03‏/03‏/2008

السياسة الإعلامية وقضية المتعاملين مع الوزارة


السياسة الإعلامية وقضية المتعاملين مع الوزارة
وإغلاق تلفزيون لبنان
د.خليل حسين
الجمعة :9-3-2001


بداية يطرح السؤال نفسه بقوة وهو هل ان الدولة باتت عل قاب قوسين او ادنى من استراتيجية اعلامية او على الاقل تصورا اعلاميا ضمن سياسة عامة تحاول رسمها ان من خلال البيان الوزاري بشكل مباشر او من خلال بند من بنود البيان الوزاري ؟.
في الواقع ان التدقيق في بيان الحكومة لا يعطي انطباعا بان للدولة تصورا اعلاميا لاجهزة الاعلام التي تمتلكها ، ولا حتى رؤية واضحة لما يمكن ان يلعبه الاعلام الرسمي في حياة اللبنانيين اليومية .
صحيص ان هناك ثورة اعلامية هائلة اتخذت اشكالا واحجاما وصورا كثيفة في نهاية القرن الماضي الامر الذي ادى في كثير من الحالات الى تراجع الدولة عن قيادة هذه الوظيفة الاعلامية لصالح الشركات والمؤسسات الخاصة للعديد من الاعتبارات التي سنذكر بعضها لاحقا ، الا ان الصحيح ايضا انه لا زال للدولة اثرا هاما في توجيه السياسات الاعلامية للدولة وان تنحّت عن قيادته وهذا ما يجب تداركه في بداية الامر وقبل أي بحث آخر .
ومن هذا المنطلق نطرح عدة تساؤلات في هذا الاطار تساعدنا على تلمس بعض الحقائق المغيبة عن هذا الملف الهام الذي بات يمس مئات العائلات برزقها بشكل مباشر ومئات آلالف اللبنانيين برؤيتهم الاعلامية تجاه بعض القضايا الحساسة للدولة والمجتمع والشعب في آن معا . اما ابرز هذه التساؤلات فهي :
- هل ان صرف العاملين في تلفزيون الدولة اللبنانية سيحل المشكلة؟
- هل ان صرف المتعاملين مع وزارة الاعلام ستحل الازمة ؟
- هل صحيح ان هناك فائضا في الاعلام ام لا ؟ واذا كان هنالك من فائض فمن هو المسؤول عنه ؟
- واذا كان هناك من حاجة لصرف البعض ما هي آلية اختيار الفائضين وهل ان هناك سياسة او آلية معتمدة لذلك ام ان هناك اسلوبا استنسابيا في اختيار الفائض اذا صح التعبير ؟ .
- وهل ان الهدر في المال العام هو الاعلام وحده ام ان هناك مطارح اخرى لهذا الهدر الكبير ؟
- وهل ان الفائض يقتصر على الاعلام وحده ام انه موجود في كل الوزارات والمؤسسات العامة ؟
- وهل ان هذه الخطوة ستليها خطوات اخرى ام ستكون يتيمة وبالتالي ما هي خلفيات هذه الخطوات المجهولة الافق ؟
- وهل صحيح ان الاصلاح الاداري بدايته اصلاح اداري ام شيئ آخر؟ وبالتالي هل يمكن فصل الاصلاح الاداري عن الاصلاح السياسي بشكل عام ؟
- واذا كان هناك ثمة حاجة قوية للاصلاح وايقاف الهدر والسرقة والمحسوبيات في سائر قطاعات الدولة ، فهل هناك من الاجهزة الموثوقة القادرة على القيام بهذا العمل ؟
- واستطرادا ماهي عدد محاولات الاصلاح والاوراق والمشاريع التي طرحت في تاريخ لبنان المعاصر بشكل عام وبعد الطائف بشكل خاص ؟
ربما تكون اسئلة كثيرة وكبيرة في آن معا ،الا ان الاجابة عليها تعطي فكرة واضحة عن الخلفية التي يتم التعاطي مع ملف الاعلام في لبنان وعن رؤية الحكومة لهذا الملف الشائك الذي بات عمره من عمر الازمات اللبنانية المتعددة الاسباب والاشكال والالوان .
اولا : الاعلام في الدولة الحديثة
تأتي عادة وزارة الاعلام في مطلق دولة في الصف الاول بين الوزارات ذات الشأن ، وأن لا تصنف عمليا من الوزارات السيادية الا ان اهميتها تكمن في ان الاعلام يعتبر سلطة رابعة ولو معنويا الى جانب السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية في الدولة ، ولذا تكتسب هذه الاهمية لجهة دورها وموقعها في رسم الاطر العامة لسياسة الدولة تجاه ما يهمها من قضايا .
واذا كان الامر بهذه الاهمية ، فان الاهمية الزائدة لنفس الموضوع تكمن في الدول التي تحيط بها قضايا تستلزم رعاية اعلامية ومثال ذلك لبنان كقضايا الصراع العربي - الاسرائيلي وما يحمل من افكار ومسائل ذات صلات وثيقة بالدعاية والاعلام والاعلان .
وربما يطرح تساؤل بهذا الاتجاه حول حدود رعاية الدولة لهذه الملفات مجتمعة ، وهل ان التطور الحاصل على صعيد المعلومات ونقلها يستلزم الالتزام بنمط معين من الاعلام لخدمة هدف محدد او اتجاهات معينة ؟ يقول بعض المنظرين للعولمة ان الثورة المعلوماتية قد اثرت سلبا على وجوب رعاية الدولة للاعلام وان سرعة تداوله اضافة الى الانفتاح الهائل قد ادى الى تغيير الكثير من المفاهيم التقليدية لابتعاد الدولة عن الكثير من المسائل التي كانت تقوم بها .
وفي مقابل ذلك نجد تيارا آخر يعاكس هذا المفهوم ويصر على ادارة الدولة بشكل كامل للاعلام باعتباره عملا يخدم تطلعات المجتمع واهدافه وقيمه ومثله العليا ، ورغم ارجحية هذا الرأي لجهة الادلة والقرائن فان العديد من الامور التي يجب ان تؤخذ بعين الاعتبار ، كمشاركة بعض المؤسسات في تنفيذ سياسة الدولة الاعلامية وافساح المجال للحرية الاعلامية باتخاذ مساحات اوسع في حركتها العملية وبشكل يبعده عن الضغوط والمساومات التي تفقدها بريقها واسسها .
ومن المنطلق السابق نلاحظ ان العديد من الدول قد اتخذت هذا الاتجاه لجهة اشراك الغير في تنفيذ سياستها الاعلامية ، عبر انشاء مجالس ومؤسسات اعلامية تشارك مباشرة حتى في طرح الافكار القابلة للتطبيق في الاطار العام لسياسة الدولة الاعلامية .
ونظرا لخصوصية الحرية في لبنان وما يستلزمها فان الاعلام ووسائله قد تمدد بغير اتجاه ان لجهة العدد او حتى النوع والاتجاه ، الا ان الامر الاساسي في هذا الموضوع ان حرية الاعلام باتت من المقدسات عند اللبنانيين والمسّ فيها يعتبر مسا بمواضيع خطيرة تدخل في اسس الكيان والانتماء .
لذلك نرى تضخما ظاهرا في وسائل الاعلام الخاصة في لبنان ان كان المرئي او المسموع وهما حديثي العهد نسبيا ، ومنها بضعة محطات تلفزيونية خاصة وعشرات الاذاعات الخاصة ايضا الى جانب عشرات الصحف والمجلات الاسبوعية والفصلية وغيرها ، وجميعها منظمة بشكل قانوني لها حقوقا وعليها واجبات ، ويرعى شؤونها عمليا المجلس الوطني للاعلام المنشأ حديثا
ثانيا : ارقام ودلالات في الوزارة والتلفزيون
في تلفزيون لبنان 503 موظفين كلفتهم السنوية 5،9 ملايين دولار ووفقا للعقد الجماعي المنظم مع نقابة الموظفين يجب ان يدفع تعويضات هامة للمصروفين وفقا للمادة (50) من قانون العمل اللبناني ، وهنالك دراسة تقدر هذه الكلفة في حدود 33،3 مليون دولار ، اضافة الى الخساءر المتوجبة على التلفزيون للقطاعين العام والخاص والمقدرة ب85 مليون دولار .
ويوضح هذا الجدول الخسائر السنوية التالية :
السنة الخسائر السنوية (م .د) مساعدات الدولة (م.د) خسائر صافية
1996 13،6 1،4 12،2
1997 15،6 1،5 14،1
1998 18،7 4 14،7
1999 20 5 15

اما في وزارة الاعلام فالجدول التالي يوضح عدد المتعاملين مع الوزارة واكلافهم الشهرية والسنوية وغيرها :

1999 2000 التغيير النسبة
عددالمتعاملين 1889 1405 484 25،62
عدد الشيكات الصادرة 3356 2267 1084 32،25
قيمة الرواتب الشهرية 1415 906 509 35،97
قيمة الرواتب السنوية 16980 10872 6108
تشمل الرواتب والاجور وملحقاته الانتاج الثابت وبدل الحضور وبدلات النقل وبدلات البرامج الاذاعية .
ان قراءة الارقام من اصعب الامور خصوصا اذا كان الهدف اظهار خلفيات معينة من خلالها ، الا ان منطق الامور يستدعي النظر بموضوعية وعلمية من الجوانب كافة ، فلجهة التلفزيون يلاحظ انه هناك ربما بعض الزيادات في عدد الموظفين الا ان غالبيتهم من الذين وظفوا حديثا ولا يتقاضون رواتب عالية وتعويضات خيالية ، وجل ما في الامر ان رواتبهم هي عادية وبالتالي التعويضات التي ستمنح لهم هي متواضعة نسبيا مع فئة قليلة من الموظفين الذين سيتقاضون ما فوق المليار والنصف ليرة لاحدى المذيعات نظرا لسنوات الخدمة وغيرها ، وهنا من الاجحاف القول ان الهدر سببه الموظفون ال 503 ، بل سببه قلة منهم ، اذ نشرت بعض الصحف ان احد اعضاء مجلس الادارة باع التلفزيون برنامجا من 300 حلقة بسعر خيالي اضافة الى التجاوزات التي لا يقدر عليها سوى المتنفذون ….
اما في الوزارة فصحيح ان هناك عددا كبيرا وهو في حدود 484 متعامل وهمي مع الوزارة وقد جرت تسوية الامر ايام الوزير انور الخليل ،اما الباقي ففيهم الكفاءات واصحاب الخبرة وغيرها من المواصفات ، اما ان يقال عن العدد فهذا امر آخر ويعود الى طبيعة الدور الذي يمكن ان تلعبه الوزارة وحاجتها الى تلك الجماعات ام لا .
ثالثا : ملاحظات عامة
بداية ان القول ان ليس هناك اجحافا لحق بالكثيرين من المتعاملين وموظفي التلفزيون امر مبالغ فيه ، كما ان القول ان سلسلة الاجراءات المتخذة والاسلوب الذي تمّ فيه هما امران عاديان فهو قول تشوبه الكثير من علامات الاستفهام للعديد من الامور اهمها ( لجهة المتعاملون ) :
- ليس هناك فائضا بالمعنى الدقيق للكلمة في وزارة الاعلام ، فاذا كان المطلوب اتقان العمل الاعلامي كما يجب من قبل الدولة فيستلزم الامر اعدادا اضافية لتشمل كل المناطق وبشكل نوعي افضل للمراسلين وغيرهم من الموظفين ؛ اضافة الى ذلك ان هنالك ملاكات كثيرة شاغرة في الوزارة وغير معبأة ويشغل اعمالها متعاملون رغم ان بعضهم يتمتع بكفايات عالية لاتتناسب وطبيعة العمل الذي يقوم به.
- صحيح ان هناك بين المتعاملين اسماء وهمية او اسماء مكررة او من النوع الذي لا يداوم او حتى المسافر خارج لبنان ، الا ان المسؤول عن هذه الظاهرة ليس الموظفين بل من ادخلهم الى المؤسسة او المشرفون التنفذيذيون الذين يتمكنون من اللعب بالاسماء والرواتب والصرف وغيره من الامور .
- كما ان موضوع التعويضات والاجور التي تبدو مرتفعة فهي في الواقع تعود الى قلة من المتنفذين وليس الى العامة ، وان تصوير المتعاملين على لنهم السبب المباشر للهدر فهو امر غير دقيق .
- اما من الناحية القانونية فان صرفهم وفقا لقرار وزير الاعلام هو امر مخالف للقانون ، اذ ان الامر يستلزم مرسوما من محجلس الوزراء وفقا للكيفية التي عينوا فيها .

اما بخصوص التلفزيون فالامر مختلف تماما ، فلا العدد هو كبير كما يقال ، ولا فائضا من الناحية العملية ، وكما اسلفنا هناك بعض القلة من الموظفين هم المتحكمون بكبائر الامور وصغائرها ويمكن تسجيل بعض الملاحظات بهذا الشأن ابرزها :
- ان الخسائر المتكررة التي وقع فيها التلفزيون ناجمة عن العديد من الامور بدءا من سوء ادارة المشرفين عليه وانتهاءا بالسياسة التي اعتمدتها الدولة بمعالجة ملف الاعلام والاعلان بشكل عام ؛فالادارة مترهلة لا سيما بالمواقع التنفيذية ، والبرامج المعروضة لم تعد تجذب الجمهور ومن هنا الفشل الذي منيّ التلفزيون ولم يعد قادرا على ايقافها بالسهولة الممكنة .
- ان اخطر ما تعرض له التلفزيون هو وضعه بمنافسة محطات تلفزيونية محلية تنافس محطات عالمية ، ومن هنا كان الفشل الذريع ان لجهة البرامج او الاعلانات المخصصة له وما يمكن ان تدر من اموال لتغطية بعض العجز .
- ان سياسة التخصيصية التي بدأت بها الحكومة ربما تكون وراء افقار هذه الوسيلة الاعلامية تمهيدا الى بيعها الى القطاع الخاص .
- ان حل معضلة تلفزيون لبنان لم تكن توجهاتها صحيحة ، فقد بدأت بخيارات صعبة ، فاما رسم الخمسة آلاف ليرة على كل فاتورة تلفون لصالح التلفزيون واما الخصخصة ، فكان الخيار صعبا لدى العامة وكان احلاهما مر .

وفي نهاية الامر لا بد من الاجابة على بعض التساؤلات التي طرحناها بداية لوضع الاصبع على الجرح وأبرزها :
- ان الهدر الحاصل في موازنة الدولة ليس وحده اعداد الموظفين هنا او هناك ، بل في مطارح اخرى حيث الهدر والسمسرة والسرقات المنظمة بدقة، وليس وحدهم المتعاملون في الوزارة ولا التلفزيون هم المسؤولون عما اصاب الموازنة العامة في لبنان .
- ان معاجة مثل تلك الامور بمثل هذه البساطة تنم عن قصور في السياسة العامة اللبنانية ، فحل مشكلة لا يمكن ان يكون على حساب مشاكل اخطر منها بكثير ، فصرف الموظفين في ازمات اقتصادية _ اجتماعية خانقة يؤدي الى فلتان الامور من عقالها ويعيد بالدولة وبنظرة الناس اليها الى بدايات الحرب الاهلية .
- واذا كان الامر بداية اصلاح اداري ، فهل يمكن تصور الاصلاح الاداري من دون الاصلاح السياسي ، فالاصلاح الاداري هو اصلاح سياسي بالدرجة الاولى قبل أي امر آخر ، فهل ان المسؤولون عن ذلك مهيئون ام سيسمحون بذلك ، انه امر مشكوك فيه بالاستناد الىالتجارب السابقة التي اخرج فيها العديد من الموظفين ولم يمر اسابيع حتى عاد المصروفون الى وظائفهم معززون مكرمون .
- الى ذلك ما هي الآلية التي ستتبع في انتقاء الفائض اذا كان موجودا وعلى أي اساس سيتم التعامل مع هذه الاعداد وما هو مصير من يعيلون ؟.
- ان الاوضاع في المنطقة دقيقة جدا وتستدعي التصرف بحذر شديد مع كل ظاهرة ، وان أي خطأ في الحسابات من الممكن ان يؤدي الى عواقب لا تحمد ولا يحسد احد عليها . –والامر الآخر الذي يطرح نفسه هل سيكون الاعلام الخاص قادرا على تلبية ما يسعى اليه الاعلام الرسمي في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ لبنان السياسي الماصر؟ كذلك انه امر مشكوك فيه ان لم يكن بالامكان القول ان السياسة التي اتبعت تصب في هذا الاتجاه !.