07‏/06‏/2015

سوسوابق تنظيم «داعش»

سوسوابق تنظيم «داعش» صحيفة الخليج الاماراتية 30-5-2015 د. خليل حسين من مفارقة تنظيم«داعش» الارهابي، أنه تمكن من تحقيق سوابق لم يتمكن تنظيم عبر التاريخ وبخاصة الحديث، أن غير قواعد وسلوكيات تكرست عبر اتفاقيات دولية، كما أثر في قواعد وسلوكيات عقلية واجتماعية ستترك تداعيات من الصعب القفز فوقها أو تجاهلها. على الرغم من ظهور تنظيمات كثيرة في المجتمعات العربية والإسلامية منذ العصر الأموي والعباسي إلى يومنا هذا، والتي شكلت صوراً ومظاهر متطرفة، إلا أن تنظيم «داعش» كسر قواعد وحطم حدوداً رسمت قبل قرن من الزمن دون مقاومة تذكر، بل أكثر من ذلك، أن مجابهته ومحاربته مرتبطة بمصالح متقاطعة كثيرة، بينها أطراف على قدر كبير من الصراعات والنزاعات تبدأ بالإيديولوجي ولا تنتهي بالمذهبي والطائفي والعشائري. فقد اكتسح نصف أراضي سوريا وتمكن من وصل بادية الشام بأكملها مع الجانب العراقي، ما أتاح له فرصة التواصل بين المناطق التي يسيطر عليها، وأن يشكل جغرافية سياسية خاصة به للانطلاق نحو دول أخرى لا تقل أهمية من التي يحتلها حالياً، وهي تشكل مرتكزاً في عقله الباطني، بالنظر إلى العديد من العوامل ذات الامتداد التاريخي. ولا يقتصر الأمر على ذلك، فسابقة التمويل التي يتمتع بها، لم يسبقه إليها أحد، فتاريخ التنظيمات المتماثلة والمتماهية مع أهدافه، لم يكن لها عمليا بيئة تمويلية خاصة، كالتي يستحوذ عليها، فضمن المساحات الشاسعة التي بسط سيطرته عليها، هناك النفط والموارد الأخرى تمده بعوائد تغطي نفقاته ، والسابقة الأخرى في هذا المجال، أن مبيعات النفط والغاز وغيرها، تصدر عبر دول تدعي محاربته وبأسعار تنافسية وتشجيعية إذا جاز التعبير، وبلغة القانون تعتبر ضمن شروط الدولة الأكثر رعاية، وهي مفارقة بحد ذاتها. والسابقة الأخرى في هذا الموضع أيضاً، أن مكافحة تمويله تمت بسابقة دولية من مجلس الأمن عبر القرار 2199 الذي ربطت ضوابطه القانونية، وفقاً للمادة 41 من الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة، وهو بذلك يشكل تراجعاً عن القرار السابق رقم 2170 الذي وضع ضمن المادة 42 التي تجيز استعمال القوة العسكرية لمكافحة التمويل، فيما القرار اللاحق 2199 يكتفي بالحصار وقطع العلاقات الدبلوماسية مع الدول التي تتعامل معه مالياً وتجارياً!. السابقة الأخرى لتنظيم داعش، مد يده إلى العقل الإنساني وحضارته وثقافته، فرغم أن تنظيم طالبان على سبيل المثال سبقه في تدمير تمثال باميان الأثري، فإن تنظيم داعش دمر حضارات متعاقبة تركت آثاراً تشهد على عظمة تاريخها في المنطقة، وتشكل هي نفسها مرتكزاً تاريخياً في وجودها أمام حضارات أخرى تدعي أو تنافسها في الوجود في تلك المناطق. فدمر كنوزاً عراقية لا تقدر بثمن، وأجهز على مدن أثرية بكاملها، إلى أن وصل إلى مدينة تدمر في سوريا. والمفارقة الأخرى هنا وتحديداً في أثريات تدمر، أنها لم تأخذ قسطها اللازم من الحماية الإعلامية على الأقل، وهنا أسهم تنظيم داعش بطريقة ما بمحو صورة الآثار من العقل العربي وتوجيهه إلى سجن تدمر المعروفة قصته، وهنا تكمن خطورة العبث بالعقل العربي وتوجيهه من مكان سيئ إلى مكان أسوأ. طبعاً ثمة سوابق كثيرة يمكن تعدادها والإضاءة عليها من زوايا سياسية واجتماعية واقتصادية وسلوكية، إلا أن أخطرها، هو قدرة التنظيم بشكل أو بآخر على التأثير في تقبله بكل كوارثه، وإيجاد البيئة النمطية والعقلية للتعايش معه واعتباره أمراً واقعاً يصعب التخلص منه، خاصة وأن ثمة إيحاءات وتصريحات بعضها واضح جداً، بأن استمراره يمكن أن يدوم عقوداً، وهو أمر ليس بمستغرب، لاسيما وأن جميع الأطراف الإقليمية والدولية وكذلك في الأطر الداخلية، تستثمر في محاربته وتحريكه وفقاً لأجندات خاصة بكل طرف، وأحياناً مجتمعة، وما يعزز ذلك معارك الكر والفر التي يقودها من منطقة إلى أخرى، والتي تشكل حالات استنزاف لجميع الأطراف على السواء، وهو أمر مرغوب بل مطلوب لمجمل قوى المنطقة، بمن فيهم «إسرائيل» التي تبدو المستفيد الوحيد من ذلك. فهل نعرف نحن العرب ذلك؟. ربما هنا تكمن المصيبة الأكبر إذا كنا لا نعرف أن كوارث التنظيم القادمة على مجتمعاتنا، هي أخطر بكثير مما رأيناه، خاصة وأن آثاره في سلوكنا باتت أكبر من أن تقاوم وتجابه، بمعنى آخر، إن أسوأ الصور التي باتت تغزو المجتمعات العربية والإسلامية، هو الاستسلام والتعايش مع هذه الظاهرة التكفيرية وبالتالي التعود والتأقلم مع مظاهرها ونتائجها الكارثية. - See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/344f5575-a4f6-4726-a28b-3ea877acd989#sthash.vPiDIxaN.dpuf