07‏/06‏/2015

إنها البرغماتية الأمريكية دائماً

مقالات إنها البرغماتية الأمريكية دائماً صحيفة الخليج الاماراتية 26-5-2015 د. خليل حسين ربما النزعة في العقل الباطني العربي نحو نظرية المؤامرة تقوده دائما إلى تحليلات عجائبية بعيدة في غالب الأحيان عن الواقع، ورغم إمكانية الصواب في بعض جزئيات المشكلة ولو من بعيد، تظل هذه النظرية موضع مساءلة يصعب الإقناع والاقتناع بها في موضع الدفاع ولو في مسائل يغلب عليها طابع المسلمات. والشيء بالشيء يذكر حول البرغماتية الأمريكية في سياساتها الخارجية، التي تشكل مرتعاً رحباً للخيال العربي ونظرية المؤامرة فيها. وفي الواقع ترتكز السياسة الخارجية الأمريكية على أسس واضحة ومحددة، عنوانها المصالح أولاً وأخيراً ومن دون أي اعتبار لمسائل أخرى، ومرد ذلك طبيعة النظام السياسي – الدستوري نفسه، الذي يتميز بضوابط من الصعب على أي إدارة تجاوزها أو الخروج عنها. وهي طبيعة النظام الرئاسي الذي تتحدد معالمه السياسية كل أربع سنوات أو ثمان إذا أعيد انتخاب الرئيس ، علاوة على آلية المساءلة في الكونغرس التي تشكل السياسة الخارجية مرتكزاً أساسياً لتصويب السياسات الرئاسية. إضافة إلى آليات تداول السلطة المكرسة في الدستور أولاً وثانياً في عقلية المؤسسات الحزبية والشعبية، معطوفة على آليات اتخاذ القرارات في النظام الفيدرالي الذي أثبت جدارته وفعاليته منذ قرنين من الزمن، كما تأتي المصالح الاقتصادية والأمنية في طليعة الثوابت الأمريكية لتقرير السياسات ومستوى التحالفات الدولية. ورغم الثوابت في السياسات الخارجية لجهة الأهداف ، إلا أن متغيرات كثيرة تتحكم فيها وتحدد ضوابطها أيضا. فمثلاً لم يوافق الكونغرس الأمريكي على مقترحات ويلسون الأربعة عشر وظلت خارج عصبة الأمم ، كما لم تنخرط في الحرب الباردة فعلياً سوى إبان الحرب الكورية،وهاتان مسألتان تعبران عن مصلحة واضحة رغم ابتعادهما عن مبادئ وقيم تتغنى بها الإدارات الأمريكية. مظاهر أخرى تمثلت بالدعم الأمريكي ل«إسرائيل» قبل حرب 1967 ، نتيجة دخولها إلى الشرق الأوسط لملء الفراغ الناجم عن خروج فرنسا وبريطانيا بعد العدوان الثلاثي على مصر 1956 ، فيما تعزز الدعم ل «سرائيل» في مراحل لاحقة بعدما ثبّتت أوضاعها في المنطقة ولم يعد يحرجها ذلك أمام العرب. كما لم تصطدم بداية مع الثورة الإسلامية في إيران ، رغم خلع حليفها الشاه ، وفعلت ذلك بعد احتجاز الطلاب للأمريكيين في السفارة، فكانت البداية إيرانية لا أمريكية. دعمت الولايات المتحدة الإخوان المسلمين في مصر بعد وصولهم للسلطة، لكن لم تحارب بعد خلعهم وتقربت من الرئيس عبد الفتاح السيسي. الأمر تطابق مع الحالات التونسية والليبية واليمنية وغيرها. إنها سياسة المصالح لا المبادئ. في المقلب الآخر، حصار سياسي واقتصادي على إيران في ملفها النووي ، وفي المقابل مفاوضات وتسويات واتفاقات أطر قادمة، بموازاة تطمينات وضمانات لأمن دول مجلس التعاون الخليجي. ثمة مفارقة في سياسة باراك أوباما الخارجية وبخاصة الشرق أوسطية، فمزج بين مثالية كارتر وواقعية نيكسون ولو في ظروف دولية مختلفة. بدأ عهده بسقف مرتفع في الصراع العربي - «الإسرائيلي» ، لكنه تراجع بخلاف كارتر بعدما قطع الأمل من التسوية مع الشريك «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو، فاتجه إلى إيران رأس «محور الشر»، وهي سياسة متطابقة لسياسة نيكسون بانفتاحه على الصين الشيوعية أحد «محاور الشر» آنذاك في عز الحرب الفيتنامية. اليوم ربما ستصطدم أمريكا مع إيران بعد اتفاق الإطار في يونيو/حزيران المقبل إذا لم تلتزم بحيثيات الاتفاق أو إذا فعلت «إسرائيل» فعلتها بين طهران وواشنطن. اجتاحت أمريكا العراق في العام 2003 للقضاء على نظام صدام حسين ولإقامة شرق أوسط كبير ولاحتواء إيران، وانسحبت لاحقاً بالتعاون مع صحوات العشائر وفَتَحت الأبواب واسعة للنفوذ الإيراني . صور يصعب جمعها منطقياً ، لكنها السياسة الأمريكية التي تعرف كيف تستفيد من المواقف كما تعرف كيف تخفف من الخسائر . في المحصلة، هناك وقائع واضحة علينا نحن العرب التدقيق فيها، وهي بالمناسبة ليست عابرة أو سوابق لم تتكرر في السياسات الأمريكية، بل باتت من المسلمات التي يجب حفظها عن ظهر قلب ، والاستفادة منها في فهم السياسات الأمريكية تجاه منطقتنا، وبالتالي الإقلاع ولو لمرة واحدة عن نظريات المؤامرة التي باتت جزءاً من تفكيرنا ومبرراتنا لعدم فهم الأمور كما هي - See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/7735465b-f68f-42ca-b6d1-165f110afd94#sthash.Bc90KifA.dpuf