23‏/01‏/2014

ظاهرة اقليمية التحوّل الديموقراطي

ظاهرة اقليمية التحوّل الديموقراطي
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية 
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 23/1/2013

     اصبح التحوّل الديمقراطي في العالم العربي إحدى أبرز المسائل المطروحة محليا ودوليا. ففي كل فترة من فترات التطور السياسي في تاريخنا المعاصر ، تبرز منطقة جغرافية محددة لتحتل أولوية معينة، ولتصبح نموذجا للاحتذاء بها ، ففي نهاية الحرب العالمية الثانية، امتد النظام الديمقراطي ليشمل دول أوروبا الغربية جميعها ، كما فسح المجال لتحول دول المحور النازية والفاشية إلى الديمقراطية ، وكانت حالتا ألمانيا واليابان هما الأبرز وإن شكّلتا الاستثناء بحكم خضوعهما للتدخل الخارجي المباشر.
      وفي فترة الحرب الباردة في سبعينيات القرن الماضي امتد الأمر إلى دول جنوب أوروبا كإسبانيا واليونان والبرتغال ، وأنحاء واسعة من أميركا اللاتينية. وبعد الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي في العام 1991 شمل التحوّل الديمقراطي أوروبا الشرقية. فقد كان لقرب أوروبا الشرقية مع مثيلتها الغربية أثر في تسهيل انتشار ثقافة الحرية وحقوق الإنسان، التي كان لها الدور الرئيس في ضرب أسس الأيديولوجية الشمولية ، اضافة الى دعم الاتحاد الأوروبي لمثل هذا التحول. ولذلك كان التغيير في أوروبا الشرقية متدرجًا منذ توقيع اتفاقية هلسنكي في منتصف السبعينيات من القرن الماضي. حيث استند التحوّل الديمقراطي على مجتمع مدني قوي تحرر من القمع الأمني ، مترافقا مع إصلاحات داخل الأحزاب الحاكمة، ومدعوما بقضاء مستقل وإعلام حر ، ومعارضة موحدة ، ومترافقة ايضا مع ظهور جيل مغاير من الناخبين كما حدث خلال الانتخابات في سلوفاكيا 1998 وأوكرانيا وصربيا  2000، وفي جورجيا 2003، وأوكرانيا مرة أخرى 2004، حتى أُطلِق عليها "ثورات انتخابية"، باعتبار ان فوز المعارضة في الانتخابات مثل بداية  لعمليات تغيير جذري، افضت الى الانتقال للديمقراطية. وليس بالضرورة تتطابق جميع الحالات، فقد اختلف الامر في بولندا والمجر وبلغاريا مثلا، إلا ان العنصر اللافت هو الانتشار الإقليمي للتحول الديمقراطي ، ووجود عوامل خارجية قوية التأثير من الصعب تجاهلها تمثلت في مساندة الدول الغربية لمثل هذه التحولات ، وأحيانًا عبر التدخل العسكري مثل تدخل حلف الاطلسي ضد نظام سلوبودان ميليوسوفيتش في صربيا ودعم الثورة البرتقالية في أوكرانيا.
       كما شهدت دول أميركا اللاتينية تطورات سياسية واقتصادية اصلاحية بداية العقد الأخير من القرن العشرين، وساعدت عدة عوامل داخلية وخارجية في انجاز التحولات ، بخاصة بعد وصول الاحزاب اليسارية في العديد من دول المنطقة إلى السلطة عبر آليات التداول الديمقراطي.
       ومع نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات شهد العالم تحوّل العديد من دوله خاصة تلك التي تنتمي للدول النامية ومنها دول أميركا اللاتينية إلى الأخذ بالديمقراطية والتعددية السياسية. وقد كان للمؤثرات الخارجية المرتبطة بالتحولات التي طرأت في المحيط الدولي والإقليمي بعد انتهاء الحرب الباردة الثانية وانهيار الأنظمة الشيوعية في أوروبا ، دور كبير في التحوّل الديمقراطي، وتعرّضت هذه الأنظمة إلى ضغوط خارجية خاصة من قبل الولايات المتحدة بعد أن أصبحت القوة المهيمنة على النظام الدولي لتتبنى هذه الأنظمة إصلاحات اقتصادية وسياسية. ومن المفارقات الغريبة ما طرحته تجربة أميركا اللاتينية ، فباستثناء المكسيك ، أصبح اليسار حاكمًا في منطقة كانت إلى عهد قريب محكومة من أنظمة عسكرية استبدادية حليفة للولايات المتحدة الأميركية.
       لقد برز الدور الأوروبي بدمقرطة القسم الأكبر من أميركا اللاتينية بشكل لافت ، وشكّل قيمة اضافية بالغة الأهمية للغرب ، باعتباره أعاد التوازن في اتجاه الأطلسي في المجالات الاقتصادية والمالية والتجارية وفتح أسواق أوروبا للمنتجات القادمة من أميركا اللاتينية خاصة الزراعية والصناعية
       لقد ارتكزت تجارب التحوّل الديمقراطي في أميركا اللاتينية على أربعة أنماط تمثلت في : اولا التنازلات التي بدأت كخيار ذاتي لدى النخبة الحاكمة باعتباره يؤمن ضمانة لاستمرارها في الحكم ، ويفتح نافذة على الديمقراطية، وهذا ما حدث في البرازيل. وثانيًا عبر المفاوضات، التي تم الانتقال إلى هذه المرحلة بعد احساس قادة النخبة الحاكمة ، أنه من الأنسب اليهم الانسحاب من السلطة بهدوء عبر سلسلة من الاتصالات والاتفاقات ، وهذا ما تم في حالتي التشيلي والسلفادور. وثالثًا الخروج من الحكم وتم تحت الضغوط الشعبية بسبب التصدع ضمن النخبة الحاكمة وفصائلها، وهذا ما حصل في الأرجنتين. ورابعًا التدخل الخارجي وهذا ما قامت به دولة أو مجموعة دول بهدف استبدال نظام أوتوقراطي بنظام آخر ديمقراطي كما حصل في حالتي بنما وهايتي.
      ورغم التشابه مع بعض التجارب العربية ، ثمة عوامل كثيرة اخرى تبقى مختلفة، منها الثقافة العامة. فأوروبا الشرقية مثلا تتشارك في النهاية مع أوروبا الغربية في الأصول الثقافية. أما العالم العربي - الإسلامي ، فيظل له ثقافته الخاصة الممتدة في الماضي الطويل. فالديمقراطية تعتبر وليدة الثقافة الليبرالية ، ورغم ان العالم العربي قد عرفها  لحقب تاريخية معينة أو من خلال مساهمات كتاب ومفكرين ، إلا إنها ظلت مقيّدة بحكم تراث مغاير لها. كما ان مسألة الحرية ظلت مثار جدل في المرجعية الثقافية العربية والإسلامية بخلاف الليبرالية الحديثة.فأي صنف يمكن ان نطبقه نحن العرب ؟!