16‏/01‏/2019


الولايات المتحدة والاونوروا

د.خليل حسين

أستاذ القانون الدولي والدبلوماسي في الجامعة اللبنانية

 

       غريب المفارقات في علاقة الولايات المتحدة الأميركية مع هيئة الأمم المتحدة، هي مسائل تمويل بعض أجهزتها ووكالاتها المتخصصة ومن بينها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الاونوروا). فمن المعروف أن مساهمات واشنطن في هذا المجال هي الأعلى بين الدول منذ نشأة الوكالة في العام 1950، إلا أن الانعطافة التي قامت بها الإدارة الأميركية مؤخرا تنذر بتداعيات خطرة على مجمل عمل الوكالة ولمن تقدم خدماتها من اللاجئين الفلسطينيين الذي يصل تعدادهم إلى خمسة ملايين لاجئ منتشرين في مجمل الضفة الغربية وقطاع غزة ولبنان وسوريا والأردن.

      ويشكل الأول من أيلول القادم موعدا مفترضا للتحوّل الأميركي في تقليص المساعدات المقدمة وحجب بعضها،ذلك ضمن سياسات الضغوط الممارسة على الفلسطينيين بهدف جرهم للمفاوضات مع إسرائيل دون شروط مسبقة ودون أهداف محددة من سياقات المفاوضات ،ذلك بعد الاعتراض الفلسطيني وعدم التجاوب مع المطالب الأميركية والإسرائيلية إثر القرار الأميركي بنقل سفارتها إلى القدس واعترافها بها كعاصمة لإسرائيل.

      لقد وصل التمويل الأميركي للوكالة في العام 2016 إلى 360 مليون دولار من أصل 800 مليون قدمت للوكالة. إلا أن واشنطن قلّصت مساهمتها إلى 120 مليون في العام 2017 ، وقدمت مؤخرا فقط 60 مليون دولار لموازنة 2018 وسط ضائقة مالية حادة تعاني منها الوكالة في تسيير نشاطاتها وتقديماتها التربوية والصحية والبيئة والبنى التحتية وغيرها. في الوقت الذي جمّدت أيضا الستين مليون دولار الأخرى ولأجل غير مسمى، ما يعني بشكل واضح أن واشنطن ماضية في سياسة تضييق الخناق على الوكالة بهدف ابتزاز الفلسطينيين والسلطة في غير اتجاه ومجال.

          إن مشكلة تعاطي الولايات المتحدة مع الوكالة مشكلة مزمنة منذ نشأتها وفي مختلف مراحل عملها.فقد عمدت واشنطن وفي سياسات ممنهجة إلى التعاطي مع عمل الوكالة كقضية اجتماعية وإنسانية تخص لاجئين فلسطينيين ،وليس بصفة سياسية كشعب طرد من أرضه ، وهنا يكمن بيت القصيد المتعلق بقرار حق عودة اللاجئين وفقا للقرار الدولي 194، إذ ظلت منهجية التعامل هذه سائدة مع المحاولة الدؤوبة لتكريسها كأمر واقع.

      إن تقليص حجم التقديمات الأميركية للوكالة سيرخي بتداعيات كثيرة على الواقع الاجتماعي للاجئين، لجهة الطبابة والتعليم وحتى على حجم الموظفين التابعين للوكالة ، حيث يتم التهديد بوقف عمل آلاف المتعاقدين مع الوكالة وهو ما أسمته السلطة الفلسطينية بمجزرة سترتكب بحق شريحة فلسطينية كبيرة تعمل مع الوكالة.

     في أي حال من الأحوال، إن حجب المساعدات أو تقليصها عن الوكالات الدولية المتخصصة دون مبررات قانونية ، يعتبر مخالف للشرائع الدولية الناظمة للمعاهدات الناشئة لهذه الوكالات. ورغم ذلك فقد واظبت الإدارات الأميركية المتعاقبة على السير بهذه الخطوات للضغط على الفئات المستفيدة، وبخاصة على وكالة الاونوروا،والتدقيق في هذا السلوك الأخير يظهر ربط الإدارة الأميركية لقرارها بموقف الفلسطينيين من تداعيات نقل السفارة الأميركية إلى القدس .

      الأخطر من ذلك ما ألمحت إليه  الإدارة الأميركية مؤخرا وهو العمل على إنهاء عمل الوكالة ، وهو أمر يعتبر سابقة في علاقة الدول بوكالات الأمم المتحدة المتخصصة.فمن وجهة القانون الدولي واتفاقيات الأمم المتحدة الشارعة للدول في هذا المجال، ثمة آليات لإنشاء الوكالات وتصفية عملها، وهي منبثقة في الأساس بقرارات تتخذ في الجمعية العامة ومجلس الأمن، بخاصة ما يتعلق بوكالة الاونوروا التابعة للجمعية العامة كهيئة مختصة بالإشراف. كما يعتبر من حيث المبدأ من القضايا الموضوعية التي تستلزم وجوبا موافقة الدول الخمس الكبرى على مثل تلك الخطوات وبالتالي القرار في مجلس الأمن.

      لقد ظلت قضية التمويل من القضايا دائمة الظهور في أعمال الوكالات المتخصصة وبخاصة وكالة الاونوروا، وظلت في العقود الأخيرة مركز شد وجذب تمارس من خلالها ضغوط مختلفة على الفلسطينيين للقبول بما تيسر من مشاريع المفاوضات الإسرائيلية وبرعاية أميركية،وبالتالي إن قرار واشنطن بنقل سفارتها إلى القدس، وإطلاقها مؤخرا لصفقة القرن ستكون مناسبة للضغط عبر وكالة الاونوروا بصرف النظر عن التداعيات الإنسانية الخطرة على أكثر من خمسة ملايين لاجئ فلسطيني في الداخل والشتات.