03‏/03‏/2008

السياسات العامة الزراعية ومشاكلها في لبنان

السياسات العامة الزراعية ومشاكلها في لبنان

د.خليل حسين
أستاذ في كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية
بيروت 17-4-2001

بداية من الصعب فصل السياسات العامة الزراعية في مطلق دولة عن فلسفة النظام الاقتصادي والمالي لهذا البلد ، و ينطبق هذا الامر على لبنان الذي اتخذ النظام الاقتصادي الحر نهجا لاقتصاده .وعلى الرغم من ان غالبية الدول المتطورة قد اتخذت منهجا متوازنا في الاتكال على كافة القطاعات الاساسية في الدولة لجهة تنمية مواردها وامكاناتها ، الزراعية والصناعية والتجارية وغيرها ، الا ان لبنان ظل يميز اتكاله بشكل عام على القطاع الثالثي أي قطاع الخدمات عن غيره من القطاعات .
وبما ان وضع لبنان في بداية استقلاله وما رافقه من ظروف اقليمية قد ساعده على هذا الدور الا ان العديد من المتغيرات الحاصلة تستوجب اعادة النظر بالعديد من الاسس الاقتصادية التي يقوم عليها الاقتصاد اللبناني حديثا .
اولا : القطاع الزراعي والسياست الرسمية
كما اسلفنا لم تأخذ الزراعة القسط الوافر من الاهتمام المطلوب من الاستقلال وحتى اليوم على الرغم من ان الاحصاءات تشير الى امكانات مهمة في حال استغلت بالشكل الصحيح ، فقد انخفضت حصة الزراعة من الناتج المحلي من 20 بالمئة عام 1950 بالرغم من استيعابها حوالي 50% من اليد العاملة الى 9% في اواخر الثمانينيات رغم استيعابها حوالي 20% من اليد العاملة ، في الوقت الذي سجل قطاع الخدمات نموا مضطردا وصل الى ثلثي الناتج المحلي في منتصف السبعينيات .
فالقطاع الثالثي استحوذ على نصيب وافر من الاهتمام الرسمي وسياسته العامة انطلاقا كما اسفنا من الدور الذي لعبه لبنان في ظل المقاطعة العربية لاسرائيل وما نجم عنها من دور وسيط للبنان في حركة الترانزيت من الغرب الى الشرق ، اضافة الى الميزة المصرفية التي يتمتع بها لجهة السرية المصرفية التي ساعدت بشكل او بآخر على جذب رؤوس الاموال للاستثمار في الداخل ، فلهذه العوامل ولغيرها ، انعكست سلبا على القطاع الزراعي بشكل خاص .
فوزارة الزراعة لم يتعد نصيبها من الموازنات العامة في احسن الاحوال ال1% منذ العام 1992 وحتى العام 2001 ان لم يكن اقل من ذلك ، اما الجهة القروض الزراعية فلم يتعدى نصيبها ال 3% من مجمل البروتوكولات المعقودة، كما ان الاستفادة العملية من هذه القروض لم تتعد ال7 ,0 % .
اما لجهة المشاكل التي تعاني منها الوزارة فهي متعددة ومتنوعة وابرزها :
- غياب الخطط الطويلة الاجل ذات البعد الاستراتيجي .
- التغيير الجذري الدائم في اولويات الوزارة واهتماماتها مع تغيّر الحكومات والوزراء .
- النقص الكبير لجهة التنسيق بينها وبين سائر الوزارات في الدولة لا سيما الوزارات ذات الصلة .
- النقص الكبير في الجهاز الاداري لا سيما الملاك حيث يبلغ النقص اكثر من 50% ، كما ان الفاعلية الانتاجية وجدوى الانتاج يقل عن النصف .
- الرواتب المتدنية والمتواضع في سلسلة رواتب الاجهزة القيادية في الوزارة حيث لا يتعدى راتب المهندس الزراعي الخريج من الجامعة الاربعمائة الف ليرة والاختصاصي حامل درجة الدكتوراه الستماية الف ليرة لبنانية ، الامر الذي لم يساعد على اجتذاب اصحاب الكفاءات العالية الى وظائف الوزارة .
ثانيا : آثار الاهتمام بالقطاع الزراعي
في الواقع لقد عمدت الدول النامية الى الاهتمام بالقطاعات الزراعية بشكل عام للحد من الكثير من المشاكل المتأتية عنه، للعديد من الاعتبارات ، ويبقى لبنان مثلا واضحا على سلبية تعامله مع هذا القطاع كما اسلفنا، مما انعكس على امور كثيرة كالهجرة من الريف الى المدن وتوسع احزمة الفقر ونشوء فئات اجتماعية هامشية على مستوى الانتاج الوطني وزيادة البطالة الظاهرة والمقنعة ؛ فعلى سبيل المثال بلغ مجموع قاطني العاصمة في فترة الستينيات حوالي ال 20% وارتفع قبيل حرب 1975 الى ال 60% ، كما ارتفعت نسبة العائلات التي تسكن منازل مكتظة من 22% الى 55% قي نفس الفترة .
ان الاهتمام بالوضع الزراعي وحل مشاكله يؤدي الى العديد من المزايا المهمة ابرزها :
- رفع المستوى المعيشي بين المزارعين وتخفيف الفوارق القوية في المداخيل بين الريف والمدينة الامر الذي يساعد بشكل مباشر على التخفيف من ظاهرة الهجرة الداخلية غير المبررة عمليا ، وقد قدرت منظمة الاغذية والزراعة ( الفاو) دخل المزارع في لبنان حوالي ثلث دخل الفرد في لبنان .
- تحقيق اكبر قدر ممكن من الامن الغذائي للبنان ، اذ ان لبنان يستورد اكثر من 85% من حاجاته الغذائية في الوقت الذي بامكانه انزال هذا الحد الى النصف ان لم يكن اكثر من ذلك في حال استغل الثطاع الزراعي كما يجب .
- ان الحد من استسيراد المواد الغذائية يؤدي الى تخفيف العجز في الميزان التجاري اللبناني ، الامر الذي يساعد على توفير العملة الاجنبية الواردة مما يساعد على تحصين العملة الوطنية .
- المساعدة في حل مشكلة التهجير القسري خلال سنوات الحرب واعادة القسم الكبير من سكان الريف الى مناطقه الاساسية ومساعدته على تفعيل زراعاته واستصلاح اراضيه واستغلالها بشكل جيد .
ان تنوع الاراضي في لبنان يعطي ميزة فضلى للاستثمار الزراعي ، اذ تمتد السهول الخصبة 220 كلم على طول الشاطىء ، اضافة الى سهل البقاع الذي يشكل حوالي ثلث الاراضي الزراعية الهامة ذات المردود العالي ، كما ان تنوع واعتدال المناخ في لبنان يساعد عل تعدد المواسم الزراعية ، وتفيد بعض الاحصاءات الى ان الاراضي الزراعية تبلغ حوالي30000هكتار منها21% ذات انتاجية جيدة و12% ذات اناتجية ممتازة وعالية الجودة .
ويزيد من اهمية تطوير القطاع الزراعي في لبنان كميات المياه الجوفية الهامة والتي تقدر بحدود خمسة مليارات متر مكعب اغلبها لا يستغل بالشكل اللازم ، حيث لا تبلغ المساحات الزراعية المروية اكثر من 6900هكتار أي اقل من ربع الاراضي الزراعية ، وتشير الدراسات الى امكانية تطوير الانتاج الزراعي في لبنان الى اكثر من 50% نظرا للطلب على الغذاء على الصعيدين المحلي والعربي ، اذ تعتبر نسبة زيادة السكان في المنطقة العربية من بين الاعلى في العالم .
ثالثا : مشاكل القطاع الزراعي في لبنان
ان تطوير القطاع الزراعي في لبنان يتطلب التغلب على الكثير من المشاكل البنيوية التي يتأثر فيها القطاع الزراعي في لبنان ، والتي يمكن ادراجها ضمن ثلاث فئات هي ، التسليف والتسويق والملكية الزراعية .
أ – التسليف
ان قضايا التسليف الزراعي تعتبر من المشاكل الاساسية لهذا القطاع وخصوصا للمزارعين الصغار والمتوسطين ، لا سيما الفشل الذي مني به قطاع المصارف المتخصصة في هذا المجال لجهة القروض الطويلة والمتوسطة الاجل ، مثال بنك التسليف الزراعي والصناعي والتجاري ، والتجمع الوطني للتسليف التعاوني ، وبنك التسليف التعاوني ؛ اما المصارف التجارية والتي يفوق عددها المائة والفروع الكثيرة في الاقضية والمحافظات كافة فلم تتعد تسليفاتها الزراعية الاربعين مليون دولار خلال العام 1993وذهبت بمعظمها الى كبار المزارعين , ويعود الخلل في هذا المجال الى عدة اسباب ابرزها :
- بنية الاقتصاد اللبناني وتركيبة المصارف اللبنانية التجارية وميلها تاريخيا الى الاستثمار الخارجي لوفرة ارباحة مقارنة مع الاستثمار الداخلي ، ففي احسن الاحوال لم تتعد نسبة التسليف الزراعي من مجمل التسليفات الداخلية 0,5 % بينما تعدت التسليفات لقطاع الخدمات نسبة 85% .
- الكلفة العالية لادارة القروض الزراعية في لبنان لا سيما ما يتعلق بصغار المزارعين , وكذلك الخبرة المتواضعة للمصارف في هذا المجال .
- كثرة المخاطر التي يتعرض لها هذا القطاع اضافة الى ضآلة الارباح وانعدام المنافسة في التسويق الخارجي .

ب- التسويق
يعاني التسويق الزراعي داخليا وخارجيا من العديد من المشاكل ابرزها :
- التقلبات الحادة في الاسواق وعدم ارتكازها على اسس منطقية علمية يمكن تفاديها .
- انعدام وجود الطرق التسويقية الداخلية والخارجية لتفادي تقلبات الاسعار والحد منها .
- عدم الازدهار في مجال التصنيع الغذائي الذي بامكانه امتصاص الجزء الاكبر للمحاصيل الزراعية القابلة للتسويق .
- النقص الحاد في وسائل التخزين الزراعي كالتبريد والتعليب وغيره ، ما يدفع المزارع الى التخلص السريع من انتاجه الامر الذي يبعده عن عامل المنافسة لجهة الاسعار في السوقين المحلي والخارجي .
- انعدام المنافسة تقريبا بين الشركات المهتمة في استيراد المواد والآلآت الزراعية الامر الذي يزيدها تحكما في اسعلر هذه السلع ، مما ينعكس سلبا على المزارع ؛ اضافة الى تحكم هذه الشركات بوسائل التدريب ان وجدت وامكانات الاقراض الزراعية اذا توفرت ايضا .
- سياسة الحدود المفتوحة وعدم حماية المنتجات الزراعية ، واغراق الاسواق بالمنتوجات الخارجية المدعومة كثيرا في بلد المنشأ ، الامر الذي يؤثر بشكل سلبي وكبير على الاسعار المحلية .
ج- الملكيات الزراعية في لبنان
يعاني هذا الجانب من مشاكل كثيرة ابرزها :
- التركيز الحاد في الملكيات الزراعية ، حيث تشير احصائيات 1970 ( وهي بالتأكيد الآن اعلى بكثير لما لدور الوراثة من عامل سلبي فيه ) الى ان 65% من الملكيات الزراعية لا تتعدى الهكتارين للملكية الواحدة وهي تمثل 10% من الاراضي الزراعية ، في حين تصل 12% من الملكيات الزراعية التي لا تتجاوز مساحتها 10 هكتارات للملكية الواحدة والتي تمثل 60% من الاراضي الزراعية في لبنان .
- ان صغر الملكيات الزراعية المستثمرة يحد كثيرا من انتاجيتها العالية ، حيث الكلفة العالية بسبب عدم وجود مشاريع كبيرة للري وغيرها من الامور المتصلة .
- عدم وجود الثقافة الزراعية ووسائل تطويرها للمزارع .
- ارتفاع المضارابات على الاراضي الزراعية في لبنان خصوصا في الثمانينيات ، الامر الذي ادى الى تقلص الملكيات الزراعية بشكل حاد وأثرّ بشكل مباشر على هذا القطاع .
رابعا : مقترحات لانماء الزراعة في لبنان
هناك العديد من الامور العاجلة التي يجب العمل عليها لتفادي الاسوأ في هذا القطاع ويتمثل في :
- تحديد دور لبنان في المنطقة وعدم الرجوع الى الفلسفة البائدة لجهة دور لبنان في المنطقة والاعتماد على الخارج وترك الامكانات الداخلية ومنها القطاع الزراعي .
- انماء المناطق الريفية وتشجيع العودة اليها عبر توفير السبل المحفزة للعودة اليها والعمل فيها .
- وضع السياسات الكفيلة وامكانية تنفيذها بما يتوافق مع تلافي المشاكل الآنفة الذكر والعمل على حلها .
- دعم القطاعات المنتجة او القابلة للانتاج ومنها القطاع الزراعي ، ومشاركة الشرائح الاقتصادية والاجتماعية والمتخصصة ذات الصلة في هذا المجال ، عبر نقاشات معمقة وقابلة للتنفيذ لتحديد اولويات الانماء العام وبخاصة انماء القطاع الزراعي الذي يستلزمه الكثير من الامور لكي ينطلق على اسس علمية وعملية .