26‏/07‏/2016

تقرير عن أطروحة الطالب أحمد محمود حماديالتعاون الدولي مع المحاكم الجنائية الدولية

تقرير عن أطروحة الطالب أحمد محمود حمادي
التعاون الدولي مع المحاكم الجنائية الدولية
في ضوء القانون الدولي العام
لنيل درجة الدكتوراه في الحقوق
تعتبر المحاكم الجنائية الدولية برأي الطالب ، نتاج عملية سياسية تنطوي على عدد من القوى الوطنية والدولية التي ترعى مصالحها الخاصة. فكلّ محكمة من هذه المحاكم الدولية أنشئت في فترة زمنيّة معيّنة، بهدف تحقيق أهداف محدَّدة، مستندة إلى إفتراضات معيّنة، وتعكس توزيعاً خاصاً للسلطة داخل أجهزة تلك المحاكم، وبالتالي فان العملية السياسية التي تتحكَّم في إنشاء المحاكم الدولية، تتضمّن أدلّة حاسمة حول عملها في المستقبل.
ومن المعلوم، أيضاً أن التطوّر الذي لحق بمفهوم عدم التدّخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، خاصة في فترة ما بعد أحداث الحادي عشر من أيلول 2001، أخضع هذا المفهوم لمبدأ المسؤولية بالحماية ، والذي يشكِّل نهجاً جديداً لحماية السكان من الفظائع الجماعية، عندما تكون دولة ما غير راغبة في حماية مواطنيها، أو غير قادرة على حمايتهم من الإنتهاكات الجسيمة التي تتهدَّدهم. لذلك فهي تستبدل السيطرة الإقليمية للدولة على مواطنيها بقدرتها على توفير الحماية لهم بالموافقة عنوة او طوعا بالبيئة القانونية الدولية ذات الصلة بالمحاكم الدولية. كما إنّ تبنيّ هذا المفهوم من قبل المجتمع الدولي ، أدى إلى تحدّي مبدأ السيادة المطلقة للدولة، فنشأت بينهما علاقة عكسية، إذ كلما تطوّر التدخّل تناقصت إطلاقية السيادة . فمن السيادة المطلقة التي اشترطت عدم التدخّل، إلى التدخّل المشروط أو المعنون بعناوين إنسانية أو وقائية أو غير ذلك، وبالتالي كان من الضروري على الدول ، أن تواكب التطوّرات الحاصلة في مفهوم التدخّل وتحاول مواءمة أوضاعها مع مستوى ومنسوب التعاون مع هذه البيئات القانونية الدولية ، التي باتت أمرا شائعا، وبخاصة في العقد الأول من القرن العشرين.
إن المساعدة القانونية هي أمرٌ ضروريٌ بهدف الوصول الى بيئة فعَّالة للمحاكم الجنائية الدولية. وهذه الضرورة ، تبرّر واجب التعاون على جميع الدول مع المحاكم الجنائية الدولية المؤقتة، كذلك وجوب تعاون الدول الأطراف بالنسبة للمحكمة الجنائية الدولية.   وإضافة إلى الدول، تلعب المنظمات الدولية دوراً مهمّاً في نجاح المحاكم الجنائية الدولية، كما أن تطوّر موقع الفرد على المستوى الدولي، بحيث بات موضوعاً لهذا القانون، سمح للمحاكم الجنائية الدولية بمخاطبة الافراد مباشرةً ،وطلب مساعدتهم في الإجراءات القضائية.
وبحسب رأي الطالب، إنَّ الممارسة العملية للمحاكم الدولية ، أظهرت معاناتها من التباين الحاصل بين القواعد والنصوص التي تقوم عليها ، وبين التطبيق العملي لها . ما أثار السؤال حول مدى إمكانية إضطلاع المحاكم في مهامها، وتحقيق أهدافها في ظل عدم تعاون الدول وغيرها من أشخاص القانون الدولي ، وهنا تطرح إشكالية الدراسة ، التي تتناول الإلتزام بوجوب التعاون مع المحاكم الجنائية الدولية ، والذي يشكِّل شرطاً أساسياً لسير أعمالها ، وفرض إحترام قراراتها، لا بل شرطاً لنجاح القانون الدولي الجنائي بصورة أعمّ ، ذلك أن غياب التعاون يجعل من هذه المحاكم ، هيئات دولية تعمل على تسيير عدالة جنائية دولية ضعيفة.
إنّ الهدف الأول للدراسة، برأي الطالب ، هو بيان أيّ مدى يتوجّب على الدول التعاون مع المحاكم الجنائية الدولية عند مباشرة الإجراءات القضائية، وتحديد طبيعة هذه الواجبات المفروضة على الدول ؛ ومن خلال ذلك طرح الطالب عدة أسئلة من بينها: كيف يمكن للمحاكم الجنائية الدولية أن تحصل على المساعدة الضرورية من قبل أشخاص القانون الدولي؟ وما هو الأساس القانوني لإلزام الدول بالتعاون؟ وما هو مضمون هذا الإلتزام أو الإلزام ؟ أما الهدف الثاني ، فيتعلّق ببيان التحدّيات التي تواجه المحاكم الجنائية الدولية ،بإعتبار أن اعتمادها على الدول ، كأساس لضمان فعالية الإجراءات الجنائية الدولية، قد أفضى إلى مشاكل عملية عديدة ، لا سيّما التذرّع بالسيادة الوطنية لجهة عدم تقديم الأشخاص على قاعدة الاختصاص الإقليمي للقضاء، وحماية الأمن القومي للدول؛ ما يتطلب الإجابة على الأسئلة التالية وكما طرحا الطالب وهي واقعية من حيث منهجية البحث ووسائله: كيف يمكن لهيئة قضائية منشأة من قبل الدول أن تعمل وتضمن فعاليتها في ظل اعتمادها على سحب الإختصاص المحفوظ للجهات التي أنشأتها؟ هل ارتضت الدول بالتنازل عن إمتيازاتها المحفوظة لناحية تفعيل هذه الهيئات القضائية أم أضيفت هذه المحاكم كأدوات جديدة في سياسات لعبة الأمم؟ وهل بإمكان المحاكم الجنائية الدولية تجاوز التحديات التي تواجهها من أجل تفعيل التعاون؟
اعتمد الطالب على المنهج التاريخي، ومنهج البحث المقارن، والمنهج التحليلي ، وكان موفقا في قدرته البارزة على استعمال هذه المناهج كل في مكانه المناسب، وبطريقة فعّالة، ما أضاف للإطروحة سمة الانسياب والقراءة العلمية المشوقة.
قسّم الطالب دراسته إلى قسمين ، تناول الباب الأول من القسم الأول ،موضوع تعاون الدول مع المحاكم الجنائية الدولية، والذي عالج بدوره في فصلين المواضيع التالية: الفصل الأول، الأساس القانوني لتعاون الدول مع المحاكم الجنائية الدولية، والفصل الثاني، إجراءات تعاون الدول مع المحاكم الجنائية الدولية خلال مراحل الدعوى وكان العرض القانوني في في هذا الباب موفقا لجهة الدقة في تبيان الآليات والوسائل المتاحة. أما الباب الثاني،  فتناول تعاون المنظّمات الدولية والأفراد مع المحاكم الجنائية الدولية، والذي عالج في فصلين المواضيع التالية: الفصل الأول، تعاون المنظمات الدولية مع المحاكم الجنائية الدولية، والفصل الثاني، تعاون الأفراد مع المحاكم الجنائية الدولية. أما الباب الأول من القسم الثاني ، فقد تم تخصيصه لبحث تحدّيات التعاون مع المحاكم الدولية في ظلّ مفهوم الدولة، والذي انقسم بدوره إلى فصلين تناولا المواضيع التالية: الفصل الأول، تذرّع الدول بالسيادة تجاه المحاكم والعدالة الجنائية الدولية، والفصل الثاني، حصانة مسؤولي الدول أمام المحاكم الجنائية الدولية، حيث ركز الطالب على موضوع الحصانة بشكل موفق، وهي بالمناسبة أحد الجوانب الجوهرية لأسس عمل المحاكم ، والتحدّيات التي يمكن أن تواجهها.أما الباب الثاني، فهدف إلى بيان تحدّيات التعاون مع المحاكم الدولية في إطار مفهوم العدالة الإنتقالية. والذي عالج أيضاً في فصلين المواضيع التالية: الفصل الأول، تكييف إعتبارات العدالة وفقاً للمصالح السياسية الدولية، والفصل الثاني، التحدّيات الناجمة عن حداثة مفهوم العدالة الإنتقالية وهي تحديات واقعية وشائعة من الصعب تجاهلها.
        يمكن إبداء العديد من السمات التي تميزت بها الأطروحة شكلا ومضمونا ومن بينها:
 
أولا : في الشكل
1.     يعتبر اختيار موضوع الأطروحة من الاختيارات الموفقة، بالنظر لان الموضوع يطرح تساؤلات وإشكالات عدة في نطاق المحاكم الدولية وأوجه التعاون المفترضة.
2.     أتى عنوان الأطروحة متطابقا مع مضمون ما ورد فيها، وأنسحب الأمر عينه على العناوين الرئيسة للفصول وكذلك المباحث والمطالب وحتى العناوين الفرعية.
3.     جاء تقسيم موضوع الأطروحة متوافقا مع متطلبات الموضوع ووسائل عرضه، إن لجهة الفرضيات أو الإشكالية أو المناهج المستخدمة.
4.     أتى استعمال المناهج والوسائل بشكل يعبر عن قدرة الطالب اللافتة في التعبير عن مستلزمات بحثه والأدوات الضرورية لذلك.
5.     غابت الأخطاء المطبعية واللغوية في متن الرسالة، إلا ما ندر.
6.     ثمة سياقات لغوية دقيقة وواضحة، أعطت للإطروحة صفة الانسياب اللغوي المشوق للقراءة.
7.     أتى الإسناد إلى المراجع دقيقا ، ووفقا للشروط الأكاديمية المتعارف عليها.
 
ثانيا : في المضمون
1.    تمكّن الطالب من عرض إشكالية الأطروحة بشكل دقيق وواضح ، ومصاغة بطريقة تُعبر عن فهم الطالب الدقيق للموضوع والقدرة على رسم صورة تفصيلية للقارئ.
2.    كما تمكّن الطالب من عرض الفرضيات والأسئلة المحيطة بها، بشكل منطقي وملائم، بحيث كانت مرتبطة بمضمون الإشكالية والأجوبة المفترض التوصل إليها.
3.    استند الطالب إلى مروحة واسعة جدا من المراجع العربية والأجنبية، تنوّعت بين المؤلفات القانونية الأكاديمية والدراسات والوثائق ذات الصلة بالموضوع، ما يبين قدرة الطالب على انتقاء المفيد والمباشر في أطروحته.
4.    أتت الاستنتاجات والمقترحات الواردة في الخاتمة واضحة ، ومتوافقة مع السياق العام للأطروحة ، ومتطابقة مع الإجابات المفترضة على الأسئلة والفرضيات التي تمَّ الإجابة عنها.
5.    كما تضمنت الأطروحة العديد من الجوانب القانونية التي تصلح في معظمها لامكاني المتابعة والبناء عليها في رسائل وأطروحات أخرى.
       ناقش الطالب احمد محمود حمادي، أطروحته الموسومة بعنوان ،التعاون الدولي مع المحاكم الجنائية الدولية في ضوء القانون الدولي العام، بتاريخ 30/6/2016، أمام اللجنة المكوّنة من الدكاترة محمد وليد عبد الرحيم ،ورامز عمار وكمال حماد ، وجورج عرموني ،وخليل حسين. حيث تمكّن الطالب من عرض موضوع أطروحته ودفاعه عنها بشكل لافت ، وأجاب على الأسئلة التي وجهت إليه بحرفية أكاديمية عالية ، وبعد المداولة والمناقشة، قررت اللجنة منح الطالب أحمد  محمود حمادي درجة الدكتوراه في الحقوق بتقدير
 
بيروت: 30/6/2016                                                   أ.د.خليل حسين