02‏/03‏/2008

حول العريضة النيابية إلى مجلس الأمن وتداعياتها لمجلة

نص مقابلة حول العريضة النيابية إلى مجلس الأمن وتداعياتها لمجلة الشروق

د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية

س - ما هي القيمة القانونية للعريضة النيابية المقدمة إلى مجلس الأمن برأيكم؟
ج - من حيث المبدأ تعتبر العريضة المقدمة للامين العام للأمم المتحدة من الناحية الدستورية والقانونية لا قيمة لها،باعتبارها صادرة عن سلطة غير ذي صلة بالموضوع المقدم.فمن الناحية الدستورية والقانونية يعتبر رئيس الجمهورية صاحب الصلاحية في التفاوض مع الجهات الخارجية وفقا لنص المادة 52 من الدستور،إضافة إلى أن العلاقة في الأساس مع الأمم المتحدة هي من اختصاص إجرائي، المتمثل في هذه الحالة بالحكومة وتحديداً بوزارة الخارجية،أما الأمر الثالث فإن صلاحية مجلس النواب تُختصر فقط في الإبرام النهائي إذا كانت المعاهدة ترتّب أعباءً مالية على الدولة ولها أصول وآليات حددها الدستور والنظام الداخلي لمجلس النواب.لذا فإن العريضة المقدمة لا محل لها من الإعراب القانوني،فهي ليست ملزمة للأمين العام للأمم المتحدة ولا لمجلس الأمن. وفي أحسن الأحوال لا يمكن البناء عليها إلا من وجهة سياسية بحتة يمكن أن تؤخر إقرار المحكمة ولا تستطيع تقديمه. أما من الناحية السياسية يمكن قراءة العريضة على أنها إعلام الأمين العام بأن نصاب إقرار المحكمة في المجلس النيابي هو مؤمن من الناحية العملية بسبعين نائبا،والدعوة إلى إقرار نظام المحكمة بعيدا عن المعاهدة الموقعة بين الحكومة والأمم المتحدة.

س – برأيكم ما هي خلفيات هذه العريضة؟
ج - من الواضح أن مجلس الأمن يصدر قراراته ضمن إطارين محددين في الميثاق ألأممي، فوفقا للفصل السادس يتطلب تطبيق أي قرار صادر عن مجلس الأمن موافقة الأطراف المعنية به.فيما القرار الصادر وفقا للفصل السابع يعتبر ملزما لكافة الدول العمل على تطبيقه إضافة إلى الأطراف المعنية به.ومن هذا المنطلق إن أولى الخلفيات موجها إلى الدول التي لا تعتبر نفسها معنية به.ولو استثنينا الدول العشر التي تمَّ توصيفها بأنها غير متعاونة في تقرير المحقق الدولي سيرج برامرتز ،فإن سوريا هي المعني الأول به.فعلى الرغم من ذكر التقرير السالف الذكر بأن التعاون السوري كان مقبولا،فإن تصريحات معظم قياداتها تشير بشكل واضح وصريح إلى أن سوريا غير معنية بالمحكمة وليست طرفا فيها،وبالتالي إن السلطات القضائية السورية هي صاحبة الصلاحية بمحاكمة أي مسؤول إذا ثبتت التحقيقات إدانته.وعليه إن العريضة المقدمة من الغالبية النيابية اللبنانية من الصعب فصلها عن هذا الهدف بالذات باعتبار أن إقرار المحكمة ونظامها في الحدود القانونية الحالية لا يلزم سوريا في مراحل لاحقة وإن كان مبدئية إنشاء المحكمة اتخذ في القرار 1644 وفقا للفصل السابع من ميثاق المنظمة.وفي أي حال إن إقرار المحكمة في الفصل السابع يعني فيما يعني وضع سوريا في مواجهة مجلس الأمن بشكل مباشر،ويجبر سوريا على قول كلمتها في شأن المحكمة بعدما أوضحت أن لا ملاحظات لديها وأن توجّسها يكمن في استهداف بعض الأطراف اللبنانيين من حلفائها في عملية الاغتيال.

س – هل ثمة ربط بين إقرار المحكمة ضمن الفصل السابع وقوات الطوارئ الدولية في جنوب لبنان؟
ج - ثمة توجّس وخوف كبيرين بأن إقرار المحكمة في الفصل السابع سينسحب على الوضع القانوني لقوات الطوارئ في جنوب لبنان، ربطا بسوابق مماثلة على الصعيد الدولي وان اختلفت تسمية ونوعية المحاكم.فجميع القوات التي أنشأت في يوغسلافيا السابقة وراوندا وتيمور الشرقية والتي ترافقت مع محاكم دولية خاصة ومختلطة أنشأت استنادا إلى الفصل السابع،بتبريرات متنوعة ومختلفة وبخاصة حماية حقوق الإنسان وتحقيق العدالة في جرائم مماثلة.إن الحالات السابقة السالفة الذكر لم تمكن أصحابها من الوصول إلى الأهداف المرجوة وبخاصة في قضية سلوفودان ميلوسوفيتش، فيوغسلاقيا قُسمت قبل أن يتوفى هذا الأخير في سجنه وقبل صدور أي حكم بحقه.وعطفا على ما سبق إذا ما تمَّ هذا الربط والوصل سيجعل من لبنان بلدا مكشوفا على الضغوط الإقليمية والدولية باختلاف أشكال وألوان المصالح المتدخلة والمتداخلة فيما بينها والقادرة بشكل أو بآخر على استثمار واقع ووقائع الظروف المستجدة وبخاصة في جنوب لبنان وشرقه.
س – كيف يمكن الإقرار وهل ثمة تغييرات يمكن أن تنسحب على نظام المحكمة؟
ج - إن تداعيات كثيرة ستظهر في حال تمَّ الإقرار في الفصل السابع منها ما يتعلق بأوضاع المحكمة نفسها ونظامها الداخلي أو لجهة مصير بعض الملفات المرتبطة داخليا.ففي الشق الأول،يمكن لمجلس الأمن وفقا لقراراته السابقة لا سيما القرار 1644 إقرار نظام المحكمة وفقا للفصل السابع مع الإبقاء صفة المختلطة،أي قضاة لبنانيين ودوليين،إلا أن ثمة ضرورات لتعديل بعض بنود النظام الأساسي للمحكمة بحيث تحرم السلطات اللبنانية من هامش المشاركة النسبية الممنوح في النظام الأساسي.وإما إقرار مجلس الأمن لنظام المحكمة في الفصل السابع أيضا وتطبيق القانون الدولي فقط وعندها يكون الأمر اقرب إلى إنشاء محكمة دولية خاصة كالسوابق التي ذكرناها آنفا.وفي هذه الحالة الأخيرة سيخرج الموضوع كليا من يد اللبنانيين.

س – هل ثمة تداعيات داخلية ؟
ج - في الجانب الداخلي من التداعيات يمكن رصد ثلاث حالات رئيسة،تتعلق الأولى بإطلاق رصاصة الرحمة على الحوار الذي جرى سابقا بين رئيس مجلس النواب ورئيس الأغلبية النيابية،إذ بات موضوع الحوار منتهيا من أساسه،وبات يتطلب أي متابعة حوارية جدول أعمال مختلف لجهة الموضوعات وطرق الربط والوصل الممكنة بينها.فحكومة الوحدة الوطنية التي تطالب المعارضة بها باتت قضية منفصلة عن موضوع المحكمة ونظامها،وبالتالي أي متابعات أخرى ستفرض شكلا جديدا من المطالب التي تبدو أشد تعقيدا من حكومة الوحدة الوطنية ومنها الانتخابات النيابية المبكرة على سبيل المثال. ثاني التداعيات الداخلية سيكون حجم التأثير على أهداف الاعتصام الذي ربط بشكل أو بآخر بإمكانية أجراء تعديلات ما على نظام المحكمة مقابل انهاء الاعتصام، وهذا ما عمل عليه في الأساس أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى في جولاته السابقة. النقطة الثالثة تتعلق بانتخابات رئاسة الجمهورية إذ أن نقل الموضوع لمجلس الآمن يعني فيما يعنيه أن هذه الأكثرية هي صاحبة الحق ألحصري في تحديد التكييف القانوني لآلية انتخاب الرئيس المقبل،وإلا ستكون الحكومة الحالية هي الوريثة لصلاحيات رئيس الجمهورية في حال تعذرت عملية الانتخاب.

س – كيف تستشرفون آفاق المرحلة القادمة؟
ج - لا شك بأن مجمل القضايا ذات الصلة بالمحكمة ونظامها الأساسي قد بات اليوم أكثر تعقيدا من أي وقت مضى،وبالتالي قد فتحت الأمور على مصراعيها بحيث لم يعد بالامكان الرجوع إلى الوسائل التقليدية السابقة كجلسات الحوار أو التشاور أو الحوارات الثنائية من دون تغيير واضح وجذري في وسائل الضغط المتبادلة.وفي أي حال يبدو أن الأمر متعذر حتى الآن رغم السعي الأمريكي الفرنسي الجاد،إذ ثمة معارضة روسية صينية واضحة ما يعني أن حق الفيتو وسيلة قابلة للرد ، ووسط تصريحات واضحة أيضا من قبل الأمين العام للأمم المتحدة الداعية لإقرار نظام المحكمة وفقا للأطر الدستورية اللبنانية.