذو شقين الأول منهما اجتماعي يرمي إلى القضاء على نظام الطبقات بمجموعه ومختلف أشكاله، وبذلك يكون النظام الاجتماعي هدفاً مباشراً له، أما الشق السياسي فيهدف إلى تغيير أوضاع الحكم ونظمه. أما الدكتور صلاح الدين عامر، فيرى أنَّ الإرهاب هو الاستخدام المنظم للعنف وحوادث الاعتداء الفردية أو الجماعية أو التخريب من أجل تحقيق هدف سياسي، وتمارس هذا النشاط إحدى المنظمات السياسية، لخلق جو من عدم الأمان، من خلال العديد من أشكال العنف، أهمها اختطاف الأفراد، واستخدام المتفجرات والعبوات الناسفة في أماكن وجود المدنيين ووسائل النقل العامة، والتخريب وتغيير مسار الطائرات بالقوة.

5.     الفقه الإسلامي والإرهاب

يكاد مفهوم الإرهاب في الفقه الإسلامي يكون هو ذاته في القانون الوضعي، إذ من المنظور الإسلامي تكون الأعمال الإرهابية هي التي تنطوي على إشاعة الرعب والخوف وأخذ الأموال والقتل، وقد تناول الفقهاء هذه الأعمال تحت مصطلح "الحرابة" أو "قطع الطريق"، وهو في رأي البعض: "البروز لأخذ مال، أو القتل، أو إدخال الرعب في قلوب المسالمين اعتماداً على القوة". وذهب رأي آخر إلى أن جريمة الحرابة (الأعمال الإرهابية) هي: خروج طائفة مسلحة أياً كان سلاحها من أجل إحداث الفوضى وسفك الدماء وسلب الأموال، وهتك الأعراض، وإهلاك الزرع والحيوانات، متحدّية بذلك الدين والأخلاق والقانون، ولا فرق في هذا الشأن بين أن تقع الأعمال الإرهابية ضد مسلمين أو غير مسلمين، وسواءً كان غير المسلمين من مواطني الدول الإسلامية أو من مواطني الدول الأجنبية التي بينها وبين الدول الإسلامية علاقات سلمية (دار العهد)، أو كان المعتدى عليهم من مواطني دولة أجنبية معادية للدولة الإسلامية، ما داموا غير مشاركين في الأعمال العدائية، كالأطفال والنساء وكبار السن ورجال الدين والمدنيين ممن لم يشتركوا فى الأعمال العدائية ضد المسلمين، أو كانوا من أفراد القوات المسلحة للعدو ولكنهم تركوا القتال ضد المسلمين باختيارهم بأن ألقوا السلاح طواعية أو رغماً عنهم نتيجة الأسر أو الجرح أو المرض، وما شابه ذلك، وذلك لقوله تعالى: ]وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ[7][.

        من التعريفات السابقة يمكن تحديد بعض العناصر التي تميز العمل الإرهابي كالآتي:

- العمل الإرهابي عمل يتسم بدرجة كبيرة من العنف، سواءً كان عنفاً مادياً أو عنفاً نفسياً. ويُقصد بالعنف المادي الشديد العنف الذي ينطوي على المساس بالحياة وسلامة الجسد الإنساني، والذي يتمثل في القتل والإصابات الشديدة، أو قد يكون في صورة تعذيب جسدي. أما العنف النفسي الشديد فهو الذي يؤدي إلى تدمير شخصية الضحية، وإلحاق المعاناة والألم النفسي الخطير، وإفقاده إحساسه بذاته، ويتحقق ذلك غالباً بإشاعة الشعور بالقلق والرعب.

- عمل يقصد به إشاعة الرعب لدى الشعب أو فئة معينة منه، ورغم أنه توجد بعض الروابط التي تربط بين العنف وإشاعة الرعب أو الخوف في المجتمع، وروابط أخرى تربط بين العنف وتحقيق أهداف سياسية، إلا أنه بصفة عامة نجد أن الفرد الذي يقع فريسة للرعب في أعقاب تهديد أو عمل عنف يكون عاجزاً عن التصرّف بطريقة عادية بسبب عدم قدرته على تنسيق تصرفاته، كذلك فإن المجتمع الذي يكون معرضاً للإرهاب يواجه حالة من التفكك والانهيار، ويفقد قدرته على رد الفعل، ومن ثم يكون الإرهاب بوصفه ظاهرة إيديولوجية اجتماعية سياسية، تختلف اختلافاً جوهرياً عن مجرد استخدام العنف لتحقيق أهداف سياسية.

- وجود باعث إيديولوجي[8] Ideology، بين الجريمة الإرهابية وغيرها من الجرائم الأخرى، التي قد تتشابه معها، حيث تتسم الجرائم الإرهابية بوجود هذا الباعث الذي يحرك الإرهابي، وكذلك وجود الهدف السياسي الذي ارتكبت العملية الإرهابية من أجله، ويمكن أن يتضاءل الهدف السياسي، إلا أنه لابد من وجود الباعث الأيديولوجي، الذي يحرك السلوك والدافع للقيام بأعمال إرهابية لا تدخل في نطاق أي إستراتيجية سياسية، غير أنها لا تخلو من وجود تبرير إيديولوجي.

- شيوع المخاطر الناتجة عن العمليات الإرهابية، وبخاصة أن أهم ما تتسم به هذه العمليات هو عدم وجود علاقات أو مصالح بين الضحية والإرهابي، فالضحايا لا يتم تحديدهم لعلاقاتهم الشخصية بالإرهابي، ولكن لعلاقاتهم القائمة بالنظام السياسي القائم، أو حتى لمجرد كونهم من أفراد المجتمع، ومن ثم يظهر جسامة وشيوع الخطر الناتج أو الضرر الناشئ من العمليات الإرهابية، حيث يؤدي ذلك إلى انعدام الأمن الجماعي وفقده، ويخلق مناخاً وشعوراً بالرعب والخوف لدى المواطنين.

6. مساهمات الفقه والقانون الدولي:

        من المفيد الاستعانة بالقانون الدولي لمعرفة أشكال الإرهاب التي يحظرها، سواء تلك الصادرة عن الأفراد أو الجماعات، أو الدول وهو ما يعرف بالاتجاه ألحصري الوصفي في تعريف الإرهاب بتعداد صوره وإدانتها وهو ما عوّلت عليه الجماعة الدولية نظراً لصعوبة تعريف المفهوم تعريفاً جامعاً مانعاً[9].

        وفي القانون الدولي ثمة أربع مجموعات من الأحكام الدولية التي تعرف الإرهاب بتعداد صوره وتدينها[10]. ومنها قواعد العرف الدولي التي استقرت على تحديد بعض أعمال العنف الموصوفة بالإرهاب مثل القرصنة البحرية أو الجوية كخطف السفن والطائرات وإبادة الجنس البشري كإبادة جماعة عرقية معينة كما في الأحداث التي تعرّض لها مسلمو البوسنة على يد متطرفي الصرب اليوغوسلاف. وانتهاك قواعد القانون الدولي الإنساني في الصراعات المسلحة والتي تم تدوينها في اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، وفي البروتوكولين المكملين لها لعام 1977.أما المصدر الثاني من هذه الأحكام فهو المعاهدات الدولية ، وعلى سبيل المثال لا الحصر، اتفاقية منع إبادة الجنس البشرى لعام 1948، واتفاق طوكيو 1963 لإدانة الأعمال غير القانونية على متن الطائرات، واتفاق مونتريال لعام 1971 لإدانة خطف الطائرات، واتفاق إدانة خطف الدبلوماسيين ورجال الدولة الرسميين لعام 1973، واتفاق إدانة احتجاز الرهائن لعام 1979. والمجموعة الثالثة من الأحكام التي تدين الإرهاب، البيانات والقرارات الدولية الصادرة عن إحدى هيئات الأمم المتحدة أو عن المجتمع الدولي بشكل عام، ومنها إعلان هلسنكي لعام 1975، وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 49/ 60 الصادر في 9/12/1994، وغيرها من قرارات الجمعية العامة التي تصدر سنويا وبصفة دورية. وقد حاولت الجمعية العامة تعريف الإرهاب بطريقة واسعة، فاعتبرت أنه يشمل الأعمال والوسائل والممارسات غير المبررة التي تستثير فزع الجمهور أو مجموعة من الأشخاص لأسباب سياسية بصرف النظر عن بواعثه المختلفة.

      وفي المؤتمر الثالث لتوحيد قوانين العقوبات المنعقد في بروكسل عام 1930، وضع تعريف عام للإرهاب مؤداه أنه استخدام متعمد للوسائل القادرة على إيجاد خطر مشترك وارتكاب فعل يعرض الحياة للخطر، ويهدد سلامة وصحة الإنسان، ويدمِّر الممتلكات المادية، ويتضمَّن ذلك الحرق والتفجير والإغراق وإشعال المواد الخانقة أو الضارة وإثارة الفوضى في وسائل النقل والمواصلات والتخريب في الممتلكات الحكومية وخدمات المرافق العامة والتلويث والتسبب عمداً في تسميم مياه الشرب أو الأغذية ما ينتج منه أمراض سواءً للإنسان أو الحيوان أو النبات. ورصدت لجنة الإرهاب الدولي التابعة للأمم المتحدة في عام 1980، خصائص الإرهاب في أنه يُعدُّ عملاً من أعمال العنف الخطيرة أو التهديد بها ويصدر من فرد، سواء كان يعمل بمفرده أو بالاشتراك مع أفراد آخرين، ويوجه ضد الأشخاص أو المنظمات أو الأمكنة ويتسبب في جرحهم أو موتهم أو في إلحاق الخسائر أو الضرر أو الأذى بهذه الأمكنة أو الممتلكات أو بالعبث بوسائل النقل والمواصلات بهدف تقويض علاقات الصداقة بين الدول أو بين مواطني الدول المختلفة، أو ابتزاز تنازلات من الدول، كما أن التآمر على ارتكاب أو محاولة ارتكاب أو الاشتراك في ارتكاب أو التحريض العام على ارتكاب الجرائم يشكل جريمة الإرهاب الدولي.

        ويؤكد بعض فقهاء القانون الدولي على أن أعمال الإرهاب هي من قبيل الجرائم ضد الإنسانية على غرار الجرائم السابق ذكرها والتي وردت ضمن المشروع الذي وضعته لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة حول الجرائم ضد الإنسانية وفي غيرها من الاتفاقيات الدولية ومنها الاتفاقية التي وافقت عليها عصبة الأمم في عام 1937.أما المجموعة الرابعة من أحكام القانون الدولي فهي الاتفاقات الإقليمية المختلفة متعددة الأطراف التي تدين مختلف صور الإرهاب ومنها الاتفاقية الأوروبية لمكافحة الإرهاب التي تم التوقيع عليها في 10 /10/ 1976، والإعلان الصادر عن منظمة الدول الأمريكية في نيسان / ابريل 1996، والاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب الموقعة في 22 نيسان / ابريل  1998، وغيرها.ويتضح من ذلك أن القانون الدولي يميل إلى تحديد الإرهاب من خلال تعداد الحالات التي يتمُّ من خلالها التعرّض إلى الحقوق الإنسانية الأصلية أو إلى سلامة الدول ونظامها العام أو إلى السلام والأمن الدوليين. ومن هذا المنطلق اعتبر القانون الدولي الفرد مسئولا أمامه مباشرة وبذلك نشأ فرع جديد من فروع القانون الدولي عرف بالقانون الجنائي الدولي، الذي ظهر بعد الحرب العالمية الثانية مع محاكمات نورمبرغ الشهيرة في عام 1945 لمجرمي تلك الحرب وما زال يتطور مع محاكمات يوغوسلافيا السابقة والبوسنة والهرسك ومحاكمات مجرمي الحرب في رواندا وبوروندي بأفريقيا.[11]

        وقد بذل فقهاء القانون الدولي والمتخصصون جهوداً ملموسة في مجال تعريف الإرهاب وتحديد طبيعته وتوضيح جوانبه[12]؛ ذلك من خلال الاتجاه الحصري لصوره وأشكاله. فأصبح هناك تفاهم عام عالمي حول كثير من صور الأعمال الإرهابية مثل الاغتيال بسبب دوافع سياسية، وتفجير العبوات الناسفة بشكل عشوائي، واحتجاز الرهائن، وتغيير مسار الطائرات باستخدام القوة أو التهديد بها أو تفجيرها، وقصف المناطق المدنية والسكان المدنيين أثناء الحروب وانتهاك القانون الدولي الإنساني أو توقيع عقوبات جماعية على سكان منطقة معينة أو ممارسة أعمال الإبادة البشرية ضد طائفة أو أقلية معينة أو تهديد أرواح الأبرياء لإثارة الذعر والخوف في المجتمع للتأثير في القرار السياسي للحكومات أو محاولة إسقاطها.

        وينطوي هذا التفاهم على قواسم مشتركة أهمها أن الإرهاب فعل من أفعال العنف واستخدام القوة، وذو طابع سياسي ويثير الخوف والرعب، وذو تأثيرات نفسية، وينطوي على تهديد ما، وأنه فعل منظم ومخطط وذو هدف محدد ، ويتضمن جانباً دعائيا أو إعلانياً ويتم ارتكابه بواسطة مجموعة أو تنظيم أو حكومة دولة ويسفر عن ضحايا من المدنيين، وينطوي على تفرقة بين الضحية المباشرة له والهدف الذي يسعى لتحقيقه، وأنه فعل غير معتاد ويخرق القواعد السلوكية المقبولة ولا تحده قيودا إنسانية، وأنه يتضمن الإكراه والابتزاز . وغيرها.ويتضمن الحد الأدنى المتفق عليه بين التعريفات المختلفة للإرهاب ثلاثة عناصر لا يخلو منها أي تعريف هي أنه استخدام غير مشروع للعنف، ويهدف إلى الترويع العام، ويهدف إلى تحقيق أهداف سياسية. والإرهاب في هذا الإطار هو فعل يتعدى العمل المخالف للقوانين الداخلية للدولة أو حتى الذي لا يخالفها إلى كونه مخالفاً لمبادئ وأحكام القانون الدولي وقواعده. وبناءً عليه يمكن تعريف الإرهاب بأنه العنف المنظم بمختلف أشكاله والموجه نحو مجتمع ما أو حتى التهديد بهذا العنف سواء أكان هذا المجتمع دولة أو مجموعة من الدول أو جماعة سياسية أو عقائدية على يد جماعات لها طابع تنظيمي بهدف محدد هو أحداث حالة من الفوضى وتهديد استقرار هذا المجتمع لتحقيق السيطرة عليه أو تقويض سيطرة أخرى مهيمنة عليه لصالح القائم بعمل العنف[13].

ثالثا: التمييز بين مفهوم الإرهاب ومفاهيم أخرى:

1.    الإرهاب والعنف:

        يمكن التميّيز في فقه القانون الدولي بين اتجاهين أو رأيين رئيسيين بصدد المقصود بالإرهاب كصورة من صور العنف، يرى الأول أن الإرهاب يتحقق باستخدام العنف لتحقيق أهداف سياسية، بينما يرى الثاني أن غرض الإرهاب يتمثل في قصد إشاعة الرعب في المجتمع.

الاتجاه الأول: يعوّل على طبيعة الهدف من عمل العنف أهو سياسي أم غير سياسي؟ فإذا كان الهدف سياسياً صار العنف إرهاباً، أما إذا لم يكن الهدف سياسياً صار العنف عنفاً خالصاً وهو الذي قد تكون أهدافه اقتصادية أو اجتماعية كالسرقة أو الثأر.. الخ، كما أن التهديد باستخدام العنف لتحقيق أغراض سياسية معينة يُعدُّ عملاً إرهابياً. فالإرهاب يقوم على تفضيل العنف على سائر صور النشاط السياسي بما يعنى أن الإرهاب يرفض السياسة كوسيلة سلمية تواجه بها المجتمعات والدول ما ينشب داخلها أو فيما بينها من الصراعات أو الخلافات ويتجه بدلا من ذلك إلى تبنّي أسلوب العنف كغاية في حد ذاته وشكل مطلوب ومرغوب فيه من أشكال العمل السياسي غير المشروع[14].

الاتجاه الثاني: يسلم بالدور الهام الذي يلعبه الباعث السياسي في كثير من الجرائم السياسية إلا أنه لا يعتقد أن مثل هذا الدور يصلح لأن يتخذ أساساً لتعريف الجريمة الإرهابية التي تجد معيار تمييزها في قصد إشاعة الرعب.[15] فالإرهاب هو استعمال العنف بأي شكل من أشكاله المادية للتأثير على الأفراد والمجموعات أو الحكومات وخلق مناخ من الاضطراب وعدم الأمن بغية تحقيق هدف معين، ومن ثم يرتبط الهدف بقصد إشاعة الرعب كركنين أساسيين لتعريف الإرهاب.ويقترن الإرهاب عادة بالعنف، إذ أن العنف هو أهم مظاهره لكن بدرجة كبيرة تخرجه عن نطاق التجريم العام لجرائم العنف ليندرج في نطاق التجريم الخاص بجرائم الإرهاب. فالعنف هو الإكراه المادي الواقع على شخص أو جماعة لإجباره أو إجبارها على سلوك ما أو بهدف التصفية الجسدية، أو للاستيلاء على الأموال عمداً عن طريق القوة أو بهدف الانتقام كتدمير بعض المنشآت أو حرقها .. بينما تتجاوز أهداف العمل الإرهابي أهداف أعمال العنف الإجرامية العادية كالسرقة والقتل إلى النطاق الأوسع الذي يهدد أمن المجتمع وسلامته من الناحية السياسية والأمنية وبما يثير رعب وفزع في المجتمع، وبينما توجد علاقة مباشرة بين الفاعل والمجني عليه في جرائم العنف فغالباً ما تكون هذه العلاقة مفقودة بين الإرهابي وضحاياه في الجرائم الإرهابية.

        كما أن العنف العادي لا يُمارس من خلال تنظيم مُحكم له عقيدة أو فكر، وإنما غالباً ما يُمارس بشكل فردي أو من خلال عصابات منظَّمة لكنها محدودة النشاط كالسرقة والاتجار في المخدرات .. الخ. بينما الإرهاب يُمارس من خلال تنظيمات سياسية وحركات عقائدية فكرية أو من خلال أحد أجهزة الدولة فيما يُعرَّف بإرهاب الدولة. ويختلف الإرهاب عن الاحتجاج السياسي كالمظاهرات وأعمال الاحتجاج والإضراب العام التي يقرَّها القانون والدستور في كثير من بلدان العالم بغرض تحقيق أهداف سياسية وغير سياسية تتصل برؤية أو مصلحة عامة يقرَّها القانون والدستور.

2.    الإرهاب والتحرر الوطني:

        يعطي القانون الدولي شرعية لأعمال المقاومة الوطنية أو التحرر الوطني أو الكفاح الوطني وكلها تحمل نفس المعنى ويضفي عليها مشروعية وقبولاً في حالتين اثنتين، الأولى اعتمادها وسيلة لممارسة الحق في تقرير المصير والتحرّر من الاستعمار، والثانية اللجوء إليها للتخلّص من الاحتلال وظلمه. والتميِّيز القانوني بين الإرهاب وبين المقاومة الوطنية ضروري. لذلك حرصت أحكام القانون الدولي منذ الأربعينيات على الأقل على إقرار أن المقاومة الوطنية أداة فاعلة لممارسة الحق في تقرير المصير ومكافحة الاستعمار بكل أصنافه ومستوياته وأساليبه[16].

أ‌.        المقاومة في سياق تقرير المصير

        أكَّدت المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة أن لكل الشعوب الحق في تقرير مصيرها وأشارت في مواد أخرى إلى أهميته ، ثم عمدت الجمعية العامة إلى إصدار الإعلانات المتعاقبة حول هذا الموضوع، وأبرزها الإعلان الصادر في العام 1960، الذي أكد أن لجميع الشعوب الحقَّ في تقرير مصيرها، ولها بمقتضى هذا الحق أن تحدد بحرية مركزها السياسي وتسعى بحرية إلى تحقيق إنمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.ومن أجل ذلك طالبت الجمعية العامة جميع الدول بوقف فوري لكل الإجراءات القمعية والأعمال العسكرية ضدَّ الشعوب، وأكدت أن أي محاولة تهدف إلى تعطيل هذا الحق في تقرير المصير تُعتبر مخالفة صريحة لميثاق الأمم المتحدة.

        وانسجاماً مع هذا الإعلان صدرت الاتفاقيتان الدوليتان للحقوق المدينة والسياسية وللحقوق الاجتماعية والاقتصادية في العام 1966. وأكدت هاتان الاتفاقيتان حق الشعوب في تقرير مصيرها وفى إنمائها، كما بررتا الكفاح الشعبي من أجل ذلك، بما قد تستدعيه الحاجة من مقاومة للمستعمر وصمود في التصدي له.

        ولعلَّ النصَّ الذي أرسى الأطر العامة للحق في تقرير المصير والذي وصف الحالتين القانونيتين لممارسته وأشار إلى ضوابطهما، كان قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة للعام 1970 حول علاقات الصداقة والتعاون بين الدول. واستناداً لهذا النص، الذي يعتبر ملزما في القانون الدولي، صدرت الأحكام التالية[17]:

- الإقرار بحق كل الشعوب في تقرير مصيرها من دون تدخل خارجي، بما في ذلك تقرير وضعها السيادي والسعي إلى تنميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

- الإقرار بأن تأسيس أو إنشاء دولة مستقلة أو الاندماج الحر مع دولة مستقلة أخرى يشكلان أنماطاً مختارة من ممارسة حق الشعوب في تقرير مصيرها.

- يتعيّن على الدول الامتناع عن التهديد بالقوة أو استخدامها ضد الوحدة الإقليمية والاستقلال السياسي للدول الأخرى.

- يتعيّن على الدول الامتناع عن تجاوز خطوط الهدنة الموضوعة للحفاظ على السلام بين الدول، والامتناع عن القيام بأي أعمال انتقامية تتضمن استخدام القوة والامتناع عن ارتكاب أي عمل إرهابي.

- الإقرار بأن إقليم الدولة لن يكون هدفاً لاحتلال أي دولة أخرى.

- الإقرار بأن أي استخدام للقوة بقصد تجريد الناس من هويتهم الوطنية يشكل انتهاكاً للقانون الدولي.

- الإقرار بأن إخضاع الشعب لسلطة أجنبية أو سيطرة أو استغلال أجنبي، يشكل خرقاً لمبادئ القانون الدولي وانتهاكاً لحقوق الإنسان.

- الإقرار بأن كل دولة ملزمة قانوناً بالامتناع عن أي عمل قمعي يحرم الناس حقهم في تقرير المصير والحرية والاستقلال. وعلى هذا الأساس فإن قيام الناس أو الشعب (المدنيين) بمقاومة هذا العمل القمعي، يجعلهم مخولين لتلقى المساعدات من الدول الأخرى بما يتلاءم مع مبادئ الأمم المتحدة.

ب. المقاومة ضد الاحتلال:

         بما إن الاحتلال عمل قسري يهدف إلى اكتساب الأرض بالقوة، يشكل انتهاكا لأحكام القانون الدولي. فالمادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة تحظِّر على كل الدول استخدام القوة أو التهديد باستخدامها ضد الوحدة الإقليمية والاستقلال السياسي لأي دولة أخرى.وعلى هذا الأساس كانت القرارات الدولية (بما فيها القرار 242 للعام 1967) تدين اكتساب الأرض بالقوة، وتصفها قانوناً بـالأراضي المحتلة. وهذا يعني أنها خاضعة في ترتيب أوضاعها المؤقتة، للأحكام الدولية المتعلقة بحماية السكان المدنيين الواقعين تحت الاحتلال، وتحديداً لأحكام اتفاقية جنيف الرابعة للعام 1949، والتي تشكل جزءاً أساسياً من القانون الإنساني الدولي.

        وتجد الظروف والشروط التي تمارس حركات التحرر الوطني عملياتها العسكرية والعنيفة في إطارها قبولاً من المواثيق والأعراف الدولية ومن المجتمع الدولي، ومن أهمها وضوح هدف هذه العمليات وهو إزالة الاحتلال أو الاستعمار الذي تفرضه إحدى الدول أو الشعوب على غيرها من الدول أو الشعوب. وهذا الهدف يجد قبولا من المجتمع الدولي والرأي العام العالمي، كما أن الأمم المتحدة خصَّصت أحد أجهزتها لتصفية الاستعمار وتقرير حق تقرير المصير للشعوب الخاضعة للاحتلال وأكد ميثاق الأمم المتحدة على هذا الحق. ومن ثم فهدف عمليات التحرر الوطني العنيفة هدف مشروع، بينما الهدف من أي عملية إرهابية هو هدف غير مشروع. كما أن من يقوم بالعمل الإرهابي هو تنظيم أو حركة غير معترف بها من قبل المجتمع الدولي، وإذا قامت به دولة إرهاب الدولة سرعان ما يجد تصرفها هذا استنكاراً من المجتمع الدولي، بينما حركات التحرر الوطني تعترف بحقها ووجودها المواثيق الدولية وتضفي الشرعية على هذا الوجود والذي عادة ما يلقى تعاطفاً ومساندة من الرأي العام العالمي والمجتمع الدولي. كما أن أنشطتها معترف بها من قبل المواثيق الدولية،خاصة ميثاق الأمم المتحدة واتفاقيات جنيف لعام 1949، التي تضفي الشرعية والقبول على هذه الأنشطة، وتلزم المجتمع الدولي ممثلاً في الأمم المتحدة ومختلف دول العالم مساندة هذه الحركات سياسياً ومعنوياً ومادياً واقتصادياً للحصول على حقها في تقرير المصير والتحرر من الاستعمار وإزالة الاحتلال[18].

        وبالرجوع إلى مقررات الصليب الأحمر الدولي منذ عام 1904، وحتى اتفاقيات جنيف الأربع عام 1949، فإنه من حق الشعوب الواقعة تحت الاحتلال أو الحكم العنصري والهيمنة الأجنبية أن تستخدم كل صور العنف ضد الاحتلال الأجنبي والهيمنة الأجنبية والحكم العنصري وفق الشروط التالية:

- أن تقع أعمال العنف داخل الأرض المحتلة بصفة أساسية ولا تقع خارجها إلا إذا استحال تنفيذها بالداخل.

- أن توجه ضدَّ القوات العسكرية أو شبه العسكرية أو رموز السلطة أو هيئات أو أشخاص الإدارة المدنية للاحتلال.

- ألا توجّه ضد المدنيين والأبرياء والأطراف الثالثة. والمقصود بالأطراف الثالثة ممثلو الدول الأجنبية أو المنظمات الدولية لدى القوة أو الدولة القائمة بالاحتلال أو المتوسطين في النزاع أو الساعين لتسوية وإنهاء وضع الاحتلال.

        ووفقا لهذه الشروط، فإن أعمال العنف التي يمارسها الفلسطينيون في الأرض المحتلة هي أعمال مقاومة مشروعة مهما ترتب عليها من نتائج، إذ أنها تقع ضد المحتل الإسرائيلي.وبالرجوع إلى الأحكام الواردة في اتفاقية جنيف الرابعة، يتضح ما يلي:

- إن الأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل في العام 1967، بما في ذلك الجولان السورية والقدس الشرقية وكذلك الأراضي اللبنانية، هي أراض محتلة ، وأن على إسرائيل التي تصفها القرارات الدولية كلها بـالقوة القائمة بالاحتلال أن تلتزم جميع اتفاقيات جنيف، ما يعني ضرورة معاملة السكان المدنيين الواقعين تحت الاحتلال الإسرائيلي بموجب هذه الاتفاقيات.

- تمنح اتفاقية جنيف الرابعة الأشخاص المدنيين الواقعين تحت الاحتلال حقاً أصيلاً في حماية أشخاصهم وأسرهم وأملاكهم .. الخ. وتشمل هذه الحماية أيضا حرية ممارسة معتقدهم الديني ورأيهم السياسي. وعلى هذا الأساس تحظر الاتفاقية على القوة القائمة بالاحتلال القيام بأي عمل من أعمال العنف أو القتل بجميع أنواعه بحق هؤلاء، كذلك تحظر أعمال الخطف والحجز العشوائي والإبعاد والتشريد والترحيل وتشتيت العائلات وإهانة الكرامات الشخصية، وتصبح بالتالي القوة القائمة بالاحتلال مسئولة أمام القانون الدولي لدى مخالفتها أحكام الاتفاقية المذكورة.

- إذا أخلت القوة القائمة بالاحتلال بهذه الواجبات أو انحرفت عنها فإن من حق السكان المدنيين أن يثوروا إلى درجة العصيان المدني الشامل واللجوء إلى السلاح.وإذا ثار السكان المدنيون ضد المحتل واستطاعوا أن يطردوه بالقوة من أرضهم، فإن هذا الاحتلال يعتبر منتهياً باعتراف القانون الدولي. والأمر ذاته يحصل عندما تستطيع القوى النظامية المسلحة للدولة المغلوبة على أمرها طرد المحتل[19].

     واستنادا إلى ما تقدَّم، فإن المقاومة الفلسطينية داخل الأراضي المحتلة تعد مشروعة في القانون الدولي إذا لجأت أو استخدمت العصيان المسلح، فهي مقاومة شعبية تهدف إلى ممارسة الحق في تقرير المصير للشعب الفلسطيني. وهى في الوقت ذاته، مقاومة ضد القوة القائمة بالاحتلال التي تخالف تكراراً أحكام اتفاقية جنيف الرابعة.وعلى هذا الأساس أيضا، فإن المقاومة الوطنية اللبنانية تستند في شرعيتها إلى اتفاقية جنيف ذاتها بإزاء القوة القائمة بالاحتلال. وهي في هذا الإطار، تتميّز عن الإرهاب الذي يدينه القانون الدولي. يُضاف إلى ذلك أن هذه المقاومة الوطنية اللبنانية حصلت على مكاسب تعاقدية إلى جانب مشروعيتها الدولية، ذلك لأن تفاهم نيسان عام 1996، تضمن إقراراً خطياً صريحاً بحق المقاومة الوطنية اللبنانية في الدفاع المشروع عن النفس. وقد اعترف بهذا القرار الجانبان الأمريكي والإسرائيلي معاً[20].

3.    الإرهاب وحرب العصابات:

        أما فيما يتعلق بحرب العصابات فهو أسلوب للقتال المحدود يقوم به مجموعة من المقاتلين وذلك في ظروف مختلفة عن الظروف المعتادة للحرب، وبغض النظر عن أن تكون هذه الفئة من المقاتلين من القوات الحكومية أو غير النظامية. وهناك أوجه للتميّيز بين الظاهرة والإرهاب أهمها:

- تمارس وحدات حرب العصابات أنشطتها بقوات عسكرية تقليدية من خلال الهجمات المفاجئة، حيث يتم التركيز على المباني الحكومية والجيش ومراكز الشرطة، بينما لا يفرق الإرهابيون بين الأهداف العسكرية والمدنية، كما أنهم لا ينتظمون في وحدات عسكرية.

- تتركز عمليات حرب العصابات في الأماكن الجبلية ومفارق الطرق والقرى والمستنقعات، بينما تتركز الأنشطة الإرهابية في المناطق الحضرية والمقاهي والأندية ودور السينما والمسرح.

- عادة ما يكون أفراد القوات المسلحة الحكومية هم المستهدفون بعمليات رجال حرب العصابات، بينما المستهدفون من العمليات الإرهابية هم من غير العسكريين أساسا كرجال السياسة والإدارة الحكومية ورجال الدين والمواطنين العاديين.

- تهدف أنشطة حرب العصابات إلى التقليص التدريجي للمساحات المحتلة وإلحاق أكبر قدر من الخسائر المادية والمعنوية في صفوف العدو، بينما تستهدف العمليات الإرهابية، إثارة الذعر للتأثير على السلوك السياسي للدول.

- من يمارس أنشطة حرب العصابات عادة هم حركات التحرير الوطنية والمقاومة الوطنية ضد الاحتلال أو الجماعات الانفصالية ضد قوات وجيش الدولة، بينما لا يستخدم الإرهابيون أساليب حرب العصابات في عملياتهم لأن العمليات الإرهابية متباعدة زمنياً ولا تتركز في مكان واحد وهي عمليات متفرقة.

4. الإرهاب والجريمة السياسية:

        ظهرت فكرة الجريمة السياسية، باعتبارها جريمة من نوع خاص يعامل مرتكبها معاملة خاصة تختلف عن تلك المقررة لمرتكبي الجرائم الأخرى، بعد الثورة الفرنسية وما جاءت به من مبادئ وأفكار سياسية لا تعتبر المجرم السياسي بالضرورة عدواً للدولة، بل قد يكون مجرد خصم للجهاز الحكومي وأنه في الغالب صاحب عقيدة ورأي مقتنع بآرائه بما يدفعه إلى التضحية في سبيل مبادئه. وقد أدت هذه النظرة إلى إرساء مبدأ هام من مبادئ القانون الدولي وهو مبدأ حظر التسليم في الجرائم السياسية ، مما أثار السؤال عن الفارق بين الجريمة السياسية والجريمة العادية[21] .

      والتفرقة بين الإرهاب والجريمة السياسية مسألة محسومة في المجتمع الدولي على الأقل منذ معاهدة باريس عام 1937، الخاصة بمكافحة الإرهاب والتي استبعدت بصورة قاطعة جرائم الإرهاب والجرائم الأخرى التي ترتكب بغرض دنيء من نطاق الجرائم السياسية. وتكرر النص على استبعاد جرائم الإرهاب من نطاق الجرائم السياسية في أغلب الاتفاقيات الثنائية وكل الاتفاقيات متعددة الأطراف وجميع الاتفاقيات الدولية والإقليمية بشأن تسليم المجرمين.أما كلمة سياسية فلا تنطبق إلا على الآراء والأفكار والمعتقدات التي تشكل منهجا فكريا معينا قد يتفق أو يتعارض مع فكر مجموعة سياسية أخرى. وقد تحظر السلطات نشاطا سياسيا معينا أو الترويج لفكر سيأسى معارض عن طريق الخطابة أو المنشورات أو الملصقات أو أي وسيلة أخرى لا يستخدم فيها العنف أو التحريض عليه. وهذه النوعية من الأفعال هي فقط التي يطلق عليها لفظ جرائم سياسية أو أفعال سياسية يجوز حماية مرتكبيها بمنحهم حق اللجوء السياسي.وقد عبر هذا الاتجاه عن نفسه منذ زمن طويل. فأحد أهم مذاهب التفريق بين الجرائم السياسية والجرائم الأخرى هو ما يعرف بمذهب جنيف وهو ما ذهب إليه المعهد الدولي للعلوم الجنائية في دورته المنعقدة في جنيف عام 1892 أي منذ أكثر من مائة عام ويقوم على المبادئ الآتية[22]:

- عدم جواز التسليم في الجرائم السياسية المحضرة جرائم الرأي.

- عدم جواز التسليم في الجرائم المركبة- الجرائم السياسية النسبية- إلا إذا تضمنت أفعالا خطيرة مثل القتل أو الخطف أو التخريب وغيرها.

- الأفعال المرتكبة أثناء الثورات والحروب التحريرية والمدنية لكسب المعركة يستفيد فاعلها من حق اللجوء السياسي إلا إذا كانت من أفعال النذالة والضرر والوحشية.

- الأفعال الفردية الخطيرة من حيث الأخلاق والاعتداء على الحقوق العادية لا تستفيد من حق اللجوء السياسي والذي عرفه الفقه القانوني تحت اسم مذهب الاستثناء.

        وهناك بعض المعايير التي من خلالها يمكن التمييز بين الجريمة الإرهابية والجريمة السياسية[23]. فالضحايا في حالة الجريمة الإرهابية غير محددين بذواتهم في أحيان كثيرة بما يُسهم في خلق شعور عام بالخطر يؤدي إلى إشاعة حالة من الرعب في المجتمع، بينما في حالة الجريمة السياسية لا يقع ضرر مادي جسيم على أقراد من المجتمع، وينعدم فيها الإحساس بالخطر العام، وليس لها ضحايا لأنها تتعلق غالباً بإبداء رأى مخالف.

        لذا منح القانون الدولي من يرتكب مثل هذه الأفعال ويكون مطارداً من السلطات المحلية حق اللجوء السياسي بينما حرم هذا الحق على المجرم الإرهابي. لذا لا يعتبر القانون الدولي الجريمة الإرهابية جريمة سياسية بأي حال من الأحوال حتى ولو كان الدافع أو الباعث لها سياسياً ومن ثم تعتبر جريمة عادية تخضع لقواعد وشروط تسليم المجرمين أو محاكمتهم وعقابهم[24].

5       . الإرهاب والجريمة المنظمة:

        الجريمة المنظمة هي التي ترتكبها منظمات أو عصابات إجرامية بهدف تحقيق مكاسب ذاتية ومنافع مادية كالاستحواذ على المال والممتلكات، وتلجأ في سبيل ذلك إلى العديد من الوسائل كالنصب والاحتيال والسطو والقتل، في حين يسعى الإرهابيون إلى تحقيق غايات سياسية والدعاية لقضيتهم عن طريق العنف[25] .

        والفعل الإجرامي عادة ما يترك تأثيرا نفسيا له نطاق محدود لا يتجاوز نطاق الضحايا في حالة الجريمة المنظمة، بينما يترك الفعل الإرهابي تأثيراً نفسياً غير محدود يتجاوز نطاق الضحايا لممارسة الضغوط على المجتمع أو السلطة الحاكمة للتخلي عن سياسة أو قرار ما.ويستخدم الباحثون مصطلحات متباينة في التعبير عن الجريمة المنظمة Organized crime نذكر من بينها الجريمة الاحترافية Professional والجريمة المتقنة Sophisticated والجريمة المخططة Planned.والواقع أن هذه المصطلحات تعكس بدرجات متباينة جوانب من حقيقة هذه الظاهرة الإجرامية . وربما كان المصطلح المناسب للدلالة على هذه الظاهرة من بين مجموعة المصطلحات المشار إليها سلفاً هو مصطلح التنظيمات الإجرامية للاعتبارات التالية:

- فالجريمة المنظمة ليست جريمة واحدة بمعنى أنها لا يرتكبها شخص ولا تتكون من نشاط إجرامي واحد، بل هي مشروع إجرامي يحوي أنشطة إجرامية متعددة يقوم بها أناس متعددون.

- التنظيم الإجرامي متباين ومختلف الأشكال بدءاً من عصابات الجانحين وجماعات اللصوص والنشالين والاتحادات الإجرامية العالمية والمافيات ...الخ.

- يقوم هذا التنظيم على علاقات بين أدوار متباينة وأوضاع مختلفة ترتب حقوقاً والتزامات متباينة وتجمع بينهم أساليب ومستويات ومواقف واتجاهات وقواعد واتفاقيات تسهل عملية التنسيق بين نشاطاتهم الإجرامية وتدعم تقسيم العمل بينهم.

        ولقد شهدت التنظيمات الإجرامية نمواً ملحوظاً في الآونة الأخيرة ، وانعكس هذا النمو على بناء التنظيمات الإجرامية وجعلها أكثر تعقيداً، وأثر كذلك على وظائف هذه التنظيمات الإجرامية وأسهم في تنوع وتعدد هذه الأهداف. وتستغل هذه التنظيمات ظروف الحرية والانفتاح الاقتصادي وحرية تدفق السلع والخدمات والأموال ومختلف آليات السوق لتحقيق أهدافها. لذلك ظهرت تنظيمات إجرامية عابرة للقارات ومتعددة الجنسيات، وقد انعكس هذا النمو على اتساع شبكة العلاقات والصلات المتبادلة بين الجريمة المنظمة وصور الانحراف الأخرى في المجتمع ومنها الإرهاب من ناحية، وبين الجريمة المنظمة ومجموعة النظم الاجتماعية التي يتشكل منها البناء الاجتماعي الأكبر للمجتمع من ناحية أخرى.ومع الوقت اتسع النشاط الإجرامي لتلك التنظيمات وتضخَّم ما أدَّى إلى ظهور ما اصطلح على تسميته بالمنظمات الإجرامية عبر الوطنية وهى عصابات منظمة لها قواعدها في دولة معينة ولكنها تعمل في دولة أخرى أو أكثر وفقا لما تشكله الأسواق من فرص سانحة للنشاط الإجرامي ومن الأمثلة عليها[26]:

- المافيا الإيطالية وتنتمي تاريخياً إلى المافيا الصقلية ونشاطها الرئيسي الاتجار في العقاقير والمواد المخدرة[27].

- الإجرام الروسي المنظم ويعمل في مجالات المخدرات والدعارة والاغتيالات السياسية والأسلحة والمواد النووية وتجارة الأعضاء البشرية[28].

- الجمعيات الثالوثية الصينية: وتعمل في أنشطة الابتزاز والاتجار في المخدرات والدعارة والقمار ولها شبكة دولية واسعة النطاق[29].

- الياكوزا اليابانية: وأهم أنشطتها الاتجار في السلاح والمخدرات ومحلات المقامرة والاحتيال وغسيل الأموال والجنس.

- الكارتلات الكولومبية: وتعمل في أنشطة المخدرات بكل صورها[30].

و- المنظمات الإجرامية النيجيرية: وتقوم بأنشطة واسعة في مجالات التهريب والمخدرات والاحتيال والابتزاز.

        وهكذا وجد الإرهاب في عصابات الجريمة المنظمة مساعداً أميناً لتزوير الوثائق والحصول على السلاح وغسيل الأموال ونقلها وتهريب الإرهابيين .. الخ.

        وأثبتت الدراسات أن ثمَّة علاقة بين عصابات الجريمة المنظمة والإرهاب، خاصة وأنها أصبحت تشكل خطراً يهدد الأمن الداخلي للدول لا يقل عن الحروب العسكرية من حيث النتائج المروعة.ولم يغب خطر الجريمة المنظمة عن الأمم المتحدة التي تعقد مؤتمرا عالميا لمنع الجريمة والعدالة الجنائية كل خمس سنوات. وقد طرح موضوع الجريمة المنظمة في المؤتمر العالمي السابع في ميلانو عام 1985، والمؤتمر العالمي الثامن في هافانا عام 1990، كما طرح على مؤتمر منع الجريمة التاسع الذي عقد في القاهرة في أوائل عام 1995. وشاركت الأمم المتحدة في مؤتمرات خاصة عقدت بشأن الجريمة المنظمة مثل مؤتمر كييف عام 1992 ومؤتمر ميلانو عام 1994.

 

 

القسم الثاني

واقع التنظيمات الإرهابية وانتشارها

 

أولا : أرقام ودلالات

         على الرغم من صعوبة حصر جميع الأنشطة الإرهابية على الساحة الدولية، إلا أن عقد الثمانينيات من القرن العشرين، كان هو العقد الأكثر إرهاباً مقارنة بعقد التسعينيات[31]، ففي الفترة بين 1986- 1988 زاد عدد العمليات الإرهابية عن 600 عملية سنوياً، بينما كانت في أعوام التسعينيات أقل من 500 عملية سنوياً، عدا عام 1991 الذي نُفِّذ فيه 566 عملية، ففي عام 1992 نفذت 363 عملية إرهابية، وفي عام 1993 وصلت إلى 431 عملية إرهابية، وفي عام 1994 أصبحت 322 عملية، وبدأت العمليات الإرهابية بعد ذلك في التزايد، حيث أصبحت 441 عملية في عام 1995، ثم تناقصت بعد ذلك حيث أصبحت حوالي 296 عملية عام 1996. كما بدأت في التناقص خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين، حيث كان عدد العمليات الإرهابية 304 عملية عام 1997، و274 عملية عام 1998، و 392 عملية عام 1999، وفي عام 2000 وصل عدد العمليات الإرهابية إلى 423 عملية0

       ورغم تلك الزيادة في عدد العمليات، إلا أن عدد الضحايا انخفض، فبعد أن كان عدد القتلى 741 والجرحى 5952 حتى عام 1998، أصبح 233 قتيلاً و706 جريحاً عام 1999، ولقد أسهم انتشار الإرهاب في ارتفاع أعداد الضحايا، ففي عام 2000 لم ترتفع فقط عدد العمليات الإرهابية، بل ارتفع أيضاً عدد الضحايا ووصل إلى 405 قتيلاً و706 جريحاً.

       من مقارنة توزيع العمليات الإرهابية على الساحة الدولية، يتضح أنه خلال فترة السبعينيات ارتكب في أوروبا حوالي 54% من العمليات الإرهابية وحوالي 21% في أمريكا الجنوبية، وحوالي 14% في أمريكا الشمالية، بينما كانت النسبة 11% في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وبذلك تكون منطقة الشرق الأوسط قد سجلت أقل معدلات العمليات الإرهابية، حيث تأتي بعد كل من آسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا وأوروبا، من حيث حجم الأنشطة الإرهابية المنفذة بها،، ولقد تأكدت تلك الحقيقة عام 1999 حيث كان نصيب الشرق الأوسط من العمليات الإرهابية 7%، بينما وصلت النسبة في أمريكا اللاتينية إلى 31%، وفى أوروبا إلى 22%، وفى آسيا إلى18%، وفى أفريقيا إلى 13%، وفى يوراسيا إلى9%. بينما كانت النسبة في الشرق الأوسط عام 2000 هي 4%، وفي أمريكا اللاتينية 46%، وأوروبا 7%، وآسيا 23%، وأفريقيا 13%، ويوراسيا 7%.

ثانياً: انتشار المنظمات الإرهابية في العالم

     ثمَّة العديد من الإحصائيات المتباينة التي تبيّن انتشار المنظمات والجماعات الإرهابية في العالم، ويرجع ذلك إلى عدم وجود اتفاق دولي على تعريف المنظمات الإرهابية، حيث إن بعض الإحصائيات تعد المنظمات الثورية أو الجماعات التي تطالب بحق تقرير المصير من الجماعات والمنظمات الإرهابية، من هنا كان هناك تباين واضح بين تلك الإحصائيات ويتمثّل ذلك في الآتي:

- قُدر عدد المنظمات الإرهابية في العالم حتى عام 1988 بعدد 2176، منها في أوروبا حوالي 655 منظمة، وفي دول أمريكا الشمالية وأقاليمها بحوالي 80 منظمة، و في إسرائيل بحوالي 23 منظمة، وفي آسيا بحوالي 506 منظمة، وفي دول أمريكا اللاتينية بحوالي 387 منظمة، وفي الدول الأفريقية بحوالي 229 منظمة ما عدا الدول العربية، وقُدرت عدد المنظمات الإرهابية في الدول العربية بحوالي 319 منظمة منها 58 منظمة في فلسطين وحدها (طبقاً لمعايير دولية بأنها منظمات إرهابية)، كما قُدر عدد المنظمات الإرهابية في 35 دولة إسلامية بحوالي 613 منظمة، منها 180 منظمة في الدول الإسلامية الآسيوية، وحوالي 59 منظمة في الدول الإسلامية الأفريقية، و55 منظمة في تركيا.

- وبذلك يكون في آسيا حوالي 23.25% من المنظمات الإرهابية، وفي أفريقيا حوالي 10.52%، وفي أمريكا اللاتينية 17.78%، وأمريكا الشمالية 3.67%، بينما تضم أوروبا حوالي 30.10%، والعالم العربي حوالي 14.66%، كذلك يوجد في الدول الإسلامية المنتشرة في جميع القارات 28.17% من المنظمات والجماعات الإرهابية.

- في عام 2001 قدر عدد المنظمات الإرهابية في العالم بحوالي 234 منظمة، وقُدر عدد المنظمات الإرهابية في أوروبا بحوالي25منظمة، وفي آسيا بحوالي 75 منظمة، وفي أفريقيا بحوالي 64 منظمة، وفي أمريكا اللاتينية بحوالي 26 منظمة، وقُدرت عدد المنظمات الإرهابية في العالم الإسلامي بما فيه الدول العربية بحوالي 77 منظمة، ويُلاحظ في هذا التقدير عدم ذكر فلسطين، أو ذكر منظمات إرهابية فلسطينية، بينما قُدرت المنظمات الإرهابية في إسرائيل بمنظمتين فقط.

- أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية في نيسان / أبريل 2002 من خلال مكتب المنسق لأنشطة مكافحة الإرهاب، قائمة بأسماء المنظمات الإرهابية في العالم، ولقد تضمَّنت 43 جماعة وحزب حتى بداية عام 2001، ويلاحظ أن تلك القائمة شملت 12 منظمة في أوروبا، وحوالي 13 منظمة في آسيا، وخمس منظمات في أمريكا اللاتينية، كما تضمنت أيضاً حوالي 3 منظمات في أفريقيا، وعدد 18 منظمة وجماعة ، منها في العالم العربي نحو عشر منظمات وجماعة ، كما يُلاحظ أن القائمة خلت من أي منظمة في أمريكا الشمالية.

ثالثاً: الإرهاب في أوروبا

      ظاهرة العنف في أوروبا متأصلة ومرتبطة بالتطورات والتركيبة التاريخية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للقارة، وكذلك بالتفاعلات الدولية، لا سيما بعد انتهاء مرحلة الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي، وما تبعها من تفكك العديد من دول القارة، حيث إن تحديات المرحلة الانتقالية بأوروبا الشرقية ووسطها وجنوبها أوجدت معطيات جديدة لانتشار العنف والإرهاب في تلك المناطق، حيث ظهرت الاتجاهات العنصرية، وإحياء النزعات الفاشية والنازية في أثوابها الجديدة، كما فرضت التطورات الديموقراطية وبخاصة في غرب القارة، وكذلك تسهيل حق اللجوء والهجرة مع حالة الركود والكساد الاقتصادي الراهن، وفي ظل توازنات إقليمية ودولية جديدة، وشيوع حالة من الحروب الأهلية الدامية، خاصة في يوغسلافيا السابقة، وفي أيرلندا وإن كانت بدرجة أقل، إضافة إلى استمرار العنف المرتبط بالنزاعات الانفصالية في إقليم الباسك الأسباني وجزيرة كورسيكا الفرنسية، وتنامي الآفاق والتطلعات المستقبلية في العديد من دول شرق أوروبا، مضافاً إلى ذلك التحولات السريعة التي شملت العديد من دول القارة الأوروبية، بالإضافة إلى التطورات التكنولوجية وسقوط العديد من الأنظمة الشيوعية، وانهيار سور برلين عام 1989، وتصاعد حدة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، كل ذلك أدى إلى تنامي التيارات اليمينية المتطرفة التي ترفض الآخر، وتقر مبدأ إبادة الشعوب والقتل الجماعي، وتضفي على ذلك مشروعية سياسية وأخلاقية، كما ظهر العديد من التيارات شديدة المحافظة، وظهر أيضاً المتطرفون الثوريون في معظم الدول الشيوعية بعد انهيارها، الذين أُطلق عليهم الفاشيون الجدد أو النازيون الجدد، كذلك عملت الأحزاب العنصرية والدينية المتطرفة على استمالة الشباب والشرائح العمالية بفعل تنامي معدلات البطالة وتردي الأوضاع الاجتماعية والمعيشية، وإلقاء التبعة لذلك على كاهل الهجرات الأجنبية، سواء المشروعة أو غير المشروعة[32].

1 . الإرهاب في إيطاليا:

       يتميّز الإرهاب في إيطاليا بقسوته واستمراره، وتُعد إيطاليا الدولة الديموقراطية الصناعية الوحيدة التي عانت من الإرهاب الداخلي خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين، وإذا كان الإرهاب في أوروبا كان نتيجة لأسباب عرقية أو انفصالية، إلا أن الإرهاب في إيطاليا كان لتحقيق أهداف أيديولوجية، تقوم على أساس المساواة الاقتصادية والاجتماعية[33].

أ. إرهاب اليمين Terrorismo Nero

(1) عرفت إيطاليا إرهاب اليمين أو الإرهاب الأسود Terrorismo Nero كما عرفت إرهاب اليسار أو الإرهاب الأحمر Terrorismo Rosso، ويرتبط إرهاب اليمين ارتباطاً وثيقاً بالفاشية، حيث تكوَّنت الحركة الاجتماعية الإيطالية Movimento Social Italiano في عام 1946، والتي وجد إرهاب اليمين في كنفها الظروف المناسبة للنمو، فبدأت جماعات اليمين الأكثر تشدداً، تستقل بنفسها، وإن ظلت لبعض الوقت ضمن إطار حزب الحركة الاجتماعية، ومنذ عام 1945 وحتى عام 1968 نفذ الفاشيون العديد من العمليات الإرهابية، ضد الأحزاب السياسية الديموقراطية، بهدف تأكيد وجودهم في مرحلة تاريخية للسياسة الإيطالية اتسمت بسيطرة تحالف القوى السياسية الكاثوليكية والقوى السياسية الاشتراكية، إلا أن تلك العمليات نفذت باستعمال وسائل بدائية، ومنذ عام 1969 كان اندلاع الحركات الطلابية والعمالية والتي بدأت خلالها مرحلة جديدة من العمل الإرهابي اليميني الذي اتخذ من أسلوب ارتكاب المذابح نهجاً إستراتيجياً له، واستمر حتى نهاية الثمانينيات.

(2) تتمثل أهم منظمات إرهاب اليمين الإيطالي في جماعة النظام الجديد، التي نشأت مجموعة سياسية مستقلة عام 1956 بعد انشقاقها عن حزب الحركة الاجتماعية الإيطالية، وسمَّت نفسها الجبهة الوطنية الفاشية الجديدة، ورغم تركز اهتمام الحركة في النشاط الثقافي والسياسي، إلا أنها كانت حركة ثورية تتسم بالتعدد وتتميز بهياكل وصياغات واسعة سعت عملياً إلى الاستيلاء على السلطة، وينطلق الخط الفكري للمنظمة من أنَّ النظام الديموقراطي البرلماني خصم وعدو للحركة، ومن ثم فإنها تعمل على تأكيد أفكارها ومبادئها بطريقة شرعية، ولكن عندما حال نظام الحكم دون تحقيق ذلك، فإن إرادة البقاء عند الثورة أضفت الشرعية على حقها في اللجوء إلى العنف المضاد. ونظراً لتنامي خطورتها، أصدرت الحكومة الإيطالية قراراً بحلها ومصادرة أموالها في تشرين الأول / أكتوبر 2000.

(3) انشق، عن الحركة الاجتماعية الإيطالية، جماعة الطليعة الوطنية في عام 1959، وهي تضم مجموعة من الشباب المحبطين من سلوك الأحزاب السياسية الإيطالية، ورغم أن تلك الحركة حلّت نفسها عام 1965 بعد أن وُجه إليها الاتهام بتحبيذ الفاشية والقيام بعمليات عنف، إلا أنها أعادت تكوين نفسها مرة أخرى عام 1970، ولكنها حُلَّت عام 1976 بحكم قضائي بعد إدانتها بتنفيذ العديد من الأعمال الإرهابية، وفقدت بموجب ذلك شرعيتها، ولكنها انتقلت إلى العمل السري، في إطار عسكري يحتم الثورة ضد نظام الحكم، والاستيلاء على السلطة وإقامة نظام جديد، ولذلك كان عملها يتسم بالصلابة في مضمونه وجوهره، والمرونة في الشكل وصولاً إلى بلوغ الهدف.

 (4) رغم أن حقبة الثمانينيات شهدت انهيار بعض منظمات إرهاب اليمين في إيطاليا، إلا أنه على الصعيد الأيديولوجي والسياسي تكوَّنت مراكز وحركات يمينية تسعى لاستقطاب الأشخاص ذوي الاتجاهات اليمينية المتطرفة، وأخطر تلك الجماعات الجديدة المركز الثقافي L' Aratro، إلا أنها تحجم حالياً عن تنفيذ أعمال عنف، حيث لم تحظ بالتأييد الكافي، حتى الآن وفي حقبة التسعينيات بدأ ظهور الاتجاهات الداعمة للإرهاب المتطرف وتناميها، وبذلك زادت النزعات العنصرية المعادية للوجود الأجنبي في إيطاليا.

ب. إرهاب اليسار Terrorimo Rosso

(1) ظهر إرهاب اليسار في إيطاليا عام 1968، بعد أن بدأ الطلبة الاحتجاج على مظاهر الفساد الحزبي، ولقد ازداد العنف مع تحرك نقابات العمال، ما أدّى إلى مذبحة بياتسا فونتانا في 12 كانون الأول / ديسمبر 1969، وفي أعقاب تلك المذبحة بدأ اليسار المتطرف تنظيم نفسه وإعدادها للصراع المسلح، حيث ظهرت جماعة أطلقت على نفسها اسم أكتوبر 1969، واتخذت لنفسها طريق المقاومة المسلحة، وضمت العديد من الشيوعيين وبعض المجرمين، كما ظهرت منظمة الألوية الحمراء Brigate Rosse التي تكوَّنت عام 1969 في مدينة ميلانو، وبدأت عملياتها التي استمرَّت بدون توقف[34]، ويتمثّل الخط الفكري لمنظمة الألوية الحمراء في مواجهة الإمبريالية العالمية التي تسعى للسيطرة الاقتصادية من خلال الشركات متعددة الجنسيات، والتفوق السياسي والعسكري للولايات المتحدة الأمريكية، ووفقاً لهذا الفكر فإن إيطاليا تُدرج ضمن الدول الإمبريالية، ولذلك أعلنت المنظمة ضرورة الكفاح ضد نظام الحكم الإيطالي، ولتحقيق هذا الهدف أُنشئ الحزب المسلح IL Partito Armato.

(2) تشكلت منظمة الحكم الذاتي العمالي Autonomia Operaia عام 1973، ولها اتجاه يميني خالص، وتتميز بدرجة عالية من التنظيم، تتبع الخط العسكري للماركسية الجديدة، وهي عبارة عن عدة خلايا صغيرة متعددة ومتعاونة بهدف تكوين حزب مسلح فعال، وترى المنظمة أن كفاح الشعب وصراعه أداة ضرورية لتحقيق التحول الثوري.

(3) تتسم الأعمال الإرهابية للمنظمات اليسارية الإيطالية بالرمزية، حيث توجِّه أنشطتها ضد رموز النظام السياسي والاقتصادي، كما أنها تسعى لأن تكون عملياتها مثالاً للشعب في كفاحه الثوري، ولذلك يقترن كل عمل إرهابي بإصدار إعلان تفصيلي عن الحادث وأسبابه، ومنذ نهاية السبعينيات شهد إرهاب اليسار تحولاً كبيراً، فقد اتخذ الطابع العسكري، واشتدّت حدّة العمليات وتزايد عددها، ما أدّى إلى رفض الكثير من أعضاء تلك المنظمات ذلك التحول الذي تعارض مع فكر وخصائص إرهاب اليسار التقليدي وخصائصه[35].

2. الإرهاب في فرنسا

أ. لم يشكل الإرهاب في فرنسا خطورة حقيقية، إلا في فترة الثمانينيات، كما بدأت فرنسا تتعرض للانتقاد الداخلي والخارجي بسبب سياستها المتساهلة تجاه الإرهابيين، ويرجع سبب تلك السياسة إلى قبول فرنسا للعديد من الأجانب للإقامة على أراضيها، ولقد قُدر عدد اللاجئين السياسيين في فرنسا حتى بداية التسعينيات بحوالي 150 ألف فرد. وإذا كانت الحكومات الفرنسية تتخذ موقفاً متساهلاً من الإرهاب إلى حد ما، فإن الرأي العام الفرنسي يميل دائماً إلى البحث عن الأسباب والدوافع الكامنة للإرهاب، ولذلك لا يتسرع الشعب الفرنسي في إدانة الأنشطة الإرهابية، ويعد الموقع الجغرافي لفرنسا من العوامل التي تجعلها عرضة للإرهاب، باعتبارها ملتقى طرق أوروبا، وتشترك في حدودها الممتدة مع العديد من الدول، لتسهل الطبيعة الجغرافية لتلك الحدود عبور الإرهابيين من الدول الأخرى.

ب. يمثل الإرهاب الانفصالي أهم أنماط الإرهاب في فرنسا، وتقع أكثر الأنشطة الإرهابية في إقليمي بريتاني Bretayne، وكورسيكا Carsica، ويرجع ذلك للاختلافات الثقافية التي يمتاز بها كل إقليم من الأقاليم الفرنسية عن الأخرى، ويسود في الإقليمين اعتقاد بأن مواردهما تستنزف لصالح أقاليم الدولة الأخرى الأكثر تقدّماً، كما يعاني كلا الإقليمين من معدلات البطالة العالية، ولقد اندلعت الأعمال الإرهابية في الإقليمين منذ السبعينيات، ويوجد في إقليم كورسيكا العديد من المنظمات الإرهابية، أهمها جبهة التحرير الوطني لكورسيكا ، وحركة كورسيكا الفرنسية Corse ، وحركة بعث كورسيكا ، وحركة كورسيكا الإقليمية، وجيش التحرير الوطني لكورسيكا ، واتحاد كورسيكا. كذلك يوجد في إقليم بريتاني العديد من المنظمات الإرهابية، أهمها جيش بريتون الجمهوري ، ومجموعة العمل الثوري الدولي ، والحزب الجمهوري البريتاني ، وحركة الاستقلال الذاتي وعلى الرغم من إعلان ست جماعات انفصالية في كورسيكا عن موافقتها على وقف إطلاق النار في أواخر عام 1999، إلا أن العمليات الإرهابية غير المنتظمة استمرت ضد المنشآت الحكومية.

ج. بدأ ظهور اليمين الجديد اتجاهاً فكرياً حديثاً منذ نهاية الستينيات، حيث اتسم بالعنصرية والكراهية الشديدة للأقليات والأجانب، ما أدَّى إلى ارتكاب جماعات العنف لأعمالها الإرهابية ضد الأقليات في فرنسا، ولقد عملت تلك الجماعات على نشر أيديولوجية قائمة على فكرة تفوّق العنصر الأوروبي، ويتمثل أهمها في الجبهة القومية، وجماعة المواجهة ، والحركة القومية الاشتراكية ، إلا أن أخطر المنظمات الإرهابية اليمينية هي منظمة الجيش السري ، التي ارتكبت العديد من الأعمال الإرهابية ضد كبار الشخصيات الفرنسية أثناء أزمة الجزائر. كما ظهر في فرنسا بعض الجماعات اليمينية المتطرفة، اعتنقت فكر الفاشية الجديدة مثل اتحاد العمل القومي الأوروبي وتهدف تلك الجماعة إلى طرد المهاجرين، وهي المسئولة عن الاعتداءات التي نفذت ضد المكاتب اليهودية ذات الصلة بإسرائيل.

(4) ظهرت المنظمات الإرهابية اليسارية في فرنسا منذ نهاية الستينيات أيضاً، وارتبطت بظهور منظمة العمل المباشر  والتي تكوَّنت من اندماج جماعة العمل الثوري الدولية والقوات المسلحة للحكم الذاتي الشعبي، وانضمَّ إليها بعض الجماعات اليسارية المتطرفة، التي عملت على مقاومة الأنشطة الاستعمارية الفرنسية، كذلك اهتمت المنظمة بمشكلة البطالة الفرنسية، ولذلك وجهت عملياتها الإرهابية ضد وزارة العمل وضد اتحاد العمال الفرنسي، كما سلكت اتجاهاً معادياً للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، ونفذت العديد من العمليات الإرهابية ضد مصالحها. وتتمثل أهم المنظمات الإرهابية اليسارية الفرنسية في الحركة المباشرة Direct ، والمحطمون، وحركة 22 مارس ، ومجموعة الشيوعيين الدوليين[36].

3. الإرهاب في بريطانيا

أ. يتصل الجانب الأكبر من العمليات الإرهابية التي تشهدها المملكة المتحدة بالمشكلة الأيرلندية[37]، ولذلك يتصف بكونه إرهاباً انفصالياً بدأ منذ أواخر القرن السادس عشر بهزيمة الأيرلنديين، وخضوعهم للتاج البريطاني، وبحلول القرن التاسع عشر سيطر على أيرلندا مشكلة العلاقات الداخلية بين البروتستانت والكاثوليك، ومشكلة العلاقة مع بريطانيا، وتفاقمت تلك المشكلات ما أدى إلى تنامي الاضطرابات العنيفة خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وبعد كفاح مستمر تمكن الأيرلنديون من عقد اتفاق مع الحكومة البريطانية عام 1921 تكوَّنت بمقتضاه دولة أيرلندا الحرة، لكن المقاطعات الست الشمالية من أيرلندا ظلت خارج نطاق تلك الدولة، ومع تطور الأوضاع السياسية أعلن عن جمهورية أيرلندا الحرة عام 1949، إلا أن مشكلة أيرلندا الشمالية ظلّت قائمة، حيث يصر الأيرلنديون على استمرار كفاحهم حتى يتحقق لهم وحدة المقاطعات الست لأيرلندا الشمالية مع باقي جمهورية أيرلندا.

ب. تتمثل أهم المنظمات الإرهابية الأيرلندية في منظمة الجيش الجمهوري الأيرلندي (IRA)، وهي عبارة عن خلايا صغيرة، يراوح عدد أعضائها بين ثلاثة وخمسة أفراد، ومعظمهم من العمال أو الطبقة الوسطى، ولقد اتسم النشاط الإرهابي لتلك المنظمة خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين، بالميل لتوجيه ضربات عشوائية، وخاصة ضد النوادي الليلية والمحلات العامة ووسائل النقل، وكذلك ضد أفراد الشرطة، ولقد امتدَّ نشاط عمليات الجيش الجمهوري الأيرلندي ليصل إلى داخل حدود جمهورية أيرلندا. كذلك تعد منظمة جيش التحرير الوطني الأيرلندي Irish Nationalist Liberation Army تنظيماً شديد التطرف، يقوم أساساً على معاداة الإمبريالية، ويتصل بالاشتراكية العمالية، لكن نشاطها الإرهابي المتمثل في اختطاف الأطفال أفقدها التأييد الجماهيري، ولذلك فهي منظمة غير اجتماعية، لم تقم بأي دور لتحرير أيرلندا، وخاصة أن نشاطها تراجع في الفترات الماضية[38].

4. الإرهاب في ألمانيا

أ. شهدت ألمانيا الاتحادية ذروة العمليات الإرهابية في السبعينيات، إلا أن حدتها تراجعت خلال فترة الثمانينيات، وعلى الرغم من توحيد شطري دولة ألمانيا في نهاية 1990، لكن الظروف والدوافع التي أدت إلى ظهور الإرهاب واستمراره ما زالت قائمة حتى بعد تحقيق الوحدة، ولقد اختلفت توجهات الإرهاب بين يسار ويمين، حيث يهدف إرهاب اليسار إلى تغيير نظام المجتمع من رأسمالي إلى شيوعي مثالي، ولقد بدأت مقدمات الإرهاب اليساري منذ نهاية الستينيات من خلال مجموعات صغيرة من طلبة الجامعات الذين لم يكتفوا بالمظاهرات، ولكنهم بدأوا بأعمال إرهابية ضد العديد من الممتلكات والأفراد، وإذا كان ثمَّة تعاطف شعبي تجاه تلك الجماعات، إلا أن هذا التعاطف تضاءل وبدأت مظاهر الرفض الشعبي بعد تزايد عمليات الاغتيال في عام 1975، وتستند المسوغات الفكرية لإرهاب اليسار في ألمانيا إلى أنهم يشكلون جزءاً من الحركة العمالية لتحرير دول العالم الثالث، وخاصة فلسطين، ولذلك أعلنت الجماعات الإرهابية اليسارية الحرب على ألمانيا التي تعد من حلفاء القوة الإمبريالية العظمى، ومن ثمَّ توجه الأنشطة الإرهابية إلى القوات والمنشآت الأمريكية في أوروبا. وتتمثل أهم منظمات إرهاب اليسار في جماعة الجيش الأحمر Red Armey Faction – RAF  ،  التي بدأت أنشطتها عام 1968، وكذلك تكوّنت منظمة الخلايا الثورية Revolutionarer Zom RZ  عام 1973، وتتركز أنشطتها في عمليات الشغب والاعتداءات اليسيرة، كما ظهرت جماعة بادر ماينهوف في أواخر الستينيات معتنقة الفكر النازي، إلا أن لها علاقات تعاون في مجالات عملها ببعض المنظمات، ومنها الجيش الأحمر الياباني.[39]

ب. وقد ظهر إرهاب اليمين في ألمانيا الاتحادية نتيجة لظهور إرهاب اليسار، إلا أنه يختلف عنه في أهدافه وأسلوبه، فإرهاب اليمين لا يهدف إلى تغيير المجتمع وإقامة نظام شيوعي متحرِّر من روابط السلطة، ولكنه يسعى إلى إقامة نظام ديكتاتوري، ولذلك لا يستهدف رموز السلطة، وإنما يختار ضحاياه من عامة الشعب، والواقع أن إرهاب اليمين في ألمانيا الغربية أقل خطورة وضعفاً من إرهاب اليسار، إلا أنه يستمدّ جذوره من الحزب الوطني الديموقراطي NPD الذي يمثل اليمين المتطرف، الذي يعاني حالياً من ضعف شديد، وكذلك جماعات النازي الجديد، ومنها جماعة Hepp Hexel التي تعادي الولايات المتحدة الأمريكية وقامت بتنفيذ العديد من العمليات ضد قواتها الموجودة في ألمانيا، ولقد تنامت عمليات اليمين الإرهابي بعد الوحدة الألمانية نظراً لتزايد معدلات البطالة، وتزايد الشعور المعادي للأجانب العاملين في ألمانيا، وتحول هذا الشعور المعادي إلى عمليات عنف ضدهم واغتيال.

5. الإرهاب في أسبانيا

أ. الإرهاب الانفصالي هو نمط الإرهاب الأساسي في أسبانيا[40]، ويتمثل ذلك في منظمة إيتا الانفصالية (منظمة تحرير الباسك)، أخطر المنظمات وأقواها وتسعى إلى تحقيق انفصال إقليم الباسك عن أسبانيا، وإقامة دولة الباسك المستقلة، ولقد ظهرت منظمة (ETA)[41] في نهاية الخمسينيات وبدأت العمل المسلح عام 1961، وتزايد نشاطها عام 1975، ولقد كان ظهورها بسبب الطابع الاستبدادي لنظام حكم الجنرال فرانكو، ورغم ما تعرضت له منظمة إيتا من انشقاقات وخلافات داخلية، إلا أن أهدافها ظلت ثابتة وتمثلت في استقلال إقليم إلباسك وتوحيد مقاطعاته السبع في دولة واحدة ذات اتجاهات اشتراكية، وتتكون المنظمة من جماعة طلابية معظمهم من الطبقة البرجوازية وإن كانت تضمُّ بعض العمال.

ب. تتألف منظمة آيتا من جناحين أساسيين أحدهما عسكري والآخر سياسي[42]، وبصفة عامة لا تتمتع المنظمة بالتأييد الجماهيري المحلي، رغم ما تزعمه بأنها تمثل كل الأمة، وتعتنق المنظمة نظرية ثورية ذات جذور اشتراكية، بينما كانت تصرفاتها ومواقفها تعكس التوجهات الانفصالية، ولقد بلغت الأنشطة الإرهابية للمنظمة ذروتها خلال الفترة من عام 1978 وحتى عام 1980، حيث استهدفت خلالها رجال الشرطة والحرس المدني وكبار قادة الجيش، وكذلك حركة السياحة في أسبانيا وخاصة الشواطئ والفنادق، وتعتمد المنظمة مادياً على التبرعات الاختيارية التي يقدمها سكان إقليم إلباسك المتعاطفين مع المنظمة، أو من خلال عمليات الابتزاز والسطو على البنوك.

ج. بدأت منظمة آيتا تعاني من الضعف والوهن منذ أوائل الثمانينيات، وخاصة بعد الحد من حرية حركتها داخل فرنسا، وكذلك نجاح السلطات الأسبانية في إلقاء القبض على العديد من أعضاء المنظمة وقياداتها، ورغم إعلان المنظمة عن وقف عملياتها الإرهابية في أواخر عام 1999، إلا أنها نفَّذت حملة تفجير واغتيالات أسفرت عن مقتل 23 فرداً وإصابة العشرات، واستهدفت رجال الشرطة والساسة ورجال الأعمال، وكذلك المناطق التجارية.

رابعاً: الإرهاب في روسيا

1. بعد ثورة لينين على نظام الحكم القيصري عام 1917 أنشأ البوليس السياسي السري، أو التشيكا Cheka، والذي يعد من أقوى أجهزة إرهاب الدولة، وأكثرها فاعلية وعنفاً في القرن العشرين، ولقد تحوّل بعد ذلك إلى جهاز الكي جي بي KGB، وبنهاية عام 1922 كان أسلوب لينين لمواجهة الثورة المضادة الداخلية هو الإرهاب العنيف حتى وفاته عام 1924، ومع وصول ستالين للحكم لم يحدث تغيير في مجال ممارسة إرهاب الدولة، سواءً داخلياً أو خارجياً، إلا أنه انحسر في الممارسة السرية فقط. ولقد ظل وجود عناصر المخابرات وجهاز الـ KGB  قائماً وداعماً لكل الأنشطة القمعية العنيفة خارج الاتحاد السوفيتي، وبخاصة في الدول الغربية، ولقد ثبت تورّط البعثات الدبلوماسية للاتحاد السوفيتي في عمليات إرهابية بأستراليا وكذلك كان للشيوعيون دور هام في حرب الهند الصينية وأيضاً في حرب التحرير الجزائرية[43].

2. كان للتنافس الدولي أثره الفعَّال في تحوَّل مفاهيم الاتحاد السوفيتي السياسية، ما أجبر خروشوف عام 1956 على تعديل تلك المفاهيم، لتجنب المواجهة مع القوى العظمى والكبرى، وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية الأمريكية، ولقد كان لبريجنيف الذي تولى السلطة بعد خروشوف التوجهات عينها، وكان المحرك الرئيسي للسياسة السوفيتية هو البحث عن النفوذ، وتزامن تحوّل السوفيت الإستراتيجي مع ما تكبَّدته الدول الغربية من هجمات إرهابية، تتوافق مع مضمون الأيديولوجيات السوفيتية وممارساتها.

3. في عام 1964 أعلن جريتشكو A. Grechko وزير الدفاع السوفيتي أن بلاده سوف تواصل مساعدة حركات التحرر في نضالها ضد الاستعمار، لأن تلك الحرب عادلة، وبذلك تكون الإستراتيجية السوفيتية خلال تلك المرحلة قد هدفت إلى إحداث أكبر خسائر ممكنة في الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية ، على أن يكون ذلك بديلاً عن المواجهة المباشرة مع تلك الدول، ولذلك وقعت العديد من المعاهدات مع الدول حديثة الاستقلال، ومن أبرزها كوبا، إلا أن سياسة الاتحاد السوفيتي كانت تقوم أساساً على الدعم المستتر للأنشطة والعمليات الإرهابية الخارجية، ولقد تورَّط جهاز GRU في الأنشطة السرية وإثارة الاضطرابات الاقتصادية التي تؤدّي إلى أحداث إرهابية وتخريبية، وكذلك تركَّز نشاطها في محيط النقابات العمالية وتدريب عناصرها على عمليات الاغتيال والتخريب وحرب العصابات في إطار النضال الوطني. أما جهاز KGB فقد كان هدفه أساساً توسيع دائرة نشاطه ليشمل دعم وتعزيز المنظمات الإرهابية وجماعات حرب العصابات.

4. في بداية عام 1976 توثقت صلة الاتحاد السوفيتي بالعديد من العناصر الإرهابية الأوروبية، ومنها منظمات الألوية الحمراء ومنظمة الجيش الجمهوري الأيرلندي IRA ومنظمة آيتا الانفصالية ETA ومنظمة جيش التحرير التركي TKA، وتوثقت كذلك، بالعديد من منظمات الكفاح المسلح وعناصره، ومنها منظمة التحرير الفلسطينية ومنظمة الجيش الأحمر الألمانية، ومع انهيار الاتحاد السوفيتي وتفككه تأثرت تلك الصلات، في حين بدأت روسيا تواجه العديد من المشكلات والصراعات الداخلية، وبخاصة حرب شمال القوقاز والتي تفجَرت منذ عام 1994 وراح ضحيتها أكثر من 80 ألف فرد، وكان سببها رفض قادة الشيشان الانضمام للاتحاد الروسي في آذار / مارس 1992، وكان أبرز الدوافع الشيشانية هو توحيد جمهوريات شمال القوقاز في دولة إسلامية موحَّدة، ولتحقيق ذلك الهدف اختاروا طريق الجهاد، وانطلق الصراع المسلح بين الجانبين وشهدت الفترة من 14 آب / أغسطس وحتى 13 أيلول / سبتمبر 1999 العديد من التفجيرات العنيفة في العاصمة الروسية، أودت بحياة أكثر من 300 فرد، ثمَّ استمرَّ الصراع بعد ذلك بين الجانبين ونفَّذ كلاً منهما العديد من عمليات العنف والعنف المضاد وما زالت تلك الأعمال مستمرة.

 

القسم الثالث

أشكال الإرهاب وعــوامــل انتشــــــــاره

 أولا : تعدّد أشكال الإرهاب

        تعدَّدت أشكال العمليات الإرهابية وتأثرت بتطور وسائل تنفيذها من عمليات الاغتيال والقتل بالسيوف القصيرة على يد أفراد إلى عمليات التفجير بالطائرات كما في أحداث نيويورك وواشنطن في 11 أيلول عام 2001.[44]

1- الاغتيالات :عرفت الظاهرة الإرهابية صورة الاغتيالات التي تعددت وسائل تنفيذها وتطورت عبر العصور ابتداء من اغتيال يوليوس قيصر في قلب ميدان كوري بروما حتى اغتيال هنري الرابع وسادي كورنو والقيصر لاسكندر الثاني في روسيا والملك لاسكندر ملك يوغوسلافيا إلى أشهر عمليات الاغتيال السياسي في القرن العشرين ومن أهمها حادثة اغتيال الأمير رودولف ولي عهد النمسا التي ارتكبها إرهابي صربي وكانت سببا لاشتعال الحرب العالمية الأولى، واغتيال الرئيس الأمريكي جون كيندي في الستينيات. كما استخدمت في عمليات الاغتيالات العبوات الناسفة كما في حالة اغتيال عصابة شترن اليهودية للكونت السويدي فولك برنادوت الوسيط الدولي في الصراع العربي الإسرائيلي في 17 أيلول / سبتمبر عام 1948، وكما في اغتيال راجيف غاندي على يد المتطرفين التاميل في عام 1987[45].

        كما طوَّرت بعض الدول، خاصة إسرائيل وسائل تنفيذ عمليات الاغتيالات باستخدام الطائرات والصواريخ الموجهة كما في عملية اغتيال زعيم حركة الجبهة الشعبية الفلسطينية مصطفى أبو علي في آب / أغسطس  عام 2001 والشيخ احمد ياسين وغيرها من الاغتيالات لنشطاء وقيادات الانتفاضة الفلسطينية الثانية. كما استخدمت بعض الدول الأسلحة البيولوجية في تنفيذ اغتيالاتها السياسية وهى عمليات إرهابية من منظور القانون الدولي ومنها عملية اغتيال المخابرات السوفيتية للزعيم والمعارض الأوكراني ستيفان بانديرا بحقنه بمواد سامة ، والمحاولة الفاشلة التي حاول الموساد الإسرائيلي ارتكابها ضد المتحدث باسم حركة حماس بالأردن خالد مشعل في 25 أيلول / سبتمبر عام 1997. كما استخدمت في عمليات الاغتيال الإرهابية الوسائل التقليدية[46].

        كما استخدم الإرهابيون أسلوب القتل العشوائي بالأسلحة النارية أو بالأدوات الحادة كما حدث بالجزائر، ومنها أيضا المذبحة التي ارتكبها المستعمر اليهودي المتطرف باروخ غولد شتاين داخل الحرم الإبراهيمي الشريف بمدينة الخليل التي راح ضحيتها 63 فلسطينياً وأصيب 300 آخرين.

2- المذابح البشرية الجماعية: ويطلق عليها أحيانا عمليات الإبادة البشرية وهي لا توجّه ضد فرد معيّن إنما تمارس ضد مجموعات بشرية كبيرة الحجم من قبل تنظيمات إرهابية وعسكرية متطرفة أو أجهزة تابعة للدولة. واستخدمت في تنفيذها جميع وسائل القتال التي عرفها العالم، فاستخدمت الثورة الفرنسية في عهد روبيسبير السيوف والآلات الحادة في قطع رأس 140 ألف فرنسي. ومارس المهاجرون الأوربيون في أمريكا الشمالية عمليات إبادة بشرية ضد الهنود الحمر بالأسلحة النارية التقليدية، بينما استخدمت المنظمات الصهيونية قبل نشأة دولة إسرائيل الأسلحة النارية والمدفعية الرشاشة والمواد شديدة الانفجار (ومنها مادة تي أن تي) في ارتكاب المذابح ضد العرب والفلسطينيين كما في دير ياسين وكفر قاسم وقانا في لبنان[47]، وهي نفسها الوسائل التي استخدمها الصرب في مذابح الإبادة البشرية ضد مسلمي البوسنة والهرسك في منتصف القرن العشرين وهو ما تكرر أيضا في التسعينيات من القرن العشرين ومنها أيضا مذابح رواندا وبوروندي. أما الاتحاد السوفيتي السابق في عهد ستالين فاستخدم مواد شديدة الانفجار لإبادة أقليات التبر والشيشان والقرقيز في القوقاز، واستخدم أيضا أسلوب الترحيل الإجباري إلى المناطق الباردة في سيبيريا. كما استخدمت بعض الدول في تنفيذ عمليات الإبادة البشرية الجماعية المواد الكيماوية والبيولوجية على غرار ما أقدمت عليه بعض الدول في الحرب العالمية الأولى والثانية كاليابان التي ألقت قنابل بيولوجية على مدينة ناناكينج الصينية، بينما استخدمت الولايات المتحدة القنبلة النووية لأول مرة في التاريخ ضد مدينتي هيروشيما وناكازاكي في آب عام 1945 ما أدَّى إلى مصرع 195 ألف مدني. وتعتبر عمليات فرض عقوبات جماعية أو حصار سكان إقليم معين إثناء الصراعات المسلحة احد أنماط عمليات الإبادة البشرية.

3- اختطاف واحتجاز الرهائن: وتعتبر إحدى أهم صور العمليات الإرهابية التي عرفها العالم. ويعرف هؤلاء الخاطفون في القانون الدولي بإسم القراصنة، فخاطفو الطائرات يطلق عليهم قراصنة الجو، بينما خاطفو السفن يطلق عليهم قراصنة البحر.وكان أول حادث اختطاف لطائرة مدنية في بيرو عام 1930. ومنذ بداية الستينيات اشتدت معاناة المجتمع الدولي من هذه الظاهرة التي اعتبرت أخطر عمليات الإرهاب[48]. وشهدت أوروبا عمليات اختطاف عديدة للطائرات بين شرقها وغربها في هذه الفترة في إطار الحرب الباردة، حيث قامت بتنفيذ هذه العمليات منظمات مدعومة من مخابرات تلك الدول. وقامت بعض الدول أو احد أجهزتها بارتكاب هذه الجريمة كما فعلت فرنسا في عام 1956 عندما أقدمت على اختطاف طائرة مدنية ترفع العلم المغربي وعلى متنها خمسة من قادة الثورة الجزائرية كانوا في طريقهم إلى الرباط للاشتراك في مؤتمر يضم ممثلين عن الحكومة الفرنسية نفسها للبحث عن حل للقضية الجزائرية، واختطاف إسرائيل لطائرة لبنانية في آب عام 1973 وأخرى ليبية في شباط عام 1986.كما قام مواطنون عاديون من عدة دول لهم دوافع سياسية معينة باختطاف الطائرات للتعبير عن آرائهم وقضاياهم ومن هؤلاء المواطنين المصري الذي اختطف في عام 1998 طائرة مصرية إلى ليبيا للتعبير عن امتعاضه من سياسة الولايات المتحدة إزاء المنطقة وإزاء ليبيا، واختطاف مجموعة من الشباب السعودي لطائرة سعودية في عام 2001 والتوجه بها إلى العراق للتعبير عن تضامنهم معه. كما شملت عمليات الاختطاف السفن أيضا مثل اختطاف سفينة اكيلى لاورو في بورسعيد بمصر على أيدي نشطاء فلسطينيين في عام 1985. وكان هذا العمل وفقا للقانون الدولي عملا إرهابيا بالرغم من أنهم لم يتعرضوا بالأذى للمحتجزين، بل كانت لهم مطالب محدَّدة وهى إطلاق سراح بعض النشطاء الفلسطينيين من السجون الإيطالية والإسرائيلية وترحيلهم إلى تونس. وهذا النوع من العمليات (الاختطاف) يهدف إلى حصول الخاطفين على مطالب معينة أو الابتزاز للحصول على فدية أو خدمات معينة أو إطلاق سراح سجناء، وهو ما تمارسه بعض القبائل اليمنية فيما يعرف بظاهرة الاختطاف ضد السياح الأجانب للضغط على الحكومة لإطلاق سراح بعض السجناء أو تقديم خدمات معينة لبعض المناطق النائية، وهو ما مارسته أيضا حركة توباك امارو في بيرو عندما احتجزت أكثر من 500 شخص في منزل السفير الياباني في العاصمة ليما في 17 أيلول / سبتمبر عام 1996 حتى 22 نيسان م أبريل عام 1997 وطلبت من الحكومة إطلاق سراح بعض السجناء من عناصر الحركة المقبوض عليهم مقابل الإفراج عن الرهائن. كما فعلت الأمر نفسه في الفيليبين جماعة أبو سياف التي اختطفت في حزيران عام 2001 مجموعة من السياح الأجانب ومسئولين فيليبينيين للمساومة عليهم لتحقيق بعض أهدافها ومن أهمها فك حصار الجيش الحكومي على معاقل الحركة. وهذا الأسلوب مارسته أيضا حركات سياسية كما في حالة الحركة الكولومبية الثورية وحركة 19 أيلول وحركة الدرب المضيء في أمريكا اللاتينية .

4- التفجيرات من العبوات الناسفة إلى الطائرات: تطورت هذه الظاهرة كإحدى أهم صور العمليات الإرهابية في العالم بتطور أساليب تنفيذها من أسلوب زرع القنابل والوسائل الملغومة إلى زرع المتفجرات إلى استخدام السيارات الملغومة وصولا إلى استخدام الطائرات في إحداث تفجيرات هائلة كما في أحداث واشنطن ونيويورك في أيلول / سبتمبر عام 2001. وكان أول استخدام للقنبلة في العمليات الإرهابية من جانب الثوار الايرلنديين في العقد الثامن من القرن التاسع عشر وأصبح استخدام المتفجرات أو العبوات الناسفة التي يتم تفجيرها بالتحكم عن بعد وسيلة مفضلة للإرهابيين حاليا في تنفيذ عملياتهم، وتستخدم على نطاق واسع لسهولة استخدام المتفجرات والحصول عليها وكفاءة استخدامها من حيث قوة الانفجار وعدد الضحايا المحتملين. ولقد مورست هذه الوسيلة أيضا ضد وسائل النقل، خاصة الطائرات كما في تفجير طائرة بان أمريكان في كانون الأول / ديسمبر عام 1988 وتفجير مركز التجارة العالمي في نيويورك في 26 شباط / فبراير عام 1993 وحادث تفجير المبنى الفيدرالي في أوكلاهوما سيتي في 19 نيسان / ابريل عام 1995. والعبوة الناسفة التي انفجرت في حديقة سننتينال في أتلانتا بالولايات المتحدة في تموز / يوليو عام 1997 وتفجير سفارتي الولايات المتحدة في تنزانيا وكينيا في آب / أغسطس  عام 1998 التي راح ضحيتها 257 شخصاً. ومورست هذه الوسيلة ضد منشآت ومبانٍ حكومية وضد أشخاص كما في انفجارا مدينة الخبر في السعودية في حزيران / يونيو 1996 وضد السفارة المصرية في باكستان في 19 كانون الثاني عام 1995 وضد وسائل النقل البرية كمترو إنفاق باريس في 25 تموز / يونيو 1995، واستخدم هذه الوسيلة أفراد وتنظيمات إرهابية متعددة. وتطورت وسائل تنفيذ هذه التفجيرات من استخدام القنابل والعبوات الناسفة والمتفجرات والسيارات الملغومة إلى استخدام الطائرات في تفجير مركز التجارة العالمي في نيويورك وجناح من مبنى البنتاغون الأمريكي في واشنطن[49].

5- عمليات التخريب: تطورت هذه العمليات أيضا بتطور وسائل تنفيذها والتكنولوجيا المستخدمة فيها من أعمال الحرق وإشعال المواد الحارقة لتخريب المنشآت كما في حريق القاهرة عام 1951، إلى تفجير قطارات أو اتوبيسات أو منشآت حكومية. وتعد عمليات التخريب أكثر عمليات الإرهاب انتشارا في العالم وشهدتها أوروبا في مرحلة الحرب الباردة على أيدي تنظيمات الألوية الحمراء في ايطاليا التي وقع فيها في الفترة 1981 - 1986 حوالي 1100 عملية تخريب، ومن اشهر تلك العمليات أحداث بيانسافونتا في مدينة ميلانو في 12 كانون الأول / ديسمبر عام 1969. والعمليات التي قامت بها منظمة بادرماينهوف في ألمانيا ولواء الغضب البريطانية والعمل المباشر الفرنسية، وكانت عمليات تخريب واسعة النطاق ضد المرافق العامة للدولة. وكذلك ما تمارسه حتى الآن حركة آيتا ضد المصالح الحكومية الأسبانية، وما يمارسه الجيش الجمهوري الايرلندي في بريطانيا وعمليات التخريب التي قامت بها الجماعات اليمينية والعنصرية في أوروبا ضد الأقليات الأخرى ومنها ما مارسته التنظيمات النازية والفاشية ضد الأكراد والأتراك والمسلمين[50].

        وقد تحوّلت منذ الستينيات عمليات التخريب من عمليات هدفها بث الذعر والتخويف إلى عمليات تهدف إلى التدمير الكامل وإيقاع الخسائر الكبيرة بقصد التأثير على القرار السياسي للحكومات مثل العمليات التي قامت بها منظمة الدرب المضيء في بيرو في الفترة من 1980 - 1995، وأدت إلى خسائر قدرت بنحو 25 مليار دولار، ومنها أيضا التفجيرات التي شهدتها الولايات المتحدة سواء في عام 1993، وصولا إلى تفجيرات مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 أيلول/ سبتمبر عام 2001 . ولقد مارست عمليات التخريب الشاملة أيضا، إلى جانب التنظيمات الإرهابية، مخابرات بعض الدول أو احد أجهزتها وتصنف على أساس أنها إعمال إرهابية (إرهاب دولة) ومنها تدمير الطائرات العسكرية الإسرائيلية للطائرات المدنية اللبنانية في عام 1968 والعمليات اليومية التي تمارسها قوات الاحتلال الإسرائيلي من تدمير منازل الفلسطينيين وممتلكاتهم ومزروعاتهم في انتهاك لاتفاقيات جنيف في شأن التعامل مع المدنيين الخاضعين للاحتلال، والتي يعد انتهاكها وفقا للقانون الدولي احد صور إعمال الإرهاب الذي تمارسه الدولة القائمة بالاحتلال[51].كما تحوّلت إستراتيجية عمليات التخريب الإرهابية في عقد التسعينيات إلى إستراتيجية الإنهاك المستمر للخصم والأضرار العام كسلسلة العمليات المتتالية التي نفذت في التسعينيات ضد المصالح الأمريكية سواء داخل أو خارج الولايات المتحدة. وحدث تطور أيضا في هذا النوع من العمليات باستخدام مواد كيماوية وبيولوجية مثل عملية نشر غاز السارين في أنفاق طوكيو التي بثت الذعر والخوف في العالم من الإرهاب البيولوجي والكيميائي. وقد تزايد الخوف من هذا النوع من الإرهاب بعد استخدام الجمرة الخبيثة في الولايات المتحدة عقب أحداث 11 أيلول، خاصة أن المواد البيولوجية والكيماوية سهلة الاستخدام من قبل العناصر الإرهابية كما انه لا يصعب الحصول عليها، وتتميز بقدرتها العالية على التدمير والانتشار.وغالبا ما تؤدى عمليات التخريب إلى خسائر فادحة قدرتها في عام 1998 الوكالة الأمنية اليابانية بحوالي 100 مليار دولار للسنوات الثماني الأولى من عقد التسعينيات.

ثانيا : عوامل انتشار الإرهاب

        يمثل الإرهاب شكلاً خاصاً من أشكال العنف. فعند محاولة فهم ظاهرة الإرهاب من الصعب  تفسير انتشارها بالاستناد إلى عامل واحد أو بإرجاعها إلى سبب وحيد. لكن ثمَّة مجموعة من العوامل والأسباب التي تختلف أوزانها النسبية من مجتمع لآخر.ويمكن ذكر  أريع مقدمات موجزة حول هذه المسألة :الأولى: تتداخل الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية لأية ظاهرة ومنها ظاهرة الإرهاب. كما يصعب في كثير من الأحيان الفصل بين الجوانب الداخلية والجوانب الخارجية للظاهرة.الثانية: في رصد ظاهرة الإرهاب علينا أن نميِّز بين العوامل التي أوجدت الظاهرة والعوامل التي أدَّت إلى استمرار وتصاعد هذه الظاهرة.الثالثة: تتعدَّد وتتنوّع وتتباين البواعث التي تقف خلف حوادث الإرهاب ويصعب تصنيفها أو تقسيمها بشكل دقيق يستوعب كل حالات الإرهاب.

        فالبواعث قد تكون سياسية ومؤسسية تدور حول مشكلة الديمقراطية وعملية التحوّل السياسي في المجتمع. وقد تكون الظروف الاجتماعية كمشكلة البطالة والأمية والجهل والتهميش الاجتماعي .. أو اقتصادية أو تاريخية متعلِّقة بالطائفية العرقية أو الدينية أو الثقافية، أو قد تكون شخصية فهناك أشخاص اختطفوا طائرات هرباً من أحكام قضائية أو فراراً من بعض الملاحقات الأمنية، أو تخلصاً من التمييز العنصري أو الظلم الاجتماعي أو تبرماً من مستوى المعيشة في بلد معين.وساهم في تزايد هذا النوع من النشاط الإرهابي مجموعة من العوامل المساعدة منها سرعة عناصره في التحرك والافتقار إلى آليات دولية يمكنها أن تحد من ذلك كما أنها لم تجد صعوبة في الحصول على السلاح الرابعة : تتعدَّد السمات التي جعلت من الجريمة الإرهابية ظاهرة عالمية بشرية تتجاوز حدود المكان والزمان والحدود الجغرافية والأبعاد الثقافية لتتداخل مع متغيرات النظام العالمي على كافة المحاور سواءً من حيث التخطيط لها أو تنفيذها أو آثارها وعواقبها. وأصبحت الظاهرة تتحرك بشكل متزامن وتنتقل من دولة إلى أخرى وتهدأ في ساحة لتنفجر في أخرى[52].

        كما شهدت الجريمة الإرهابية تصاعداً في مستويات العنف المستخدم في ارتكابها وتعدداً في أشكاله. وأصبح من الواضح أن موجة الإرهاب التي اجتاحت العالم قد تصاعدت إلى مستويات تشهد خلالها بعض الدول عمليات كبيرة تكاد تكون شبه عسكرية[53].

        وهكذا يمكن القول أن الظاهرة تطوَّرت بشكل غير مسبوق بمختلف مستوياتها سواء إرهاب أفراد أو إرهاب جماعات أو إرهاب دولة، بحيث صارت أقرب إلى الظاهرة العالمية أو الكونية التي لا يكاد يخلو منها مجتمع حديث أو تقليدي. فقد شملت هذه الظاهرة دولاً رأسمالية متقدمة مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان.. الخ، كما انتشرت في دول أوروبا الشرقية كما في البلقان، وروسيا، ويوغوسلافيا السابقة، كما أصابت دول العالم الثالث مثل الهند وباكستان والفيليبين وكمبوديا وسريلانكا وكثيراً من الدول الأفريقية والعربية كالصومال ورواندا وبوروندي وسيراليون، والجزائر ومصر والسعودية ولبنان، .. إضافة إلى دول البحر الكاريبي وعدد كبير من دول أمريكا اللاتينية. وهكذا ضربت الظاهرة دولاً ديمقراطية وأخرى غير ديمقراطية. والأمر الخطير ليس فقط في تصاعد مستويات الظاهرة، وإنمَّا أيضا في تورّط بعض الدول بشكل مباشر أو غير مباشر في التخطيط لها وفي تنفيذها بحيث أصبح الإرهاب أحيانا وسيلة للتعامل بين الدول وإدارة علاقاتها الدولية بصورة أو بأخرى.ويمثل الإرهاب تفاعلاً بين مجموعة من المتغيرات أهمها، نمط فكري معين يتسم بالتطرّف سواء كان دينياً أو أيديولوجياً ، ووجود التنظيم المعبِّر عن كل من النمط الفكري وحركة الإرهاب، ثم ظرف اجتماعي معيّن. والنمط الفكري الذي يمثل وقود الإرهاب يتسم بالتطرف والتشدد. هذا النمط الفكري يظهر في تنظيمات تعبِّر عن طبيعته سواءً كان دينيا أو أيديولوجياً أو ثقافياً ... الخ، مستندة على الفكر الذي تقوم عليه كعقيدة بالنسبة لها . وهذا التنظيم المغلق يقوم على الهرمية والطبقة المغلقة وعدم الانفتاح على الآخرين وسيطرة الزعيم، إذ الآخرون إما معه أو ضده . ومن ثم يقوم هذا التنظيم بقمع الرأي والفكر المغاير، فضلا عن التنكيل بمن هو آخر. ويستطيع التنظيم الحصول على الدعم السياسي من بعض الدول أو التنظيمات الأخرى لوجود مصالح مشتركة فضلا عن الدعم المالي.أما ظرف اجتماعي فهو يعمل على إيجاد البيئة المناسبة لتبلور هذا الفكر وانتشاره، وقد يكون تحولات اقتصادية أو اجتماعية عميقة أو حتى سياسية .. وقد يكون نابعاً من البيئة الخارجية كهزيمة عسكرية مثلا.
وهناك مجموعة من العوامل تساهم في استمرار هذه الظاهرة ومنها ما يتعلق بكيفية تعامل الدولة والمجتمع مع هذه الحركات الإرهابية أو المتطرفة الوليدة وكذلك تعامل مثل هذه التنظيمات مع المجتمع والدولة . ففي بعض الحالات نجد أن الدولة تجاهلت هذه التنظيمات أو دخلت معها في تحالفات سياسية أو عسكرية أو قدمت لها الدعم المالي والسياسي في بدايتها. ومن ناحيتها فهذه التنظيمات قد تتعامل مع المجتمع من خلال أسلوب النفس الطويل والتغلغل في أعضائه ومؤسساته وقد تتبنى بعض القضايا الاجتماعية لكسب تعاطف أفراد المجتمع معها.

      ومن هذه العوامل أيضا كيفية تعامل التنظيمات الإرهابية مع البيئة الدولية وما تسمح متغيراتها الأخرى من التكنولوجيا المتقدمة في الاتصال والسلاح، ومن وجود تنظيمات الجريمة المنظمة والتنظيمات الإرهابية الأخرى التي تتعدد أهدافها وأفكارها، ومن وجود بعض الدول التي تعد أراضيها بيئة صالحة لدعم الأنشطة الإرهابية سواء كان دعما معنويا بالإيواء أو دعما سياسيا أو دعما فنياً كالتدريب أو ماديا كتقديم أموال وذخيرة وسلاح.. وهكذا تتعدد العوامل المفسرة لهذه الظاهرة[54].

1 - الإرهاب والاستخدام السياسي في الصراعات الدولية:تصاعد الإرهاب في العالم منذ الستينيات، وجرى تفسيره من جانب الخبراء والأكاديميين على أنه جزء من معارك الصراع بين الغرب والشرق بأساليب أخرى، سُميت الحرب بالوكالة في بعض الأحيان . فالتنظيمات الإرهابية الماركسية والفوضوية وأنصار مذهب العدمية التي تشترك في رفض السلطة القائمة، كانت في غالبيتها ذات طابع يساري وحظيَّ بعضها بدعم مستتر من موسكو ومن الدول الشيوعية أو الاشتراكية التي هدفت إلى نشر الفوضى في الدول الغربية في دول الغرب. كما قامت الدول الغربية أيضا بمساعدة وتجنيد العديد من التنظيمات الإرهابية التي وجَّهت أعمالها ضد الدول الاشتراكية[55].

        كما اتخذت بعض الدول من تلك الظاهرة وسيلة ضمن أدوات سياستها الخارجية تجاه بعض الدول التي عانت من ظاهرة الإرهاب سواء من خلال إيواء العناصر الإرهابية في أراضيها وتقديم الحماية لهم، أو عبر المساعدات المالية أو السلاح والتدريب لمخططي ومنفذي العمليات الإرهابية.وتستخدم هذه الدول الجماعات الإرهابية كورقة ضغط سياسية ضد الدول التي تعاني من ظاهرة الإرهاب أو تستخدم هذه الجماعات في القيام بعمليات إرهابية عسكرية محدودة ضد بعض الدول[56].

2- انتشار السلاح وسهولة الحصول على التقنيات الحديثة:من أهم نتائج انتهاء الحرب الباردة انتشار تجارة السلاح على نطاق واسع، ومن ثم استفادت التنظيمات الإرهابية من وفرة السلاح في السوق بما في ذلك بعض الأسلحة عالية التقنية والتدمير. كما قدمت التقنية الحديثة وسائل جديدة للمتفجرات والتجهيزات الإلكترونية. وتغير تقنيات الاتصال ابتداء من محطات البث التليفزيوني ذات الدائرة المحددة ومحطات البث الإذاعي والفيديو والفاكس والتليفونات المحمولة ووسائل التصنت وأجهزة الاستشعار عن بعد وأيضا الكمبيوتر والإنترنت والتقنيات الحديثة التي تساعد الإرهابيين على ارتكاب أكثر العمليات جرأة وخطورة، إذ يتسم العصر بتقنية عالية في نوعيات السلاح المستخدم والمتوافر لدى الأفراد من حيث إنتاجه لكمية نيران عالية في وقت قياسي مع إمكانية إحداث أضرار كبيرة يصعب السيطرة عليها مثل الأسلحة الأوتوماتيكية والمتفجرات مع ما تتيحه الأخيرة من إمكانية أحداث دمار عن بعد وفي وقت لاحق لوجود الإرهابي بالمكان المستهدف، الأمر الذي يُسهِّل من مهمته ويُمكنه من عدم الالتقاء بضحيته وهو ما يشجع الإرهابي على الهروب. كما لجأت التنظيمات الإرهابية لفنون على مستوى عال من التنظيم والتدريب، وهو الأمر الذي يصعب على أجهزة المكافحة ملاحقتها لضبطها، ولعل ما يزيد من صعوبة ذلك أن أعداداً كثيرة من الكوادر الإرهابية تلك قد تلقت تدريباتها بالكامل في وقت سابق على أيدي رجال مخابرات دول أخرى أو تنظيمات إرهابية ذات خبرة طويلة في هذا المجال.ويعتمد المنفذون للعمليات الإرهابية على أسلوب علمي في التنفيذ والإلمام بخبرات العمل بأجهزة الكمبيوتر وأجهزة التشويش على المراقبة ، وغالبا ما تكون لديهم مهارات عالية في مجالات مختلفة من العلم. فيستخدم الإرهابيون الآن شبكة الإنترنت في الاتصال وجمع الأموال وتحضير العمليات الإرهابية والتخطيط لها وتنفيذها عبر استخدام مواقع يصعب الاشتباه فيها كما فعل منفذو عمليات 11 أيلول / سبتمبر عام 2001 في واشنطن ونيويورك[57].

3- التعاون بين التنظيمات الإرهابية والإجرامية:يشهد مسرح العمل الإرهابي تعاوناً بين فرق المنظمات الإرهابية في العديد من الدول بلغ حد قيام البعض منها بعمليات لحساب البعض الآخر، ناهيك عن التعاون المشترك في التخطيط وتنفيذ العمليات. كما اتسمت ظاهرة الإرهاب بالتعاون المكثف بين بعض المنظمات الإرهابية وبعض منظمات الأنشطة الإجرامية في العديد من المجالات منها الاستخبارات والتخطيط لعمليات إرهابية وتنفيذها والتدريب والحصول على الوثائق المزيفة وبيع وشراء السلاح وتهريبه وتبادل المعلومات والخبرات وغسيل الأموال وتبادلها.

4- بؤر التوتر بعد الحرب الباردة:يعد وجود بؤر للتوتر في مختلف مناطق العالم دافعاً من الدوافع الأساسية لنشاط الظاهرة الإرهابية على المستوى الدولي، حيث يُسهم إلى حد كبير في قيام العديد من الأنشطة الإرهابية التي تمارسها بعض الجماعات سعياً للتخلص من تلك المشاكل أو رغبة في وضع نهاية للمعاناة المرتبطة بها. ومثال على ذلك منطقة الشرق الأوسط التي تضم نحو 23% من حجم عمليات الإرهاب عالمياً.ومع نهاية الحرب الباردة أيضا ازداد تذمّر العديد من الشعوب والمجتمعات من الهيمنة الأمريكية، وبرزت عدة جماعات إرهابية هدفها ممارسة العنف ضد المصالح الأمريكية خارج وداخل الولايات المتحدة انتقاماً منها لسياستها العدائية المتغطرسة ضدَّ بعض الشعوب. ومن هذه التنظيمات شبكة القاعدة التي أعلنت الجهاد ضدَّ "الشيطان الأكبر" الولايات المتحدة ،كما كان من أبرز ظواهر نهاية الحرب الباردة التي فاقمت من حدة ظاهرة الإرهاب تلك الحيوية المرعبة لتدفق الأزمات الداخلية في بعض الدول والتي تحوَّلت إلى شبه حروب أهلية أحياناً كما في الجزائر وحروب أهلية حقيقية كما في رواندا ويوغوسلافيا السابقة والصومال وكوسوفا والعراق... وذلك بفضل حدّة النعرات الدينية والإثنية العرقية المتطرِّفة بما يُسهم في زيادة حدة الظاهرة.

        فنهاية الحرب الباردة لم تؤدِّ إلى نهاية الإرهاب، بل على العكس زاد عدد العمليات الإرهابية وتعدَّدت دوافع وأسباب الإرهاب في أنحاء العالم. ولم يتحقق الأمل بأن تضع نهاية الحرب الباردة والصراع بين القطبين الكبيرين حداً لظاهرة الإرهاب أو تؤدّي لخفض حدتها لانتفاء الحاجة إلى الاستخدام السياسي للظاهرة كوسيلة للحرب المحدودة أو ممارسة الحرب بالوكالة. فقد تصاعد دور العوامل الثقافية - الدينية - القيمية - العقائدية في الإرهاب بعد الحرب الباردة وفق دور العوامل الاقتصادية[58].

5- الصراع على السلطة: في إطار استخدام الإرهاب كأداة لإدارة التفاعلات السياسية داخل بيئة النظام السياسي، وفى دولة ما، فإن من أهم دوافع هذا العمل الذي يدفع القائمين به لممارسته مهما اختلفت اتجاهاتهم هو إسقاط الحكومات أو العمل على تغيير طبيعة النظام السياسي والانقضاض على السلطة بسلاح الإرهاب أو تغيير القوانين والسياسات التي تتبعها إحدى الحكومات أو النيل من فئة أو طبقة اجتماعية أو اقتصادية أو ثقافية لها مكانتها في الدولة أو إحداث تغييرات جذرية في بنية السلطة.

     فالعنف الإرهابي في حالة الصراع الداخلي ليس مقصوداً في حد ذاته لأنه وسيلة وليس غاية. فأعمال القتل أو الاغتيالات مثلا تهدف إلى زعزعة الاستقرار السياسي وخلخلة هيبة الدولة وإيجاد مناخ من الخوف الذي يدفع إلى اعدم الاستقرار النفسي أكثر من مجرد التخلص من بعض الأشخاص الذين قد لا تكون لهم أية علاقة بالإرهاب. فالأثر النفسي والسياسي الذي تحدثه الواقعة الإرهابية هو الهدف من الواقعة وليس ضحاياها. فالسائح مثلا ليس هدفاً في حد ذاته ولكن الهدف هو تخريب السياحة، وهناك أهداف أخرى للعمليات الإرهابية منها الابتزاز السياسي بمعنى الضغط على بعض الحكومات لتغيير سياستها ومثال ذلك العمليات الإرهابية التي يقوم بها الجيش الجمهوري الايرلندي كي تغير الحكومة البريطانية موقفها وسياساتها من مسألة ايرلندا الشمالية، والعمليات الإرهابية إلى تقوم بها منظمة آيتا الانفصالية في إقليم إلباسك للضغط على الحكومة الأسبانية كي تغير من موقفها وسياستها تجاه إقليم إلباسك، وكذلك العمليات الإرهابية التي يقوم بها حزب العمال الكردستاني ضد الحكومة التركية كي تغير موقفها إزاء قضية الأكراد ومسألة استقلال الأناضول. كما يدخل في هذا الإطار الضغط على الحكومة لإطلاق سراح المعتقلين من أفراد المنظمات الإرهابية أو إصدار قرار بالعفو عن هؤلاء الإرهابيين كما في واقعة احتجاز حركة توباك أمارو الإرهابية في بيرو لأعضاء في الحكومة وسياسيين ودبلوماسيين أجانب في مقر السفير الياباني، وهناك هدف الدعاية بالأعمال والذي مارسته جماعة (الحقيقة السامية) في اليابان في إطار صراعها مع الحكومة اليابانية لتحقيق أسطورة نهاية العالم، فقد هدفت العمليات التي قامت بها هذه المنظمة إلى التعريف بها وبأهدافها وأيديولوجيتها وأفكارها حول نهاية العالم لاجتذاب المزيد من الأنصار إلى صفوفها[59].

        كما تعاني بعض الدول الإسلامية من بعض الحركات الأصولية المتطرفة التي تتخذ من الإرهاب أسلوباً لها لتحقيق أهدافها كما في مصر والجزائر والسعودية والعراق وغيرها[60]، حيث تدعو للجهاد من أجل إقامة دولة إسلامية محل النظم القائمة. وتحاول هذه التنظيمات تقويض أركان النظم السياسية، خاصة من خلال ضرب مقدراتها الاقتصادية كالسياحة وضرب الرعايا الأجانب بهدف زعزعة ثقة الدول الأجنبية في مدى الاستقرار والأمن الذي تتمتع به هذه النظم، بما لذلك من آثار سلبية من الناحية السياسية ومن الناحية الاقتصادية إذ تؤدي إلى هروب رؤوس الأموال إلى الخارج وإيجاد بيئة غير مواتية للاستثمار الأجنبي.

        وثمَّة أيضا حركات إرهابية تعدُّ وارثة للأيديولوجية اليسارية المتطرفة. ورغم أنَّ هذه الحركات تبدو ضعيفة وواهنة في العديد من الدول الغربية إلا أنها ما زالت تظهر في كل من أمريكا اللاتينية وفى اليونان وتركيا. وهناك أيضا تهديد اليمين المتطرف في أوروبا الغربية مثل جماعات النازيين الجدد وفى الولايات المتحدة وكندا. وكذلك في روسيا وأوروبا الشرقية مثل الحزب الديمقراطي بزعامة جيرنوفسكى. وهذه الجماعات تهدف إلى تغيير بعض السياسات وليس تغيير نظم الحكم. وهكذا استمر استخدام الإرهاب في الصراع السياسي سواء على المستوى الدولي أو الداخلي داخل الدولة ذاتها.

6- أزمات التنمية:يتألف قطاع كبير من الإرهابيين من شباب يعانون من أوضاع اجتماعية اقتصادية سيئة في معظم الأحوال، إذ أن الأوضاع الاقتصادية المتدهورة تخلق بيئة مولدة للإرهاب. فالبطالة والتضخم وتدنى مستويات المعيشة وعدم التناسب بين الأجور والأسعار وتفاقم مشكلات الإسكان والصحة والمواصلات قد تدفع قطاعا من الشباب إلى الدخول في عصابات الجريمة والإرهاب.غير أن الأوضاع الاقتصادية لا تؤدى وحدها إلى الاتجاه نحو التطرف أو العمل الإرهابي. فاقتران تلك الأوضاع بظروف اجتماعية أخرى عامة في المجتمع كأزمة سياسية داخلية هو الذي يدفع إلى ذلك الاتجاه. فاتساع الفجوة بين الفئات الاجتماعية وظهور أنماط معيشة استهلاكية استفزازية لدى بعض فئات المجتمع وعدم قدرة بعض المهاجرين من الريف الذين يسكنون عادة الأحياء العشوائية على التكيف مع الواقع الجديد، كلها عوامل وسبل تحول المشاكل الاقتصادية إلى قوة دافعة نحو التطرف والإرهاب[61].

        وتظهر كثيرا من الحالات في المناطق المهملة  تنموياً، وتتواجد التنظيمات الإرهابية في المناطق العشوائية. وما يساهم في زيادة دور العامل الاقتصادي في دعم الإرهاب هو ارتباط مكونات هذا العامل بحياة الأفراد ارتباطاً شديداً غالباً ما يفسرونه نجاحا وفشلاً بإرجاعه إلى سياسات النظام السياسي الحاكم. ومن هنا تزداد النقمة على الحكومة في حالة الفشل الاقتصادي وعدم تلبية متطلبات قطاع كبير من المواطنين مع انتشار البطالة وزيادة حدة التضخم ، الأمر الذي قد يتيح لبعض المنظمات الإرهابية تجنيد المزيد من الأعضاء، إذ تجد ضالتها في الغاضبين والمحتجين والكارهين لسياسات الحكومة .

 

الفسم الرابع

مكافحة الإرهاب

        لم تعد ظاهرة الإرهاب تمثل مشكلة ذات حساسية لدولة بعينها أو لمجموعة من الدول وإنما صارت مشكلة للعالم كله.ويثير مفهوم مكافحة الإرهاب ملاحظتين :

1- لا يوجد اتفاق حول معنى مكافحة أو مواجهة أو منع الإرهاب ، وكلها مفاهيم لم يتمَّ الاتفاق على تعريف محدد لها، ومن ثمَّ إلى وحدة سبل المواجهة وآلياتها وإستراتيجيتها وتكتيكاتها، وإن كان هناك تفاهم عام على أنها عملية مستمرة لمواجهة ظاهرة الإرهاب سواءً من الناحية الأمنية أو الاقتصادية أو الاجتماعيةً أو السياسية بهدف الحدِّ منها.

2- إن الحديث عن حل لمشكلة الإرهاب لا يعني القضاء عليه قضاءً تاما وبصورة كاملة بحيث لا يبقى منه أي أثر، إذ أن مثل هذا القول لا يعدو أن يكون فرضاً نظرياً بحتاً أو أملاً مغرقاً في التفاؤل. فحل مشكلة الإرهاب يعني تحجيم وتقليل الخطر الإرهابي في حدود دنيا لا يشكل معها تهديداً لحياة الجماعة واستقرارها.

        وتتعدَّد الجهود الدولية لمواجهة ظاهرة الإرهاب. فهناك الجهود الفردية لمواجهة الظاهرة من قبل كل دولة على حدة ، والجهود متعدِّدة الأطراف التي تتمُّ بين مجموعات إقليمية محددة، مثل الجهود العربية من خلال جامعة الدول العربية، والجهود الأوروبية في إطار الاتحاد الأوروبي، ثم الجهود الجماعية على المستوى العالمي من خلال منظومة الأمم المتحدة والقانون الدولي.

أولا: تجارب ورؤى

        أصبح الإرهاب ظاهرة عالمية لا تقتصر على منطقة من العالم دون أخرى. فالإرهاب أصبح له تنظيماته التي تتعدى الحدود، ولم يعد مرتبطاً بفكر معين أو أيديولوجية معينة.كما أن انتشار الأعمال الإرهابية في دول العالم على اختلاف أوضاعها وثقافاتها ونظمها ودرجة تطورها الديمقراطي يمثل تهديدا خطيرا للأمن والاستقرار الوطني والدولي لكونها عقبة في طريق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتطور الديمقراطي والتمتع بحقوق الإنسان، وقبل التطرق لجهود مكافحة الإرهاب نورد بعض الملاحظات أبرزها:

1- لا يجوز وصف التنظيمات الإرهابية بالجماعات الإسلامية أو الدينية لأنها تنظيمات ترتدي عباءة الدين للتضليل ومن ثم لا يجوز اعتبار الإرهابيين أصحاب عقيدة أو رأي.

2- إن الإرهاب في حقيقته ليس سوى جريمة دولية منظمة ذات أهداف مشبوهة لا علاقة لها بالأديان أو الجنسيات أو الأوطان.

3- يظل الإرهاب خطراً قائما ومحدقا ما دامت رؤوس وقيادات الإرهاب الموجودة خارج إطار القانون والملاحقة  تخطط وتموِّل وتدفع بالعناصر المأجورة للتنفيذ.

4- ما زال المجتمع الدولي عاجزا عن صياغة إطار واضح لمواجهة الإرهاب في شتى صوره وأشكاله.

5- التنبيه إلى أن نطاق الظاهرة سوف يتسع وأن العناصر الإرهابية سوف تضرب في مناطق مختلفة وأنها سوف تنقلب حتما على الأطراف التي تتغاضى عنها.

        لقد دلّت التجارب على أن جرائم الإرهاب أصبحت كنموذج معاصر للجريمة المنظمة حينما اعتمدت عصاباتها ومنظماتها آليات منسَّقة وموحدة لحركتها وأهدافها تبلورت فيما يلي:

1- تشابه الهياكل التنظيمية للإجرام المنظم والإرهاب في ظل طبيعته العابرة للحدود ووسائله غير المشروعة باستخدام القوة المادية ونهب الأموال والابتزاز والتزوير والاتجار غير المشروع في السلاح والمخدرات والصفقات غير المشروعة وغسيل الأموال.

2- وحدة التهديدات التي تشكلها تلك الجرائم على الأمن والاستقرار الوطني والدولي وقيم الديمقراطية والقانون وحقوق الإنسان والجهود الوطنية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.

3- نقل مراكز نشاطها خارج حدودها الوطنية تفاديا لعمليات المواجهة الأمنية مع عناصرها ووفق مخططات استهدفت إعداد كوادرها عسكريا لإعادة دفعها لبلادها لتنفيذ جرائمها المنظمة المخططة باستخدام العنف والإرهاب.

4- استغلال بعض الدول في الالتقاء الحركي مع نظائرها من المنظمات الإجرامية والتدريب على السلاح والعمل السري الإرهابي المنظم.

5- ارتباطها ببعض الجهات والقوى المعروفة بدعمها للإرهاب والإجرام المنظم دوليا واستثمارها لهذا الدعم لصالح حركتها في مجال التمويل والتدريب والتمركز والانطلاق.

6- امتداد جرائمها إلى تهديد حرية الفكر والرأي والتعدّي على الملكية الثقافية بما لها من آثار سلبية على التراث الثقافي والحضاري والعالمي  .

 

ثانيا:الاتفاقيات الدولية لمكافحة الإرهاب

1- اتفاقية جنيف لمنع الإرهاب للعام 1937

        تحت تأثير الأعمال الإرهابية التي طالت المسئولين في بعض الدول جرت مساعٍ دولية، منذ الثلاثينيات من القرن المنصرم، لوضع اتفاقيات دولية لمنع الإرهاب والمعاقبة عليه[62]. ففي العام 1934 اغتيل الكسندر الأول ملك يوغسلافيا، ورئيس وزراء فرنسا لويس بارتو Louis barthou في مرسيليا أثناء زيارة رسمية كان يقوم بها الأول لفرنسا. وأثار الحادث ردود فعل عنيفة في أوروبا ، وقدمت الحكومة اليوغسلافية احتجاجاً إلى عصبة الأمم مطالبة بإجراء تحقيق عاجل، كما تقدمت الحكومة الفرنسية بمذكرة إلى العصبة أيضا تتضمن المبادئ التي يمكن أن تشكل الأساس لاتفاقية دولية لقمع الجرائم التي ترتكب بهدف تحقيق أغراض سياسية، أو لمجرد الإرهاب. وقد عقد في جنيف مؤتمر دولي في العام 1937 تمَّ التوصل فيه إلى اتفاقية دولية لمكافحة الإرهاب الدولي. وقد حثت ديباجة الاتفاقية الأطراف المتعاقدة على اتخاذ إجراءات فعَّالة لمنع ومعاقبة جرائم الإرهاب ذات الطابع الدولي. وفي المادة الاولى تعهَّدت الدول الإطراف بالامتناع عن كل فعل من شأنه تشجيع الأنشطة الإرهابية، ومنع الأعمال الإرهابية الموجهة إلى أية دولة أخرى ومعاقبة مرتكبيها، وان يكون هناك تعاون في ما بينها في سبيل تحقيق ذلك. وفي الفقرة الثانية من المادة نفسها حددت الاتفاقية المقصود بأعمال الإرهاب بأنها الأعمال الإجرامية الموجهة ضد دولة ما وتستهدف أو يقصد بها خلق حالة رعب في أذهان أشخاص معنيين أو مجموعة من الأشخاص أو عامة الجمهور.

        يتضح مما تقدم انه من الضروري، طبقاً لأحكام الاتفاقية، توافر عدة شروط في العمل الإرهابي، لكي تنطبق عليه الأحكام الواردة في اتفاقية جنيف. ومن هذه الشروط أن يكون العمل الإرهابي من النوع الذي يدخل ضمن الأفعال الإجرامية الواردة في الاتفاقية والتشريعات العقابية الوطنية، وان يوجّه الفعل بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلى الدولة؛ فالأفعال الموجهة ضد الأفراد لا تدخل في نطاق تطبيق الاتفاقية. وتتناول الاتفاقية في مادتها الثانية أمثلة لبعض الأفعال التي تعدّ من الأعمال الإرهابية ذات الطابع الدولي، وهي أيّ فعل عمدي يتسبب في موت أو إحداث إصابة جسدية جسيمة أو فقدان حرية أي من. رؤساء الدول والقائمين بأعمالهم أو ورثتهم أو خلفائهم، وزوجات وأزواج أي من الفئات السابقة، والأشخاص الذين يتولون مسؤوليات عامة إذا وجِّهت هذه الأفعال إليهم بصفتهم هذه[63]

2-  الاتفاقية الأوروبية لقمع الإرهاب

        في العام 1977 وضعت الاتفاقية الأوروبية لقمع الإرهاب بهدف القضاء على ظاهرة الإرهاب الدولي التي اجتاحت أوروبا في أوائل السبعينات، وهدفت إلى المساهمة في قمع أفعال الإرهاب عندما تشكل اعتداء على الحقوق والحريات الأساسية للأشخاص[64]. وقد نصّت الاتفاقية على أن جريمة الإرهاب هي من الجرائم التي وردت في اتفاقية قمع الاستيلاء غير المشروع على الطائرات الموقعة في لاهاي سنة 1970، والجرائم التي وردت في اتفاقية قمع جرائم الاعتداء على سلامة الطيران المدني الموقعة في مونريال سنة 1971، والجرائم الخطيرة التي تمثل اعتداء على الحياة أو السلامة الجسدية أو حرية الأشخاص ذوي الحماية الدولية، بما في ذلك المبعوثين الدبلوماسيين، والجرائم التي تتضمن الخطف وأخذ الرهائن أو الاحتجاز غير المشروع للإفراد، والجرائم التي تتضمن استخدام القذائف والقنابل اليدوية والصواريخ والأسلحة النارية أو الخطابات أو الطرود الخداعية.

        وأكدت الاتفاقية الأوروبية بصفة خاصة على أهمية مبدأ تسليم مرتكبي الأعمال الإرهابية كأحد العناصر الأساسية لضمان فعالية الاتفاقية وتحقيقها للنتائج والأهداف المرجوة. وتجدر الإشارة إلى أن الاتفاقية لا تمنح الدول حرية الاختيار بين التسليم والمحاكمة، فالأولوية هي دائماً للتسليم، ولا ينعقد الاختصاص القضائي لمحاكم الدولة المعنية إلا في الحالات التي يستحيل فيها تسليم المتهم إلى الدولة التي ارتكب العمل الإرهابي في إقليمها. فالاتفاقية تحبذ محاكمة مرتكبي الأفعال الإرهابية أمام قضاء الدولة التي ارتكبت الجريمة في إقليمها باعتبار انه صاحب الاختصاص الطبيعي للنظر فـي مثل هذه الجرائم[65].

3-  المواثيق الخاصة بمنع أعمال الإرهاب الموجهة ضد الأفراد والأشخاص المتمتعين بحماية دولية ومعاقبة مرتكبي هذه الأعمال.

        لم تقف الأعمال الإرهابية عند حدود الأعمال الموجهة ضد الدول، بل امتدت لتشمل خطف الأبرياء واحتجازهم كرهائن طلباً لفدية أو للضغط على الحكومات تحقيقاً لمطلب سياسي. كما تفشت ظاهرة خطف الممثلين الدبلوماسيين والاعتداء عليهم وإعدامهم إذا لم تقم الحكومة الموفدة أو المضيفة بتنفيذ مطالب الخاطفين. ومن البديهي أن القانون الدولي يقرر حصانة وحماية خاصة للمبعوثين الدبلوماسيين، كما أن الأعمال التي توجه ضدهم تعد جرائم يعاقب عليها القانون الوطني في كل الدول.

        وقد شهدت السبعينيات من القرن المنصرم جهداً دولياً بهدف مكافحة هذه الجرائم وتشديد العقاب على مرتكبيها، وتم التوقيع على ثلاث اتفاقيات دولية بهذا الشأن وهي:

أ - اتفاقية منع أعمال الإرهاب التي تأخذ شكل الجرائم ضد الأشخاص، وأعمال الابتزاز المرتبطة بها ذات الأهمية الدولية، ومعاقبة مرتكبي هذه الأعمال، وقد وقّعت فـي واشنطن بتاريخ 2 شباط من العام 1971.وجاء في هذه الاتفاقية أن الدول المتعاقدة تلتزم بالتعاون في ما بينها واتخاذ الإجراءات الفعالة التي تراها مناسبة طبقاً لقوانينها وتشريعاتها الجنائية، مع إبلاء أهمية خاصة لتلك الواردة في الاتفاقية لمنع الأعمال الإرهابية ومعاقبة مرتكبيها، وخصوصاً الخطف والقتل والاعتداءات الأخرى الموجهة ضد حياة وسلامة أشخاص تلتزم الدولة، طبقاً للقانون الدولي، بتوفير حماية خاصة لهم، وكذلك ضد أعمال الابتزاز المرتبطة بهذه الجرائم. كما تلتزم الدول المتعاقدة بإدراج هذه الجرائم في تشريعاتها العقابية[66].

ب - اتفاقية منع الجرائم الموجهة ضد الأشخاص المتمتعين بحماية دولية، بما في ذلك المبعوثين الدبلوماسيين، ومعاقبة مرتكبي هذه الجرائم، وقد وقّعت في نيويورك بتاريخ 14 كانون الأول من العام .1973 فمع ازدياد أعمال العنف ضد أعضاء البعثات الدبلوماسية وتعرضهم للكثير من الأعمال الإرهابية، تقدمت بعض الدول الأعضاء في الأمم المتحدة باقتراحات تهدف إلى تكثيف وزيادة التزامات الدول في مجال حماية المبعوثين الدبلوماسيين. وكلفت الجمعية العامة للأمم المتحدة لجنة القانون الدولي التابعة لها بإعداد مشروع اتفاقية بشأن تعزيز سبل الوقاية والدفاع عن الأشخاص المتمتعين بحماية خاصة طبقاً للقانون الدولي. وفي الدورة الثامنة والعشرين للجمعية العامة للأمم المتحدة تمَّت الموافقة على المشروع الذي أعدته لجنة القانون الدولي بعد إدخال بعض التعديلات عليه[67].وقد حددت الاتفاقية ما المقصود بالشخص المتمتع بالحماية الدولية على النحو الآتي:

- كل رئيس دولة وكل رئيس حكومة ووزير خارجية أجنبي وأعضاء أسرهم الذين يكونون في صحبتهم.

- كل ممثل أو موظف أو شخصية رسمية لدولة وأي شخص آخر يمثل منظمة حكومية.

        وحددت المادة الثانية من الاتفاقية الاعتداءات التي تنطبق عليها أحكام الاتفاقية ، وهي الاعتداءات العمدية التي تشكل جرائم طبقا للتشريع الداخلي للدولة المتعاقدة، وتشمل:

- قتل شخص يتمتع بحماية دولية، أو خطفه أو أي اعتداء آخر على شخصه أو على حريته.

- أي اعتداء عنيف على مقر العمل الرسمي لشخص يتمتع بحماية دولية أو على محل إقامته أو على وسائل نقله يكون من شأنه تعريض شخصه أو حريته للخطر.

- التهديد بارتكاب أي اعتداء من هذا النوع .

- محاولة ارتكاب أي اعتداء من هذا النوع.

- أي عمل يشكل اشتراكا في اعتداء من هذا النوع.

        وقد ألزمت الاتفاقية الدول المتعاقدة باتخاذ الإجراءات المناسبة لمنع ارتكاب الجرائم المنصوص عليها في الاتفاقية في الإقليم الخاضع لاختصاصها، مع تعاونها في مكافحة هذه الجرائم من خلال تبادل المعلومات المتعلقة بالعمليات الإرهابية ومرتكبيها، وتنسيق التدابير التشريعية والإدارية والفنية لمنعها.

ج - الاتفاقية الدولية لمناهضة أخذ الرهائن الموقعة في نيويورك بتاريخ 17/12/1979

        إن جريمة خطف واحتجاز الرهائن تعد من الأعمال الإرهابية التي تقع تحت طائلة العقاب في جميع التشريعات النافذة، كما أنها تدخل في نطاق معظم الاتفاقيات الدولية المعنية بمنع ومعاقبة جريمة الإرهاب الدولي. وبعد أن انتشرت ظاهرة خطف واحتجاز الرهائن، وعلى اثر احتلال مجموعة من منظمة "هولغر مينز" (Holger Meins Commando) للسفارة الألمانية في ستوكهولم في نيسان 1975، تقدمت الحكومة الألمانية بطلب صياغة اتفاقية لمناهضة أخذ الرهائن، على جدول أعمال الأمم المتحدة في دورتها الحادية والثلاثين عام 1976. وقد وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على تشكيل لجنة خاصة لوضع مشروع اتفاقية دولية لمناهضة أخذ الرهائن. ووافقت الجمعية العامة على مشروع الاتفاقية في 17/12/[68]1979.

        وعرّفت الاتفاقية جريمة أخذ الرهائن بأنها قيام شخص بالقبض على شخص آخر واحتجازه والتهديد بقتله أو إيذائه، أو الاستمرار في احتجازه من أجل  إكراه طرف ثالث، سواء كان دولة أو منظمة دولية حكومية، أو شخصاً طبيعياً أو اعتبارياً، أو مجموعة من الأشخاص، على القيام بفعل معين كشرط صريح أو ضمني للإفراج عن الرهينة.كما تلتزم الدول المتعاقدة بإدراج الجرائم المنصوص عليها في هذه الاتفاقية، ضمن تشريعاتها الوطنية، والعقاب عليها بعقوبات تتناسب وخطورة تلك الجرائم.ولا تنطبق أحكام الاتفاقية إلا على جريمة أخذ الرهائن ذات الطابع الدولي ، أي التي تتضمن عنصراً خارجياً أو دولياً.

4- الاتفاقيات المتعلقة بقمع التدخل غير المشروع في شؤون الطيران المدني الدولي

        تصاعدت أعمال خطف الطائرات خلال العقدين الأخيرين[69]، ما أدى إلى اتخاذ إجراءات على المستوى الدولي لمنع تفاقم هذه الظاهرة ومحاربتها، وقمع مختلف الأعمال الموجهة ضد سلامة الطيران المدني الدولي. وقد وضعت في هذا المجال الاتفاقيات الدولية الآتية:

أ - اتفاقية الجرائم والأفعال التي ترتكب على متن الطائرات، والموقعة في طوكيو في 14/9/1963، والتي أصبحت سارية المفعول اعتباراً من 4/12/1969.وتنطبق اتفاقية طوكيو على ما يلي[70]:

- الجرائم الخاضعة لأحكام قانون العقوبات.

-  الأفعال التي تعدّ جرائم أو لا تعدّ كذلك والتي من شأنها أن تعرض (أو يحتمل أن تعرض) للخطر سلامة الطائرة أو الأشخاص أو الأموال الموجودة فيها أو تعرض للخطر حسن النظام والضبط على متنها.

        ­ - الجرائم التي ترتكب أو الأفعال التي يقوم بها أي شخص على متن أي طائرة مسجلة في دولة متعاقدة، أثناء وجود هذه الطائرة في حالة طيران أو فوق سطح أعالي البحار أو فوق أي منطقة أخرى خارج إقليم أي دولة.

        وتنص الاتفاقية على أنه بغض النظر عن جنسية المشتبه فيهم، تختص دولة تسجيل الطائرة بمباشرة اختصاصها القضائي في ما يتعلق بالجرائم والأفعال التي ترتكب على متن هذه الطائرة، وانه على كل دولة متعاقدة، باعتبارها دولة التسجيل، أن تقوم باتخاذ الإجراءات التي قد تكون ضرورية ولازمة لتأسيس اختصاصها بالنسبة للجرائم التي ترتكب على متن الطائرة المسجلة فيها. وفي جميع الأحوال لا تستبعد الاتفاقية أي اختصاص جنائي تجري مباشرته طبقا لأحكام القانون الوطني.

ب - اتفاقية قمع الاستيلاء غير المشروع على الطائرات، الموقعة في لاهاي بتاريخ 16/12/1971. [71]

        وبسبب تفاقم حوادث خطف الطائرات واتساع نطاقها، وعجز اتفاقية طوكيو عن تقديم حلول فعالة لمواجهة المشكلة، اهتمت المنظمة الدولية للطيران المدني بإعداد اتفاقية جديدة لقمع الاستيلاء على الطائرات. وقد دعت المنظمة إلى مؤتمر دبلوماسي، عقد في لاهاي في كانون الأول من العام 1970، وأسفر عن عقد اتفاقية لاهاي لقمع الاستيلاء غير المشروع على الطائرات. ويعد مرتكباً لجريمة الاستيلاء غير المشروع على الطائرة، بموجب هذه الاتفاقية، أي شخص على متن الطائرة وهي في حالة طيران:

-  يقدم على نحو غير مشروع، بالقوة أو بالتهديد باستعمالها أو استعمال أي شكل من أشكال الإكراه، بالاستيلاء على الطائرة أو ممارسة سيطرته عليها، أو يشرع في ارتكاب أيّ من هذه الأفعال.

 -يشترك مع أي شخص يقوم أو يشرع في ارتكاب أي من هذه الأفعال. وقد تعهدت كل دولة متعاقدة بمعاقبة أي من هذه الجرائم بعقوبات مشددة.

ج - اتفاقية قمع جرائم الاعتداء على سلامة الطيران المدني، الموقعة في مونريال في 32/9/1971.[72]

        دعت منظمة الطيران المدني إلى عقد مؤتمر دبلوماسي في مونريال في كندا، من أجل معالجة الثغرات في اتفاقية لاهاي لسنة 1970 والتي لم يشمل نطاق تطبيقها الأفعال غير المشروعة التي توجه إلى الطائرات أثناء وجودها في ارض المطار أو أثناء تحليقها في الجو.وتنطبق اتفاقية مونريال على أي شخص :

- يقوم بأحد أعمال العنف ضد شخص على متن طائرة في حالة طيران إذا كان من المحتمل أن يعرض هذا العمل سلامة الطائرة للخطر.

-  يدمر طائرة في الخدمة، أو يتسبب في أضرار لمثل هذه الطائرة تشكل خطورة على سلامتها أثناء الطيران.

- يضع أو يتسبب في وضع جهاز أو مادة في طائرة في الخدمة بأية وسيلة كانت، بحيث من المحتمل أن تدمر هذه الطائرة أو تصيبها بالضرر الذي يجعلها غير صالحة للطيران، أو يتسبب في حدوث أضرار لها من المحتمل أن تشكل خطورة على سلامتها أثناء الطيران.

- يدمر أو يتلف معدات تسهيلات ملاحة جوية، أو يتدخل في عملياتها إذا كان أي من هذه الأفعال يعرّض للخطر سلامة طائرة في حالة طيران.

- يبلغ معلومات يعرف أنها غير صحيحة من شأنها أن تعرض سلامة طائرة في حالة طيران للخطر.ويعد أيضاً مرتكباً لجريمة، أي شخص يشرع في ارتكاب أي من الأفعال السابقة أو يشترك مع شخص يرتكب أو يشرع في ارتكاب أي من تلك الأفعال.

 ثانيا:الاتفاقيات العربية

        قادت بعض الدول بجهود إقليمية في محيطها بهدف بلورة رؤية إقليمية لمواجهة ظاهرة الإرهاب. وقد تعددت هذه الجهود ومن أهمها جهود منظمة دول أمريكا اللاتينية، والدول العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والاتحاد الأوروبي، ومنظمة الوحدة الأفريقية، وغيرها.

        وتعد الرؤية العربية إحدى أهم الرؤى الإقليمية المتكاملة حول ظاهرة الإرهاب وكيفية مكافحتها[73]. وبدأت الجهود العربية لمكافحة الإرهاب بالتوصل إلى الإستراتيجية الأمنية العربية التي أقرها مجلس وزراء الداخلية العرب في العام 1983. وفى إطار الخطة الأمنية العربية الأولى شكلت اللجنة العربية للجرائم المنظمة التي تناولت في اجتماعها الأول موضوع الإرهاب. وبناء على توصيات اللجنة التي عرضت على المجلس في دورته السادســة بتاريــــخ 12/12/1987، أصدر قرارا يقضى بتكليف الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب بإعداد مشروع إستراتيجية عربية لمكافحة الإرهاب بالتنسيق مع الأمانة العامة لجامعة الدول العربية.

        وفى مطلع عام 1988، أصدر مجلس وزراء الداخلية العرب قرارا ينص على تشكيل لجنة من ممثلي الدول العربية على مستوى الخبراء وبمشاركة الأمانة العامة لجامعة الدول العربية وأمانة مجلس وزراء الداخلية العرب لوضع تصور عربي لكيفية مواجهة ظاهرة الإرهاب. وبمشاركة الأمانة العامة ومجلس وزراء الداخلية العرب عقدت لجنة الخبراء اجتماعها في الفترة من 22- 24 آب 1989، وفى ضوء الورقة المقدمة من الأمانة العامة توصّلت اللجنة إلى تعريف إجرائي للإرهاب يشمل كل صوره.

        وفى الدورة التاسعة لمجلس وزراء الداخلية العرب في كانون الثاني عام 1992، طالبت مصر وتونس بأهمية التصدي للجماعات المتطرفة. وفي الدورة العاشرة للمجلس كانون الثاني عام 1993، تقدّمت مصر بورقة عمل عن تجربتها في مواجهة الجماعات الإرهابية، وقدمت تونس تجربتها في القضاء على الإرهاب. وتقررَّ إنشاء مكتب للإعلام الأمني بالقاهرة في إطار الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب، وفي الدورة الحادية عشرة كانون الثاني عام 1994،تمَّ الاتفاق بين مصر وتونس والجزائر على خطة أمنية لمكافحة كل أنواع الجرائم .وفي الدورة الثانية عشرة بتونس كانون الثاني 1995، تمَّ تشكيل لجنة حكومية لمتابعة رؤوس الإرهاب واتفقت الدول العربية في هذه المدوَّنة على إدانة كل أعمال الإرهاب أيا كان مصدرها، وتمَّ الاتفاق على ضرورة استكمال دراسة مشروع الاستراتيجية العربية لمكافحة الإرهاب ليأتي مشروعا متكاملا يعكس وجهات نظر الدول العربية ويلبي تطلعاتها نحو مجتمع عربي أكثر أمنا واستقراراً. وفي هذا الإطار بدأ في 19 آذار عام 1996، الاجتماع التاسع للجنة الاستشارية التابعة لمجلس وزراء الداخلية العرب لتقييم وتوجيه البرامج الإعلامية من ناحية تأثيرها على السلوك الأمني وتعزيز المواجهة الإعلامية والدفاع عن الإسلام وقيمه السامية.

        وفي إطار التحرك والعمل العربي الجماعي تمَّ إقرار الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب في اجتماعات الدورة 15 لمؤتمر وزراء الداخلية العرب في 5 كانون الثاني عام 1998[74]، وتمَّ وضع عدد من الآليات لتنفيذ هذه الاتفاقية لمواجهة الإرهاب وتفعيل المواجهة لظاهرة عابرة للحدود. وتمَّ التوقيع على الاتفاقية في 22 نيسان عام 1998 في جلسة استثنائية مشتركة لوزراء العدل والداخلية العرب، كما قدَّمت مصر للمجلس بيانا لإدانة الإرهاب أقره المجلس بالإجماع استكمالا لمحاور التعاون الأمني والقضائي بين مجلس وزراء العدل والداخلية العرب.وأكد الاتفاق العربي لمنع ظاهرة التطرف والإرهاب أن الكفاح المشروع ضد الاحتلال لا يعدُّ من الجرائم الإرهابية. وتعتبر الاتفاقية التي تضم 46 مادة أن حالات الكفاح المشروع ضد الاحتلال الأجنبي من أجل التحرر وتقرير المصير لا تعد من الجرائم الإرهابية وفقا لمبادئ القانون الدولي، ويعتبر هذا الموقف تشريعا للمقاومة اللبنانية والفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي.

        ومن ناحية ثالثة،  ثمَّة جهود عربية إعلامية لمواجهة الظاهرة سواء من خلال الإعلام الأمني تحت إشراف وزارات الداخلية العربية أو من خلال أجهزة ووسائل الإعلام ذاتها. وكانت البداية الحقيقية للتعاون العربي في مجال مكافحة الإرهاب عبر وسائل الإعلام منذ عام 1993، ففي كانون الأول من ذلك العام ناقشت اللجنة الدائمة للإعلام العربي تقريرا هاما تحت عنوان دور الإعلام العربي إزاء ظـاهرة التطرف والإرهاب.أما على صعيد مجلس وزراء الإعلام فقد ناقش للمرة الأولى، في دورته السادسة والعشرين التي عقدت بالقاهرة في تموز عام 1993، قضية الإرهاب وقرر وضع آليات لمواجهة التطرف، وتمّت مناقشة خطة لمواجهة الإرهاب، تدعو إلى توعية الرأي العالم داخل الوطن العربي وخارجه بمخاطر مشكلة الإرهاب، وذلك من خلال تغطيتها إعلاميا على أوسع نطاق ممكن، وتعريف الرأي العام العربي من خلال مواد إعلامية مسموعة ومقروءة بمسؤولياته الأسرية نحو حماية الأجيال الناشئة من   الإرهاب، وضرورة وضع خطة للتنوير الديني بهدف تقديم الدين في صورته الصحيحة بعيدا عن روح التعصب، وتكثيف البرامج الإعلامية التي تبرز خطورة الإرهاب على الاقتصاد العربي، والتزام وسائل الإعلام بالموضوعية حتى لا تقع فريسة للشائعات، والتمييز بين الإرهاب والنضال المشروع للشعوب، وإدراج ظاهرة الإرهاب ضمن نشاطات مكاتب الجامعة العربية في الخارج من خلال المحاضـرات واللقاءات الصحفية. وقد أوصى المجلس في دورته 27 التي عقدت عام 1994، بضرورة الإسراع بوضع آليات للتعاون العربي الإعلامي في سبيل القضاء على ظاهرة التطرف.

        وفى الدورة 28 للمجلس عام 1995، تصدرت قضية الإرهاب جدول الأعمال، وقد وافق المجلس خلال هذه الدورة على مشروع قرار قدمته الجزائر بعنوان قواعد سلوك للدول الأعضاء في مجلس وزراء الإعلام العربي لمكافحة الإرهاب والتطرف. وقد حث المشروع على تأكيد التزام الدول الأعضاء بتقوية نشاطها في مجال الإعلام لمواجهة الحملات المغرضة ضد العالم الإسلامي، وإدانة ممارسات المجموعات الإرهابية، ودعا المشروع وسائل الإعلام المقروءة إلى نشر الأخبار التي تخدم وحدة الأمة العربية والإسلامية، بعيدا عن المظاهر المتطرفة والإرهابية والتزام الدول الأعضاء بعدم نشر الأخبار التي تشجع على الإرهاب.وفى 4 سبتمبر عام 1995، عقد أول مؤتمر للإعلام الأمني في تونس من أجل تدعيم التعاون الإعلامي العربي في مجال مكافحة الإرهاب، حيث أقر إستراتيجية إعلامية عربية للتوعية الأمنية.

        وقد ظلت قضية الإرهاب تتصدر جداول أعمال المجلس في أعمال دورتيه 29 التي عقدت بالقاهرة في تموز / يوليو عام 1996، و30 التي عقدت بالقاهرة في تموز / يوليو عام 1997، حيث أعاد المجلس التأكيد على أهمية التعاون الإعلامي العربي لمواجهة الإرهاب. أما على صعيد المؤتمر الأمني الإعلامي العربي، فقد عقد دورته الثانية في يوليو عام 1997، بالعاصمة التونسية، وناقش آليات تنفيذ الإستراتيجية الإعلامية العربية لمكافحة الإرهاب التي تم إقرارها خلال الاجتماع الأول للمؤتمر الذي عقد في سبتمبر عام 1995.

        والملاحظ أن الجهود العربية واجهت مشكلة تعريف ظاهرة الإرهاب ومفهومها، باعتبارها من أهم المشكلات التي تواجه أي تجمع إقليمي يستهدف إلى التوصل إلى التعاون من أجل التصدي للإرهاب ولذا طرحت الإستراتيجية الأمنية العربية لمكافحة الإرهاب، وكذلك الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب والتطرف تعريفاً إجرائيا لتخطى مشكلة الاتفاق على تعريف محدد. ونصت المادة الأولى من الاتفاقية العربية فقرة 2 على أن الإرهاب هو كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به أيا كانت بواعثه أو أغراضه يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردى أو جماعي ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بإحدى المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر[75].

        واعتنقت الاتفاقية العربية معيارا مزدوجا لتحديد ما يعد من أعمال العنف إرهاباً[76]. فالشق الأول مادي: يتمثل في الصور التي أوردتها الاتفاقية في الفقرة 3 من المادة الأولى حين حددت المقصود بمصطلح الجريمة الإرهابية إذ نصت على أنها أي جريمة أو شروع فيها ترتكب تنفيذاً لغرض إرهابي في أي من الدول المتعاقدة أو على رعاياها أو ممتلكاتها أو مصالحها يعاقب عليها قانونها الداخلي، كما تعد من الجرائم الإرهابية الجرائم المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية عدا ما استثنته تشريعات الدول المتعاقدة أو التي لم تصادق عليها .والشق الثاني موضوعي متعلق بالباعث على ارتكاب أعمال العنف، فقد اعتبرت الاتفاقية العربية أنه حينما يتعلق الأمر بحالة من حالات الكفاح المسلح ضد الاحتلال الأجنبي من أجل التحرر وتقرير المصير، فإن أعمال العنف لا تعد إرهاباً وقد اشترطت الاتفاقية ولمزيد من التحديد للمعيار الموضوعي ألا تكون أعمال العنف موجهة إلى دولة عربية بهدف المساس بوحدة أراضيها وإلا فإنها تعد وفقاً لمفهوم الاتفاقية عملاً إرهابياً[77].

        ونتيجة لاعتبار الإستراتيجية العربية الأعمال الإرهابية بمثابة جرائم القانون العام يجب تسليم محاكمة مرتكبيها الذين يوصفون وفقاً لأحكام الاتفاقية العربية بأنهم مجرمين إرهابيين. ويقصد بتسليم المجرمين مجموعة الإجراءات القانونية التي تهدف إلى قيام دولة بتسليم شخص متهم أو محكوم عليه إلى دولة أخرى لكي يحاكم بها أو ينفذ فيها الحكم الصادرة عليه من محاكمها المادة (1) في المعاهدة النموذجية لتسليم المجرمين الصادرة بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (45/116).وأطراف التسليم هي الدول:دولة طالبة التسليم ودولة مطلوب منها التسليم. وحالات التسليم، بالنظر إلى المركز القانوني للشخص المطلوب تسليمه، حالتان:

الأولى: حالة طلب تسليم شخص إلى الدولة الطالبة من أجل محاكمته بها وفقاً لقانونها وأمام قضائها لارتكابه جريمة تخضع للاختصاص التشريعي والقضائي لهذه الدولة.الثانية: حالة طلب تسليم شخص إلى الدولة الطالبة التي أصدرت محاكمها حكما يجب تنفيذه بها.

        وتعتبر المعاهدات الدولية المصدر الرئيس المنظم لأحكام تسليم المجرمين، سواء كانت معاهدات ثنائية أو متعددة. وفي الحالة العربية فإن مسألة تسليم مرتكبي الأعمال الإرهابية تجد أساسها في القرار الصادر بالموافقة على اتفاقية تسليم المجرمين في 14 أيلول سنة 1952، من مجلس جامعة الدول العربية والتي أشارت في المادة الأولى منها إلى أن تقوم كل دولة من دول الجامعة العربية الموقعة عليها بتسليم المجرمين الذين تطلب إليها إحدى هذه الدول تسليمهم، ثم أشارت المادة الرابعة من الاتفاقية إلى استثناء مرتكبي الجرائم السياسية من مبدأ التسليم ونصت على أنه لا يجرى التسليم في الجرائم السياسية وتقدير كون الجريمة سياسية هو أمر متروك للدولة المطلوب إليها التسليم على أن يكون التسليم واجبا في الجرائم الآتية:

- جرائم الاعتداء على ملوك ورؤساء الدول أو زوجاتهم أو أصولهم أو فروعهم.

-  جرائم الاعتداء على أولويات العهد.

-  جرائم القتل العمد.

- الجرائم الإرهابية

الخــــاتـــمـة

        إذا كان الأمن القومي لأية أمة يرتبط بحماية القيم الجوهرية من التهديدات الداخلية والخارجية وتحقيق التنمية التي لا يمكن أن يقدر لها النجاح إلا في ظل الاستقرار، فإن الإرهاب يهدد هذا الأمن باعتباره عنفا منظما يوجه ضد السلطة في الدولة لإجبارها على إلغاء أو تعديل قيم المجتمع بما يتفق ورغبة القائمين بالإرهاب، كما يهدد عملية التنمية في أساسها. وهذا الدور للإرهاب هو ما يعطيه هذه الأهمية في الصراع السياسي في الوقت الراهن.

        ويبدو أن ظاهرة الإرهاب سوف تميز السنوات القادمة من القرن الحادي والعشرين، إذا استمرت الظروف غير العادلة بالنسبة لكثير من الشعوب وتواصل التمييز والكيل بمكيالين في المسائل الدولية[78]، وإذا ازدادت المشكلات الداخلية وحالات عدم الاستقرار السياسي، والتحديات العرقية التي أدت إلى إضعاف العديد من الدول، في الوقت الذي أصبحت فيه الحدود الدولية أكثر هشاشة، الأمر الذي جعل من السهل على الإرهاب ومؤيديه الانتقال من دولة إلى أخرى دون التعرف عليهم.وهذا يفرض على المجتمع الدولي الإسراع في وضع أسس عملية إستراتيجية للمكافحة على المدى المنظور، خاصة وأن الجهود الحالية غير مرضية ولا يمكن التعويل عليها للقضاء على الظاهرة أو الحد منها إذ أن الإرهاب أصبح ظاهرة معقدة تحتاج إلى تفعيل الإرادة الدولية لمواجهتها بحزم، وإلا أصبح مستقبل البشرية كله في خطر.

 

 

 



[1]  - For more see: Walter Laqueur; History of Terrorism, Transaction Publishers (2001).P23-24.
[2] في تشرين الأول / أكتوبر 1980، أصدرت الألوية الحمراء الإيطالية وثيقة أعلنت فيها معارضتها لحلف شمال الأطلسي، وتبني الخط الذي تنتهجه جماعة بادر – ماينهوف في ألمانيا ضد قواعد الحلف، ودعت إلى قيام أممية إرهابية أوروبية" في مواجهة أممية الأمن الأوروبي".‏
[3] Lt. Gen. E.A. Karpov (Author), Col. G.A. Mokhorov (Author), Col. V.A. Rodin (Author); International terrorism and its military-political organizations, East View Publications (2005),P 12-13.
[4] مثل عملية نشر غاز السارين في أحد أنفاق طوكيو التي ارتكبتها جماعة دينية متطرفة هي جماعة أوم شينريكيو أو الحقيقة السامية ، وعملية أوكلاهوما سيتي بالولايات المتحدة التي وقعت في 19 نيسان / ابريل 1995 التي قتل فيها 168 شخصاً وتفجيرات 11 ايلول / تشرين الاول 2011، والعمليات الإرهابية في الجزائر والعراق ولبنان وغيرها.
[5] - الأعراف: الآية 154.
[6] - الأنفال: الآية 60.
[7] -  البقرة: الآية190.
[8] إيديولوجية: تعني مذهب سياسي منظم وشامل يدعي تقديم نظرية كاملة وعالمية التطبيق للإنسان والمجتمع، ويضع برنامجاً للحركة السياسية القائمة على هذه النظرية.
[9]  لمزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع راجع نبيل حلمين، الإرهاب الدولي: وفقا لقواعد القانون الدولي العام.- القاهرة: دار النهضة  العربية، 1988.
[10] R. Higgins (Author); Terrorism and International Law, Routledge; 1st  edition ,(1997),2nd ch.
[11] -حول ذلك راجع خليل حسين،الجرائم الدولية ومحاكمها في القانون الدولي الجنائي، مجلية الحياة النيابية،مجلس النواب اللبناني،العدد 66،آذار 2008،ص ص98-131.
[12] راجع خليل حسين،قضايا دولية معاصرة، دار المنهل اللبناني،بيروت،2007 ،وبخاصة الفصل الثاني.
[13] - المرجع السابق.
[14]  وفي هذا الإطار يعرفه أودريان جيولك عالم السياسة الجنوب أفريقي بأنه عمل عنيف من جانب جماعات صغيرة لغايات سياسية ضد الحكومات.
[15]  - ومن أنصار هذا الاتجاه العالم الإنكليزي ويلكنسون الذي يعرف الإرهاب بأنه استخدام السلاح أو المتفجرات أو العنف لتهديد أرواح الأبرياء وتخويف الأغلبية وبث الرعب في قلوبها، وإن كان الإرهابي يتذرع بحجج دينية أو اجتماعية أو سياسية غير حقيقية لا مبرر لها.
See: Grant Wardlaw (Author); Political Terrorism: Theory, Tactics and Counter-Measures, Cambridge University Press,2nd edition,(1989),P 41-42.
[16]  حول تفاصيل ذلك راجع دراسة محمد المجذوب، المقاومة الشعبية المسلحة في القانون الدولي العام.
[17] - راجع خليل حسين،مشروعية أعمال المقاومة في القانون الدولي الإنساني،دراسة قدمت إلى مؤتمر دعم المقاومة،بيروت،15 - 16 كانون الأول/ديسمبر،2007.
[18] لمزيد من التفاصيل راجع: عمر المخزومي، مفهوم الإرهاب في القانون الدولي وتمييزه عن الكفاح المسلح ،القاهرة: جامعة الدول العربية - معهد البحوث والدراسات العربية، 2000,(رسالة ماجستير).
[19] راجع خليل حسين،المقاومة في القانون الدولي،دراسة قدمت إلى مؤتمر خيار المقاومة،بيروت ،15 – 16 كانون الأول/ديسمبر 2007.نشرت في موقع المؤلف الالكتروني ،www.drkhalilhussein.blogspot.com.
[20]راجع خليل حسين، عملية عناقيد الغضب وتفاهم نيسان:الأبعاد والنتائج، مجلة الحياة النيابية،المجلس النيابي اللبناني،بيروت، المجلد 19 ،حزيران، 1996.
 
[21] وانقسم الفقهاء إلى ثلاث فرق:فريق رأى وجوب الأخذ بالمعيار الشخصي بمعنى أن الدافع أو الباعث على اقتراف الفعل أو الغرض الذي يهدف إلى تحقيقه هو أساس التفرقة، فإذا كان الباعث أو الدافع سياسياً كانت الجريمة سياسية.وفريق ثان يأخذ بالمعيار الموضوعي الذي يعتبر أن أساس تحديد نوع الجريمة سواء سياسية أو عادية هو نوع الحق المعتدى عليه بصرف النظر عن الباعث أو الدافع على ارتكاب الجريمة أو الهدف الذي ارتكبت من أجله.وفريق ثالث يرى أن أساس التفرقة هي الظروف التي ارتكبت فيها الجريمة، فإذا ارتكبت في ظروف عادية فهي جريمة عادية حتى لو كان الباعث سياسياً، وتعتبر جريمة سياسية إذا ارتكبت في ظروف غير عادية كحرب أهلية أو ثورة. لمزيد من التفاصيل راجع:
Micherif Bassiouni (Author); International Terrorism and Political Crimes, Charles C Thomas Pub Ltd ,(1975),pp 22-23.
 
[23]  راجع عبد الناصر حريز، الإرهاب السياسي: دراسة تحليلية، القاهرة، مكتبة مدبولي، 1996.
[24]  حول حق اللجوء السياسي راجع،خليل حسين، دار البعثة الدبلوماسية وحالة اللجوء قي القانون الدولي ، مجلة الحياة النيابية، المجلس النيابي اللبناني ،بيروت،المجلد23، حزيران1997.وكذلك علي الشامي،الدبلوماسية،دار العلم للملايين،بيروت،1990.
[25]  - Robert J. Kelly (Author), Robert W. Rieber (Author); Terrorism, Organized Crime & Social Distress: The New World Order, Psycke-LOGO Press,(2003),p7.
[26]  - An Overview of International Terrorist Organizations, Government Printing Office (2003),pp3-50.
[27]  - John Dickie (Author); A History of the Sicilian Mafia, Palgrave Macmillan, (2004).
[28] Phil Williams (Author); Russian Organized Crime: The New Threat?, Routledge; 1st edition ,(1997).
[29]  - Martin I. Wayne (Author); China's War on Terrorism, Routledge; 1 edition (2007).
28 - Richard Smitten (Author); Inside the Cocaine Colombian Cartel, S.P.I. Books, (1993).
[31]  - Edward F. Mickolus (Author), Todd Sandler (Author), Jean M. Murdock (Author); International Terrorism in the 1980s -1990s: A Chronology of  Events 1984-2000, Iowa State Pr,(2001),pp 88-89.
[32]  - خلال الفترة من عام 1995 وحتى عام 2000 نفذت 608 عملية إرهابية في دول غرب أوروبا، ففي عام 1995 شهدت أوروبا 272 عملية إرهابية، أصيب فيها 287 بين قتيل وجريح، وفي عام 1996 نفذت 121 عملية إرهابية وكان عدد الضحايا 503 ضحية، وفي عام 1997 تمت 52 عملية إرهابية سقط فيها 17 ضحية فقط، وفي عام 1998 نفذت 48 عملية إرهابية أدت إلى عدد 405 ضحية، وفي عام 1999 نفذت 85 عملية إرهابية كان عدد ضحاياها منخفضاً للغاية، حيث وصل عددهم إلى 16 فرداً فقط، وفى عام 2000 ووصلت العمليات إلى أدنى مستوى لها من حيث العدد، حيث نُفذ 30 عملية وكان عدد ضحاياها 4 أشخاص فقط.للمزيد راجع:
Karin von Hippel (Author); Europe Confronts Terrorism, Palgrave Macmillan, (2005),pp77-79.
 
[33]  - Alessandro Silj (Author); The origins of Italian terrorism, Karz Publishers,(1979),p79.
[34]  - قامت منظمة الألوية الحمراء بالعديد من العمليات ، التي تتمثل في مهاجمة المصانع والمنشآت الهامة، واختطاف بعض الشخصيات العامة ورجال السياسة، ومن هذه العمليات خطف ألدو مورو وقتله في 9 أيار / مايو 1978.للمزيد راجع:
Robert C. Gardner (Author); Red Brigades: The Story of Italian Terrorism, Palgrave Macmillan,(1990),4th ch.
 
[35]  - Robert C. Gardner (Author); Red Brigades: The Story of Italian Terrorism, Palgrave Macmillan,(1990).
[36]  - Michae Dartnell (Author); Ultra Left Terrorism in France, Routledge; 1st edition ,(1995),pp 213- 214.
[37]  - Michael Hughes (Author); Ireland Divided: The Roots of the Modern Irish Problem, Palgrave Macmillan,(1994).
[38]  - Jack McPherson (Author); The Irish Republican Army, Lancer Militaria ,(1979),pp 30 -31.
[39]  - Rolf Tophoven (Author); German Response to Terrorism, Monch (Bernard & Graefe Verlag GmbH & Co. KG ,(1995),pp 22 - 23.
[40]  - Mary Vincent (Author); Spain, 1833-2002: People and State, Oxford University Press, USA (, 2008),pp54- 55.
[41] - آيتا (ETA) هي اختصار Euskadi to Askatasuna، وتعني بلاد إلباسك والحرية.
[42]  - Wayne Anderson (Author); The Eta: Spain's Basque Terrorists, Rosen Publishing Group; Library Binding edition (2002),p11.And Mark Kurlansky (Author); The Basque History of the World: The Story of a Nation, Penguin (Non-Classics); Reprint edition ,(2001),3rd & 4th chs.
[43]  - Viacheslav Ivanovich Katamidze (Author); KGB and the Secret Services of the USSR, 1917-1991, Spellmount Publishers,(2003),pp 76 -77.
[44]  - حول هذا الموضوع راجع، مصلح الصالح، ظاهرة الإرهاب المعاصر طبيعتها وعواملها واتجاهاتها. الرياض: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، 2002.
[45]  - Suchitra Dutta (Author); Political Assassinations and International Politics (Cass Series on Political Violence), Routledge;1stedition (2007), 2nd ch.
[46]  - حول الاغتيالات الإسرائيلية وأساليبها راجع : اهارون كلاين، حساب مفتوح ،الجزء الثاني. وكشف المؤلف النقاب عن أن “الموساد” هو الذي قام بتصفية القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الشهيد وديع حداد عام 1978 بواسطة شوكولاته مسمومة.
[47]  - للمزيد حول المجازر التي نفذتها إسرائيل راجع ملفا كاملا في موقع العربية نت على الرابط التالي:
 www.alarabiya.net/articles/2006/07/30/26180.html
[48] - راجع في ذلك يحيى أحمد البنا، الإرهاب الدولي ومسؤولية شركات الطيران. الإسكندرية: منشأة المعارف، 1994.ص 29.
[49]  - للمزيد راجع:" خطف الطائرات: بين القانون الدولي والأمن الدولي:،مجلة الدفاع الوطني،الرياض،العدد125 ،2002.
[50]  - Qin Xingda, International Terrorism : New Trends, Contemporary International Relations, Vol 8, No 2,( 1998).
[51]  - .Gray ,Israel At 40: A state Under Siege,The Globe and Mail, 18 June1988, p.D1 .&  P. Sederberg: DefiningTerrorism, Schechterm and M. Slann, , Violence and Terrorism, Guiford: The Dushkin Publishing Group, Inc.,(1993),p.7.   
[52]  - وهذا ما جعل خبير الإرهاب الدولي الأمريكي مارفن ستروين يطلق تحذيراته باتساع نطاق الإرهاب في العالم بحلول الألفية الثالثة. وهذا التحذير لم يأت من فراغ إذ تنتشر التنظيمات الإرهابية في مناطق مختلفة من العالم في أوروبا وآسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وأمريكا الشمالية واستراليا، إضافة إلى انتشار شبكات دعم الإرهاب على ساحات دول مختلفة وارتباطها بتجارة السلاح والمخدرات وجماعات الجريمة المنظمة. فهناك أكثر من 300 منظمة إرهابية في 60 دولة في العالم وهناك 40 دولة تستضيف عناصر إرهابية، وأوروبا وحدها فيها 200 منظمة إرهابية وفي عام 1995 فقد وقعت عمليات إرهابية في 91 دولة في العالم. مارفن ستروين،الإرهاب عام 2000،ص ص 41-42.
[53]  - ومن هذا القبيل عمليات منظمة الدرب المضيء في البيرو التي أودت بحياة 130 ألف شخص وكلفت البيرو 25 مليار دولار خسائر منذ عام 1980، وحتى نهاية 1995 فقط .وفي الوطن العربي، خاصة الجزائر حدثت عمليات إرهابية شبه عسكرية في عقد التسعينيات أدّت إلى مصرع أكثر من 100 ألف شخص وفقاً لإحصائيات مؤتمر وزراء الداخلية العرب.
 
[54]  - Walter Reich (Author), Walter Laqueur (Foreword); Origins of Terrorism: Psychologies, Ideologies, Theologies, States of Mind, Woodrow Wilson Center Press; 1st edition ,(1998),p 109.
[55]  - كان ذلك جزءاً من الصراع الدولي في الحرب الباردة ويفسر ذلك أن نسبة يعتد بها من العمليات الإرهابية أثناء مرحلة الحرب الباردة كانت وراءها مخابرات دول كبرى وصغرى حيث ظهر الإرهاب الذي يحارب الأيديولوجية السائدة في مجتمع ما كالشيوعية أو الرأسمالية أو لنشر مبادئ معينة كالفوضوية والاشتراكية. راجع:إدوارد هيرمن وجيرمى أوسليجان،الإرهاب أيديولوجية وصناعة ثقافية ، ص ص23 - 24.
[56]  - Kshitij Prabha (Author); Terrorism: An Instrument of Foreign Policy, Intl Academic Pub ,(2000),pp 58-59.
[57]  - David Clarke (Editor); Technology and Terrorism, Transaction Publishers,(2004),3rd ch.
[58]  - Alejandro Colas (Author), Richard Saull (Author); THE WAR ON TERRORISM AND THE AMERICAN 'EMPIRE' AFTER THE COLD WAR, Routledge;1st edition ,(2005),p 141.
[59]  - C. J. M. Drake (Author); Terrorists' Target Selection, Palgrave Macmillan ,(1998),p 177.
[60]  - راجع عبد الرحمن بن سليمان المطرودي، نظرة في مفهوم الإرهاب والموقف منه في الإسلام.- الرياض: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، 2002.ص 26 وما يليها.
[61]  - Kim Cragin (Author); Terrorism and Development: Using Social and Economic Development Policies to Inhibit a Resurgence of Terrorism, RAND Corporation ,(2003),4th ch.
[62]  - For more see: Giuseppe Nesi (Editor); International Cooperation in Counter-terrorism: The United Nations And Regional Organizations in the Fight Against Terrorism, Ashgate Publishing ,(2006),pp 5 - 6.
[63] لمزيد من المعلومات راجع. احمد محمد رفعت وصالح بكر الطيار، الإرهاب الدولي، مركز الدراسات العربي ­ الأوروبي، باريس ، 1988 ص 59­- 66.
[64] See R. Higgins (Author); Terrorism and International Law, Routledge; 1st edition ,(1997),pp 53 - 56.
[65] د. عبد العزيز مخيمر عبد الهادي ، الإرهاب الدولي، دار النهضة العربية، 1986،  ص 176.
[66] وقع على هذه الاتفاقية كل من : كولومبيا ، كوستاريكا ، جمهورية الدومينيك، جامايكا، هندوراس، نيكاراغوا، بنما، السلفادور، ترينداد وتوباغو، الولايات المتحدة الأميركية، أوروغواي ، فنزويلا، ودخلت الاتفاقية حيز النفاذ في 8/3/1971.
[67] تمَّت الموافقة على هذه الاتفاقية في 14/12/1973، ودخلت حيز النفاذ في 20/2/1977.
[68]  - See R. Higgins (Author); Terrorism and International Law, Routledge; 1st edition,(1997),pp 61 - 65.
 
[69] تمَّ خطف 121 طائرة ركاب ونقل مدنية ما بين كانون الثاني من العام 1948 وأيلول من العام 1969، وتم تعطيل حركة الطيران المدني في 47 دولة، وقتل 97 شخصاً وإصابة 23 أثناء هذه العمليات. وتشير الإحصاءات أن أعلى رقم لخطف الطائرات كان في الفترة ما بين العام 1968 والعام 1970.
[70]  - R. Higgins (Author); Terrorism and International Law, p 24 & p 61.
[71]  - R. Higgins (Author); Terrorism and International Law, p 25 & p 54.
[72]  - R. Higgins (Author); Terrorism and International Law, p 77.
[73]  - راجع مصطفى عبد المجيد كاره، الإرهاب : استراتيجيات واتفاقيات.الشارقة: القيادة العامة، 1998.وكذلك محمد خليفة المعلا، إستراتيجية مكافحة الإرهاب بدول الخليج العربية.- الشارقة: القيادة العامة، 1999.
[74]  - راجع نص الاتفاقية كاملة على موقع الشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان،على الرابط التالي:
http://www.hrinfo.net/docs/undocs/aact.shtml.
[75]  - للمزيد راجع:فريجة حسين،الجهود الإقليمية و الدولية في مكافحـة الإجرام المنظم،مجلة الجندول،تونس،العدد 29،تموز/ يوليو ،2006.
[76]  - للمزيد راجع :خليل حسين،قضايا دولية معاصرة،مرجع سبق ذكره،ص 143.
[77]  - للمزيد راجع: إسماعيل الغزال: الإرهاب والقانون الدولي-المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع،ط1، بيروت،1991.
[78] حول أثر هذا السلوك راجع ميشال يوغنون، أمريكا التوتاليتارية .. الولايات المتحدة والعالم... إلى أين؟ بيروت، دار الساقي، 1997.