16‏/01‏/2019


إيران والعلاقات الروسية الإسرائيلية

د.خليل حسين

أستاذ القانون الدولي والدبلوماسي في الجامعة اللبنانية

        لطالما شكلت العلاقات الروسية مع الفواعل الإقليمية في الشرق الأوسط، وبخاصة إسرائيل وإيران إبان الأزمة السورية ، مثار توجس شديد، بالنظر لتضارب المصالح وتباينها، إزاء العديد من القضايا. إذ برزت العديد من مظاهر التوتر في غير واقعة أو مناسبة.كما شكلت موسكو في الفترة الأخيرة مركز جذب وتواصل لهاتين الدولتين كجزء من سباق كسب الود والاستمالة السياسية لترجيح موقف على آخر، وكان آخرها تزامن زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومستشار مرشد الجمهورية الايرانية علي أكبر ولايتي إلى موسكو مؤخرا. فما هي خلفيات السباق وما هي أبعاده؟. وما هي الإمكانيات الروسية للتوفيق بين المطالب المتضاربة؟.

       من حيث المبدأ ثمة محددات روسية واضحة في سياساتها الخارجية في المنطقة، أضافت إليها بعض المسارات إبان الأزمة السورية وبخاصة مع تدخلها العسكري المباشر، فبات لزاما عليها إنشاء بيئة ارتباط وتواصل مع إسرائيل تجبرها الأخاذ بعين الاعتبار المصالح الإسرائيلية الأمنية والعسكرية في سياق الحرب الدائرة في سوريا ، حيث التواجد الإيراني مع حلفائها يشكل مأزقا إسرائيليا استراتيجيا من الصعب عليها التعامل معه بطرق مرنة أو قابلة للتفاوض دون حسابات دقيقة ، وبالتالي ليس لإسرائيل مخرجا إلا التواصل مع موسكو بهذا الشأن ، حيث سجل ست زيارات لنتنياهو إلى موسكو في غضون خمسة أشهر، ما يشير إلى حساسية الوضع السوري وبالتحديد الجانب المتصل بإيران فيه، إذ ظل الوضع الإيراني في طليعة جداول اللقاءات في موسكو إذ لم يكن وحيدا، ومن بينها اللقاء الأخير بين نتنياهو والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على قاعدة العمل على سحب القوات الايرانية من الساحة السورية، والذي ترجم هذا المطلب امنيا وعسكريا في كثير من الحالات خلال الأشهر الماضية عبر سجالات صاروخية في جبهة الجولان وما سبقها وتلاها على مطار (تي 4 ) في حمص.

        في المقابل شكل الانسحاب الأميركي من الاتفاقية الدولية بشأن البرنامج النووي الإيراني حافزا لتكثيف العلاقات البينية الايرانية الروسية، وبخاصة تشارك الدولتين بالعقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة عليهما، ووجود الكثير من المصالح المتقاطعة بينهما من خلال الأزمة السورية، وبالتالي ثمة مصلحة لموسكو في إيجاد نوع من التوازن في علاقتها مع كل من طهران وتل أبيب، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، قدرة موسكو على التوازن بين المطالب المتضاربة التي يصعب التوفيق بينها من جهة وتداخل مصالح دول أخرى فيها من بينها دول عربية وغير عربية كثيرة كتركيا على سبيل المثال لا الحصر. وبالتالي ثمة صعوبات لا تعد ولا تحصى في عمليات ضبط إيقاع العلاقات بينها وبين تلك العواصم ، الأمر الذي يتطلب طروح على مستوى دولي ، برزت بعض ملامحها مؤخرا حول صفقات وتسويات في غير اقليم ومنطقة.

      ومن بين تلك التسريبات المتداولة في الكواليس الدبلوماسية الدولية ما يمكن أن يكون موضوعا رئيسا على جدول لقاء الرئيسين الروسي والأميركي في هلنسكي، مفاده صفقة متكاملة على قاعدة مقايضة الوضع في القرم مع الوضع في سوريا، قوامه رفع العقوبات عن موسكو وإيجاد تسوية لأزمة القرم مقابل إيجاد مخارج حلول للأزمة السورية والوضع الروسي فيه ، وأيضا العمل على سحب القوات الايرانية من سوريا مع حلفائها. وعلى الرغم من جاذبية هذه التسوية إسرائيليا وأميركيا، إلا أن دونها عقبات كثيرة روسية وإيرانية وسورية، ما تشكل مناسبة لإعادة تموضع الكثير من أدوات التنسيق والصراع في المنطقة على أسس مغايرة ربما تكون غير قابلة للضبط.

       لا شك إن لقاء الرئيسين الأميركي والروسي سيشكل نقطة تحوّل فارقة في وضع المنطقة وعلاقة دولها في موسكو ،وهي مرهونة بمدى قدرة روسيا على احتواء المطالب المتضاربة التي يصعب التوفيق بينها، إلا أن تجارب موسكو السابقة في هذا المجال مقبولة، حيث تمكنت من احتواء العديد من الأزمات الفرعية المتصلة بالأزمة السورية خلال السنوات الأربع الماضية، وبخاصة الشق المتعلق بكل من إسرائيل وإيران، إلا أن ثمة متغيرات عسكرية وأمنية في سوريا بات صعبا على موسكو عدم الالتفات إلى المطالب الإسرائيلية المتعلقة بإيران، وبالتالي إمكانية بروز مظاهر شد وجذب كبيرين في علاقات موسكو مع الطرفين الآخرين.