02‏/02‏/2011

مبارك أنا أو الفوضى

مبارك أنا أو الفوضى
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية

يتابع الرئيس حسني مبارك نرجسيته السياسة بخطابه الثاني،وهو يردد تنازلات لم تعد تلقى آذانا صاغية لا في الداخل المصري ولا خارجها ولو بحياء.والمفارقة في هذا الخطاب احتواءه على نوعين من تعابير المخاطبة.الأولى استجداء الشعب بقبوله لإكمال فترته وهي لتسعة أشهر قادمة،باعتبارها مكافئة له على ما يقول انه قدمها لمصر وشعبها. والوجه الثاني التهديد والوعيد بخيار الفوضى تصريحا وتلميحا. وبذلك قد انتقل من خطابه الأول المتسم بالمساومة وشراء الوقت،إلى مستوى آخر عماده ترتيب فوضى عارمة تطيح بانجازات انتفاضة طال انتظارها.
في المبدأ،مبارك أمام قرار شعبي ليس لديه ما يخسره بعد قهر استمر ثلاثون سنة، يُضاف إليها عشرة أخرى قبله، بينما سقوطه،سقوط عصر مليء بالفساد،وانتهاء لعهد طالما ارتكب الخطايا بحق شعبه وبحق غيره من العرب.
اليوم يحاول مبارك تسويق نفسه،أو بالأحرى يُجبر على ذلك خارجيا ومن زمرة مستفيدة حوله،بهدف تأمين وضعها مستقبلا. فهو طرح الانتقال الهادئ للسلطة تحت غطاء وعود إصلاحية باتت لا تسمن ولا تغني من جوع.
اليوم مبارك يستجدي شعبه وكأنه يتمسّكن حتى يعود ويتمكّن، بصوت متهدج مكابر متعال، يهمس ببطولات يدعي فعلها سلما وحربا،ولا ييأس من إقناع نفسه ومحاولة إقناع غيره،ان مصر خلت من الرجال القادرين، وهو يعرف ان شعبا أنجب ضباطا أحرارا،بالتأكيد قادر على إنجاب غيرهم وغيرهم.
يحاول مبارك اليوم ان يلملم من تبقى حوله،بغطاءات إصلاحية ووسائل تهديدية. ألا يعلم ان شعبه سئم وعوده وحكمه، ألا يعلم ان مصر بدونه ستعيدها إلى عرين موقعها الذي غُيبت عنها أربعون عاما.
يتكلم مبارك اليوم وهو يعتقد انه لا زال قويا أو لم يفقد شرعيته الشعبية، يعيد إنتاج النظام بالدعوة إلى تعديلات دستورية وقانونية،يعيد طرح إعادة النظر بالانتخابات الأخيرة وما نتج عنها من مجلس نيابي،يعيد ويعيد وكأنه يعيش في المريخ.
بينما كان يلقي كلمته كانت صيحات الجماهير تصل من ميدان التحرير إلى قصر عابدين،تطالبه بالرحيل، بل ثمة من يطالب ليس بالرحيل بل المحاكمة شخصا ونظاما.
ثمة أسئلة تطرح حول السلوك الشخصي والنفسي لخطاب ينبغي ان يكون أخيرا لصحابه، فهل ان السلوك هو سلوك عناد وهو الذي يدعي ان لديه دكتوراه في العناد،أم هو سياق سلوكي متكامل يهدف إلى اللعب في عقول الناس.
ثلاثون عاما من المراوغة والفساد والكذب والرياء، يتوجها اليوم التهديد بفوضى عارمة، وهي بدأت طلائعها ليلا في الإسكندرية عبر صدامات بين المتظاهرين وبعض أزلام أو "بلطجية" النظام.
مبارك اليوم بتوجيه خارجي يحاول شراء الوقت لأشهر قادمة، محاولا إعادة ترتيب وتجميل وجه النظام قبل ان يسمح له بالرحيل.اليوم مبارك يحاول وضع الحبل على رقاب شعبه بأسلوب القوة الناعمة.
نيرون القرن الواحد والعشرين،يحاول إحراق مصر بعناده كما يدعي، لكنها يبدو ابعد من مسألة عناد،إنها طريقة الفوضى الخلاقة على الطريقة الأمريكية
آن الأوان، ليختار الشعب المصري طريقا آخرا لإسقاط النظام ورموزه، وفي مطلق الأحوال ان يوم الجمعة القادم لناظره قريب.