13‏/01‏/2014

مخاطر الاستثناء في جنيف 2 وخلفياته

مخاطر الاستثناء في جنيف 2  وخلفياته
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية
بيروت: 10/1/2014
نشرت في الخليج الاماراتية بتاريخ 13/1/2014

     بصرف النظر عن شكل ومضمون انطلاقة مؤتمر جنيف 2 الذي لن يكون أكثر من اطار اعلامي اعلاني ، فإن لائحة الدعوات والوثائق المرفقة لأساليب العمل وأدوات ووسائل التواصل بين الاطراف ، تشير بأن هناك لائحة طويلة من تعدادات جنيف اللاحقة، فهي مرتبطة بالكثير من العوامل والظروف المحيطة بأطراف الأزمة المباشرين وغير المباشرين من اطراف داخلية وخارجية اقليمية ودولية.
      وإذا كان الاستثناء أو الاستبعاد لبعض الاطراف الداخلية في الازمة لا يقدم أو يؤخر عمليا في سياقات المؤتمر الحالي وربما اللاحق ، فإن استثناء اطراف اقليميين سيؤثر بشكل مباشر في المستقبل على اطراف لهم قوة وازنة في مسارات الأزمة السورية في السابق وإدارتها في المستقبل.
      فالواضح ان انطلاقة المؤتمر الاعلامية الاعلانية ستكون محطة لجمع اكبر عدد ممكن من المدعوين ، على قاعدة جمع ما امكن بأقل الخسائر والتكاليف الممكنة التي يمكن ان تستثمر سياسيا في ملفات أخرى. وفي الواقع ان تعدد الملفات وتشعبها يجعل من الاطر اللاحقة للمؤتمر اقرب إلى بازار تفاوضي واسع يشمل قضايا وملفات تحتاج إلى مؤتمرات وملفات خاصة بها، وبالتالي ان عمليات الشد والجذب السياسي والأمني والعسكري سوف تشدد في غير موقع في المنطقة ، على قاعدة الاستثمار الامني العسكري في السياسية والمفاوضات.
       فالدعوات التي وجهت إلى مروحة واسعة من الدول القريبة في ملف الأزمة السورية والبعيدة عنها، تركت ايران لتقرير دعوتها لاجتماعات وزير الخارجية الاميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف ، ما يعني ، ان تقرير دعوة ايران مرتبط بملف يخصها تحديدا ، وليس الجزء المتعلق بها في الأزمة السورية. وما عزز هذا الاعتبار مجموعة الاشارات التي اطلقت حول وضع لبنان وخطورة وضعه الأمني تحديدا خلال هذه الفترة اي فترة الدعوة وإطلاق اعمال المؤتمر ،  وكذلك ما ظهر من عثرات في سياق اتفاق الاطار الايراني الغربي في البرنامج النووي حول نسبة التخصيب وكميتها ونوعيتها في مجمع نتانز.
       ومسألة الخلاف تبدو اساسية في سياق مشاركة ايران في المؤتمر أو استثناءها، فإيران مثلا تعتبر وفقا لاتفاق  الاطار ان من حقها المضي في التخصيب بدرجة عشرين بالمئة وهي النسبة الكافية لمفترق الخيار بين البرامج السلمية والعسكرية، فيما يعتبر الغرب ان الاتفاق الموقع عليه في 24 تشرين الثاني الماضي حدد نسبة الخمسة بالمئة، والخلاف تحديدا هنا على مجمع نتانز تحديدا الذي يقول الغرب ان طهران قد استحدثت مراكز طرد جديدة فيه وهو ما يعتبره الغرب مخالفا لإطار الاتفاق الموقع بين الجانبين والذي تعلق الآمال عليه في الفترة القادمة التي تبقّى منها حوالي الاربعة اشهر للتوصل إلى اتفاق نهائي ، وهي الفترة نفسها التي ستجرى فيها خلط الكثير من ملفات المنطقة ، بدءا بملف الأزمة السورية وملفات الازمات اللبنانية الداخلية كالانتخابات الرئاسية والحكومة وكذلك الخارجية منها كالعلاقة مع محور الازمة السورية وتداعياتها اللبنانية ، اضافة إلى ما تبقى من ملفات الصراع العربي الاسرائيلي والشق المتعلق بالمفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية اتي يقودها وزير الخارجية الاميركي جون كيري المتعثرة حاليا بعد جولات عدة قام بها في الاسابيع الأخيرة.
      ان خطورة عمليات الاستثناء ليست مرتبطة فقط بدولة بعينها ، بقدر ما هي عملية اطارية كاملة ، بمعنى ان الدعوة للحضور أو الاستثناء ، ليست المشكلة بقدر ما هي القدرة على التحرك في عمليات التفاوض ووسائلها ، وكذلك حدود برامجها والاستثمارات الممكنة فيها. فكل طرف من الاطراف المباشرين وغير المباشرين سيكون لهم طرقهم الخاصة بهم ، للتعطيل أو أو تعزيز فرص النجاح أو حتى القدرة على استعمال المشاغبة السياسية لقطف ثمار سياسية غير مباشرة في المؤتمر وخارجه. والأنكى من ذلك ان المشكلة ليست أيضا في الدعوات نفسها ، بل كذلك ما يسمى بالمقاعد الخلفية للمفاوضين الحقيقيين الذين سيجلسون في الغرف المجاورة والتي سيكون فيها القرار الفاعل والوازن في سياقات المؤتمر مستقبلا.
       وعليه فمن الواضع ان صورة اعلان النوايا في مدينة مونترو السويسرية ستؤسس لتظهير صور اخرى متتابع في جنيف 4 و و5 و ...  ، والمفارقة الابرز ان احتمالات تفريخ واستنساخ مؤتمرات جنيف اخرى هي قوية الاحتمالات بالنسبة للبنان وغيرها من متفرعات الأزمة السورية وتداعياتها. والأخطر من كل ذلك ان الحضور أو الاستثناء لن يكون قرارا نهائيا ،فمن السهل على اي طرف استثمار اي واقعة امنية أو عسكرية ذات صلة بالأزمة السورية  لتكريس حضوره أو فرض حضوره اللاحق اذا كان مستثنيا أو مهمشا.