02‏/03‏/2008

السكان والشباب والتنمية في الدول العربية


السكان والشباب والتنمية في الدول العربية
ورقة عمل مقدمة الى مؤتمر

د.خليل حسين
استاذ محاضر في الجامعة اللبنانية

بيروت : 23- 9-2002

تعتبر قضايا السكان والشباب في الدول العربية من الامور اللافتة ان لجهة التعداد السكاني ونسبة الشباب منها ، او لجهة النوعية التي تضمها لجهة الامكانات والطاقات المتوفرة ، او لجهة الموارد المادية المتوفرة في بيئتها . وبأختصار ان معظم العوامل التي تتطلبها اي عملية تنمية جادة هي متوفرة بنسب عالية اذا احسن استخدامها بالشكل المطلوب.
ففي لغة الارقام يبلغ تعداد الاقطار العربية 280 مليون في العام 2002 ، اي ما يوازي تعداد الولايات المتحدة الاميركية ، ويتراوح توزيع السكان ما بين 68 مليون في مصر و 565 الف في قطر ؛ وتتمتع الاقطار العربية بأعلى نسبة في العالم بمعدلات الشباب بين سكانها ، اذ تبلغ 38 بالمئة من مجموع السكان والذين تقل اعمارهم عن الرابعة عشر، اي بمعنى آخر تعتبر الامة العربية من الامم الفتية غير الهرمة ، ومن المتوقع ان يصل تعدادها الى ال 400 مليون في العام 2022 . وفي لغة الارقام ايضا ازداد المعدل العمري العربي حوالي الخمسة عشر سنة في العقود الثلاثة الاخيرة ، وانخفضت معدلات الوفيات بين الاطفال الى الثلثين في نفس الفترة تقريبا.
اما لجهة مدخول الفرد فهو اعلى من اي منطقة نامية في العالم رغم ضآلته مقارنة مع ما يجب ان يكون عليه ، وقد بلغ الناتج الاجمالي 531 مليار دولار ، اذ ان عشرين في المئة لا يزالون يعيشون بمعدل دولارين في اليوم الواحد ، وخلال العشرين سنة الماضية لم يتجاوز الدخل الفردي نسبة الارتفاع سوى 0,5 بالمئة ، وهو رقم متواضع عمليا ويتوازى مع النسب نفسها او اعلى قليلا مع النسبة في بعض الدول الافريقية .
وفي مقابل ذلك تشير الاحصاءات الى ان الفرد العربي يحتاج الى 140 سنة لمضاعفة مدخوله في الوقت الذي يحتاج غيره من الافراد في مناطق اخرى الى عشر سنوات فقط ، كما تبلغ نسبة البطالة بين السكان القادرين على العمل في الاقطار العربية ال 15 بالمئة اي ما مجموع 12 مليون شخص، ومن المتوقع ان تصل الى حدود ال 25 مليون مع حلول العام 2010 اذ استمرت الاوضاع الحالية في التدهور . وعلى الرغم من ان نسبة الانفاق على التعليم في الدول العربية هي عالية مقارنة مع غيرها من الدول ، فلا يزال هناك 65 مليون امي من بين الراشدين والثلثين منهم نساءً ، وهو رقم عال في امة فتية وتطمح الى النمو والتقدم . اما الهجرة فلها وجهها الخاص المخيف والتي تشكل معضلة كبيرة خاصة بين الفئات المتعلمة وصاحبة المهارات الخاصة .
ان قراءة الارقام بقدر ما هي ممتعة وتدل على واقع معين ، فهي في نفس الوقت يمكن ان تؤشر الى اتجهات مخيفة في احيان كثيرة وتكاد تصيب بالاحباط ؛ موارد وامكانات مادية وبشرية هائلة ، وفي المقابل فقر وجهل وامية ؛ تطلعات وآمال طموحة ، ومعوقات تكاد لا تحصى ؛ ارادة وقدرة على تجاوز الواقع تقابلها عوامل ذاتية وموضوعية مثبطة .
جملة تساؤلات تطرح نفسها بقوة وتبحث عن اجوبة ابرزها : ما هي الاسباب الحقيقية للواقع السكاني والشبابي العربي ؟ وكيف يمكن الخروج من الحلقة المفرغة وبخاصة القضايا المتعلقة بالشباب العربي الذين هم امل الامة ومورد بقائها ؟
في الواقع ان الشعور بالانتماء الى اي مجتمع او نظام سياسي هو مرتبط بشكل مباشر بتوفير الاسباب والبيئة التي تجعل الفرد منفتحا على واقعه ومتحمسا لتغييره او تطويره وعدم شعوره بالخوف من الغد ومن المصير المجهول ، وهي امور للاسف تحيط بالشباب العربي على نطاق واسع بمختلف فئاته وتطلعاته ، وأمر من شأنه ان يعيد النظر بالكثير من مفاهيمه واسلوب تفكيره وسلوك حياته . اي باختصار ، ان الامر يحتاج الى تغيير جذري في مستوى التعاطي مع هذه الفئة ومتطلباتها واحتياجاتها.
ان الباب الابرز الذي يمكن الدخول منه الى حل معظم المشاكل التي يتخبط بها الشباب العربي ، هو باب المشاركة الذي يفتح له آمالا وافاق جديدة في صناعة واقعه وصياغته وفقا للوجهة الذي يريد وبما يتوافق مع تطلعاته واحلامه .فالشباب العربي الذي يشكل شريحة واسعة وهامة في مجتمعه الواسع هو مهيأ اكثر من غيره على تطوير اوضاعه ، نظرا لفهمه لهذا الواقع من جهة ، ولما يشكل هذا الطموح من اهمية لديه من جهة اخرى ؛ وبكلام آخر ان الكثير من القيم والمفاهيم كالديموقراطية والحرية هي مجالات هامة للشباب العربي لتطوير اوضاعه ، وبخاصة المجالات المتعلقة بالتمثيل وتداول السلطة وغيرها من المسائل التي يبحث عنها بقوة.
وكما العمل او المشاركة في العمل السياسي ، فهناك الجانب العملي من الموضوع ، والمتمثل بتوفير فرص العمل اللائقة للاجيال ، بحيث يشعر الشاب العربي بأنه يعيش بكرامته ومن قدراته العلمية والعملية ، وأنه ليس عبئا على احد او متروكا لقدره، سيما وان نسبة عالية جدا من الشباب العربي يتمتع بكفاءات عالية جدا واختصاصات هامة تؤهله لان يكون فاعلا في محيطه وبيئته ، والا سيكون عرضة للجذب الخارجي الذي يؤمن له الامتيازات التي يفكر بها ، وهي احدى مآشسي الشباب العربي الباحث عن الفرص البديلة خارج مجتمعه وبيئته.
وجها ’خر لخروج الشاب العربي من ازمته ، تكمن في توفير فرص التعليم العالي ذات الاختصاص الجاذب لمتطلبات الحياة ، وهنا تكمن مشكلة البحث عن الخارج بهدف التعلم وبالنهاية يبقى بعيدا عن موطنه والمكان الذي بحاجة فعلية له، ومن هنا ان توفير التعليم ذات الاختصاصات الجاذبة ، وتوفير التطبيق العملي لها كما اسلفنا ، تشكل بؤرة هامة للشباب العربي لان يبقى في بيئته .
ان للشباب بشكل عام متطلبات اكثر من ان تحصى ، نظرا لطبيعة تفكيرهم وميولهم وطموحم، فكيف بالشاب العربي الذي يكاد بحاجة الى كل شيء ، فمن الطبيعي ان تكون آماله وطموحاته كثيرة ، ومن الطبيعي ان يكون هناك عجز لتلبيتها بسرعة ، الا ان المطلوب ان يبدا التفكير بمشاكله واسبابها لكي يسهل حلها، وهنا من المفيد كما سبق وذكرنا البدء في الاولويات التي ينظر اليها ، كقيم الحرية والديموقراطية عبر مشاركته في الحياة السياسية في بلده ، وهنا يجب العمل على تخفيض سن الاقتراع والترشيح للمناصب العامة بهدف توفير المشاركة الفعلية لاكبر نسبة من الشباب العربي الطامح الى ممارسة دوره وحقه .
وكذلك الامر ، ان تخطي الشاب العربي لموضوع الخوف من المستقبل هو المفتاح الاساس لانطلاقه بشكل فاعل في محيطه، فالخوف من عدم الاستقرار يولد سلوكا نفسيا متهورا وقابلا للاستثمار في اتجاهات سلبية مدمرة ، ومن هنا تأمين فرص العمل والدخل الطموح والسكن ، ومقومات بناء الاسرة ، جميعها هواجس تقض مضجع الشباب العربي المتحمس للحياة الكريمة ، التي يعتبرها حقا من حقوقه الذي سبقه عليها شباب مجتمعات كثيرة لا تتوفر لديها الطاقاعت والامكانات التي لديه .