07‏/06‏/2015

مؤتمر باريس والجغرافيا السياسية ل «داعش»

مؤتمر باريس والجغرافيا السياسية ل «داعش» صحيفة الخليج الاماراتية 6-6-2015 د.خليل حسين بعد عشرة أشهر من قيام تحالف دولي لمواجهة تنظيم «داعش» الإرهابي، وجد المتحالفون أنفسهم في مؤتمر باريس، مكتوفي الأيدي ومعقودي الألسن، إزاء واقع يصعب غض النظر عنه، أو محاولة التعايش معه، كما عبر عنه العديد من المشاركين. وفي الحقيقة ثمة أزمة حقيقية تقبع في عقلية أصحاب القرار، في كيفية مواجهة الجغرافيا السياسية ل«داعش»، وبخاصة ما حدث مؤخراً، بعد احتلال الرمادي في العراق وتدمر في سوريا، والتمدد في حلب شمالي سوريا، ما يعني بلغة الجغرافيا السياسية والعسكرية أيضاً، أن تمدداً بهذا المستوى، يثير جدلاً منطقياً حيال طبيعة التمدد وأهدافه وتداعياته، لاسيّما أنه عملية وصل لمناطق تبدو صحراوية في المظهر، وعملية فصل في المضمون لساحات أخرى، تشكل جغرافيتها منطلقاً لتقسيمات الأمر الواقع مستقبلاً. فالتحالف الدولي الذي نفذ فقط 4100 غارة جوية على عدد من مواقع تنظيم «داعش»، لم تكن جميعها فعّالة وفي جميع مناطق نفوذه، إلا إذا تمّ استثناء المناطق ذات الوصل والفصل في منطقة كردستان العراق وكوباني سوريا، ما يعني أن مواقع المواجهة، لها دلالتها الخاصة بالنسبة للتحالف، في وقت يبدو فيها كثير من المناطق، كان يمكن للتحالف أن يفعل فعله فيها إذا أراد، ومثال ذلك منطقة تدمر التي اجتاحها «داعش» في أوقات قياسية، وفي جغرافيا مكشوفة تماماً يتحرك فيها بين غرب العراق وشرق سوريا، وربّما التبرير الواقعي والعملي لسلوك التحالف، أن مثل هذا التدخل يفيد سوريا بالدرجة الأولى، ولا يشكل خطوة استراتيجية بالضرورة للتحالف، ما دام تنظيم «داعش» في مثل هذه الحالة وغيرها، يشكل فرصة استنزاف لجميع الأطراف في المنطقة، فلماذا لا يتمّ ردعه أو مواجهته تحديداً في الجغرافيا الحالية التي يتمدد بها؟ إنها وجهة نظر عراقية علت في أجواء المؤتمر، وهي نتاج تجاذب فرنسي - عراقي -أمريكي أيضاً، متعلق بالتوقيت والأهداف والغايات التكتيكية للمواجهة. ففيما يطالب العراق بمزيد من الدعم العسكري واللوجستي الدولي، ترى الأطراف القادرة أن ذلك غير متوافر، ربطاً ووصلاً بالواقع الداخلي العراقي المنقسم أصلاً، في ظل غياب مصالحة سياسية داخلية لمواجهة أخطار الخارج والداخل، وهو أمر تصرّ عليه واشنطن وباريس مثلاً، على قاعدة الضغط على الحكومة العراقية، لإدماج المكونات الأخرى في الدولة جماعاتٍ وليس أفراداً، وهو أمر يثير تبرّم رئيس الحكومة العراقية الذي ظهر في أكثر من مناسبة وبشكل واضح. والجغرافيا السياسية التي يمثلها حالياً تنظيم «داعش» في البيئتين العراقية والسورية، لا تقلّ أهمية، من حيث المبدأ، في تداعياتها المحتملة في المستقبل القريب في اتجاهات أخرى، كالأردن ولبنان، وحتى في قطاع غزة، كما برز خلال الأشهر القليلة الماضية من تحركات لها دلالاتها الحساسة، وهي مناطق فيها الكثير من الإغراءات التي تدغدغ التمدد الداعشي، وهي عملياً محيّدة اليوم بفعل توازنات إقليمية دقيقة، لا بفعل تعفف «داعش»أو غيره في فتح ملفات هذه المناطق. ثمة تجربة دولية سابقة متعلقة بمجلس الأمن تحديداً، الذي أصدر القرارين 2170 و2199 المتعلقين بمحاربة «داعش»، وفيهما الكثير الكثير من المرونة والغنج السياسي في محاربة هذا التنظيم الارهابي، وبخاصة القرار 2199، ما فتح أعين «داعش» على قراءة تراخي المشهد الدولي في مواجهته، ما عزز اندفاعته في غير ساحة إقليمية، وتمكن من الاستفادة إلى أقصى الحدود في غير موقع سياسي، بعدما أحكم الجغرافيا في قبضته وبدأ باستغلالها سياسياً. ربما ظروف كثيرة تجمّعت وتقاطعت في مؤتمر باريس، لم تسعف أركانه في الاتفاق على استراتيجية واضحة، فاكتفى المؤتمر ببيان هو أقرب إلى توصيات سُمعت كثيراً في فترات سابقة، والجديد فيها الإيحاء بتقديم الدعم للعراق بشروط وقيود متعلقة بالشأن العراقي الداخلي، وهي أمور صعبة التحقق في المدى المنظور، الأمر الذي يثير تساؤلات ربما تبدو مشروعة، عن طبيعة التنظيم ومن يدعمه ومن يغذيه، ومن المستفيد منه كحالة تسهم بشكل فعال في استنزاف قوى المنطقة ومجتمعاتها، تمهيداً لجغرافيا سياسية جديدة نجح حتى الآن في تكوين صورها الأولى. واللافت في هذا كله، تصريحات أمريكية واضحة، بأن القضاء على فكر «داعش» يتطلب عقوداً بل أجيالاً، ورغم صحته ولو نسبياً، فإنه يخفي رؤى أخرى مضمرة، مفادها الدعوة إلى التأقلم والتعايش مع الجغرافيا السياسية التي كرّسها «داعش» في المنطقة، ويبدو أننا نحن العرب تلقفنا هذه الدعوة الأمريكية، وبدأنا نستسلم لها شيئاً فشيئاً، وهو أمر له سوابق في السلوك والذهن العربيين، فقد أطلقنا «لاءاتنا» المعروفة في الخرطوم ضد «إسرائيل»، واليوم بدأنا نستسلم لنتأقلم ونتعايش مع «إسرائيل»، فهل سيكرّس العرب هذه السابقة أيضاً مع «داعش»؟ إنها فعلاً مهزلة العرب، وهم كالذي ظل يكذب ويكذب ويكذب، حتى صدق ما كذب ومشى به - See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/dd10859d-e922-4cc4-a9f0-e4c9285e0b8f#sthash.jlqvaUcX.dpuf