16‏/01‏/2019


العلاقات الإماراتية السورية نموذجا

د.خليل حسين

رئيس قسم العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية

 

       يبدو أن الحدث الأبرز نهاية العام 2018 في العلاقات البينية العربية ما صاغته الإمارات العربية المتحدة من تنفيذ لسياسة خارجية مترسخة في علاقاتها الخارجية، ويتمثل بإعادة فتح سفارتها في الجمهورية العربية السورية، الذي سيشكل منعطفا بارزا في  مجمل العلاقات العربية العربية، وهي بالأصل ليست سابقة بل ترجمة عملية لسياسة خارجية صاغها مؤسس الدولة المرحوم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، على أسس واضحة وثابتة قاعدتها لمّ الشمل العربي عبر سياسة معتدلة ، ومحاولة التوفيق الدائم بين المحاور العربية التي لعبت الإمارات دورا بارزا في التوفيق فيما بينها.

        وتأتي خطوة الإمارات هذه ترجمة هادفة لما ينبغي أن تكون عليه العلاقات البينية العربية وبخاصة السورية الإماراتية لما لهذين البلدين من خصوصيات في محيطهما العربي والإقليمي والدولي، ولما سبق لهذين البلدين من وسائل وأدوات للتعاطي مع القضايا العربية المركزية، ورؤى بعيدة للقضايا الإستراتيجية وبخاصة بين البلدين.

        لقد كانت الإمارات العربية المتحدة سبّاقة في إعادة سوريا إلى الحضن العربي، وهي خطوة تعبّر عن بُعد نظر وقراءة دقيقة لمجمل المتغيرات في المنطقة، وهي رغبة حثيثة في حماية الصف العربي، من أي ضغوط وتدخلات خارجية كما وصفتها وزارة الخارجية الإماراتية في سياق افتتاح السفارة في دمشق، والتي جُمد التمثيل فيها بداية الأحداث السورية في العام 2011. والملفت في هذا الأمر أن العلاقات الدبلوماسية قد جُمدت في الأساس ولم تتعد هذه الخطوة إلى قطع العلاقات أو سحب الاعتراف، وهو تعبير عن سياسات خارجية واقعية وهادفة في إطار آي متغيرات مستقبلية، وهذا ما حصل فعلا.

       ثمة سياق طويل من العلاقات الواقعية بين البلدين العربيين، وقد ترجمت من كلا الطرفين، فقد وقفت الجمهورية العربية السورية إلى جانب الإمارات العربية المتحدة في نزاعها مع إيران حول الجزر الثلاث، واتخذت مواقف ايجابية لافتة إلى جانب الإمارات في عز تحالف دمشق مع طهران في العديد من المحطات والقضايا العربية الخليجية، وهذا ما يؤكد عمق العلاقة وبخاصة في القضايا العربية المركزية، وهو أمر من شأنه أن يعزز العلاقات البينية ويدفع بها إلى مستويات أرقى على المستوى العربي.وهذا ما تشي به الأيام القادمة ، حيث ستشكل الخطوة الإماراتية بابا واسعا لإعادة سوريا إلى العرب من البوابة الإماراتية التي تشكل مغزى مهما في المحيط الخليجي.، والذي يعتبر قرارا وازنا في إعادة توجيه بوصلة التعاون العربي في هذه الظروف الدقيقة التي تمر فيها الدول العربية جمعاء.

       ثمة حديث عن انسحاب أميركي من سوريا وتلزيم الوضع السوري إلى تركيا كما صرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ما يعني مزيد من الضغوط على سوريا، الأمر الذي يستلزم مزيد من خطوات الحماية العربية وهو ما أقدمت عليه الإمارات والتي ستسهم بشكل أو بآخر في عودة دمشق إلى الجامعة العربية، وهو أمر أكثر من ضروري في هذه الظروف الدقيقة.

         ربما اليوم نحن العرب أكثر حاجة من أي وقت مضى لمثل تلك الخطوات الرائدة والواعدة في إعادة ترتيب الصف العربي وحمايته من الضغوط الهائلة التي تمارس عليه من أطراف دولية كالولايات المتحدة وروسيا ومن أطرف إقليميين كإسرائيل وتركيا وإيران، وجميعها لاعبون مؤثرون في الواقع العربي الراهن، ما يؤكد أهمية الخطوة الإماراتية في زمانها ومكانها الصحيحين، والتي ينبغي أن تتابع بخطوات عربية أخرى في السياق نفسه، علَّ وعسى آن يُعاد التضامن العربي إلى ما كان عليه في غابر الزمان.

        لطالما شكلت الإمارات ركنا بارزا في أعمدة التضامن العربي بفضل سياسات خارجية معتدلة ورؤية ثاقبة في المحيطين العربي والإقليمي، كما شكلت سوريا مركز استقطاب اقليمي ودولي، ما يستدعي أولا وأخيرا صياغة علاقات وسياسات بينية إماراتية وسورية تراعي متطلبات الوضع العربي الراهن ما يسهم بشكل واضح في إعادة ترتيب البيت العربي التي بدأت بهذه الخطوة الواعدة.والاهم من ذلك كله يطوي البلدان العام 2018 ببارقة أمل ، علَّ العام 2019 يشهد ترجمة عملية لما سبق، فكل عام والعرب بخير بفضل الخطوة الإماراتية.