16‏/01‏/2019


ترامب ومعاهدة الصواريخ البالستية

د.خليل حسين

أستاذ القانون الدولي والدبلوماسي في الجامعة اللبنانية

 

      في وقت يجري حلف الناتو أضخم مناورات عسكرية على الحدود الروسية منذ العام 1988، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب ، نية بلاده الانسحاب من معاهدة الصواريخ البالستية القصيرة والمتوسطة المدى،متهما روسيا بخرق المعاهدة التي وقعت إبان الحقبة السوفياتية في العام ديسمبر 1987. ويأتي هذا الإعلان في ظروف هي الأشد توترا بين الطرفين،بعد  عودة أجواء الحرب الباردة وتفاقم الأزمات الإقليمية والدولية التي يديرها الطرفين في غير منطقة من العالم.

        والجديد في الموضوع المثار إشارة الرئيس الأميركي إلى الصين في هذه القضية رغم أن هذه الأخيرة ليست طرفا فيها، ما يعني إن التهديد المتصور أميركيا ليست موسكو وحدها وإنما بكين أيضا التي ردت وبسقف عال على التهديدات الأميركية، ما يعني أن ثمة أجواء تصعيدية ربما ستأخذ مسارها ،رغم محاولات واشنطن السير بإدارة الأزمة عبر إيفاد مستشارها للأمن القومي جون بولتن إلى موسكو، وإثارة القضية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشكل صريح.  

       والمعاهدة من حيث المبدأ هي من مخلفات الاتفاقيات الثنائية التي تعود للحقبة السوفياتية، وهي مسار تفاوضي طويل بين الجانبين ،امتد من حقبة الوفاق أواخر ستينيات القرن الماضي والتي أنتجت اتفاقيتي "ستارت1" و"ستارت2 " للحد من انتشار الأسلحة غير التقليدية ووسائل إطلاقها إي الصواريخ البالستية.وفي أي حال من الأحوال، فقد اعتبرت هاتين الاتفاقيتين بداية لمسار طويل بين الجانبين للحد من احتقان العلاقات الدولية ومحاولة لتعزيز الأمن والسلم الدوليين الذي ظل مهتزا عند بروز إي أزمة إقليمية أو دولية والتي كان أبرزها أزمة الصواريخ السوفياتية في كوبا في العام 1961.

     ورغم محدودية المعاهدة مقارنة بغيرها من المعاهدات ذات الصلة،إلا إن روسيا تحديدا تخلت عن الكثير من بيئتها الدفاعية والهجومية بعد وراثتها للترسانة السوفياتية،ذلك عبر اتفاقيات ثنائية مع واشنطن مقابل الدعم الاقتصادي والمالي إبان حقبة الرئيس بورس يلتسين، إلا أن أوضاع تلك المعاهدات وغيرها باتت موضع جدل عالي المستوى بعد وصول الرئيس بوتين إلى السلطة المترافقة مع طموحات المنافسة الدولية وتصاعد الأزمات الإقليمية وبخاصة الأزمة السورية التي شكلت منعطفا حادا في العلاقات البينية مؤخرا.

         لقد شكلت قمة هلسنكي بين الجانبين الروسي والأميركي في يوليو / تموز الماضي مناسبة للبحث في المعاهدة، ورغم تأكيدات الطرفين على جدية المتابعة في هذا الملف، إلا أن المستجدات الأخيرة وخرق قواعد الاشتباك في الأزمة السورية أعاد الملف إلى مستويات حادة، ويبدو انه سيكون على رأس جدول أعمال القمة المزمعة بين الطرفين في ديسمبر / تشرين الثاني القادم في باريس، فهل ستكون مناسبة ملائمة لحل هذه الأزمة الناشئة.

         وإذا كان الأمر كذلك، ما هو الموقف الأميركي وبالتحديد الرئيس ترامب من إدخال الصين أو غيرها مستقبلا في القضية، سيما وان الصين على سبيل المثال ظلت خارج الاتفاقيات الدولية والثنائية المعقودة مع الطرف الأميركي ، وهي إلى جانب ذلك ، تعتبر حليفا اقتصاديا وتجاريا للعديد من الدول التي تناصب العداء لواشنطن، فهل لواشنطن خلفيات أخرى في إشراك الصين في التصعيد الأخير؟

       في أي حال من الأحوال، ثمة سقوف عالية أثيرت فيها القضية، وثمة حذر روسي في التعامل مع الملف وسط تصريحات مرنة نسبيا كما أطلقها الرئيس بوتين عبر لقائه مع بولتن في موسكو، معتبرا أن لقائه مع الرئيس ترامب في قمة هلسنكي كان بناَءَ ، ما يعني أن الكلمة الفصل في هذا الموضوع ربما ستكون في قمة باريس المزمعة بين الجانبين، إذ ثمة الكثير من الملفات ذات الصلة يمكن أن تكون من بين وسائل إدارة القضية لاحقا، إذ أن استرجاع قراءة العلاقات الثنائية والتدقيق في كيفية إدارة الأزمات بين الطرفين تشي بذلك.