13‏/01‏/2014

اسم الطالب :عمار عبيس

اسم الطالب :عمار عبيس
الموضوع: التدخل الانساني وضوابطه في القانون الدولي العام والمعاصر
تاريخ المناقشة: 2-12-2014
الشهادة الممنوحة :ماجستير في الحقوق اختصاص القانون العام
التقدير: جيد جدا

ما من مفهوم شهد صخباً وجدلاً مثلما شهد مفهوم التدخل الانساني، فهو حديث رجل السياسة، ورجل القانون، ورجل الدين، ورجل الأخلاق والفلسفة، نظراً للأبعاد السياسية والقانونية واللاهوتية والفلسفية التي ينطوي عليها، ولكونه من المفاهيم التي يختلط فيها السياسة والقانون والأخلاق، فهو يجسد صراع القانون والقيم.
وبالرغم من أن عهد عصبة الأمم لم يحظر، كما أنـــــــه لـــــم يجــــز صـــــراحــــة مــــا يسمـــى     بـ" التدخل الإنساني" ، فالهدف الرئيسي للعهد كان العمل على كفالة السلم العالمي من خلال قبول الالتزامات التي ينطوي عليها فيما يتعلق بعدم اللجوء للحرب، والعمل على تحقيق العدالة، والاحترام الدقيق للالتزامات الناشئة عن المعاهدات، ومع الاعتراف بأن عهد العصبة لم يحظر استخدام القوة صراحة، إلا أن الحرب كانت محل اهتمام العصبة، إذ كانت تطلب الى الدول الاعضاء إخضاع منازعاتهم للتحكيم او التسوية القضائية أو عرضها على مجلس العصبة.
ومع أن مسألة مشروعية التدخل الانساني في ظل ميثاق الأمم المتحدة تعد محسومة أو يجب أن تعد كذلك، نظراً لأن الميثاق يحظر التهديد أو استخدام القوة في العلاقات الدولية بموجب المادة 4/2 منه، ولا ينطوي إلا على استثناءين محدودين هما: الدفاع المشروع في حالة وقوع هجوم مسلح على اقليم الدولة المعنية، وكذلك حالة تطبيق التدابير القمعية التي يقررها مجلس الامن في حالة وجود تهديد او انتهاك للسلم، أو وجود عدوان، وذلك عملاً بأحكام المادة (39) من الميثاق، دون أن ينطوي التدخل الانساني تحت أي من هذين الاستثناءين، ومع ذلك فإن مشروعية هذا الموضوع لا تزال مثار جدل وخلاف فقهيين واسعي النطاق على اعتبار  إن الآمال المعقودة على الأمم المتحدة ذهبت إدراج الرياح بعد ثبوت فشل منظومة الأمن الجماعي التي قامت على أساسها هذه المنظمة العالمية، وبعد شلل مجلس الأمن بسبب تهديد أو لجوء أحد الخمسة الكبار لاستخدام حق النقض "الفيتو" الذي كان ولا يزال يكبل يدي المجلس.
      ومع ذلك فهناك فقهاء في القانون الدولي اتخذوا من عجز الأمم المتحدة، وفشل منظومة الامن الجماعي التي قامت عليها، ذريعة للترويج لمفاهيم مثل: التدخل الانساني، والتدخل لحماية الرعايا في الخارج، وذلك إعمالاً للسياسة التي ينتهجونها.
        وفيما يتعلق بمفهوم التدخل الانساني، فقد انقسم فقهاء القانون الدولي الى مؤيد، ومعارض، ومتحفظ، فمنهم من يعتبره حقاً قانونياً، ونظرية قانونية تامة الأركان. ومنهم من يرفضه بصورة قاطعة، في حين يراه آخرون شراً لا بد منه في ظل عجز الأمم المتحدة عن وقف انتهاكات حقوق الانسان
        ومنذ قيام الأمم المتحدة ساد الاعتقاد بأن ميثاقها قد جاء بنظام محكم للأمن الجماعي سدّت من خلاله كل الثغر التي كانت تعيب نظام الامن في عهد عصبة الأمم
        لقد حملت الأمم المتحدة على عاتقها مسؤولية المحافظة على السلم والأمن الدوليين، وذلك من خلال الصلاحيات التي يتمتع بها مجلس الأمن. ورغبة في تمكين هذا الأخير من تحقيق أهدافه الأساسية فقد خوله ميثاق الأمم المتحدة حق وسلطة إصدار القرارات الملزمة التي يقتضيها حفظ السلم والأمن الدوليين، من بينها القرارات المتعلقة بحقوق الإنسان. وكل هذا دون الإخلال بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، الواردة في المادة 2/7 من ميثاق الأمم المتحدة، والذي يعتبر من المبادئ الهامة في القانون. إلا ان الممارسة الدولية للتدخل لاعتبارات انسانية تثبت الإخلال بهذا المبدأ، فصور التدخل تتراوح بين تدخل فردي وجماعي، أو بين تدخل عسكري وغير عسكري، أو بين تدخل مباشر وغير مباشر. والقاسم المشترك بين هذه الصور المختلفة هو أنها تتم ضد إرادة دولة بهدف تجريدها من حقوقها السيادية.
        وإذا كانت فكرة التدخل لاعتبارات انسانية قديمة ترجع في نشأتها الى الفترة التي واكبت نشأة القانون الدولي، إلا أنها لم تستند الى أي أساس قانوني حتى الآن ورغم ذلك شكل التدخل الانساني ظاهرة بارزة في عالم ما بعد الحرب الباردة، وخاصة مع تزايد انتهاكات حقوق الانسان في جميع أقطار المعمورة، وبروز أزمات اقليمية وأخرى دولية، منها حرب الخليج الثانية عام 1991 والتي شكلت – كما قيل- أول سابقة دولية تم التدخل فيها لاعتبارات انسانية من خلال ربط مجلس الأمن، في قراره 688 عام 1991، بين انتهاكات حقوق الانسان وتهديد السلم والأمن الدوليين، وكذلك الأزمات التي اندلعت في الصومال ورواندا، وهايتي، وحرب البلقان، وغيرها.
وقد يكون التدخل أممياً عن طريق تفويض مجلس الأمن المنظمات الاقليمية القيام بهذه المهمة، وهو ما يضفي نوعاً من الشرعية الدولية على التدخل. وسواء كان هذا التفويض سابقاً أو لاحقاً، فإنه يُشترط أن يكون صريحاً.
لقد مرت فكرة التدخل الانساني بعدة مراحل عبر التاريخ، إلى أن وصلت إلى ما هي عليه اليوم، بكل ما تحمله من تناقضات بسبب الاختلاف في الرؤى والمصالح لدى الأشخاص والدول والمنظمات الدولية، رغم أن محورها كان ولا يزال هو الانسانية في الظروف الخاصة، لاسيما ظروف النزاعات المسلحة الدولية التي يواجه فيها الانسان الاحتلال الأجنبي والاستعمار وما يترتب عليهما من آثار سلبية، كتهجير ونزوح السكان وتدمير للممتلكات وسلب للثروة، وما يواجه الانسان في ظروف النزاعات غير الدولية، كالحروب الأهلية التي تقوم بين التنظيمات المسلحة ، أو بين معارضة مسلحة والسلطة المركزية داخل الدول بسبب الصراع على السلطة أو تغيير الأنظمة السياسية عن طريق استخدام القوة المسلحة، أو عن طريق التهديد باستخدامها في ظروف التوترات والاضطرابات، وفي ظروف الكوارث الطبيعية التي يواجه فيها الانسان الفيضانات والزلازل والبراكين والأعاصير. ففي كل هذه الظروف الاستثنائية يكون الإنسان في حاجة إلى حماية قانونية تقررها قواعد القانون الدولي الانساني حماية لكرامته باعتباره إنساناً، كما يكون في حاجة ماسة إلى مساعدة إنسانية. وفي المقابل يكون التدخل لحمايته أمراً مبرراً، غير أن التدخل يجب أن يكون مقرراً قانوناً، سواء اعتبر حقاً أم واجباً، وذلك بغرض تحديد إطار قانوني يكون فيه التدخل الإنساني تدخلاً مشروعاً، وفقاً لقواعد القانون الدولي الانساني حتى نضمن تجنب أي انحراف من شأنه الإضرار بالإنسان والانسانية جمعاء تحت غطاء التدخل الانساني.
وقديماً استعمل التدخل الانساني لتغطية الحملات الاستعمارية على باقي شعوب العالم وتبرير ذلك بتخليصها من التخلف الفكري والحضاري، رغم أن نياتها الحقيقية كانت تهدف إلى التوسع والسيطرة والاحتلال والاستعمار وتصطبغ بمسحة إنسانية وحضارية ونشر العلم والمعرفة في باقي أنحاء العالم، وتمكين الانسانية من الاستفادة مما حققته الحضارة الأوروبية من إنجازات علمية وفكرية.
ويحتمل الانسان أحياناً الآثار السلبية الناتجة عن التدخلات التي تستهدفه، رغم الآثار الإيجابية التي تترتب على هذه التدخلات، لاسيما في الحالات التي تتعلق بالمساعدة لمواجهة كوارث طبيعية، أو أعمال الإبادة الجماعية، أو استمرار صراعات داخلية، أو أعمال العنف وغياب السلطة. فالإنسان يكون فعلاً في هذه الحالات النادرة في حاجة إلى المساعدة، أما خارج هذه الحالات فإن معظم التدخلات التي تستهدف الانسان في الظروف الاستثنائية التي يواجهها هي محل شك.
أهمية الدراسة:
تنبع أهمية دراسة موضوع "التدخل الإنساني" في هذا الوقت، من التطور الذي لحق بهذا المفهوم من ناحية القيام به وسنده ومجاله، فضلاً عن الاعتبارات السياسية التي رافقت وجوده، وأثرت بشكل كبير في مسيرته، فكان في حالات عديدة تمثيلاً لخيارٍ صعب بين المحافظة على سيادة الدول من جهة، وحماية حقوق الإنسان من جهة أخرى . وهذا ما يضيف بعداً آخر في دراسة هذا الموضوع، خاصة وأن العديد من الدول عانت من الاستخدام السيء لهذه الفكرة، ويُعتبر العراق، في هذا المجال نموذجاً حياً لسوء التطبيق .
إشكالية الدراسة:
طرح موضوع التدخل الانساني اكثر من إشكالية أهمها ما يتعلق بازدواجية المعايير التي تثيرها عملية التطبيق، وثانيها مدى تأثيره على مبدأ السيادة، خاصة بعد التغيرات التي طرأت على العلاقات الدولية والتي جعلت المجموعة الدولية هي صاحبة السيادة الحقيقة بدلاً من الدول.
ونظراً للإشكاليات القانونية والتعقيدات السياسية التي يثيرها هذا المفهوم فقد كرسنا هذه الدراسة للوقوف على الجوانب المختلفة للتدخل الانساني، بدءاً من تعريفه وأساسه وتطبيقاته لتقرير مدى مشروعيته في ظل القانون الدولي المعاصر
منهجية الدراسة:
نظراً لاتساع وتشعب وصعوبة دراسة موضوع في غاية الأهمية كموضوع "التدخل الإٍنساني"، فقد كان من الصعب الاستعانة بمنهج معين، لأنه قد يؤدي الى حرمان الدراسة من بعض الحقائق والأسس التي لا غنى عنها. ولذا لم يعول الباحث على منهج معين، بل تمت الاستفادة من المناهج المتعارف عليها، والمتصلة بجوانب الموضوع.
لقد تم الاعتماد على المنهج التحليلي التاريخي بغرض عرض الآراء والمفاهيم المحيطة بالموضوع، لاسيما في تحليل موقف كل من الفقه والمجموعة الدولية من التدخل الإنساني. وكذلك تم التزام هذا المنهج في تحليل قرارات مجلس الأمن وتقارير الأمين العام للأمم المتحدة .
وتم الاعتماد كذلك على المنهج التحليلي الوصفي، في معرض الحديث عن التطبيقات الأولى لمبادئ حقوق الإنسان، وتطور فكرة التدخل في ظل عصبة الأمم (السابقة) وهيئة الأمم المتحدة (الحالية) .
كما تمت الاستعانة بالمنهج التحليلي النظمي لتحليل المتغيرات الدولية، المستجدة على مستوى النظام الدولي الجديد، وانعكاساتها على مستوى العلاقات الدولية وتأثيرها فيه وتأثرها بتطور فكرة التدخل الانساني
أخيرا، استخلصنا من المنهج المقارن تطبيقات التدخل الإنساني، ومدى انسجامه مع مبادئ القانون الدولي الانساني ومبادئ حقوق الإنسان، وأحكام ونصوص ميثاق الامم المتحدة، في مقاربة توضح المبدأ وتلقي ضوءاً على نهجه وحيثياته ومثاله .
تقسيم الدراسة:
لقد اشتملت الدراسة، فضلاً عن المقدمة والخاتمة، على فصلين يسبقهما فصل تمهيدي تحدثنا فيه عن السيادة الوطنية والمخاطر التي واجهتها، وذلك من خلال أربع نقاط رئيسية:
في النقطة الأولى تناولنا التطور الذي طرأ على القانون الدولي، والعلاقات الدولية مع ظهور ميثاق الأمم المتحدة.
وفي النقطة الثانية تناولنا بيان مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
وفي النقطة الثالثة تناولنا التدخل الانساني في ظل الممارسة الدولية.
وفي النقطة الرابعة تناولنا ضوابط التدخل الانساني.
وتناولنا في الفصل الأول من هذه الدراسة التدخل الإنساني في الواقع الدولي المعاصر، وذلك من خلال مبحثين، بينا في المبحث الأول مفهوم التدخل الإنساني، وتطرقنا في المبحث الثاني إلى تطبيقات التدخل الإنساني.
أما في الفصل الثاني فعمدنا الى وضع ضوابط للتدخل الانساني عبر مبحثين أيضاً، تناولنا في الأول التدخل الدولي لحماية حقوق الإنسان، بينما بيّنا في المبحث الثاني التدخل الدولي برعاية المنظمات الدولية، ولتحصيل الفوائد مما سبق خلصنا في الخاتمة إلى عدة نتائج وتوصيات.