16‏/01‏/2019


الولايات المتحدة ومجلس حقوق الانسان

د.خليل حسين

أستاذ القانون الدولي والدبلوماسي في الجامعة اللبنانية

بيروت 21/6/2018

    

        في قراءة سريعة ، يتبين أن الإدارة الأميركية لم تكن يوما متحمسة  لإنشاء مجلس حقوق الانسان منذ بدايات النقاشات في الأمم المتحدة، بعدما تم طرح إنشائه كبديل عن مفوضية حقوق الانسان.ذلك بفعل العديد من الاعتبارات السياسية والقانونية .بداية تمسكت واشنطن بمبدأ اعتباره جهازا رئيسا من أجهزة الأمم المتحدة ، إضافة إلى الأجهزة الستة المعروفة، بهدف البيئة القانونية التي طرحتها على قاعدة تمييز التصويت في آليات عمله، وصولا إلى إمكانية استعمال حق النقض على غرار الامتيازات في مجلس الأمن الممنوحة للدول الخمس الكبرى. وإزاء الرفض، حاولت قدر الإمكان التخفيف من آليات عمله ووسائله التنفيذية. أما الخلفيات السياسية فتنطلق من قاعدة ما يمكن أن يطرح على مجلسه من قضايا تعود لدول حليفة لها، أو قضايا تخص سلوكياتها الدولية أو الداخلية. وأيا يكن الأمر ظلت الإدارة الأميركية في موقع الند في طريقة تعاملها مع القضايا المطروحة عليه منذ إنشائه في العام 2006.

       نفذت الإدارة الأميركية الحالية وعيدها وأعلنت انسحابها من المجلس، وهو أمر كان متوقعا بالنظر للسلوكيات الظاهرة مؤخرا ، والتي درجت فيها الإدارة الأميركية على الانسحاب من العديد من الوكالات الدولية التابعة للأمم المتحدة أو الاتفاقيات الدولية الشارعة التي رعتها الأمم المتحدة، ومن بينها مؤخرا، الانسحاب من منظمة الثقافة والعلوم (الأونيسكو) ، والاتفاقية الدولية للمناخ، ما يشكل ظاهرة ينبغي التوقف عندها مليا، لما له من آثار سيئة لضمور الدور الأميركي في بعض المؤسسات الدولية.

      وعلى الرغم من أن واشنطن قد استعملت مؤسسات المجلس كمنصة لتمرير مواقفها وسياساتها الدولية باتجاه العديد من الدول التي صنفتها دولا مارقة أو تتلاعب بحقوق الانسان مثل كوريا الشمالية وإيران وسوريا وغيرها، إلا أن أكثر ما وجدت إحراجا فيه موقف المجلس من انتهاكات إسرائيل في حق الفلسطينيين، وبالمناسبة تعتبر إسرائيل الدولة الوحيد الموضوعة على جدول أعمال لجنة المراقبة الدائمة، وهو أمر كان احد الأسباب الرئيسة التي دفعت واشنطن للانسحاب من المجلس مؤخرا.

        إن المراجعة السريعة لكيفية معالجة المجلس للقضايا التي طرحت أمامه تظهر عدم قدرة واشنطن في التحكم بقراراته ، وبالتالي ظهور مواقف محرجة لها وبخاصة باتجاه إسرائيل، والذي للمجلس باع طويل وواضح في إدانة إسرائيل لممارساتها تجاه الفلسطينيين، إذ لا يزال تقرير غولدستون حول مجازر غزة ماثلا في الأذهان، وكيف أدى ذلك فيما بعد إلى التدخل بقوة لإزاحة رئيس المجلس وانتخاب بديل منه اشتهر بمواقفه المؤيدة لإسرائيل.

       وبصرف النظر عن الانسحاب من مجلس حقوق الانسان، ثمة مؤشرات ينبغي التوقف عندها، ومن بينها دور الدول الكبرى في المؤسسات الأممية والدولية. فواشنطن مثلا لم تنضم إلى المحكمة الجنائية الدولية رغم مساهمتها بفعالية في نظام روما الأساسي، كذلك روسيا التي انسحبت منها مؤخرا. اليوم سلكت الإدارة الأميركية مسلكا سلبيا في التعاطي مع مجلس حقوق الانسان ما ينذر بازدياد ضعضعة الثقة في المؤسسات الدولية وإفراغها من مضمون الغايات والأهداف التي وجدت من أجلها، وهو مسار خطير يهدد أيضا بيئة وجود الأمم المتحدة وما يمكن أن تقدمه من ادوار ريادية في حماية حقوق الانسان في أوقات السلم والحرب. لذا من الأنسب لواشنطن عدم الابتعاد وعزل نفسها عن المؤسسات الدولية بصرف النظر عن تطابق أو تباين وجهات النظر إزاء القضايا المطروحة. سيما وان واشنطن لا زالت تتمسك بقيادة النظام الدولي، وهو أمر يتناقض مع سلوكياتها إزاء المنظمات الدولية ومن بينها مجلس حقوق الانسان، الذي عُوِلَّ عليه كثيرا منذ نشأته وحتى الآن.