16‏/01‏/2019


روسيا والنازحون السوريون

د.خليل حسين

أستاذ القانون الدولي والدبلوماسي في الجامعة اللبنانية

      

      ما برز تصريحا وتلميحا بعد القمة الروسية الأميركية الأخيرة في هلسنكي ، محاولة التفاهم على بعض القضايا والأزمات الفرعية المتصلة بالأزمة السورية، وإعطاء موسكو هامشا محددا للتحرك في موضوع النازحين السوريين في دول الطوق السوري لبنان والأردن وتركيا والعراق وامتدادا إلى بعض الدول الأوروبية التي استقبلت عددا من النازحين غير الشرعيين والذين أعطوا صفة قانونية تحت مسمى اللاجئين.

      وإذا كانت هذه الفئة الأخيرة تشكل حالات خاصة يغطيها القانون الدولي ،إلا أن مفاعيلها الاجتماعية والاقتصادية في الدول الأوروبية حتمت على بعضها اللجوء إلى مخارج واضحة لجهة إعادة توطينهم ودمجهم في مجتمعات محددة مثل لبنان على سبيل المثال لا الحصر، وهذا ما رشح عن زيارة المستشارة الألمانية إنجيلا ميريكل إلى بيروت الشهر الماضي، إذ قدّمت  تصورات وخطط لمساعدات واستثمارات اقتصادية وهبات مالية شتى في مقابل إعادة ترحيل أعداد من السوريين إلى لبنان أو على الأقل ضمان عدم إخراج النازحين السوريين في لبنان إلى الدول الأوروبية وبالتحديد إلى ألمانيا حيث الوجهة الأكثر جاذبية للكثير من السوريين.

       وما يعزز من صحة هذه الوقائع مبدئيا زيارة الموفد الرئاسي الروسي إلى بيروت،  الكسندر لافرنتييف، الذي سوّق لآليات عمل لبنانية روسية على أن تضم لاحقا الأردن التي صرح بعض مسؤوليها عدم استعجال هذا الملف بالنسبة إليهم حاليا، إضافة إلى جهات أخرى لم تسم في هذه الزيارة.والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ،أولا ما هي قدرة روسيا في التأثير في هذا الملف وما حدوده وخلفياته؟ وما هي أبعاده المستقبلية إذا وضع في إطار القمة الروسية الأميركية؟.

      في المبدأ، ليس لموسكو القدرة منفردة لإدارة هذا الملف منفردة ،إلا إذا كان لها ضوء أخضر أميركي بالتحديد، وبالتالي لن يكون توزيع الأدوار مجانيا بين الجانبين إلا في إطار تسويات ذات طابع اقليمي يندرج تحت مسميات في الظاهر متعددة وفي الباطن يمكن أن تندرج في إطار عمليات ترانسفير بشري من مناطق إلى أخرى بهدف التمهيد لتسويات سياسية في بعض الدول.

      وما يعزز أيضا هذه البيئة والفرضية أيضا ما صرحت به الخارجية الروسية ، من أن ثمة خطة لإعادة 980 ألف نازح سوري من لبنان إلى أماكن إقاماتهم في سوريا، وهنا يطرح سؤال آخر عن الأعداد الفعلية للنازحين في لبنان، حيث تتضارب الأرقام ارتفاعا وانخفاضا بحسب الجهة السياسية اللبنانية أو الأممية التي تطرحها. ففي حين تحصي الأمم المتحدة حوالي المليون والنصف نازح ، في وقت تعتبر بعض الجهات اللبنانية أن الأعداد تصل إلى المليونين والنصف، أما واقع الأمر في الأرقام الفعلية تتجاوز ذلك كثيرا وفي تقدير بعض الجهات غير الرسمية يصل تعداد النازحين أرقاما صادمة تصل إلى الأربعة ملايين وجلهم دخلوا لبنان بطرق غير شرعية وغير مسجلين رسميا.

       وفي لغة الأرقام الروسية والأممية واللبنانية المتداولة ثمة ملايين النازحين ،هل سيبقون في لبنان؟ وهل لبنان قادر على استيعاب بعضهم؟ وهل لبنان أيضا له القدرة على استيعاب بعض السوريين الذي يمكن أن يرحلوا من بعض الدول الأوروبية ؟ وماذا لو كانت وجهتهم إلى لبنان إذا رفضوا العودة إلى سوريا لأسباب واعتبارات مختلفة؟  

       ثمة حساسية لبنانية مفرطة لأي موضوع يمس إعادة هيكلة التوزيع الديموغرافي في لبنان لجهة النوع والعدد وبصريح العبارة الجهة الطائفية والمذهبية للنازحين علاوة على انتماءاتهم والى أي جهة يمكن أن يكونوا هدفا لاستقطاب بعض الفئات السياسية اللبنانية.تلك الصورة السريالية يمكن أن تكون أزمة مستقبلية في لبنان.

       وبعيدا عن نظريات المؤامرة التي يجيد اللبنانيون نسجها في عقلهم الجمعي الباطني، ثمة العديد من الوقائع والإشارات التي تعزز فرضية الدمج أو إعادة التوطين أو غيرها من المسميات المتداولة في لبنان أو المحافل الدولية، وثمة من يربط الموافقة على هذا الملف وبين إعادة تشكيل السلطة التنفيذية في لبنان لجهة تشكيل الحكومة وتذليل العقبات التي تبدو داخلية لكنها في الواقع ثمة مؤشرات ترجح كونها خارجية مرتبطة بالكثير من الملفات ومن بينها تحديدا هذه القضية.