02‏/03‏/2008

السلام في آسيا

السلام في آسيا
ورقة عمل قدمت في مؤتمر الفيليبين
مانيلا 21-25 /8/2002
د.خليل حسين
مدير الدراسات في المجلس النيابي اللبناني

للسلام شروط وعناصر يجب توفرها لكي يكون فاعلا ومستمرا ، ورغم الاختلاف في الظروف بين حالة واخرى ، الا ان بعض المناطق في العالم ، تستلزم المزيد من العناية الدقيقة لبعض الاوضاع لكي يسودها الاستقرار والسلام ، خصوصا اذا ما كانت تتمتع ببعض الخصوصيات السلبية ؛ ومن هذه المناطق في العالم القارة الاسيوية ، ومن هنا ان توفر السلام والاستقرار في هذه القارة امر يستلزم الكثير من الجهد والمتابعة الدقيقة لبعض القضايا الحساسة التي غالبا ما كانت سببا مباشرا لعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي في كثير من دولها وتجمعاتها السياسية .
فالقارة الاسيوية فيها من الخصائص ما يميزها عن غيرها في الكثير من الجوانب ، فهي اكبر القارت مساحة وتعدادا للسكان ، والأكثر تنوعا في الأعراق والأجناس ، والمذاهب والأديان ، وهي مهبط الأديان ومهد الفلسفات والمعتقدات ، وفيها من الأنظمة السياسية والدستورية من كل لون وطيف، وفيها من التصنيفات الأجتماعية والأقتصادية الشرائح المتواضعة والرفيعة الشأن ، وباختصار فيها كل ما يتخيله الباحث من شتى القضايا والأفكار.
وفي المقابل ، فيها من القضايا ما يحبط العزائم والهمم ، ففيها الفوارق الاجتماعية الهائلة بين الفقر والغنى والوعي والجهل ؛ وفيها النزاعات العرقية والأتنية والقومية والدينية ما لا يخطر على البال ، وفيها الحروب والنزاعات بين الدول ما هو ضارب في عمق تاريخ أنظمتها السياسية ؛ وفيها من العلاقات الدولية بين دولها ما لا يمكن تصنيفه تحت أي تصنيف ، وفيها من الأزمات المحلية والاقليمية ما يستغل بشتى الاشكال والأحجام ، وفيها من بؤر التوتر السياسي والاجتماعي الذي يسهل اختراقه واستغلاله.
ففي مجال الارقام التي لا تشذ عنها دول آسيا ، لم يكن التفاوت في الثروات جليا كما هو اليوم ، فمداخيل واحد في المئة من سكان العالم (أقل من 50 مليون شخص) تساوي مداخيل الـ 2،7 مليارات نسمة الاكثر فقرا. وبالرغم من بعض نتائج التدارك في آسيا الشرقية وخصوصا في الصين، فإن الاتجاه هو إلى تعميق الهوة، حيث تزداد مداخيل الـ 20 في المئة الأكثر ثراء في العالم بينما تنخفض الأرقام الفعلية لمداخيل الـ 50 في المئة الأكثر فقرا. والمسؤولون في الشركات المتعددة الجنسية يتقاضون أجورا باهظة جدا تساوي مئات الالوف من الأجور الشهرية للعمال غير المتخصصين العاملين في فروع هذه الشركات في البلدان الفقيرة واغلبها في الدول الأسيوية .
وفيما يختص بإجمالي الدين الخارجي للدول النامية المئة والسبع والثمانين، بما فيها روسيا والصين، والمقدر عام 2002 بحوالى 2500 مليار. اذ بلغ الدين العام الحكومي الخارجي لمجموع البلدان النامية والتي يقطنها 85 في المئة من سكان العالم، حوالي 1600 مليار أي فقط ضعف الدين العام الحكومي لفرنسا وحدها وأقل من عشر الديون العامة المترتبة على مجموع البلدان الصناعية الغنية (18000 مليار).
وحتى نهاية السبعينات وبفضل ضعف معدلات الفائدة الحقيقية ظل الدين محتملا على المدينين بالرغم من تزايده. فلم تكن اقتصادات العالم الثالث تجد مشكلة كبيرة في التسديد لا سيما لأن أسعار منتجاتها المصدرة كانت على ارتفاع مما ولد مداخيل متزايدة. وقد حصل منعطف مفاجىء بين 1979 و1980 عندما قفزت معدلات الفوائد الحقيقية بتأثير من سياسة الاحتياطي الفيدرالي للولايات المتحدة والتي لحقت به بريطانيا. و تحول الدين بين 1981 و1982 إلى عبء يصعب تحمله على البلدان النامية. وتفجرت أزمة الديون في آب/أغسطس 1982 عندما أعلنت بعض الدول ومنها الاسيوية تعليق تسديد ديونها.
اما الاستثمارات الخارجية وفي مجال الصناعات الانتاجية على سبيل المثال مثلت الاستثمارات المباشرة عام 1998 نحو37 في المئة من "التكوين الخام لرأس المال الثابت" في الدول الغنية. وظهر الاستقرار النسبي للاستثمارات الخارجية المباشرة خلال الأزمة المالية التي عصفت بآسيا الشرقية ابتداءا من العام 1997. فبينما سحبت نسبة كبيرة من الرساميل القصيرة الأجل المودعة في تلك المنطقة، استؤنف وصول الاستثمارات الخارجية المباشرة عام 1998 باستثناء اندونيسيا التي كانت تعاني من اوضاع سياسية خاصة ، ولكن ترتبط هذه الاستثمارات في غالبية الأحوال بعمليات دمج وشراء بين الشركات على المستوى الدولي، وبمعنى آخر كانت نتيجة الأزمة أن تسببت في سيطرة الشركات المتعددة الجنسية على عدد من الشركات القائمة في الدول الاسيوية .
ان التدقيق في هذه الارقام وهي جزء يسير مما تعاني منه الدول الاسيوية بشكل عام ، تعطي فكرة واضحة عن المعاناة الاقتصادية وما تستتبعها من ازمات اجتماعية وسياسية ، الامر الذي يلقي ظلالا كثيفة على الواقع وسبل علاجاته والامكانات الواجب توفرها لذلك .
ان السلام الذي تنشده جمعيتنا البرلمانية الاسيوية هو هدف طموح ويستلزم كثيرا من الجهد والمتابعة في غير صعيد ، ويتطلب اجراءات فاعلة وجادة بهدف تخطي المصاعب اولا قبل الانطلاق في اعادة بناء السلام والاستقرار والتنمية في دول المنطقة، ولهذا0نستعرض بعض الملاحظات والاقتراحات ومنها :
- اعادة جدولة الديون الخارجية التي ترزح تحتها معظم الدول الاسيوية ، والعمل على الغاء بعضها اذا امكن ، باعتبار ان التنمية والاستقرار المالي والاقتصادي هما من دعائم السلام الاجتماعي والسياسي في اي دولة من دول العالم، وخصوصا في الدول النامية .
- تكثيف جهود الجمعية كل في اطار بلده للتشجيع على نشر روح الاصلاح المؤسساتي بهدف ايجاد بيئة اجتماعية مستقرة تسهم في نشر السلام والاستقرار في محيطها الاقليمي الاوسع.
- تفعيل دور الجمعية البرلمانية في اطار التحرك الدولي لاضفاء القوة الالزامية على قرارات الشرعية الدولية لا سيما الجانب المتعلق بقرارات الامم المتحدة بشان العديد من القضايا المزمنة في القارة الاسيوية ، ونخص بالذكر هنا الصراع العربي الاسرائيلي ، وما يشكله من مادة خصبة في التاثير على السلم والامن الدوليين وبخاصة في القارة الاسيوية، لما له من امتدادات في غير موقع ومجال.
- تفعيل دور الجمعية في مجال التخفيف من حدة التسابق على التسلح، وايجاد اطر عملية فاعلة لمتابعة نزع اسلحة الدمار الشامل وبخاصة في الشرق الاوسط، لما يشكل انجاز هذا الملف من اجواء ملائمة في نشر السلام في آسيا، اذ ان بقاء امتلاك اسرائيل لترسانة نووية وغيرها من اسلحة الدمار الشامل بما يجعلها في المرتبة الخامسة في العالم ، امر ينافي ويتناقض مع الدعوة لنشر السلام والعمل من اجله في آسيا.
- ان التحديات الناجمة عما يركب في النظام العالمي هي كثيرة بكثرة وتنوع المشاكل التي تتخبط فيها الدول النامية، ومن هنا ان دور جمعية البرلمانيين الاسيويين من اجل السلام يجب ان بكون رائدا في هذه الظروف القاسية ، سيما وان العديد من الدول الاسيوية هي مستهدفة باشكال كثيرة يصعب حصرها، بدءا بتهمة الارهاب وصولا الى التشكيك بكثير من القيم والحضارات والأديان بحجة حثها وتوفيرها البؤر المناسبة لما يسمى اعمالا ارهابية .
ان ما واجهته بعض الدول الاسيوية بعد احداث 11 ايلول 2001 ، وما ستواجهه دولا اخرى لاحقا، امر يستدعي من جمعيتنا المزيد من التنبه والدور الفاعل والجاد للحفاظ على مصالح من تمثلهم من شعوب داخل بلدانها ، باعتبار ان حماية مصالح الشعوب والامم في دولها هي مدخل للاستقرار والسلم الداخلي وبالتالي مدخلا واطارا للسلم الاقليمي والدولي الذي تنشدهما جمعيتنا.