03‏/06‏/2011

فلسطين بين النكبة والنكسة

فلسطين بين النكبة والنكسة
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 2-6-2011
فيما يستعد بعض العرب والفلسطينيين لإحياء ذكرى النكسة في الخامس من حزيران، عمد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو،لتسجيل موقف ذات دلالات لافتة في صياغة المشهد الفلسطيني،عِبر جمع حكومته في قلعة داوود في الخليل،بهدف التأكيد على ما هو مؤكد من مواقف إسرائيلية تجاه القدس وحدود العام 1967 ،والمستوطنات وحق العودة وغيرها من الملفات التي باتت إرثا ثقيلا من ماضي المفاوضات وبؤسها.
أربعة وأربعون عاما،ربما ليست كافية لا بنظر العرب ولا الإسرائيليين للتأكد من أن قضية العرب المركزية، غير قابلة للطمس أو البيع أو الشراء في كواليس ودهاليز السياسات الإقليمية والدولية، وأن ثمة حاجة ملحة وضرورية لقراءة ومقاربة مختلفة للولوج في مسار السلام أو الحرب مع إسرائيل. وإلا سيقضي العرب أربعة وأربعين قرنا آخرا ،ينتظرون شريكا وهميا للسلام، لن يأتي أبدا.
وللدلالة على المشهد القاتم الذي ينتظر الفلسطينيين وما تبقى من عرب معهم، ما جرى في الكونغرس الأمريكي، حيث صُفق لنتنياهو وقوفا تسع وعشرون مرة، في أقل من أربع وأربعين دقيقة لمواقفه من ملفات السلام ذات الرعاية الأمريكية المفترضة.
على ماذا يستند العرب في علاقتهم مع رعاة السلام وبالأخص الأميركيين،ألا يكفيهم قرن بأكمله من الوعود والضغوط، ألا يكفي عقدين من زمن المفاوضات المباشرة منذ مؤتمر مدريد، ألا يكفي تعدد الوساطات والمفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل،فعلا إنها نكبة جديدة اذا لا زال العرب مقتنعين بجدوى هذه المسارات لاسترداد ما تبقى من فتات فلسطين!
صحيح أننا نحن العرب في وضع لا نحسد عليه، أنظمة متآكلة،شعوب ثائرة، أحزاب غائبة، شعارات متهالكة ،لدينا كل شيء وتنقصنا أشياء كثيرة، لكننا لا زلنا نذكر ان أرضا مغتصبة ينبغي ان تعود يوما إلى أصحابها. قبل أيام انضم الشتات الفلسطيني إلى الحراك العربي،وبلغ أحدهم وهو من الجيل الفلسطيني الثالث بلدة حيفا للدلالة على التشبث بالأرض والعودة بصرف النظر عن الإمكانات والمعطيات والمواقف.
اليوم فلسطين بحاجة إلى قراءة من نوع آخر،البحث عن وسائل القوة الكامنة في شعب قدَّم ما لم يقدمه شعب آخر لتحرير أرضه،وربما الخطوة الأولى التي ينبغي البناء عليها المصالحة بين شطري السلطة الفلسطينية،باعتبارها على الأقل استنفرت إسرائيل ومعها واشنطن حيث اعتبرتا الخطوة تهديدا للسلام الموعود إسرائيليا وأمريكيا.
ربما بات السلام الموعود أمرا واقعا بين العرب وإسرائيل، وعلى الرغم من تهديد العرب الدائم بسحب المبادرة العربية للسلام ذات الأعوام التسعة، تبقى بنظر الكثيرين ورقة ذات بُعد وظيفي لا استراتيجي، ولا تعدو كونها تذكيرية قابلة للتحريك في كل مرة يُحرج هذا الفريق أو ذاك من أطراف التفاوض.
وكما الأمر بالنسبة للسلام، كذلك الأمر للمناعة أو المقاومة ، إذ بات الأمر لدى البعض، من مخلفات اللغات الخشبية التي أكل الدهر عليها وشرب، وهي تدّعي ان خطابا جديدا ينبغي الإطلالة به على الناس ، علَّ وعسى يُقدم جديدا يكون حافزا لا مثبطا للهمم التي بات الصدأ السياسي ينخر بها بعد سبات استمر دهرا من الزمن.
في مطلق الأحوال، في عام النكبة ضاع نصف فلسطين،وفي عام النكسة تم الإجهاز على النصف الآخر، وفي الذكرى الرابعة والأربعين لم يخبئ نتنياهو ما يعده للفلسطينيين والعرب معا، أطلق رصاصة الرحمة على مشاريع السلام وسط صمت عربي مطبق ما خلا مواقف خجولة تدعو إلى سحب مبادرة السلام أو طلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية الموعود الإعلان عنها من طرف واحد.
في العام 1948 اجتهد فقهاء الأنظمة العربية لتوصيف ما جرى، فخلصوا إلى مصطلح النكبة، واجتهدوا مرة ثانية في العام 1967 ووجدوا النكسة، وفي كلا الحالتين أصابوا لكنهم لم ولن يحصلوا حتى على أجر واحد، لأن ضياع فلسطين كان بأيديهم قبل الإسرائيليين، فهل ننتظر مصطلحا آخرا أشد قسوة ووقعا على الذاكرة الجماعية للعرب.
وحدها الناشطة اليهودية الأمريكية، رائي آبيليا،خرقت ضجيج التصفيق في الكونغرس الأمريكي اعتراضا على كلام ومواقف نتنياهو من العرب والفلسطينيين، فنالت جزاءها ركلا وضربا وقمعا في مرتع الديموقراطية الأمريكية، حيث باتت الديموقراطية الأمريكية أشبه بالدول التي سمّتها مارقة. أنها مفارقة وجرأة نادرتين ان تخرج يهودية عن بني جلدتها لتصرخ بالحق الذي صمت عنه كثيرون من بني جلدتنا !