04‏/02‏/2011

السياسات الزراعية في الدول العربية

الفصل الرابع عشر

السياسات الزراعية
القسم الأول
السياسات الزراعية العربية

د.خليل حسين
من كتاب السياسات العامة
دار المنهل اللبناني بيروت 2006

تتجسد السياسات الزراعية في مجموعة متكاملة من الإجراءات والتشريعات التي تتخذها السلطات العامة في الدولة وتساهم فيها بعض الهيئات الخاصة بغية تحقيق أهداف محددة تتضمنها الخطط التنموية الزراعية. هذه الأهداف غالبا ما ترمي إلى تشجيع زيادة الإنتاج لتحقيق الأمن الغذائي ، وزيادة العائد من الصادرات وتكثيف الجهود لتضييق الهوة بين الطلب على الغذاء وإنتاجه. وهذه الأهداف تتطلب من الدولة أيضا مساعدة المزارعين للتغلب على جملة المعوقات كما تتطلب من الدولة أيضا الموازنة بين مجموعة من الأهداف المختلفة.
وقد مرَّت السياسات الزراعية العربية في تطورها بمراحل مختلفة ، اتسمت بمظاهر تتعلق بالنظام أو الأنظمة الإيديولوجية المهيمنة في كل فترة. ويمكن التمييز بين سياسات زراعية ذات طابع اشتراكي وسياسات زراعية ذات طابع ليبرالي. إذ تركز السياسات الزراعية الاشتراكية على دور البنى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي ينفرد بها كل بلد. وتركز هذه السياسات على محو التفاوت في ملكية الأرض والقضاء على صور استغلال الملكيات الكبيرة. أما الاتجاه الثاني في هذه السياسات فيتبنى اعتماد آليات السوق ويرمي إلى القضاء على التدخلات من طرف الإدارة واعتبارها ضارة بوجه عام. وتعمل بالتالي هذه السياسات على نزع كل أشكال الرقابة على الأسعار. وظلت هذه الثنائية تحكم السياسات الزراعية العربية من الخمسينيات حتى الثمانينيات، حتى مالت السياسات لصالح السياسات الزراعية الليبرالية. ونتيجة لضعف الأداء الزراعي والتكلفة الباهظة للتدخل الحكومي والتحول العام في النماذج السياسية في المنطقة العربية ثم إتباع سياسات موجهة نحو السوق. وتم تنفيذ سياسات وإصلاحات زراعية متدرجة إلى أن شهدت نقلة نوعية في بداية التسعينيات تمثلت في تحرير التجارة الزراعية في معظم الأقطار العربية. وعلى الرغم كل هذه الجهود فإن الأقطار العربية لم تتمكن من تضييق الهوة بين الطلب على الغذاء وإنتاجه.
أولا: تطور السياسات الزراعية العربية
عرفت السياسات الزراعية العربية مرحلتين متمايزتين اتسمت المرحة الأولى (1950 – 1970) بثنائية في التوجهات والخيارات الاقتصادية بين السياسات الزراعية ذات توجه اشتراكي، وسياسات زراعية ذات توجه ليبرالي. أما المرحلة الثانية فاتسمت بالتوجه نحو اقتصاد السوق وخصوصا بعد تراجع الأنظمة الشيوعية والاشتراكية والقيام بإصلاحات تهدف إلى زيادة الإنتاج المحلي وإلغاء الإعانات التي تقدم للأغذية الاستهلاكية .
1 - السياسات الزراعية في البلدان العربية 1950- 1970
أ - السياسات الزراعية الاشتراكية
ارتكزت الإصلاحات الزراعية العربية وخاصة منها ذات التوجه الاشتراكي على أسس أبرزها :
- تحديد سقف الملكية الزراعية.
- وضع يد الدولة على الفائض عن السقف الذي تم تحديده والتعويض للمالك.
- توزيع الأراضي على الفلاحين الذين لا يملكون أرضا.
- وضع نظام تعاوني ينخرط فيه الفلاحون ويؤدي إلى إدخال المكننة والأساليب العلمية والفنية الحديثة.
I - النموذج المصري للإصلاح الزراعي
قامت ثورة يونيو 1952 في مصر في ظروف كان الإقطاعيون يحتكرون غالبية الأراضي الصالحة للزراعة ويعيش ثلثا سكان الريف المصري بلا أراضي ولا عمل. في ظل هذه الظروف تم إصدار قانون الإصلاح الزراعي الذي حدد الحد الأقصى للملكية الزراعية وووزع الفائض على الفلاحين الذين لا يملكون أراضي زراعية\ن كما بين أسس التعويض لمن تم الاستيلاء على بعض أراضيهم الزراعية ،كما نظم العلاقة بين المالك والمستأجر وأنشأ التعاونيات الزراعية وحددت حقوق العامل الزراعي. فتم تحديد الحد الأقصى للملكية ب 200 فدانا والباقي يصادر مقابل تعويض. ونص القانون على أن توزيع الأراضي المستولى عليها يكون لصالح أفراد تتوفر فيه مجموعة من الشروط :
- أن يكون مواطنا مصريا بالغا سن الرشد.
- أن تكون حرفته الزراعة.
- أن لا تتجاوز ما يملكه من الأراضي الزراعية عن خمسة فدانات.
وعلى الرغم من الدور الذي لعبه قانون الإصلاح الزراعي المصري في إعادة توزيع الأراضي التي تتجاوز الحد الأقصى للملكية الذي رسمه على الفقراء المزارعين، فقد أدى إلى تفتيت الملكية وإلى إنشاء ملكيات صغيرة كانت السبب الأساسي لإعاقة التنمية الزراعية. ومن آثار الإصلاح الزراعي تزايد تدخل الدولة وبشكل متزايد في القطاع الزراعي فتحكمت في كل مراحله: إنتاجا وتسويقا وتوزيعا وتصنيعا واستهلاكا وتصديرا. ومن أمثلة هذا التحكم سياسة سعر المنتجات الزراعية ومستلزمات الإنتاج .
II - النموذج السوري للإصلاح الزراعي:
حاولت سوريا غداة الاستقلال القيام بإصلاحات زراعية وتم في 1951 تقديم مشروع قانون للإصلاح الزراعي الذي هدف إلى تحديد حد أقصى للملكية الزراعية، إلا أنه قوبل بالرفض من طرف البرلمان الذي هيمن عليه انذاك كبار ملاك الأراضي الزراعية. وأعيدت الكرة سنة 1958 وتم إصدار أول قانون للإصلاح الزراعي حدد الملكية وأعاد توزيع الأراضي على المزارعين. وتراوح الحد الأقصى للملكية الزراعية بحسب المناطق بين 15 و55 هكتارا من الأراضي المروية والبساتين وبين 80 و300 هكتارا من الأراضي غير المروية..واستقرت نتائج هذا الإصلاح الزراعي إلى وجود قطاعين: أحدهما حديث نسبيا يعتمد على الاستثمارات الرأسمالية المكثفة والتكنولوجيا، والآخر قطاع تقليدي يهدف إلى إنتاج الاحتياجات الأسرية. يضاف إلى ذلك أن الأراضي غير كافية لتعميمها على الفلاحين المستحقين بموجب قانون الإصلاح الزراعي. كما أن البلاد عانت من جفاف شديد أدى إلى عودة المزراعين وإلى هجرة حقولهم.
III - النموذج العراقي للإصلاح الزراعي:
صدر في العراق قانون للإصلاح الزراعي الأول سنة 1958 والثاني سنة 1970. اشتمل القانون الأول لسنة 1958 على جملة من المسائل تعلقت بتحديد الملكية والاستيلاء على ما تخطى الحد الأقصى وتعويض المستولى منهم وشروط توزيع الأراضي وتكوين الجمعيات التعاونية وتنظيم العلاقات الزراعية إلا أن هذا القانون عرف مجموعة من الثغرات من بينها أنه سمح لمالك الأرض حق اختيار الأراضي التي سيحتفظ بها. وأهمل القانون أيضا مكان سكن الفلاح المستفيد فكان أن وزعت أراض في الشمال على فلاحين في الجنوب، كما عرف هذا القانون مشاكل في تنفيذه. ونتيجة للانتقادات التي وُجهت إلى قانون الإصلاح الزراعي العراقي لسنة 1958 وكذلك لعدم نجاحه في تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية للفلاحين والإنتاجية الزراعية، فقد تمَّ إصدار قانون الإصلاح الزراعي سنة 1970 ليسد الثغرات في قانون الإصلاح الزراعي 1958، فأدخل جملة من الاعتبارات كخصوبة التربة وطرق الري ومعدل سقوط الأمطار ونوعية الزراعة وبعد الأرض وقربها من مراكز التسويق.إلا أن الدارسين للإصلاح الزراعي العراقي يعتبرون أنه فشل على مستويات عديدة منها، فشل سير التعاونيات الزراعية وفي رفع الإنتاجية الزراعية،وفي تحسين أوضاع الفلاحين وتضييق الهوة في التفاوت الاقتصادي والاجتماعي.
IV - النموذج الجزائري للإصلاح الزراعي
قامت الجزائر بإصلاحين زراعيين، الإصلاح الزراعي الأول الذي أقر الحد الأدنى للملكية الزراعية والاستيلاء على الأراضي الزائدة مباشرة بعد الاستقلال.أما الثاني فقد عرف بميثاق الثورة الزراعية الصادر سنة 1971. واتسمت الإصلاحات بمسائل أبرزها:
- كان القاسم المشترك بين الإصلاحين الزراعيين تحديث القطاع الزراعي وتحسين تقنياته. وقد اعتبر قانون الإصلاح الزراعي الأول أن الأراضي المستولى عليها والأراضي التي تركها المستعمرون الفرنسيون وكذلك المزارع التي لم تكن تحقق الكفاءة الاقتصادية والأراضي التي كانت تستغل بطريقة غير شرعية، أملاكا للدولة. وتوزيع هذه المزارع على الفلاحين وهم يملكونها ملكا استغلاليا لا ملك تصرف. وعلى خلاف الإصلاحات الزراعية في مصر وسوريا والعراق فإن تحديد الحد الأقصى للملكية الزراعية على أساس مقدار الدخل الصافي وليس على أساس المساحة المزروعة. وفي سنة 1971 تم إدخال متغيرات جديدة في تحديد الحد الأعلى للملكية الخاصة بناء على اختلاف المناطق وطبيعة الأرض ومستوى التجهيز والخدمات الأساسية للإنتاج في المنطقة وحجم العائلة وإن دراسة تقويمية لميثاق الثورة الزراعية في الجزائر تبين مجموعة من المآخذ على هذا الإصلاح منها ضآلة المستفيدين حتى عام 1975 إذ لم يصل إلا إلى 87 ألفا في حين كان يتوقع استفادة مليون.
- بيروقراطية الإدارة التنفيذية داخل التعاونيات الزراعية مما أدى إلى فشلها.
- الهيمنة المستمرة لكبار الملاك الزراعيين وقدرتهم على مراوغة الأجهزة الإدارية واستغلال نفوذهم فيها.
وإذا اعتبرنا أن تحديث القطاع الزراعي كان أهم أهداف السياسة الزراعية الجزائرية فإننا نشير إلى أنه إذا كان التحديث يعني زيادة استعمال الآلات الزراعية واستخدام الأسمدة الكيماوية فإن الجزائر قد حققت نجاحا في هذا المجال. لكن إذا ما نظرنا إلى هذا المستوى من التحديث من زاوية تأثيره على الإنتاجية الزراعية فإنه لم يعط النتائج المرجوة منه. وعلى العموم فإن السياسات الزراعية ذات الطابع الاشتراكي التي طبقت في مصر وسوريا والعراق والجزائر لم تمكن من تقليص الهوة بين الطلب على الغذاء وإنتاجه ولم تنجح في رفع الكفاءة الاقتصادية وتكثيف الإنتاج ولا في تحديث القطاع الزراعي ويرجع ذلك لأسباب منها: سوء الإدارة الذي تعاني منه مزارع الدولة والجمعيات التعاونية وإعطاء الأولوية للأهداف السياسية على حساب أهداف الإصلاح الزراعي إضافة إلى السياسات التسعيرية التي فرضتها الحكومات.
ب - الإصلاحات الزراعية ذات الطابع الليبرالي
اتسمت الإصلاحات الزراعية في البلدان العربية التي تنتهج نظاما ليبراليا بتدخلات بسيطة على شكل حوافز للمستثمرين الذين تتطابق مشاريعهم مع أهداف الإصلاح الزراعي. وتتميز هذه الإصلاحات الزراعية اللبرالية عن الإصلاحات الزراعية الاشتراكية بأنها لا تمارس نزع الملكية. وقد طبقت هذه الإصلاحات في كل من السعودية والأردن والمغرب وتونس ولبنان .
I- الإصلاحات الزراعية في المملكة العربية السعودية
صدر في المملكة العربية السعودية نظام توزيع الأراضي سنة 1971. وتميز بالعمل على تمليك الأرض لا على نزع ملكيتها، وعلى زيادة المساحة المملوكة للأفراد لا على تفتيت الملكيات الكبرى. ونص القانون المنظم للأراضي بأن لا تقل المساحة الموزعة عن خمسة هكتارات ولا تتجاوز عشرة هكتارات في حالة التوزيع على الأفراد وأربع مائة هكتارات في حالة التوزيع على الشركات. وقد وضعت خطة شاملة للتنمية الزراعية تهدف إلى خفض تكاليف الإنتاج الزراعي ورفع مستوى الكفاءة الإنتاجية في القطاع الزراعي وتم القيام بمشاريع للري وأخرى للتدريب الآلي الزراعي واستخدام التقانة إضافة إلى إنشاء مؤسسات مالية مختصة في القروض الزراعية كالبنك الزراعي العربي السعودي، ورغم الجهود التي بذلتها المملكة للنهوض بالقطاع الزراعي فإن تنمية هذا القطاع ظلت تعاني من معوقات عدة مثل:
- الفارق الكبير بين ضخامة مشاريع الري والصرف من الناحية التكنولوجية ومستوى وعي المزارعين.
- عزوف الشباب السعودي عن العمل في القطاع الزراعي واتجاهه إلى العمل في صناعة النفط.
- أدت هذه العوامل مجتمعة إلى تدني الإنتاج والإنتاجية لقسم كبير من المحاصيل الزراعية كالحبوب، القمح، الأرز.
II- الإصلاحات الزراعية في الأردن
يلعب القطاع الخاص في الأردن دورا أساسيا في الإنتاج الزراعي وذلك انسجاما مع النظام الاقتصادي الأردني الذي يقوم على مبدأ الحرية الاقتصادية. إلا أن الدولة تدخلت في بعض الأحيان في النشاط الاقتصادي وفي حالة الأزمات. فلقد عملت على رسم السياسات الإنتاجية للقطاع الزراعي فساعدت المزارعين على زيادة إنتاجهم فقدمت الدعم المالي والفني ونفذت مشاريع للري ووطنت البدو ودربتهم على الأعمال والأساليب الزراعية الحديثة. وأعطت هذه الجهود نتائج ملموسة في بعض المحاصيل، فيما لم يحرز بعضها الأخر تقدما على صعيد المردود أو على صعيد المساحات المزروعة. فإذا ما نظرنا إلى المردود الفعلي للحبوب مثلا فإننا نلاحظ تقلبات شديدة بين عام 1951 و1985 فكان يرتفع تارة ارتفاعا كبيرا وتارة ينخفض إلى أدنى المستويات وهذا ما يعكس عدم قدرة الدولة على تنمية هذا القطاع عن طريق سياساتها وتدخلاتها.
III- الإصلاحات الزراعية في تونس
عمل الإصلاح الزراعي في تونس على تحقيق هدفين جوهريين: استخدام الوسائل الزراعية الحديثة وإصلاح بنية الملكية الزراعية. وقد مر الإصلاح الزراعي في تونس بثلاث مراحل:الاولى إصلاحات 1956-1957 والتي قضت بالتقسيم الجزئي للأراضي الجماعية وتوزيعها إلى حيازات صغيرة؛الثانية إصلاحات 1962-1964 والتي هدفت إلى دمج الملكيات الصغيرة في وحدات إنتاجية إيجارية تتراوح مساحتها ما بين 500 و1000 هكتار بهدف دفع المزارعين لاستخدام الوسائل التقنية الحديثة؛الثالثة إصلاحات ضمن الخطة الرباعية 1965-1968 ورأت ضرورة تسيير الدولة لمجموع القطاع الزراعي بما في ذلك الملكيات الكبيرة التي هي في حوزة القطاع الخاص. قانون 1969 الذي قضى بإعادة أراضي كبار الملاكين إلى أصحابها. وعلى العموم فإن نتائج السياسات الزراعية التي تم اتخاذها مخيبة للآمال لأسباب عديدة منها:عدم كفاية الاستثمارات العامة والنقص في الجهاز التقني. و فيض اليد العاملة وحدوث بطالة مقنعة. وانخفاض إنتاجية الملكيات الزراعية
IV- الإصلاحات الزراعية في المغرب
تميز الإصلاح الزراعي في المغرب بتركيزه على استخدام التقنيات وتحديث الزراعة أكثر من اهتمامه بالبني الزراعية. وقد عرف المغرب إصلاحات زراعية عديدة منها: إصلاحات 1957 وهدف هذا الإصلاح إلى تجميع القطع الزراعية الصغيرة في وحدات زراعية واسعة من أجل استخدام المعدات الحديثة كالجرارات. إصلاحات 1960 التي تمت إدارتها من طرف المكتب القومي للري الذي عمل على إصلاح 120 ألف هكتار. إصلاح 1964 الذي هدف إلى إصلاح الأراضي المسترجعة من الأوروبيين والمغاربة المتعاملين معهم. الخطة الثلاثية 1965-1967: مكنت هذه الخطة من توزيع 18000 هكتار من الأراضي المروية و150000 هكتار من الأراضي غير المروية.
ويعتبر الدارسون للقطاع الزراعي في المغرب أن المعدل لمعظم المحاصيل الزراعية ارتفع في الستينيات مقارنة بالخمسينيات وقد تراجع قسم كبير من المحاصيل في السبعينيات مقارنة بالستينيات مع محافظته في الغالب على مستوى أعلى من الذي كان في الخمسينيات. فعلى سبيل المثال ارتفع مردود مجموع الحبوب 2.65 % في الخمسينيات وارتفع إلى 18.59 % في الستينيات وتراجع إلى 7.33% في السبعينيات ثم ارتفع إلى 17.02 % في النصف الأول من الثمانينيات.
ثانيا: الأوجه المشتركة في السياسات العامة الزراعية العربية
1 – سياسات توفير الغذاء
تعتمد سياسة الغذاء بشكل مباشر على السياسات الزراعية والاقتصادية وهي انعكاس لدرجة نجاح تلك السياسات، ونظرا الى عدم وجود سياسات محددة وواضحة في هذا المجال في معظم الدول العربية ، فان ما يستشف من مقاربة تطور مؤشرات المكونات الغذائية للفرد ونسبة الاكتفاء الذاتي منها، تعطي فكرة ما على نتائج هذه السياسات .
أما لجهة حاجة الفرد على المستوى العالمي من السعرات الحرارية فتقدر من 2400 سعرة إلى 2500 ، فيما تقدر حاجة الفرد من البروتين من 56 الى 65 غرام بروتين يوميا.وتفيد الدراسات ان سكان الدول العربية ما عدا جيبوتي والصومال وموريتانيا والسودان، يحصلون على احتياجاتهم من السعرات الحرارية، بل يحصل سكان بعض الدول أكثر من احتياجاتهم مثل قطر والكويت وليبيا ومصر ولبنان والإمارات وسوريا.أما متوسط ما يحصل عليه الفرد في البلدان العربية 2706 سعرة، فيما يحصل على 75 غرام بروتين يوميا.
أما لجهة مساهمة الحبوب في الطاقة للفرد فقد انفضت في العقود الثلاثة الماضية في كل من الجزائر وتونس والسعودية والكويت وسوريا،ما يعكس واقع تحين الغذاء في هذه الدول.وفي المقابل ارتفعت هذه النسب في كل من لبنان والبحرين وليبيا وعُمان . إما على المستوى العام فقد انخفضت نسبة مساهمة الحبوب في الطاقة في البلدان العربية من 88% في فترة السبعينيات إلى 61% في الثمانينيات ؛ فيما سجل ارتفاع حصول الفرد من البروتين من 17% في الفترة الاولى إلى 20% في الفترة الثانية ، علما ان المستوى العالمي بلغ في تلك الفترة 35%.
أما بخصوص الاكتفاء الذاتي، فقد سجلت الدراسات انخفاضا في فترة السبعينيات على الرغم من ارتفاع الإنتاج المحلي من الطاقة الغذائية، حيث اعتمدت غالبية البلدان العربية على سد حاجاتها الغذائية من مصادر خارجية عدا تونس والمغرب وسوريا؛كما انخفضت نسبة الاكتفاء الذاتي من البروتين في غالبية الدول العربية ما عدا لبنان وسوريا.كما تفيد الإحصاءات إلى ازدياد الفجوة الغذائية لعام 1998 بنحو 13 مليار دولار فيما كانت النسبة لا تتجاوز 600 مليون دولار في مطلع السبعينيات. وقد مثلت الحبوب حوالي 48% من قيمة الفجوة الغذائية في العام 1998 ويمثل القمح منها 56% وحوالي 27% من قيمة الفجوة الغذائية الكلية.
ومن هنا تولي كل الدول والمنظمات الإقليمية والدولية أهمية بالغة للأمن الغذائي، ويعرف على انه مرتبط بالاكتفاء الذاتي وبقدرة الأسرة والمجتمع على تأمين حاجاته المستهدفة، وكذلك توفير عوامل الإنتاج كالأرض واليد العاملة. كما يعرف الأمن الغذائي في ثلاث مستويات العالمي والوطني والفردي، ويعني توفر الغذاء على كل مستو من هذه المستويات.
2- سياسات التمويل والاستثمار
ترتكز سياسة دعم القطاع الزراعي على السياسات الاستثمارية والتمويلية في معظم الدول العربية، وعلى الرغم من تخصيص موازنات معينة لتنمية هذا القطاع، فمن الملاحظ انخفاض هذه النسب مقارنة مع غيرها من القطاعات كالصناعة والتجارة والخدمات.وقد عمدت الدول العربية إلى إنشاء مؤسسات الإقراض الزراعي بهدف تحفيز الأفراد والمؤسسات على توجيه جزء من مدخراتهم في الأنشطة الزراعية، كما عمدت إلى زيادة رؤوس أموالها في هذه المؤسسات.
وينحصر عمل المؤسسات الإقراض الزراعي في بعض الدول العربية في تقديم القروض في شروط ميسرة، ويتعدى ذلك في دول أخرى ليشمل تقديم الخدمات الزراعية الأخرى وخدمات الإرشاد ومدخلات الإنتاج والتسويق، كما تقدم بعض هذه المؤسسات القروض للأفراد والتعاونيات والبعض الآخر للأفراد فقط، وذلك بمختلف أنواع النشاط الزراعي ولفترات قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل.وقد شهدت فترة الثمانينات تزايدا في الطلب على التمويل الزراعي، نظرا للتطوير الذي شهده القطاع في تلك الفترة في معظم الدول العربية.
ومن المفيد الإشارة إلى أن بعض الدول العربية تتوفر لديها موارد طبيعية وبرية جاهزة لتنمية الزراعة، ولكن تنقصها الموارد المالية، وعلى العكس من ذلك فان هناك دولا عربية اخرى تنقضها الموارد الطبيعية والبشرية وتتمتع بالموارد المالية للاستثمار، بمعنى آخر فان الدول العربية تتصف بظاهرة اختلال توفر الموارد الرأسمالية، مما يؤدي الى تباين برامج وأساليب وأهداف السياسات بين هذه الدول.ويمكن إيجاز مصادر تمويل الاستثمار الزراعي في الدول العربية:
- قروض محلية
- قروض خارجية مباشرة لتمويل الاستثمار الزراعي
- تمويل ذاتي من قبل الأفراد والمؤسسات
- قروض مصرفية، سواء من البنوك الزراعية المتخصصة او البنوك التجارية
- صناديق التنمية الزراعية
- مؤسسات التمويل العربية
ويمكن التعرف على أنواع السياسات الاستثمارية والإقراضية من واقع تجارب الدول العربية بالإقراض والائتمان كما يلي:
أ - التخطيط المركزي
حيث تتولى السلطات العامة المركزية توفير الأموال اللازمة للقروض الزراعية،وفقا للخطط المقررة من الأجهزة المركزية، والتي تتحدد من خلالها كمية الأموال اللازمة للتنفيذ، وكذلك أسعار الفائدة، كما تتولى المؤسسات العامة والشركات عمليات الاستيراد والتوزيع،وقد تحدد هذه الاجهزة كمية الصادرات والموارد اللازمة لتلبية الطلب على العملات الاجنبية اللازمة للتنفيذ، ومثال هذه الأقطار سوريا وليبيا.
ب - الاقتصاد الحر:
وتشمل الدول التي تطبق الإصلاحات الاقتصادية وفقا لنظام السوق،وحيث تتم عمليات الإقراض عبر الشركات الخاصة ومن بين هذه الدول ، دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والمغرب ولبنان،ويتسم الإقراض والائتمان في هذه الدول بسيطرة القطاع الخاص مع بقاء القطاع العام ليقوم بتأمين مستلزمات الإنتاج المستوردة من الخارج . وقد اتسم الأداء العام لهذه المجموعة بالاستقرار إذ زادت حصة الزراعة من إجمالي القروض الممنوحة في كل من مصر والمغرب والأردن، كما استقرت أسعار الفائدة في عام 1994 عند مستويات تتراوح بين 6,5% في الأردن،و18% في موريتانيا،كما انخفضت أسعار الفائدة في مصر من 17% الى 12.6% في نفس السنة.
ومن الملاحظ أن معظم التمويلات في القطاع الزراعي يتم في القطاعات الأقل مخاطرة كقطاع الأراضي المروية،وكذلك في المناطق مضمونة الأمطار،أما المناطق القليلة الأمطار فتتم عبر التمويل الذاتي.أما لجهة مؤسسات التمويل العربية، فقد قدمت خطوط ائتمان لتعزيز قدرات بنوك التسليف الزراعية العربية، بهدف توفير تسهيلات ائتمانية بشروط ميسرة لصغار المزارعين ، وقد تمّ التركيز في هذا الصدد على المشاريع الصغيرة المنتجة ، بما تلك التي تديرها المرأة يهدف رفع مستواها الاقتصادي والاجتماعي.
وفيما يلي جدولا يبين إسهام القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي في البلدان العربية عدا الصومال وجزر القمر بالمئة :
1980 1985 1990 1995 19967,1 1997 1998 1999 2000
الاردن 7,1 4,9 7 5,5 5,5 4,5 2,6 2 1,9
الامارات 0,8 1,4 1,7 2,8 2,7 2,9 3,6 3,3 2و9
البحرين 1 1,3 1 1,1 1,6 1,1 0,9 0,8 0,7
تونس 14 15,2 16.3 13,1 15,5 13,2 12,5 12,8 12,1
الجزائر 8 9,4 10,4 11,3 11,4 9,4 11,1 10,6 8,3
جيبوتي 6 2,2 2,8 2,6 2,6 2,3 0,7 0,7 0,7
السعودية 1,1 4,4 6,4 6,8 6,6 6,1 7 6,4 5,4
السودان 33,3 23,6 30,3 35,7 35,4 33,2 88,9 37,4 34,2
سوريا 20,2 21 28,6 28,3 28,1 28,1 30 24,4 25,6
العراق 4,7 14,1 19,8 29,7 33,1 33,6 33,3 32,7 32,1
عُمان 2,5 2,3 2,3 2,9 3 2,6 2,8 2,6 2,1
فلسطين 32,9 ---- 36,1 9 9 8 9 6 6
قطر 0,5 1 0,8 1 1 1 0,7 0,6 0,4
الكويت 0,2 0,6 0,6 0,4 0,4 0,4 0,5 0,4 0,3
لبنان 9,2 7,9 8,8 7,8 7,8 7,8 7,8 7,8 7,8
ليبيا 1,5 3,5 5,4 7,8 7،7 6,9 11,2 10,3 9,6
مصر 19,2 18,9 18,5 16,8 16,7 16,5 16,4 16,3 15,8
المغرب 18,4 16,6 17,7 14,8 20,4 17,6 17 14,8 12,3
موريتانا 21,7 25,4 25,8 26,4 26,4 23,7 21 20,7 19,5
اليمن 21,1 22,9 18,3 22,3 17,2 15,1 19,4 16,1 15,3
العالم العربي --- 8,9 11,9 12,9 13 12,6 13,8 12,8 11,3
3 - سياسات التسعير
تلعب الأسعار والسياسة التسعيرية للمواد الزراعية أهمية بالغة لجهة توجيه الموارد بين مختلف أنواع الإنتاج وتوزيع الإنتاج بين المستهلكين.إضافة إلى التأثير في توزيع المداخيل وتأثيره على حجم الاستهلاك وكذلك على العائد الصافي للتجارة الخارجية الزراعية.كما تلعب دورا أساسيا في حجم المدخرات وبالتالي الاستثمارات الزراعية وأخيرا التأثير على المزارعين والمستهلكين.كما للأسعار الزراعية تأثير مباشر على مستوى التضخم والبطالة والنمو الاقتصادي، وعليه فمن الأهمية بمكان معرفة رد الفعل المباشر على رفع الأسعار من قبل المستهلكين والمنتجين.
ومن حيث المبدأ هناك مجموعتين لكل منهما مصالحها من سياسة الأسعار الزراعية، وتتمثل الاولى في فئة المزارعين والمنتجين ومن يمثلهم في الهيئات المحلية والمركزية في الدولة؛ والفئة الثانية وهي فئة المستهلكين التي يهمها ثبات الأسعار وعدم تقلبها ارتفاعا حفاظا على مستوى المعيشة .
وبما أن الزراعة ومنتجاتها مرتبطة بالعديد من العوامل والظروف المتغيرة بشكل مستمر ما يؤثر في أسعار المنتجات ارتفاعا بشكل عام، ما يستدعي في غالب الأحيان تدخلا حكوميا لاتخاذ وتنفيذ الإجراءات الملائمة للوضع الطارئ.وهناك طرق عدة من الممكن أن تنتهجها الحكومات ومنها، ترك الأمور دون التدخل بداية لكي يأخذ العرض والطلب مداه ولتستقر الأسعار بعدها،أو القيام بالتدخل في تحديد أسعار المنتجات الزراعية ومتطلباتها دون الأخذ بعين الاعتبار موضوعي العرض والطلب ، وفي هذه الحالة يكون التدخل تدخلا حمائياَ لبعض السلع الحيوية للمواطنين كالقمح والشمندر السكري .. وبشكل عام لقد استهدفت السياسات التسعيرية في الدول العربية عدة مسائل أبرزها:
- حل موضوع التنافس بين المنتجات الزراعية والقطع الزراعية المحدودة.
- زيادة الإنتاج الغذائي لعدم الاعتماد على الخارج
- تحقيق الاستقرار في الأسعار وبالتالي استقرار المداخيل الزراعية وتأمين حماية المستفيدين من الإنتاج الزراعي.
- رفع مستوى معيشة العاملين في المجال الزراعي عبر تطوير استخدام الموارد المتاحة لاستصلاح الأراضي وزيادة إنتاجيتها وتقديم الحوافز كالقروض الميسرة للمزارعين.
- تحقيق فائض في المنتجات الزراعية بهدف زيادة التصدير وإدخال العملات الصعبة,
- زيادة الإنتاج الزراعي بهدف الاكتفاء الذاتي وتحسين نصيب الزراعة في الميزان التجاري.
أما أهم السياسات التسعيرية التي تمّ اللجوء إليها في بعض البلدان العربية فأبرزها:
- سياسة تحديد الأسعار بمختلف مراحلها، بدء من وسائل الإنتاج وصولا إلى المنتجات.
- سياسة الدعم على مستلزمات الإنتاج ،الصادرات والواردات؛وقد يكون الدعم مباشرا عبر تأثر كل القطاع الزراعي به؛وقد يكون غير مباشر عبر إلغاء أو تخفيض الرسوم الجمركية، أو تحديد الحكومة حجم معين من مشترياتها الزراعية المحلية حفاظا على سعر معين للمنتجات.
- سياسة الإعانات المالية وتتخذها الحكومات في الدول الغنية لتشجيع زراعة معينة.
- سياسة الأسعار التشجيعية التي تهدف إلى التوسع في إنتاج بعض الزراعات ، حيث تفرض سعر تشجيعي لشراء سلع معينة .
- سياسة الأسعار الجبرية حيث تحدد الحكومة سعر السلعة حماية للمستهلكين والمنتجين وبخاصة المواد الغذائية الحيوية كالحبوب واللحم والألبان والأجبان.
- سياسة ضريبة الدخل حيث تلجأ الحكومات إلى إعفاء المزارعين من ضريبة الدخل، والإعفاء الجمركي للأدوات التي تدخل في دورة العمل الزراعي كالآلات الزراعية والمبيدات الحشرية والأسمدة.
ثالثا : تشخيص أزمة الأمن الغذائي العربي
استقطبت مسألة التنمية الزراعية والغذاء اهتماما كبيرا على مستوى الوطن العربي في الآونة الأخيرة، شمل الجانب النظري والانشغالات الأكاديمية كما شمل الجانب التطبيقي والإجراءات العملية. وليس منبع هذا الاهتمام أن الغذاء يشكل جوهر صراع الإنسان من أجل البقاء, بل لعل فشل هذه الجهود في تجاوز المشكلة الغذائية التي يعاني منها الوطن العربي زاد من ضرورة تقييم ومراجعة هذه الجهود. فقد دخلت أوضاع الزراعة والغذاء في الوطن العربي منذ منتصف السبعينيات مرحلة حرجة, تمثلت في تنامي الطلب على المنتجات الزراعية عموما والغذائية على وجه الخصوص, نتيجة ارتفاع معدلات النمو الديمغرافي والقفزة النوعية في المداخيل الفردية في بعض الدول العربية (النفطية منها), بالإضافة إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية في الأسواق العالمية وتقلص الأهمية النسبية للقطاع الزراعي في الهياكل الاقتصادية العربية. وقد نجم عن هذا الوضع تفاقم العجز الغذائي وبالتالي اللجوء إلى المصادر الأجنبية لسد هذا العجز.
وتعتبر أسباب الفجوة الغذائية العربية متعددة ومتشعبة، ويختلف الدور الذي تلعبه هذه الأسباب في تعميق الأزمة حسب طبيعة الدول من حيث ثقلها السكاني وتوزعهم بين الريف والمدن، وندرة أو محدودية الموارد الطبيعية والمالية، أو عدم نجاعة الهياكل الإدارية والتنظيمية في الدول، وعدم الاهتمام بالزراعة ضمن مخططات التنمية. وهي عوامل لها تأثير مباشر أو غير مباشر على الإنتاج والإنتاجية واستغلال الطاقات المتاحة.ويقودنا تشخيص جذور أزمة الغذاء في الوطن العربي وتحليل العوامل الكامنة وراءها إلى الحديث عن جملة من العوامل المؤثرة فيها, يمكن تلخيصها في: العوامل الديمغرافية و العوامل الطبيعية و الخيارات التنموية الكلية.
والسؤال الذي يُِِطرح هنا: ما تأثير هذه العوامل في مشكلة الفجوة الغذائية ودرجة الاكتفاء الذاتي؟ وللإجابة على هذا التساؤل سنحاول رصد ملامح الأزمة الغذائية, ثم العوامل المؤثرة في الأزمة، وأخيرا أبعاد هذه الأزمة.

1 - ملامح الأزمة الغذائية العربية
تعتمد أغلبية الأقطار العربية على القطاع الزراعي في توفير المنتجات الغذائية والواردات الوسيطة للصناعات التحويلية وخلق فرص العمل لفئات واسعة من السكان, بالإضافة إلى مساهمته في توفير العملات الصعبة وبالتالي تمويل برامج التنمية. ويعيق تخلف القطاع الزراعي مسيرة التنمية في القطاعات الأخرى، لهذا فإن تنمية هذا القطاع يجب أن تحتل مكانة متميزة في التوجهات التنموية العربية، خاصة بعد تزايد السكان وزيادة الطلب على السلع الغذائية.
وقد تطورت الأزمة الغذائية في الدول العربية تبعا لمعدلات نمو الإنتاج والطلب الاستهلاكي على المنتجات الغذائية. وقد أصبح هناك شبه إجماع على أن أزمة الغذاء في الوطن العربي قد وصلت إلى حد حرج يتجلى في تنامي الاعتماد على المصادر الخارجية لإطعام السكان, وتدهور نصيب الفرد من الناتج الزراعي، وتراجع مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي كما يظهر من الجدول .
البيان 1990 1998 1999 2000
الناتج المحلي الإجمالي بالمليار دولار 477.4 586.5 529.5 709
الناتج الزراعي
بالمليار دولار 58.3 81 80.4 80.3
إسهام الناتج الزراعي
في الناتج الإجمالي (%) 12.2 13.8 12.8 11.3
نصيب الفرد من الناتج الزراعي بالدولار 233 315 305 298
يتضح من هذا الجدول تراجع نصيب الفرد من الإنتاج الزراعي في السنوات الأخيرة, إذ انتقل من حوالي 315 دولارا أميركيا عام 1998 إلى حوالي 298 دولارا عام 2000. ويتضح كذلك تناقص مساهمة الزراعة في الناتج المحلي من حوالي 14% تقريبا سنة 1998 إلى 11.3 % سنة 2000، كما يظهر تدهور قيمة الإنتاج الزراعي .
إن الموارد الطبيعية الهامة كوفرة الأراضي القابلة للزراعة والمياه والظروف المناخية المساعدة, عوامل تلعب دورا مهما في عمليات التوسع الإنتاجي. ومن المجمع عليه أن الإنتاج الغذائي يعتمد بصفة خاصة ،على الظروف الطبيعية، إلا أنه من شبه المؤكد أن الحالة الراهنة التي عليها الوطن العربي من عجز غذائي تعود إلى كون الإمكانات والموارد المتاحة عربيا غير مستغلة بصفة مثلى في أغلب الأقطار العربية. فالوطن العربي يزخر بأراض هامة قابلة للزراعة تقدر بحوالي 197 مليون هكتار, بالإضافة إلى موارده البشرية التي تبلغ 297.1 مليون نسمة, منها 27.4 مليون فرد يعملون في قطاع الزراعة عام 2000 . ورغم المحدودية النسبية في بعض ضروريات التوسع الإنتاجي الزراعي مثل المياه، فإن للوطن العربي من المقومات ما يكفي ليخرج من وضعية المستورد للغذاء إلى وضعية المصدر له.
2 - العوامل المؤثرة في أزمة الغذاء
أ - العوامل الديموغرافية
يعد التزايد السكاني العالي النسبة الذي شهدته البلدان العربية في العقود الماضية من المبررات التي تضاف لمشكلة الغذاء في المنطقة، فقد شهد حجم السكان تسارعا ملحوظا بمعدل بلغ تقريبا حوالي 3% سنويا عام 2000, وهو معدل يفوق متوسط معدلات نمو الإنتاج الزراعي في نفس الفترة, ما أدى إلى خلل واضح في العرض والطلب على الغذاء. كما أن هذا التزايد الكمي للسكان رافقه تغيير اساسي في توزيع السكان بين الأرياف والمدن، فقد أدت الهجرة الريفية إلى المدن داخل البلد الواحد أو/ وبين الدول العربية (الطالبة للعمالة), إلى تزايد كبير لسكان المدن وحرمان القطاع الزراعي في المناطق الريفية من اليد العاملة، ما أدى إلى تراجع أداء القطاع الزراعي في هذه المناطق.
كما أدى تحسن الوضع الاقتصادي إجمالا في معظم الأقطار العربية في العقد الماضي، إلى ارتفاع مستويات المداخيل الفردية وتغيير النمط الغذائي الاستهلاكي تبعا لذلك، وإلى تراجع نسبة السكان الزراعيين إلى مجموع السكان نتيجة استقطابهم من طرف القطاعات الأخرى. ويصاحب النمو الاقتصادي عادة تعديل في توزيع السكان بين الريف والمدن، بحيث يتوالى انخفاض سكان الأرياف وازدياد سكان المدن. ويؤدي هذا التعديل إلى التوسع العمراني على حساب الأراضي الزراعية وبالتالي فإن الهجرة الريفية تؤدي إلى تذبذب الإنتاج الزراعي ما لم يقابلها تحسن ملحوظ في إنتاجية المزارعين.
وقد أثبتت الدراسات أن متوسط الاستهلاك الكلي أعلى وأكثر تنوعا في المدن منه في الريف، فانتشار المدن وتركز السكان يدفعان إلى زيادة الطلب على السلع الغذائية وتغيير أنماطه بفعل محاكاة النمط الاستهلاكي المستورد، ونتيجة للتحسن في القدرات الشرائية للأفراد الذين أصبحوا يتوقون إلى استهلاك أفضل وأكثر تنوعا.
ب - - العوامل الطبيعية
رغم الإمكانات الطبيعية – الزراعية التي تهمنا هنا- الهائلة التي يحظى بها الوطن العربي من مساحة قابلة للزراعة تبلغ حوالي 197 مليون هكتار, فإن الوطن العربي لم يفلح بعد في إشباع حاجيات مواطنيه من إنتاج أراضيه. فقد أدى عدم كفاية مصادر المياه وسوء استغلالها والميل نحو الانتقال من الزراعة المطرية إلى الزراعة المروية, إلى تزايد سريع للطلب على المياه وخاصة المياه الجوفية ما عمّق مشكلة الغذاء.ويعزى قصور الإنتاج الزراعي العربي بشكل عام عن إشباع الحاجيات الغذائية إلى جملة من العوامل أهمها:
- انخفاض نسبة الأراضي الصالحة للزراعة مقارنة مع المساحة الكلية, حيث لا تمثل سوى 14.1% منها. كما يلاحظ تدني نسبة ما هو مزروع فعلا من هذه المساحة, إذ تصل مساحة الأراضي الزراعية حوالي 35% من مجموع الأراضي القابلة للزراعة، وهو ما يبرهن على أن نحو ثلثي الأراضي القابلة للزراعة ليس مستغلا.
- ندرة المياه وسوء استغلالها وهدرها، إذ يعد الوطن العربي من أقل مناطق العالم وفرة للمياه. فبينما تضم المنطقة أكثر من 4.5% من سكان العالم فإنه لا يوجد فيها سوى ما يقارب 1% من الموارد المائية العالمية المتجددة, كما لا يتجاوز معدل حصة الفرد حاليا من الموارد المائية حوالي 1000 متر مكعب في السنة مقابل 7000 متر مكعب للفرد في العالم كمتوسط سنوي. كما يمكن تحسين استغلال هذه الموارد لتعويض النقص الكمي الحاصل فيها عن طريق اتباع أساليب الري العصرية والترشيد. وتقدر جملة الموارد المائية المتاحة عربيا بحوالي 265 مليار متر مكعب في السنة, منها حوالي 230 مليار متر مكعب مياه سطحية و35 مليار متر مكعب مياه جوفية. وهي كميات محدودة جدا. والعجز المائي اللازم لإنتاج هذا الغذاء محليا يقدر بـ 50 مليار متر مكعب في السنة بينما جملة الاستخدامات المائية العربية حوالي 190.7 مليار متر مكعب في السنة, أي ما يعادل 72% من الموارد المائية المتاحة وتستخدم الزراعة منها نسبة 87% أي ما يعادل 166.5 مليار متر مكعب في السنة. اضافة الى اعتماد أغلب الزراعات العربية على العوامل المناخية التي تتميز بالتذبذب والتقلب من عام إلى آخر.
ولما للانفجار السكاني من دور سلبي في عرض الإنتاج الزراعي بات الانتاج غير قادر على مواجهة الطلب على السلع الغذائية, اضافة الى التزايد البشري وندرة الموارد الطبيعية, فإن للتصحر والجفاف والتعرية والتحولات التي يعرفها المناخ ودور الإنسان في الاستنزاف اللاعقلاني للخيرات الطبيعية وتدمير البيئة جميعها تلعب دورا كبيرا في استفحال أزمة الغذاء في الوطن العربي
ج - الخيارات التنموية الكلية
يقودنا فشل الجهود العربية في تأمين ما يحتاجه الوطن العربي من الغذاء إلى التساؤل عن المكانة المعطاة لتنمية القطاع الزراعي ضمن مخططات التنمية الاقتصادية التي تبنتها الدول العربية في الماضي. وتنطوي عملية التنمية عادة على تحول الاقتصاد من وضع تهيمن فيه الزراعة إلى اقتصاد يتعاظم فيه دور القطاعات الاقتصادية الأخرى. وفي كثير من الإستراتيجيات التنموية في الدول النامية - ومنها الدول العربية- التي تتراوح بين التنمية القائمة التصنيع, من خلال بدائل الواردات أو إستراتيجية النمو الذي تقوده الصادرات, لا تقوم الزراعة إلا بدور ثانوي داعم. وكثيرا ما كانت تغفل أهمية التفاعلات الإيجابية بين الزراعة والقطاعات الأخرى، كما لا يعطى اهتمام كبير لتعزيز البحث والاستثمارات في الزراعة. فكثير من اقتصاديي التنمية لم يعطوا القطاع الزراعي إلا أهمية ضئيلة نسبيا مع تسجيل بعض الاستثناءات، رغم قول بعض الاقتصاديين إن أي ثورة صناعية تحدث لابد أن تسبقها بعقود على الأقل ثورة زراعية كما حدث في الصين واليابان .
وقد اتجه طموح أغلب الدول النامية منذ حصولها على الاستقلال من أجل تحقيق التنمية، إلى التصنيع بالدرجة الأولى باعتباره مرادفا للتنمية والتقدم ما جعلها تقع في خطأ كبير هو إهمال التنمية الزراعية والتركيز على إنشاء بعض الوحدات الصناعية التي كانت تعتبرها معبرا بالاقتصاد الوطني من حالة التخلف التي ورثها من الحقبة الاستعمارية. وقد تركزت النسبة الكبرى من الاستثمارات العامة في القطاعات الأخرى على حساب القطاع الزراعي, ولم تكن الدول العربية أكثر حظا من باقي دول العالم الثالث, فقد اتجهت الإستراتيجيات التنموية نحو التصنيع على أساس أنه يعني التنمية، مما أدى إلى تعبئة الموارد المالية وتكثيف الجهود للنهوض بالاستثمارات في القطاع الصناعي، وذلك على حساب القطاعات الأخرى وخصوصا الفلاحة .
وشهد العقدين الأخيرين (الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي) خطوات متسارعة ضمن السياسات الزراعية نحو خصخصة وتحرير أسعار منتجات القطاع الزراعي في عدد من الدول العربية مثل مصر والأردن والمغرب والسودان وموريتانيا والجزائر وتونس . وقد أدت هذه الإجراءات إلى تهميش دور الدولة في الإنتاج والتسويق وحل بعض المؤسسات الحكومية وتصفيتها، واقتصار دور الدولة في كثير من الأحيان على وضع الخطط ومتابعتها، والإسهام في برامج التنمية الريفية وتنفيذ مشروعات البنية الأساسية الزراعية وتطوير مراكز البحث والإرشاد الزراعي.
وإذا كان للعوامل الديمغرافية والطبيعية والتوجهات التنموية العامة دور أساسي في تفسير الحالة الغذائية التي يعيشها الوطن العربي, فإن أهم أسباب العجز الغذائي العربي تكمن في التوزيع غير المتوازن بين الأقطار العربية للموارد والطاقات اللازمة للتنمية الزراعية, من موارد طبيعية وبشرية ومالية . فقد شاءت الأقدار أن يوجد معظم الموارد الزراعية العربية سواء المياه أو الأراضي القابلة للزراعة في بلدان تتميز بشح مواردها المالية، كما شاءت هذه الأقدار من جهة أخرى أن تنعكس الصورة بحيث يتوافر في عدد قليل من البلدان العربية ثروة نفطية هائلة تقابلها ندرة وشح في الأراضي الصالحة للزراعة والمياه مع بعض الاستثناءات.
ولكون الموارد المالية في الأقطار النفطية عاجزة عن إنتاج ما يكفي هذه الدول من الغذاء, وبقاء جزء كبير من الأراضي القابلة للزراعة غير مستغل أو بإنتاجية هزيلة في الأقطار الأخرى بسبب ضعف الاستثمارات ونقص تمويلها, فإنه يصبح من الضروري تعجيل التكامل بين هذه الأقطار من أجل الخروج من المأزق الغذائي الذي تعاني منه هذه الدول.
ومع تزايد قصور الإنتاج الغذائي عن مقابلة معدلات الطلب الاستهلاكي على السلع الغذائية, ظلت الفجوة الغذائية العربية تتسع حتى أصبحت في الوقت الراهن من أكبر التحديات التي تواجه الأمن القومي العربي.
3 - أبعاد الأزمة الغذائية
بدأت المشكلة الغذائية في الوطن العربي مع بداية السبعينيات, حتى أصبحت في نهاية العقد الماضي واحدة من أخطر المعضلات التي تواجهها دول المنطقة العربية, بعد أن وصلت إلى مستويات حرجة لتبلغ قيمة الفجوة الغذائية حوالي 14 مليار دولار. ويمكن قياس تجليات المشكلة الغذائية هذه بحجم وتطور الفجوة الغذائية ودرجة الاكتفاء الذاتي من السلع الغذائية.
أ - الفجوة الغذائية العربية
تتصف الفجوة الغذائية العربية بالتذبذب من سنة لأخرى بسبب التغير في الإنتاج الزراعي النباتي والحيواني وحجم الاستهلاك وتقلبات الأسعار العالمية للسلع الغذائية . ويعاني الوطن العربي من فجوة غذائية حادة في تزايد مع الزمن منذ بداية التسعينات. وأصبح تمويل استيراد الغذاء عبئا تئن تحت وطأته معظم الموازنات المالية لمعظم الدول العربية، ويستنزف جزءاً لا يستهان به من الدخل القومي العربي يتجه نحو الأسواق العالمية لسد الحاجة المتفاقمة إلى الغذاء في الوطن العربي . ويبين الجدول التالي حجم الفجوة الغذائية في الدول العربية .
البيان 1990 1995 1996 1997 1998 1999 الاكتفاء الذاتي (%) 1999
الإجمالي 11.7 11.524 13.26 12.643 13.432 11.888
الحبوب والدقيق 5.552 5.942 6.733 6.148 5.943 5.861 50.1
القمح 2.383 2.87 3.842 2.853 3.201 2.625 49.2
الشعير 706 745 908 1.114 647 889 33.5
الأرز 847 936 792 1.045 999 974 77.2
الذرة الشامية 699 797 1.125 1.009 1.047 1.347 37
البطاطس 22 87 45 57 85 112 99.9
السكر المكرر 1.911 1.190 1.636 1.644 1.44 1.323 33.9
بقوليات 188 360 349 1.644 1.44 1.323 33.9
الزيوت والشحوم 1.128 1.554 1.35 928 1.69 1.002 44.7
الخضر 203 120 268 201 135 150 98.6
الفواكه 182 20 262 153 475 154 98.4
اللحوم 1.192 978 1.462 1.538 1.58 1.577 84.3
اللبن السائل 2.036 2.82 1.972 2.05 2.298 2.058 72.5
البيض 86 81 40 36 39 46 96.3
السمك 436 890 857 306 441 666 107.8
الاكتفاء الذاتي:مالت نسبة الاكتفاء الذاتي في الوطن العربي من الغذاء منذ بداية السبعينيات إلى التدهور، وأصبحت في السنوات الأخيرة شديدة التدني، وترتب على ذلك أن اعتبرت المنطقة العربية من أكثر مناطق العالم استيرادا للغذاء. ويتضح من الجدول السالف ايضا انخفاض نسبة الاكتفاء الذاتي العربي من أهم السلع الغذائية مثل الحبوب التي بلغت نسبة الاكتفاء الذاتي منها حوالي 50% فقط عام 1999. وبالنسبة للشعير والقمح فقد بلغت النسبة 33.5% و49.2% على التوالي في نفس العام. وهناك عجز في معظم السلع الغذائية في الوطن العربي باستثناء الأسماك والخضر والفواكه وبدرجة أقل البط ويشكل تدهور معدلات الاكتفاء الذاتي العربي خطرا على الأمن الغذائي الذي يمثل أحد المكونات الأساسية للأمن القومي العربي من منظوره الاقتصادي. فالأمن الغذائي الذي يعني قدرة المجتمع على تأمين احتياجاته الاستهلاكية من السلع الغذائية الأساسية بإنتاجها محليا أو باستيرادها من الخارج, ليس هو تحقيق الاكتفاء الذاتي الذي غالبا ما يعني إنتاج كافة الاحتياجات الغذائية الأساسية محليا, وإنما يتعداه إلى تأمين مصادر الحصول على الغذاء محليا أو دوليا .
وتعتمد الدول العربية في الوقت الحاضر على الاستيراد من الخارج لسد العجز في احتياجاتها من الغذاء، وهنا تنبغي الإشارة إلى بعض الحقائق المتصلة بهذا الوضع:
- أن التركيب السلعي للواردات الغذائية العربية يعكس أهمية السلع الضرورية للحياة والتي يصعب الاستغناء عنها أو التقليل من حجمها الاستهلاكي بسهولة إلا بقدر طفيف، مثل الحبوب التي تعتبر سلعة حساسة في نظام المستهلك.
- طبيعة الأسواق الغذائية العالمية التي تحتكرها مجموعة قليلة من الدول والشركات المتعددة الجنسية, وما تملكه هذه القوى من إمكانية التأثير في هذه الأسواق والتحكم في أسعار السلع الغذائية واستخدام الغذاء كسلاح ضغط وعقوبة لترويض الحكومات المارقة من وجهة نظر هذه الأطراف المهيمنة.
- ضعف القدرة التفاوضية للدول المستوردة للغذاء بسبب تعاملها منفردة مع القوى الفاعلة في الأسواق الغذائية الدولية وضعف هامش المساومة نتيجة حساسية الغذاء ودوره في الاستقرار السياسي والاقتصادي.
إن تعاظم الفجوة الغذائية وتدهور نسب الاكتفاء الذاتي في الوطن العربي يسمح بالقول إن الأمن الغذائي مازال حلما لم يتحقق حتى الآن، ويتطلب تحقيقه في المستقبل اتخاذ جملة من المواقف والإجراءات الموحدة والمتكاملة لإزالة المشاكل التي تعيق التنمية بصورة عامة والتنمية الزراعية على وجه الخصوص.
ويتطلب الخروج من المأزق الغذائي جهودا عربية جادة على طريق التكامل في جميع الأصعدة وبالذات الصعيد الزراعي. إلا أن جهود التكامل العربي مازالت تنقصها الإرادة السياسية وحكومات مسؤولة وقوى ناشطة لتحقيق هذا الهدف الذي أصبح المخرج الوحيد للوطن العربي من الأزمات التي يعاني منها اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا. وقد آن الأوان لإحداث تحولات سياسية جذرية تكرس الديمقراطية - كما أشار إلى ذلك تقرير التنمية البشرية ، وتفسح الطريق أمام الشعوب للتأثير بالطرق الديمقراطية في القرارات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المصيرية وفي طرق تنفيذها ومتابعتها .
رابعا- أسباب فشل السياسات الزراعية في تحقيق الأمن الغذائي العربي
إن محاولات الإصلاح الزراعي التي قامت بها البلدان العربية ومختلف السياسات الزراعية لم تحقق النتائج المرغوبة للنهوض بالتنمية الزراعية العربية وتقليص الفجوة الغذائية ويرجع ذلك إلى جملة من الأسباب نتناولها فيما يلي :
1 - ضعف الكفاءة الاقتصادية في تطبيق السياسات الزراعية:
تبين المؤشرات الاقتصادية أن الإصلاحات الزراعية سواء ذات الطابع الاشتراكي أو الليبرالي لم تحقق تقدما يذكر في زيادة المساحات المزروعة، فلم تزد إلا بمعدل لم يتجاوز 0.2 % سنويا. أما على مستوى الطلب على الغذاء فقد بلغ في السبعينات 4.6 % مقابل نمو الإنتاج ب 1.8 % أما في النصف الثاني من السبعينيات وأوائل الثمانينيات فقد بلغ الطلب 6 % مقابل 2.5 % للإنتاج ، ويرجع ذلك إلى عدة أسباب أبرزها :
- سوء إدارة القطاع الزراعي: اذ يعتبر التخلف في نوعية إدارة القطاع الزراعي عائقا أساسيا يحد من الكفاءة الاقتصادية لهذا القطاع وحائلا أيضا دون الاستفادة من المزايا التكنولوجية الزراعية المستوردة. فبدون وجود أساس تنظيمي سليم يحكم مشروعات التنمية الزراعية من كل نواحيها وبصفة خاصة أساليب إدارتها ومستوى كفاءتها الإدارية تصبح المشروعات عاجزة عن استيعاب أهداف كل السياسات الزراعية، سواء كانت هذه السياسات متعلقة بالبحث والإرشاد الزراعي أو جوانب أخرى من جوانب السياسات الزراعية. ولهذا فإن الكفاءة الاقتصادية للمشاريع الزراعية تتوقف على إدارتها. وحسن الأداء الإداري يتوقف على أهلية الإنسان فيما يتعلق بمعرفة العمل وبقدرته على القيام به ورغبته في إتمامه وإنجازه. فعلى سبيل المثال عانت البلدان العربية التي طبقت إصلاحات زراعية ذات صبغة اشتراكية من مشاكل إدارية في مزارع الدولة والجمعيات التعاونية نتيجة للبيروقراطية والروتين الإداري. كما أنه في بعض هذه الدول، العراق على سبيل المثال، لم يسبق الإصلاح الزراعي دراسات اجتماعية واقتصادية لذلك أنعكس الارتجال على الإنتاجية الزراعية.
- إعطاء الأولوية للأهداف السياسية: إذ يؤدي الاهتمام بالأهداف السياسية على حساب الأهداف الاقتصادية إلى تراجع الكفاءة الاقتصادية للمشاريع الزراعية.
- عدم كفاية الاختصاصيين : لوحظ نقص في المختصين عند القيام بالإصلاحات الزراعية في أكثر من دولة عربية. ففي مجال المكننة الزراعية واجهت العديد من التعاونيات مشاكل متعلقة بندرة الموظفين الأكفاء والمختصين مما عاق عمليات الصيانة وتصليح الآلات الزراعية. ومن المعروف أن غياب عامل من عوامل الإنتاج سينعكس سلبا على الكفاءة والمردودة الاقتصادية
2- فشل سياسات البحث والإرشاد الزراعي في تحقيق أهدافها
يهدف الإرشاد الزراعي إلى تدريب المزارعين وإقناعهم بتبني النماذج والتقنيات الزراعية الحديثة من أجل تخفيض الكلفة وتحسين الإنتاجية النوعية. كما يناط بها التعرف على المشاكل التي تواجه المنتجين الزراعيين وتشخيصها ونقلها إلى مراكز البحوث لدراستها وتحديد الأساليب الملائمة للتعامل معها. ويعتبر دعم البحث الزراعي وتحسينه كماً ونوعاً وتوظيفا يشكل ضرورة إستراتيجية، ليس فقط للتخلص من العجز الغذائي العربي القائم والمتفاقم، وإنما أيضا لتطوير زراعتنا اعتمادا على النفس بصورة أساسية. وقد بُذلت جهود لا يستهان بها في هذا المضمار وأُسست معاهد ومخابر مختصة في البحث الزراعي، إلا أنها لم تصل إلى تحقيق أهدافها المرجوة وذلك نتيجة لعوامل عدة نذكر منها:
- ضعف التنسيق بين مؤسسات الإرشاد الزراعي وهيئات البحث الزراعي.
- ضعف الاستثمار في البحوث الزراعية العربية وتدني إنتاجية النشاط البحثي، إذ تشير بعض الدراسات إلى أن حجم الاستثمارات في ميدان البحوث الزراعية في بلدان العالم النامي تصل إلى 0.5 % من الناتج المحلي الزراعي.
- عدم دراسة مواضيع البحث الزراعي واختيارها على أسس علمية وكذلك عدم توظيف نتائجها.
- عدم استقرار السياسات الزراعية، كان عاملا أساسيا في عدم استقرار الإرشاد الزراعي.
3 - ضآلة الاستثمارات في مجال القطاع الزراعي
ان حصة القطاع الزراعي العربي من إجمالي الاستثمارات ضئيلة وكذلك عجز مؤسسات الإقراض الزراعي عن القيام بواجباتها. فالزراعة الحديثة، ولكي تحقق إنتاجية عالية فإنها تحتاج إلى استثمارات رأسمالية ومعرفية كثيفة، حتى وإن اعتمدت في بعض الظروف على كثافة العمالة. إلا أن تمويل القطاع الزراعي ظل يعاني من جملة من المعوقات نذكر منها: سوء إدارة مؤسسات الإقراض الزراعي والنقص في اعتمادات المصارف المختصة بالإقراض الزراعي وارتفاع فوائد المصارف التجارية وغياب خطة شاملة للسياسات الإقراضية المؤسسية وعدم موضوعية معايير توزيع القروض على المزارعين إضافة إلى عدم وفاء المزراعين بتسديد القروض الممنوحة.
4 - غياب العقلانية في استصلاح الأراضي
تهدف سياسات استصلاح الأراضي إلى تهيئة الأرض وذلك باستخدام الآلات الضرورية لشق وتمهيد الطرق الزراعية وبناء السدود وحفر الآبار الارتوازية وتخليص التربة من الملوحة وغير ذلك من الإجراءات الضرورية لتتم الزراعة في أحسن الظروف. ورغم الجهود التي بُذلت فإن عمليات الاستصلاح لم تعط النتائج المرجوة منها مما أثر سلبا على الإنتاج الزراعي وذلك نتيجة العوامل التالية:
- غياب تحديد أهداف استصلاح الأراضي في كثير من الأحيان.
- عدم تكامل مراحل الاستصلاح.
- سوء اختيار بعض مناطق الاستصلاح.
- عدم الالتزام بالشروط الفنية للزراعة في المشاريع المستصلحة
5 - ندرة الموارد المائية المتجددة في المنطقة العربية
تشكل الموارد المائية أحد العوامل الحاسمة في تنمية وتطوير القطاع الزراعي وفي تحقيق الأمن الغذائي. إلا أنها تعتبر موردا نادرا مما يتطلب سياسات وإستراتيجيات لإدارة هذه الندرة. فالموارد المائية في المنطقة العربية تتصف:
- ندرتها من الناحيتين المطلقة ( متوسط نصيب وحدة المساحة أو نصيب الفرد من المياه) والنسبية ( مقارنة مع باقي مناطق العالم).
- عدم ملاءمة توزيعها الجغرافي وصعوبة السيطرة على استغلالها الاستغلال الأمثل.
- استمرار تفاقم هذه الندرة وتزايد حدتها تحت تأثير عوامل عدة: تصاعد الضغط السكاني واستفحال التلوث وتزايد حاجات التنمية.
أمام هذه التحديات التي تفرضها ندرة المياه فقد قامت البلدان العربية برسم سياسات للري خصوصا البلدان النفطية منها لتوافر الموارد المالية الكافية. فعملت على استيراد التكنولوجيا الحديثة للمياه واستخدمت تقنيات متطورة لتوفير المياه كتحلية المياه المالحة واستخراج المياه الجوفية. ورغم كل هذه الجهود مازالت هذه السياسات الزراعية تعاني من معوقات مثل ملوحة المياه وكلفة تطوير قسم كبير من مصادرها، إضافة إلى ضعف فعالية الأجهزة المنوط بها تنفيذ السياسة المائية. هذه العوامل مجتمعة أثرت على الإنتاج الزراعي.
6 - ضعف الإنتاج الحيواني
بذلت البلدان العربية جهودا حثيثة لتطوير الثروة الحيوانية واعتمدت أسلوبين لتطويرها:
- زيادة عدد الحيوانات (توسع أفقي).
- زيادة إنتاجية الحيوان من اللحوم واللبن والصوف والبيض (توسع رأسي).
وقد أدى الأسلوب الأول إلى زيادة كمية ما بين الخمسينيات والتسعينيات تقدر ب 70 % , إلا أن سياسات الإنتاج الحيواني عرفت مجموعة من المعوقات حالت دون وصولها للأهداف المرجوة نذكر منها:
- عدم خصوبة المساحات التي تشغلها المراعي.
- تعرضها للجفاف.
- جزئية سياسات الإنتاج الحيواني إذ تتطلب خطة متكاملة لتنمية الثروة الحيوانية.
ويضاف إلى هذه المعوقات أيضا عدم استخدام الأساليب العلمية في تربية الحيوانات في المجتمعات الرعوية وغياب نظام متجدد للتحسين الوراثي.
7 -عدم ملاءمة السياسات السعرية العربية
تهدف السياسات السعرية في البلدان العربية إلى تخفيض أسعار الأغذية الاستهلاكية وتثبيتها مع تفضيل مصلحة سكان المدن وزيادة الصادرات الغذائية وتقليل الواردات والحصول على إيرادات حكومية إلا أن هذه السياسات السعرية تتسم بأنها لا تشمل كل الأسعار الزراعية، وإنما تستهدف فقط أسعار بعض المنتجات. وقد وُجهت إلى السياسات السعرية العربية مجموعة من الانتقادات من بينها:
- وجود سياسات جزئية لا تشمل كل الأسعار الزراعية وتناول سعر المحصول الواحد دون ربطه بالأسعار الأخرى.
- تحيز السياسات الزراعية لصالح المستهلك على حساب المزراعين.
- وجود فوارق كبيرة بين الأسعار الفعلية والأسعار المحددة من طرف الدولة.
- عدم اعتبار التكلفة أساسا لتحديد أسعار السلع الزراعية.
هذه الأسباب مجتمعة أدت إلى ضعف مردود القطاع الزراعي وعدم قدرته على تأمين الغذاء.
8 - إهمال البلدان العربية للصناعات الزراعية الغذائية
تعتبر الصناعة الغذائية نتيجة حتمية لضرورة حفظ المواد السريعة التلف والضرورية لحياة الإنسان. وقد رسمت بعض البلدان العربية كالجزائر ومصر وسوريا سياسات للصناعات الزراعية الغذائية تتضمن قطاعات الحبوب والزيوت النباتية والألبان والسكر والحلويات والمعلبات الغذائية واللحوم والمشروبات الغازية والمياه المعدنية والتمور. وعملت الحكومات العربية على دعم هذه الصناعات الغذائية وتقديم القروض والتسهيلات المصرفية ورغم ذلك فإن هذه الصناعات لم تحقق النجاح المطلوب وذلك للأسباب التالية:
- نقص الكوادر المتخصصة في الصناعات الغذائية.
- ضعف الطاقة الاستيعابية لمعامل الصناعات الغذائية الزراعية خصوصا في بعض المواسم.
- تلف المواد الغذائية في المخازن غير المجهزة.
9 - فشل مؤسسات التسويق الزراعي في تحقيق أهدافها
التسويق بمعناه الضيق يعني انتقال السلعة من المنتج إلى المستهلك لقاء مردود معين. تمر السلعة بجملة من الحلقات ويلعب التسويق الزراعي دورا كبيرا في دينامية القطاع الزراعي وتشجيع المزارعين وحثهم على تحسين إنتاجهم. وقد تدخلت بعض البلدان العربية في مجال تسويق السلع الزراعية بل إن تدخل الجهاز الحكومي تعاظم من خلال إنشاء الشركات والهيئات الحكومية لتسويق المحاصيل الزراعية. إلا أن قطاع التسويق عرف مجموعة من المشاكل التي يمكن تلخيصها فيما يلي:
- ضعف البنى التحتية لوسائل النقل والتخزين والتصنيع.
- عدم العناية بمعايير ومواصفات الجودة.
- ضعف القدرة التنافسية للمنتجات الزراعية العربية.
- نقص المختصين في التسويق الزراعي.
- غياب الاهتمام الكافي بالتسويق الزراعي في الخطط التنموية الزراعية
لكل ما تقدم فشلت الإصلاحات ومختلف السياسات الزراعية في تحقيق الأمن الغذائي العربي. فالإصلاحات العربية مرت بمراحل مختلفة من إصلاحات اشتراكية إلى إصلاحات ليبرالية. وتبين أن الأسباب الأساسية في فشل الإصلاحات ذات الطابع الاشتراكي تعود في أساسها إلى سوء الإدارة الذي تعاني منه المزارع التي تشرف عليها الدولة وكذلك الجمعيات التعاونية الزراعية وتفشي كل مظاهر البيروقراطية ،إضافة إلى مشاكل هيكلية متعلقة بعدم القدرة على استيعاب الأساليب الحديثة نتيجة لقلة المختصين. ولم تكن البلدان العربية التي انتهجت إصلاحات زراعية ذات توجه ليبرالي أحسن حالا، فلم تتمكن من تطوير وتحديث القطاع الزراعي ولا من زيادة إنتاجيته. فغالبا ما كانت الإصلاحات غير مدروسة من جميع جوانبها بل كانت في بعض الأحيان ارتجالية. وعملية الإصلاح عملية متكاملة، ففي بعض الأحيان هناك جهود جبارة لكنها تدار وتنفذ من طرف عمال لا يتمتعون بالكفاءة اللازمة، ومرة يتم استيراد بذور تتمتع بخصائص وجودة عالية إلا أنها لا تتم حراثتها في الظروف المناسبة والأمثلة كثيرة. لذا ظل الإنتاج الزراعي رغم كل هذه الإصلاحات يواجه مشاكل ومعوقات كبيرة لم تستطع خطط التنمية في الستينيات والسبعينات وحتى بداية الثمانينيات حلها فاستمر اتساع الفجوة بين الطلب على الغذاء وإنتاجه وتم تشخيص معوقات الإصلاح الزراعي في مشاكل تتعلق بمصادر المياه والإنتاج والتسويق والبحث والإرشاد الزراعي. وللتغلب على هذه المعوقات اتخذت البلدان العربية سياسات قطاعية:
- فمن أجل التغلب على المشاكل المرتبطة بالمياه تم اعتماد سياسات للري إلا أنها عانت من مشاكل مرتبطة بندرة الموارد المتجددة للمياه وأخرى مرتبطة بسوء الإدارة. كما تم اعتماد سياسات للإرشاد الزراعي وقد نجحت في إقامة بنية تحتية للإرشاد والبحث الزراعي كالمعاهد والمختبرات المختصة. إلا أنها عانت من مشاكل تمثلت في ضعف التنسيق بين مراكز البحث والإرشاد الزراعي واستئثار جانب البحث بمعظم الموارد المالية على حساب الإرشاد الزراعي
- وعلى مستوى التمويل تم تنفيذ سياسات للإقراض الزراعي عملت على دعم المزارعين إلا أن ذلك يختلف من قطر لآخر أي من بلدان عربية نفطية إلى أخرى غير نفطية، إلا أن هذه السياسات عانت من معوقات عديدة: مثل تسديد الديون، التدخلات السياسية ومشاكل تتعلق بالضمانات، نقص الاعتمادات المالية لبعض مؤسسات الإقراض الزراعي وخصوصا في البلدان غير النفطية. وعلى العموم فسواء كانت السياسات المعتمدة سياسات للري أو للإقراض الزراعي أو لاستصلاح الأراضي أو التصنيع الزراعي الغذائي فإن قاسما مشتركا يجمع بين أسباب فشلها هو اتساع الهوة بين السياسات على المستوى النظري وواقعها التطبيقي والتنفيذي ،وفي النهاية سنحاول تقديم بعض المقترحات للتغلب على معوقات السياسات الزراعية ووجود حلول عملية لها. إذ نقترح:
- على صعيد الإقراض الزراعي ضرورة زيادة القروض المخصصة لاقتناء التجهيزات ، واتخاذ آليات لضمان تسديد القروض بالتنسيق مع تجمعات المزارعين.
- أما في مجال الري فيجب تنفيذ برامج تهدف إلى دراسة انعكاسات مياه الري وأثرها على المدى الطويل وضرورة الاستخدام الفعال لمياه الري وضرورة مراقبة مستويات المياه الجوفية منذ بداية كل مشروع لوضع الإجراءات التصحيحية قبل أن تنخفض نوعية التربة.
- أما في مجال السياسات السعرية فيجب الموازنة بين أسعار المواد الغذائية في متناول المستهلكين وأسعار تغطي تكلفة الإنتاج وتشجع المزارع على زيادة إنتاجه وتشجيع الاستثمار في الزراعة بصفة عامة.
- وفي مجال سياسات الإنتاج الحيواني، يجب أن تطور آليات للمحافظة على المراعي بل وتخصيب تربتها عن طريق الأسمدة وإلا تبقى بدائية فقط، هذا إضافة إلى إنشاء مرافق بيطرية لوقاية الحيوانات من الأمراض والأوبئة وعلاجها في حالة الأمراض.
- أما سياسات التصنيع الغذائي فمن اللازم تعزيز هذا القطاع ليستطيع الوفاء بالاحتياجات الوطنية من السلع المصنعة ولا يتم ذلك إلا من خلال خلق بنية تحتية للتموين بالمواد الأولية والتخزين.
رابعا :إستراتيجية الأمن الغذائي العربي الغاية والأهداف
إن أي إستراتيجية تنموية لتحقيق الأمن الغذائي في الوطن العربي لابد أن تتخذ من التنمية الزراعية المستديمة غاية لها. وتحديد هذه الغاية ينطلق من معرفة الأسباب الكامنة وراء مشكلة الأمن الغذائي العربي والرغبة في إيجاد حل جذري ودائم لها.
والارتفاع المتزايد لعدد السكان، ومحدودية الموارد الطبيعية الزراعية وسوء استخدامها، وضعف الإنتاجية الزراعية، كلها عوامل فاقمت من مشكل الغذاء في الوطن العربي وزادت من الفجوة الغذائية والتبعية الاقتصادية للبلدان العربية، وهو ما جعل الخيار الإستراتيجي للخروج من المأزق يستوجب تحقيق تنمية زراعية مستديمة،
إذ تشير الإحصائيات إلى تضاعف عدد سكان الوطن العربي في فترة تقل عن ربع قرن، فقد ارتفع عدد السكان من 122 مليون نسمة عام 1970 ليصل 240 مليونا عام 1993 أي بمعدل زيادة يبلغ 97%، وهو ما يشكل ضعف معدل الزيادة في العالم. ومن المتوقع أن يتضاعف العدد مرة أخرى ليصل إلى 480 مليون نسمة بحلول عام 2030 .
وتولّد عن هذا الانفجار الديمغرافي ضغط على النشاط الاقتصادي، فأصبح بموجبه غرض الإنتاج الغذائي عاجزا عن تلبية الطلب المتزايد على المواد الغذائية. أضف إلى ذلك أن تزايد السكان وما يتطلبه من مجالات طبيعية للسكن ولبقية مرافق الحياة الأخرى ينمّي محدودية الموارد الطبيعية، وهو ما يزيد من تفاقم العجز عن توفير الغذاء. فالمساحة الصالحة للاستغلال الزراعي في الوطن العربي تقدر بحوالي 197 مليون هكتار بما يشكل نسبة 14.1% من المساحة الكلية للدول العربية البالغة 1402 مليون هكتار . وتمثل النسبة المزروعة من الأراضي الصالحة للزراعة لعام 2000 حوالي 47%، كما أن محدودية وسوء استغلال الموارد المائية يجعلها عاجزة عن مواكبة الطلب المتنامي لسد احتياجات السكان من الماء، فإجمالي الموارد المائية في الوطن العربي يقدر بحوالي 353 مليار متر مكعب لا يستخدم إلا نصفها فقط لمختلف الأنشطة والأغراض الفلاحية والصناعية والبشرية .
من جهة أخرى فإن ضعف المستوى التقني للعمالة الزراعية وعدم التحكم في التكنولوجيا الزراعية، يعد من العوامل التيفي ضوء ما سبق يمكن القول إن الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية والبشرية والمالية لزيادة الإنتاجية في الزراعة يمثل المدخل الأساس لتطوير القطاع الزراعي العربي وتحقيق وضع أفضل للأمن الغذائي العربي. ويتطلب تحقيق ذلك تعزيز القدرة العربية عن طريق التكامل والتنسيق بين السياسات التنموية في البلدان العربية خاصة في الميدان الزراعي، وعبر تعزيز التعاون والتنسيق بين مؤسسات البحوث الزراعية وتوظيفها لصالح التنمية الزراعية العربية حدّت من فعالية القطاع الزراعي في مواجهة العجز الغذائي في الوطن العربي
ومن هنا فإن غاية إستراتيجية الأمن الغذائي في الوطن العربي يمكن إجمالها في "تعزيز جهود تحديث الزراعة العربية وتنمية قدرتها الإنتاجية والتنافسية، وتنمية وصيانة الموارد الطبيعية والمحافظة على البيئة بما يكفل تحقيق أهداف الجيل الحالي والأجيال القادمة في إطار متكامل يحقق مصالح جميع الأقطار العربية" ، وهذا ما يمكن التعبير عنه بتحقيق التنمية الزراعية المستديمة. إن تحقيق هذه الغاية يستوجب توجيه التنمية الزراعية في الوطن العربي لتحقيق الأهداف التالية:
- النمو الديموغرافي: فحجم الاستهلاك من المواد الغذائية يتزايد بازدياد عدد السكان وبالتالي فإن الإنتاج الزراعي ينبغي أن يواكب الزيادة الحاصلة في عدد السكان تفاديا لحصول عجز غذائي.
- ارتفاع الدخل: ينعكس النمو الاقتصادي في زيادة مداخيل الأسر كما أن تشجيع الاستثمار من شأنه أن يتيح للأسر مداخيل إضافية، وهو ما يشجع هذه الأسر على زيادة حجم استهلاكها من المواد الغذائية حيث تفيد بعض الإحصائيات أن مرونة الإنفاق على الغذاء بالنسبة للدخل في البلدان التي قطعت شوطا في طريق النمو تصل إلى 0.6%، وهو ما يعني أن الزيادة في الدخل بنسبة 10% تنجر عنها زيادة في الإنفاق على الغذاء بمقدار 6% وهي نسبة لا يستهان بها .
- التحضر ينعكس عن الهجرة المتزايدة للسكان نحو المدينة زيادة في حجم الاستهلاك من المواد الغذائية، وذلك نظرا لما توفره المدينة من فرص للعمل ومن قنوات تسهل الحصول على الغذاء.
- تحسين أداء وفعالية القطاع الزراعي ورفع الإنتاجية الزراعية عن طريق الاستغلال الأمثل للموارد الإنتاجية والإدخال المتزايد لمختلف الابتكارات والاختراعات التقنية الزراعية، وذلك لتعزيز القدرة التنافسية للزراعة العربية وتمكين الإنتاج الوطني من الإحلال محل الواردات الزراعية التي تنهك الميزان التجاري في مختلف البلدان العربية.
- تنمية التجارة البينية العربية والقدرات التسويقية في مجال السلع الزراعية والخدمات توجهاً نحو إقامة سوق عربية مشتركة.
- الارتقاء بالمستوى المعيشي للسكان الريفيين عبر تحسين دخولهم الاقتصادية وجعل المرأة الريفية تضطلع بدورها في التنمية الزراعية. 1 - وسائل تحقيق الأهداف الإستراتيجية
أ - تعزيز التكامل الاقتصادي الزراعي العربي
لا يمكن للأهداف الإستراتيجية لتحقيق الأمن الغذائي العربي أن تتحقق إلا عن طريق إيجاد وتعزيز التكامل الاقتصادي الزراعي العربي، خاصة أن الوطن العربي يمتلك الشروط الضرورية لتحقيق هذا التكامل (تكامل الموارد الإنتاجية الزراعية، عدم تباين مستويات النمو الاقتصادي، وحدة اللغة والتاريخ والدين). هذا بالإضافة إلى ما سيحققه هذا التكامل من ميزات اقتصادية هامة تعود بالنفع على التنمية الاقتصادية في البلدان العربية وعلى المستوى المعيشي لسكانها.
فما سيبعثه التكامل الاقتصادي الزراعي العربي من تنسيق بين الخطط والسياسات التنموية الزراعية للدول العربية ومن دعم للتخصص الإنتاجي بين هذه الدول (حيث تختص كل دولة في إنتاج المواد التي تتمتع فيها بميزات نسبية وتستورد تلك التي لا تتمتع فيها بالميزة النسبية من الدول العربية الأخرى)، سيكون له الأثر الإيجابي في إعادة توزيع وتخصيص الموارد الإنتاجية بالشكل الذي يخدم التنمية الزراعية في الدول العربية. كما أنه سيؤدي إلى جعل المنتوجات العربية أكثر قدرة على المنافسة لما سينجر عن التخصص الإنتاجي من خفض في التكاليف واستفادة من مزايا الإنتاج المتسع .
وتعد ظاهرة التوزيع غير المتكافئ للموارد الزراعية من أهم العقبات التي تحول دون تحقيق الأمن الغذائي العربي، فبينما تتوافر الموارد المالية لأغراض الاستثمار الزراعي في بعض الأقطار العربية، نجد أن مواردها الأرضية تتسم بالندرة. والعكس أيضا، إذ تتسم بعض الأقطار بوفرة الموارد الأرضية والعمالة الزراعية في حين نجد أن ندرة مواردها المالية تؤدي بالموارد المتوافرة إلى حالة عدم الاستخدام الكفؤ.
وهكذا فإن حالة التجزئة التي ترتب عليها التوزيع غير المتكافئ للموارد وسيادة القيود على حركة الموارد الزراعية عبر الحدود القطرية، أدت إلى انخفاض التناسب بين عوائد بعض هذه الموارد وإنتاجيتها مقارنة باستخدامها على المستوى القومي، وأصبح إنتاجها في إطار الحدود القطرية لا يحقق تعظيم دالة؟؟ الإنتاج الزراعي العربي، فمثلا نجد أن السودان في عام 1989 استأثر بـ23% من إجمالي الأراضي الزراعية العربية و21% من العمالة الزراعية العربية، إلا أن الموارد المالية المستثمرة في القطاع الزراعي بهذا البلد لم تتجاوز 650 مليون دولار في حين بلغت هذه الاستثمارات 11.6 مليارا في السعودية في عام 1987 .
كما أن الموارد المائية تتباين وفرتها بين قطر وآخر، فبينما تنخفض وفرتها في أقطار الخليج العربي إلى حدود دنيا بلغت نحو 50 مليون متر مكعب سنويا في قطر، فيما ترتفع إلى نحو 81 مليارا في العراق .
إن اعتماد كل دولة على مواردها الذاتية وعدم تحقيق إطار تكاملي عربي متين تستطيع من خلاله الحصول على موارد إضافية لدفع عجلة التنمية بالسرعة المطلوبة، أدى إلى أن يكون استخدام الموارد الاقتصادية الزراعية في بعض الدول العربية لايزال دون التشغيل الكامل (العمل الزراعي في مصر والسودان والصومال، أو الأراضي الزراعية في السودان)، وهو ما انعكس سلبا على حجم الإنتاج الزراعي في الوطن العربي وعزز اتساع الفجوة الغذائية في جل الدول العربية
كما أن عدم استجابة الموارد الاقتصادية الزراعية في الأقطار العربية المجزأة للتوسع في الإنتاج تجاه الطلب المتزايد على المجموعات المحصولية، يعود أساسا إلى ندرة الموارد الاقتصادية الزراعية في بعض الأقطار العربية (الأرض الزراعية في مصر، رأس المال المزرعي في السودان، المياه في سوريا والأردن..) ووفرة بعض تلك الموارد في أقطار عربية أخرى، وهو ما أدى إلى عدم مرونة عناصر الإنتاج للتغييرات الحاصلة في الطلب على السلع الزراعية ومنح التوسع في الإنتاج.
وبما أن التكامل الاقتصادي الزراعي العربي سيعمل على إعادة تخصيص الموارد الاقتصادية الزراعية فإنه سيزيد من مرونة عناصر الإنتاج، مما سيسمح بزيادة حجم الإنتاج ليواكب الزيادة الحاصلة في الطلب على السلع الزراعية .
وهكذا فإن التكامل الاقتصادي الزراعي العربي يعد أهم وسيلة لتحقيق أهداف التنمية الزراعية المستديمة وحل المشكل الغذائي في الوطن العربي. ومقومات هذا التكامل متوافرة في الأقطار العربية، فهنالك موارد طبيعية وبشرية ومالية كبيرة نسبيا وغير مستغلة استغلالا كاملا يمكن بواسطتها تحقيق تنمية اقتصادية زراعية شاملة وبمعدلات عالية.كما أن هذا التكامل سيحدث تغييرات هيكلية في الزراعة العربية، فسعة السوق العربية ستمكن من تحقيق كفاءة اقتصادية للوحدات الإنتاجية الزراعية في ظل الاقتصاد الدولي الذي ستقوم على تنظيميه منظمة التجارة الدولية، خصوصا أن اتفاقية "الغات" قد خفضت القيود الجمركية وأزالت الحواجز غير الجمركية، وبذلك فإن التكامل الاقتصادي الزراعي العربي -إن تحقق- سيزيد الكفاءة التنافسية للصادرات الزراعية العربية، وسيساعد الدول العربية على زيادة التبادل فيما بينها في مجال السلع الغذائية، خاصة أن هذا التبادل لايزال ضعيفا جدا رغم إنشاء منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى ودخولها مرحلة التنفيذ مطلع عام 1998.
وتعد المنطقة التجارية الحرة التي تقضي بخفض الرسوم الجمركية والضرائب تدريجيا في غضون 10 سنوات إلى أن تصل الصفر، خطوة في الاتجاه الصحيح لتحقيق التعاون العربي، إلا أن دورها في تحقيق هذا الهدف لايزال محدودا للغاية خاصة فيما يتعلق بالتبادل العربي للسلع الزراعية، فقد أتاح برنامجها التنفيذي مبدأ الاستثناء لبعض السلع الزراعية وعدم تطبيق التخفيض التدريجي للرسوم الجمركية والرسوم ذات الأثر المماثل عليها خلال فترات زمنية محددة، وهو ما اتفق على تسميته بالرزنامة الزراعية، إذ لكل دولة عضو الحق في إدراج عشر سلع زراعية ضمن الرزنامة ولفترة لا تتجاوز 40 شهرا، وهو ما مكن 11 دولة عضوا من إدراج 30 سلعة زراعية، الأمر الذي يفسر إخفاق المنطقة في تحقيق التبادل التجاري الحر للسلع الزراعية بين الدول العربية .
ب - تعزيز قدرات الاستحواذ على التكنولوجيا
يعتبر تحسين أداء القطاع الزراعي ورفع الإنتاجية الزراعية هدفا إستراتيجيا لتحقيق الأمن الغذائي في الوطن العربي، ويتمثل السبيل إلى تحقيق هذا الهدف في تعزيز قدرات الاستحواذ على التكنولوجيا الزراعية عن طريق الاهتمام بالتقدم العلمي وما يفتحه من آفاق واسعة لتطوير الأساليب الزراعية المتبعة في إنتاج المحاصيل، كتطوير كفاءة استغلال المساحات الزراعية المتوافرة وتوسعها وتحسين استخدام البذور المحسنة والدورة الزراعية بالصورة الأكثر ملاءمة، والتوسع في المكننة الزراعية وتبني أساليب الري الحديثة وتطوير الأصول الوراثية باستخدام التكنولوجيا الحيوية والهندسة الوراثية والتقنيات الكيماوية.
إن تطوير الإنتاجية والإنتاج الزراعي بفرعيه النباتي والحيواني، يرتبط إلى حد كبير بالتحديث التقني الذي يتوقف بدوره على البحوث العلمية خاصة في الميدان الزراعي.ورغم إدراك الدول العربية ما للأساليب العلمية والتقنية المتطورة من أهمية في تحقيق التنمية الزراعية فإن جهودها لاتزال عاجزة عن الاستحواذ على التكنولوجيا الزراعية واستخدامها بشكل يسمح بالانتقال من حالة العجز والاستيراد إلى حالة الوفرة والتصدير. فالتوسع الرأسي في المساحات المزروعة بواسطة تكثيف الإنتاج عن طريق استخدام التكنولوجيا لم يتطور في الوطن العربي إلا بنسبة متواضعة، خاصة فيما يتعلق بالمحاصيل ذات العلاقة بالأمن الغذائي كالحبوب واللحوم والألبان، وتفيد الإحصائيات أن مساهمة التوسع الرأسي للإنتاج لم تتجاوز 15% من مجمل الإنتاج خلال السنوات العشر الماضية .
إن نجاح الجهود العربية المبذولة للاستفادة من فوائد التنولوجيات الحيوية (الحصول على سلالات وبذور فائقة الإنتاجية تحقق وفرة في الإنتاج الزراعي، إنتاج نباتات تتحمل الجفاف والملوحة وبالتالي الاقتصاد في مياه الري، إنتاج نباتات بقيَم غذائية أعلى..) لايزال ضعيفا بسبب قصور الإمكانيات البحثية واحتياج هذه التقانات إلى مستويات مرتفعة من الموارد المحلية والخبرات والتجهيزات الفنية، علاوة على احتكارها من قبل شركات عالمية متعددة الجنسية مما يجعل الاستفادة من ثمارها أو نتائج أبحاثها أمرا شديد التعقيد وباهظ التكاليف.
وهكذا فإن ضعف البحوث الزراعية في المنطقة العربية من أهم العوامل التي حدّت من الإنتاجية الزراعية بالمنطقة. ويعود هذا الضعف إلى عوامل عدة نذكر منها:
- عدم التنسيق بين مراكز البحوث العربية وأنشطتها.
- ضآلة مساهمة القطاع الخاص في هذه الأبحاث.
- نقص الكوادر المؤهلة للقيام بالأبحاث عموما والتطبيقية منها خصوصا.
- قلة الموارد المخصصة لهذه الأبحاث من الحكومات.
- ضعف التجهيزات العلمية والفنية والمختبرات المتخصصة.
- عدم توافر البيئة العلمية والمهنية التي تحافظ على العلماء والباحثين في هذا المجال
وقد يعود هذا الوضع إلى ضعف حجم الاستثمار في ميدان البحوث الزراعية في البلدان العربية -شأنها شأن باقي الدول النامية- حيث تقدر نسبته بـ0.5% من الناتج المحلي الزراعي الإجمالي، مقارنة بنسبة تتراوح بين 1 و2% من الناتج المحلي الزراعي للبلدان المتقدمة ، وذلك بصرف النظر عن الحجم المطلق الكبير للناتج الإجمالي في تلك الدول المتقدمة وعن كفاءة الإنفاق.
ولعل هذا الفارق الكبير في الاستثمار يفسر الفجوة التقنية بين الدول العربية والدول المتقدمة وانعكاسها في تباين معدلات الإنتاجية الزراعية فيما بينهما. فبالنسبة للحبوب مثلا فإن متوسط الإنتاجية رغم ارتفاع مستوى الغلة خلال عقدي الثمانينات والتسعينات في الدول العربية، يعتبر متواضعا حيث بلغ عام 1996 نحو 32% من متوسط الإنتاجية في أمريكا الشمالية و36% في أوروبا. وكذلك الحال بالنسبة للقمح، إذ يبلغ متوسط إنتاجيته في الدول العربية حوالي 69% من متوسط الإنتاجية في أمريكا الشمالية و34% من متوسطها في أوروبا .
وهكذا فإن إعطاء الأهمية الكافية للبحوث العلمية الزراعية من حيث التشجيع والاستثمار يعد من أهمّ الوسائل لتحقيق الأهداف الإستراتيجية للتنمية الزراعية وتحقيق الأمن الغذائي وذلك لما تتمتع به هذه البحوث من قدرة على القيام بالوظائف التالية:
- التحديد الموضوعي والمعقلن للأهداف الإستراتيجية المتعلقة بنوعية التكنولوجيا المستخدمة في الإنتاج الزراعي أو تلك التي ينبغي ابتكارها لاستخدامها والآليات والنظم الزراعية الكفيلة بضمان استغلال أمثل للموارد الزراعية وجعلها تستجيب للاحتياجات المتزايدة للمستهلكين.
- توليد فائض مستمر من تكنولوجيات جديدة متوائمة مع الاحتياجات المتجدّدة للمجتمع المتطور خاصة فيما يتعلّق بالإنتاج والإدارة والتسويق في الميدان الزراعي.
- بلورة نظم إنتاج متكاملة ومتطوّرة أي تكامل البحوث التي تعالج العمليّات الإنتاجية وتبلورها إلى نظام إنتاجي أو نظام مزرعي كامل لسلعة زراعية معينة أو منطقة معينة وهو ما يستدعي تضافر وتكامل الجهود بين مختلفي الباحثين والمرشدين الزراعيين والمنتجين المزارعين.
إنّ الفعالية في تحقيق هذه الوظائف تستدعي أن تكون الجهود البحثية الهادفة إلى التنمية الزراعية تراعي الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية الوطنية في الإنتاج الزراعي وأنّ تولى اهتماما خاصا للاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية ولعائد استثمار هذه الموارد، وأن تكون على وعي كامل بأهمية عنصر الزمن لتحقيق الأهداف المنشودة في الوقت المطلوب، وأن تساهم هذه الجهود البحثية في تحقيق العدالة الاجتماعية عن طريق التحسين من المستوى المعيشي للقاعدة العريضة من المزارعين.
و في ضوء ما تقدم، يمكن القول أن زيادة الإنتاجية في الزراعة تمثل المدخل الأساسي لتطوير القطاع الزراعي العربي وتحقيق وضع أفضل للأمن الغذائي العربي ويتطلب تحقيق ذلك تعزيز القدرة العربية وتمكينها من مواكبة التطورات في التقنية العلمية وتوظيفها وتطويعها وفقا لظروف البيئة المحلية، وهو أمر لا شكّ مرتبط بوضع الأطر المؤسسية اللازمة وتوفير الكوادر البشرية الكافية عددا ونوعا على مستوى كل دولة عربية وعلى المستوى القومي. وبالنظر إلى التطورات على الساحة الدولية، فإنّ تحقيق ذلك يتطلب أيضا تعزيز التعاون والتنسيق بين مؤسسات البحوث الزراعية العربية، ودعم مراكز ومحطات البحوث الزراعية في مجالات التقانات الزراعية على المستوى الإقليمي وتشجيع الباحثين الزراعيين العرب، ونشر نتائج أبحاثهم ودعم نظم وشبكات المعلومات لنشر واستلام المعلومات الفنية حول التقانات العالمية الحديثة وهي كلها أمور تتطلب جهود استثمارية كبيرة
ج - تشجيع التمويل والاستثمار في القطاع الزراعي
بالرغم من أهمية القطاع الزراعي في البلدان العربية، والدور الذي قد يلعبه في تحقيق الأمن الغذائي فإنّ حظّ هذا القطاع من الاستثمار في هذه البلدان لا يزال ضعيفا إذ لم تتجاوز نسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي في بداية الثمانينات 7,5% في المتوسط. فبالرغم من تطور حجم الاستثمارات الإجمالية في البلدان العربية من حوالي 56 مليار دولار خلال الفترة 1970-1985 إلى نحو 683,5 مليار دولار في الفترة1981-1986 إلا أنّ الأهمية النسبية للاستثمارات الزراعية قد انخفضت من 13,9% في الفترة الأولى إلى نحو 9,3% في الفترة الثانية وبالتالي فإنّ حجم الاستثمارات في القطاع الزراعي لا يتناسب مع الأهمية الإستراتيجية للقطاع سواء من حيث الأهمية النسبية لوزنه الديموغرافي (يمثل السكان الزراعيون حوالي 35,6% من إجمالي السكان لعام 1992)، أو من حيث القوة البشرية العاملة التي يحتضنها والتي تمثل 36,5% من إجمالي القوة البشرية العاملة في عام 1992، أو من حيث مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي التي قدرت في عام 1994 بنحو 13,07% كمتوسط إجمالي عربي ، وهو ما قد يفسر تفاقم العجز الغذائي بالبلدان العربية حيث بلغت نسبته التراكمية ما بين 1970-1994 حوالي 179 مليار دولار أمّا على صعيد توزيع الاستثمارات الزراعية على المستوى القطري فمن الملاحظ تباينا واسعا في حجمها على مستوى الأقطار العربية حيث يتركز العدد الكبير منها في الدول التي لا تمتلك الإمكانات الزراعية الأفضل (الأراضي الزراعية، قوة العمل).. حيث تفيد بعض الإحصائيات أنّ الاستثمارات الزراعية في مجموعة الأقطار النفطية قد مثلت في الفترة ما بين 1981-1985 أكثر من ثلاثة أرباع الاستثمار الإجمالي العربي في الوقت الذي يمثل سكانها الزراعيون أقل من ربع إجمالي السكان العرب، وفي المقابل تمثل استثمارات الأقطار الأقل نموا (جيبوتي والسودان والصومال وموريتانيا واليمن) 4% في الوقت الذي يتواجد فيها ما يقارب 30% من مجمل السكان الزراعي . وممّا حدّ من فعالية الاستثمارات الزراعية العربية في تحقيق التنمية الزراعية، زيادة على سوء توزيعها الجغرافي وضعفها الكمّي، كون اختيارها لا يتمّ وفقا لأسس اقتصادية واجتماعية سليمة وهو ما يمكن أن نلمسه من خلال ما تتصف به من خصائص كالتركيز على التنمية الميكانيكية حيث تتوفر قوة عمالية كثيفة، تفضيل محاصيل ثانوية على محاصيل أساسية أو استراتيجية ضعف كفاءتها بسبب عدم تكاملها أو اكتمالها، عدم تطبيق المعايير السليمة التي تضمن الاستثمار في المناطق الأكثر وعدا من الناحية الإنتاجية والأكثر حاجة من الناحية الاجتماعية.
كما أن مصادر تمويل هذه الاستثمارات لا تزال قاصرة وعاجزة عن تعبئة الموارد الكافية نظرا لضعف الادخار ولسوء استغلال الفوائض النقدية والعوائد النفطية ولغلبة السلوك الاستهلاكي والإنفاق المظهري على السلوك الادخاري في جل الدول العربية، وكذلك لعدم تجذر مفهوم المشاركة بين الأقطار العربية بالاستثمار في مشروعات زراعية مربحة تعود بالنفع على التنمية الزراعية في المنطقة وعلى المستوى المعيشي لسكانها. فلا تزال الاستثمارات الزراعية العربية المشتركة تقتصر على مجالات مضمونة أو شبه مضمونة تتوافر لها التقنيات المناسبة والبنى الأساسية اللازمة كإنتاج الدواجن وصيد الأسماك وإنتاج المحاصيل السكرية وبعض الصناعات الزراعية وكالأعلاف والسكر، ومن الواضح أن هذه الاستثمارات لم تطرق حتى الآن بنطاق جاد أهمّ فرص الإنتاج الزراعي المتاحة من حيث توافر الموارد الطبيعية غير المستغلة أو ضعيفة الاستغلال.
إنّ النهوض بالاستثمارات الزراعية يتطلب جهودا عربية مشتركة وإصلاحات هيكلية تضمن خلق مناخ ملائم ومحفز للتمويل والاستثمار بالقطاع الزراعي ولعل أهم هذه الجهود والإصلاحات ما يلي:
- بعث هيئات متخصصة في الإقراض الزراعي والتمويل على المستوى القومي والقطري وتحسين أداء ما هو موجود منها.
- تقوية شبكة التمويل والإقراض الزراعي وتكثيفها ليتماشى حجمها وحجم المزارعين المتعاملين معها مما سيمكن من تخفيض تكاليف القروض الزراعية.
- العمل على زيادة سيولة المؤسسات التمويلية الزراعية عن طريق تشجيع الادخار وذلك لتقوية قدرة هذه المؤسسات على منح القروض الطويلة ومتوسطة الأجل.
- رفع الكفاءة الإدارية للبنوك الزراعية للحدّ من تعقيد شروط الإقراض وارتفاع فوائده.
- التنسيق بين السياسات الاقتصادية للدول العربية والعمل على استقرار هذه السياسات وذلك لما يتطلبه الاستثمار من آجال طويلة تستلزم تنبؤات ذات ثقة عالية باستقرار السياسات الاقتصادية على المدى الطويل.
- العمل على كفاءة أداء الخدمات التسويقية التي تؤدي إلى التوازن بين عرض المنتجات الزراعية والطلب عليها.
- العمل على تحرير أسعار السلع الزراعية والحدّ من تدخل الدولة لدعم قطاعات الاستهلاك على حساب قطاعات الإنتاج.
- إدخال التعديلات اللازمة على السياسات التشريعية والإدارية لحفز الاستثمارات الزراعية وتنشيطها
ومما سبق نستنتج أن رفع الإنتاجية وتحقيق تنمية زراعية مستديمة لمواجهة العجز الغذائي يتطلب مضاعفة الاستثمارات الزراعية من حيث مقاديرها، كما يتطلب ترشيد استغلالها اقتصاديا واجتماعيا وتحسين توظيفها تقنيا وإداريا وكلها أمور تستوجب خلق مناخ مناسب للاستثمار قادر على استقطاب الأموال العربية المهاجرة والتي تتراوح وفقا للأرقام المتداولة بين 600 و700 مليار دولار أي أنّه مقابل كل دولار واحد مستثمر في المنطقة العربية هنالك 56 مليار بملكية عربية مستثمرة في الخارج.
د - تطوير وتعميق علاقات التبادل التجاري مع العالم الخارجي
إن الحل الدائم لمشكلة الأمن الغذائي يتطلب مبادرات أو إشكال أخرى للعلاقات تجعل التبادل بين الوطن العربي والعالم الخارجي لا يقتصر على الشكل البسيط وإنما يتعداه ليتميز بالتنوع والتوازن، فتنمية الإنتاج العربي تتطلب الاستيراد (منتوجات أولية، منتوجات تكميلية...) الذي يؤدي بدوره إلى التصدير المتنوع. وفي هذا الإطار فإنّ تعميق التعاون مع العالم الخارجي خاصة التعاون العربي-الأوروبي يصبح أمرا أساسيا وذلك لما يوفر من إمكانيات لزيادة التبادل التجاري بين المنطقتين فالتجاوز والتكامل الاقتصادي وتداخل التاريخ والمصالح المشتركة عوامل تشجع على المضي قدما في هذا الاتجاه إن حالة التشتت التي تعيشها البلدان العربية وما ترتب عنها من غلبة الطابع القطري في العلاقات التي تربطها بالمجموعات والتكتلات الاقتصادية من أهم العوامل التي حالت دون خلق مناخ ملائم للتبادل المتكافئ بينها وبين هذه المجموعات، فمن الصعب على أية دولة لديها إمكانيات للتصدير أن تستخدمها إذا لم تكن أسواقها أكيدة نسبيا وأسعارها مناسبة خاصة إذا كان استخدام هذه الإمكانيات يحتاج إلى استثمارات مالية وبشرية مكلفة وهو ما يثبت من جديد أنّ التكتل الاقتصادي العربي أمر ضروري لتعزيز التبادل التجاري مع العالم الخارجي وجعله أكثر تكافؤا واتزانا خاصة فيما يتعلق بالسلع الزراعية حيث تفيد الإحصائيات أنّ الصادرات الزراعية في الدول العربية لعام 1999 قد انخفضت بنسبة 3,7% مقارنة بالعام السابق إذ بلغت حوالي 6,5 مليار دولار. أمّا الواردات الزراعية العربية فقد بلغت خلال عام 1999 ما قيمته 25,8 مليار دولار إنّ التفاوت الكبير بين قيمتي الصادرات والواردات الزراعية العربية خير دليل على أن الدول العربية لم تتحكم بعد بالعوامل المحددة لتجارتها الخارجية الزراعية خاصة وأنّ تنشيط هذه التجارة يعدّ أهمّ الروافد الأساسية للنشاط التنموي سواء على صعيد تشغيل الموارد الاقتصادية العاطلة أو إعادة تخصيص ما هو مشتغل منها وتوجيهه من الاستخدام المحصولي الأقل كفاءة إلى الاستخدام المحصولي الأكثر كفاءة فتحقق بذلك التجارة الخارجية للأنشطة التي تتطلبها التنمية الاقتصادية وتتوفر بعض الموارد الأساسية كالموارد النقدية باعتبارها مصادر تمويل. ومما يثبت أيضا عدم تكافؤ التبادل التجاري العربي مع العالم الخارجي كون دول المغرب العربي (خاصة المغرب والجزائر وتونس) لا تزال عاجزة عن كسب رهان التبادل التجاري مع المجموعة الأوروبية فصادراتها من المواد الغذائية تتعرض للكثير من القيود والإجراءات تمنعها من اختراق السوق الأوروبية.
ومع ذلك فإنّ تبعية هذه الدول غذائيا لأوروبا (المغرب يستورد من أوروبا ما يتراوح بين 8 و10 ملايين قنطار من الحبوب سنويا) وضرورة إيجاد منافذ لسلعها الغذائية المعدة أساسا للتصدير يحدان من هامش حريتها في المفاوضات مع المجموعة الأوروبية.
إن تطوير وتعميق التبادل التجاري مع العالم الخارجي والاستجابة للتحديات التي تفرضها منظمة التجارة العالمية يقتضي إحداث تغير كبير في جميع جوانب الزراعة العربية وتحديثها وهو ما يتطلب التركيز على الأمور التالية
- زيادة القدرة التنافسية للمنتجات الزراعية العربية في الأسواق المحلية والعالمية وهذا ما يتطلب التحكم في كل ما من شأنه أن يزيد من فعالية وكفاية الإنتاج الزراعي كالتحكم في التكنولوجيا الزراعية وتحديث وتطوير المؤسسات الخدمية ذات الصلة بالنشاط الزراعي.
- إقامة تكتل اقتصادي عربي للارتقاء بالاقتصاد العربي والمحافظة على مصالح الأقطار العربية في ضوء التكتلات العالمية وهذا يتطلب تعزيز التكامل العربي وخلق سوق عربية مشتركة وتفعيل المنطقة التجارية العربية الكبرى عن طريق تذليل العقبات التي تعترض سبيلها والمتجسدة أساسا في:
- غياب الشفافية والمعلومات حول التعامل التجاري بين الدول الأعضاء، فالشفافية والإفصاح عن كافة الإجراءات الإدارية والسياسية الاقتصادية والتجارية يشكل عنصر أساسيا في عملية تنفيذ المنطقة. وينتج عن عدم الإفصاح أو الإعلام والتعريف بهذه السياسات انعكاسات سلبية تؤثر على مجرى التطبيق الفعلي للمنطقة.
- التمييز في المعاملة الضريبية بين المنتج المحلي والمنتجات المستوردة من الدول العربية الأخرى.
- القيود الغير جمركية المطبقة في العديد من الدول العربية كالقيود الفنية والقيود الكمية والإدارية والقيود النقدية.
2 - مقترحات
نستنج مما سبق عرضه أن التنمية الزراعية المستديمة تعد مطلبا أساسيا لتحقيق الأمن الغذائي في الوطن العربي، وأنّ تحقيق هذا المطلب يستدعي تحقيق التكامل الاقتصادي الزراعي العربي، وخلق مناخ محفز للاستثمار الزراعي، والتمكن من الاستحواذ على التكنولوجيا الزراعية والتحكم في العوامل المحددة للتبادل التجاري وما ينجر عنه من تنمية للصادرات الزراعية العربية.
غير أنه في رأينا أن فعالية هذه الوسائل في تحقيق ما تصبو إليه التنمية الزراعية من أهداف (زيادة الإنتاج كمّا وكيفا ليتماشى مع طبيعة حجم الاستهلاك، تحسين المستوى المعيشي للسكان خاصة على مستوى الريف، استدامة الإنتاج الزراعي المرشد بيئيا، زيادة العائد من الصادرات الزراعية...) ترتبط إلى حدّ كبير بمدى توافر بعض المبادئ والمتطلبات التي نعتبرها عناصر أساسية لإنجاح الجهود الساعية إلى تحقيق التنمية الزراعية المستديمة والأمن الغذائي في الوطن العربي ولعل أهمّ هذه المتطلبات:
الإدارة المحكمة:
أي الإدارة المحكمة لعملية التنمية الزراعية على المستويين القومي والقطري وذلك عن طريق الأخذ بعين الاعتبار المبادئ التالية:
- فعالية التخطيط وذلك لما يترتب عنها من دقة في تحديد الغايات والأهداف المرسومة للهيئات والمؤسسات الزراعية على المستويين القومي والقطري ومن تعبئة للموارد الضرورية لتحقيق هذه الأهداف، ولكي يكون التخطيط فعالا ومرنا فإنّه من الضروري توفر قاعدة بيانات للموارد شاملة حديثة موثقة ومتجددة، وأن يكون من يقوم بعملية التخطيط على مستوى من الكفاءة يخوله الاستخدام الأمثل لهذه البيانات.
- فعالية التنفيذ أي القدرة على تحويل الأهداف الإستراتيجية إلى واقع ملموس، وهنا تبرز مدى أهمية العنصر البشري وكفاءته في تحقيق أهداف التنمية الزراعية. فالتنمية الزراعية وإن كانت تستهدف في المقام الأول رخاء الإنسان وسعادته, فإنّ الإنسان هو أداتها ومنجزها, وبالتالي فإن نجاح التنمية الزراعية يستوجب أن يكون العنصر البشري على قدر مناسب من التمكين من المعارف والمهارات الزراعية اللازمة لأدائه لدوره بالفعالية الواجبة والسرعة المطلوبة, وهذا يعني أن تتوفر لديه قاعدة راسخة من التعليم والتثقيف والإعداد الجيّد والتدريب ...
- العمل الجماعي إن العمل في فريق متكامل التخصّصات تجمع أفراده وحدة الهدف ومستويات الأداء يسهل تخطي الحواجز التنظيمية لهياكل التنمية الزراعية وبالتالي التصدي لمعظم المشاكل التي يتعذر على المجهود الفردي تجاوزها في سبيل تحقيق أهداف التنمية الزراعية.
- العدالة إن العدالة الاجتماعية والاقتصادية شرط أساسي لضمان فعالية التنمية الزراعية, ويتجسّد ذلك من خلال توزيع الأصول الإنتاجية داخل القطاع الزراعي على المستوى القطري وكذلك على المستوى القومي وعدالة تخصيص الاستثمارات وتوزيع المستلزمات والقروض وعدالة السياسة السعرية بين القطاع الزراعي وغير الزراعي, وعدالة توفير فرص متكافئة قدر الإمكان في العمل والتدريب والتعليم والرعاية الصحيّة وعدالة مشاركة أصحاب العلاقة في اتخاذ القرارات ثم توزيع ثمار التنمية نفسها على مستحقيها, وفقا للمبدأ الذي يرتبط بين الجهد والمكافأة ووفقا لنظام يضمن توفير المستلزمات إلى صغار الفلاحين وتوفير الحاجات الأساسية لكل فرد بدءا بالأكثر احتياجا.
- تعزيز التكامل والتكتل عن طريق التنسيق بين السياسات الاقتصادية وتنشيط العمل العربي المشترك خاصّة في الميدان الزراعي وخلق سوق عربية مشتركة.
إن تنشيط العمل العربي المشترك في الميدان الزراعي يمكن أن يتحقق من خلال:
- وضع وتنفيذ خطط وبرامج مشتركة لحصر ومسح وتصنيف ورصد الموارد الطبيعية الزراعية على المستوى القومي.
- وضع وتطوير أو تحديث خارطة موحدة للأراضي الزراعية على المستوى القومي وتصنيفها وتتبع خصائصها.
- إقامة شبكات متطورة لرصد المياه السطحية والجوفية وتعزيز وتوفير المعلومات عنها زماننا ومكاننا على المستويين القطري والقومي.
- إقامة مشروعات مشتركة على المستوى القومي في بعض مجالات البحث والتطوير التقني الزراعي, والنظر مثلا في إقامة بنك عربي للمعلومات الزراعية وإنشاء معهد عربي للتقانة الحيوية وهندسة الجينات.
- وضع وتنفيذ وتطور الخطط والسياسات لتسهيل حركة عوامل الإنتاج بين الأقطار العربية وكذلك تسهيل وتشجيع انتقال العمالة وفق الأسس مدروسة وتشجيع وانتقال واستثمار وحماية رؤوس الأموال العربية.
- وضع وتنفيذ مشروعات لإقامة أو لتقوية واستكمال البنى التحتية الأساسية اللازمة للتنمية الزراعية.
القسم الثاني
السياسات الزراعية اللبنانية
أولا: تعريف السياسات الزراعية
يمكن تعريف السياسة الزراعية بأنها "مجموعة التدابير والإجراءات التي تتبناها الحكومة لحماية القطاع الزراعي من الواردات، ورفع مداخيل المزارعين" وتعد السياسة الزراعية في لبنان عموماً انعكاساً لسياسة الحكومة الإقتصادية، التي تفضّل عدم التدخل في الشؤون الإقتصادية، مع إعطاء دور أكبر للقطاع الخاص. إذ اقتصر دور القطاع العام، تقليدياً، على إقامة البنية التحتية للقطاع الزراعي مثل تمهيد الطرق، وحفر قنوات الري، واستصلاح الأراضي. وحديثاً، قدَّمت الحكومة دعماً لأسعار المحاصيل النقدية مثل التبغ والشمندر السكري، والقمح، وذلك لتشجيع إحلال هذه المحاصيل محل المحاصيل الممنوعة بحكم القانون.
ثانيا : برامج الحكومة في القطاع الزراعي
هنالك عدة برامج ومشاريع انتهجتها الحكومات اللبنانية، من أهمها :
1 - سياسة السيطرة على الواردات
بدأت تتوضّح سياسات الحكومة والقوانين والإجراءات التي تستهدف حماية القطاع الزراعي منذ الخمسينيات من القرن الماضي. إذ تركز اهتمام الحكومة، على حماية الإنتاج المحلي للفواكه والخضار خلال مرحلتي الإنتاج والحصاد، واتخاذ تدابير الحد من واردات بعض المنتوجات الزراعية. ويطلق على الأداة الرئيسة لسياسة الحد من الواردات " الروزنامة الزراعية " التي أدخلت عليها بعض التعديلات في المرسوم الإشتراعي رقم 481/1968، والمرسوم الإشتراعي رقم 2 الصادر في 2/11/1989، وكذلك التعديلات التي أُدخلت عامي 1992 و 1995، إذ لا يُسمح باستيراد منتوجات زراعية محددة، مثل الحمضيات والتفاح والبطاطا وغيرها. ويُسمح باستيراد بعض المنتوجات الزراعية بموجب ترخيص من وزارة الزراعة، فيما يُسمح باستيراد منتوجات معينة خلال فترة محددة من الوقت من دون ترخيص.
2 - مشروعات الري
في الخمسينيات من القرن السابق، أعلنت الحكومة خطة التنمية الخمسية، التي استهدفت تحديث شبكة الري، ببناء السدود والخزانات والقنوات ومحطات الضخ. وهكذا أنشأت مشروع الليطاني والقاسمية للري الذي هدف إلى تزويد الجنوب والجزء الجنوبي من وادي البقاع بالكهرباء ومياه الري، وبالتحديد بغرض زيادة مساحة الأراضي الزراعية المروية على طول الشريط الساحلي الممتد من الزهراني إلى صور. وحتى عام 1975 تمَّت زيادة الأراضي المروية إلى أكثر من 20 ألف هكتار، خصص منها أكثر من ستة آلاف هكتار لإنتاج الحمضيات وفي الشمال تم إنجاز مشروعات ري مشابهة في سهل عكار ومنطقة المنية، أصبحت الأراضي المروية معها تبلغ نحو 149000 هكتارا .وأدخلت مشروعات الري أراض جديدة إلى مجال الزراعة والإنتاج، مع أن أجزاء كبيرة من هذه المشروعات لم تستكمل بسبب إندلاع الحرب عام 1975، الأمر الذي قلّص من تأثير التنمية في القطاع الزراعي.
3 - المشروع الأخضر
في عام 1963، أقامت الحكومة "المشروع الأخضر" بموجب المرسوم الإشتراعي رقم 13335، الذي سعى إلى تحقيق الأهداف التالية:
- زيادة مساحة الأرض القابلة للزراعة من خلال إستصلاح الأراضي.
- إعادة تأهيل الطرق في المناطق الريفية وإنشاء طرق جديدة.
- إعادة التحريج وصيانة منابع المياه.
- تطوير تقنيات الإحتفاظ بالمياه، مثل بناء القنوات والخزانات.
ولتحقيق هذه الأهداف، زوَّد المشروع الأخضر الفلاحين بجرارات وماكينات لإقامة الجلول الزراعية مقابل رسوم تغطي نفقات التشغيل فقط، وتمَّ تقدَّيم بذور الحمضيات من دون مقابل، وقروضاً لشراء بذور القمح، فضلاً عن إنشائه الطرق في المناطق الريفية، وتطوير تقنيات تخزين المياه مثل القنوات والخزانات. ولتنفيذ هذه الأهداف تعاون المشروع الأخضر مع منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (F.A.O) وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي(U.N.D.P) وبرنامج االغذاء العالمي( W.F.P) ، فضلاً عما تقدمه الولايات المتحدة وفرنسا من مساعدات تقنية وخبرات
ومن أهم إنجازات المشروع الأخضر قيامه بتوزيع مجموعة متنوعة ومحسَّنة من بذور الحمضيات مجاناً لأصحاب البساتين. وكان استكمال مشروع ري الليطاني والقاسمية قد حقق زيادة في المساحة الزراعية بالحمضيات من 5 آلاف هكتار عام 1960 إلى نحو 12 ألف هكتار عام 1975 .
4 - خدمات البحث والإرشاد والتوجيه
تشمل مؤسسات دعم النشاط الزراعي وخدمات الإرشاد والتوجيه، عدة وسائل كالبحث والتطوير وخدمات الإرشاد وتجهيزات البنية التحتية والتمويل. وتُركز مؤسسات البحث والتطوير على السيطرة على الآفات الزراعية والأمراض التي تصيب الحيوان، وكذلك التي تُصيب الحمضيات والتفاح واللوز والطيور الداجنة ومنتوجاتها وتحليل التربة.
وقامت الحكومة بتمويل الأبحاث وخدمات الإرشاد والتوجيه وبرامج تثقيف المزارعين بهدف تطوير وتحسين تقنيات الزراعة التي يستخدمها المزارعون. تقوم ستة مراكز للبحث الزراعي منتشرة في أنحاء لبنان بعملها البحثي، وتُركّز الأبحاث التجريبية على السيطرة الاحيائية على حشرات الفواكه، وخصوصاً الحمضيات، وعلى حشرات فواكه أخرى ، كما تم إجراء تجارب على تأثير الأسمدة الكيميائية في بعض المحاصيل الزراعية.
وقد أُنشئت إدارة الإرشاد الزراعي في لبنان عام 1954 كوحدة في وزارة الزراعة. وفي عام 1961 بدأت الإدارة في إصدار مطبوعات ومنشورات زراعية، وفي عام 1963 عملت من خلال 34 مركزاً مناطقياً منتشرة في لبنان ،وقد اهتمت خدمات الإرشاد أساساً بنشر نتائج الأبحاث على المزارعين، وبخاصة هؤلاء الذين يعيشون في القرى البعيدة. وكانت المشكلة الرئيسة التي واجهت إدارة الإرشاد الزراعي هي إقناع المزارعين بتقبُّل التقنيات المقدّمة إليهم من مندوبي الإدارة. وتعود صعوبة تقبلهم إلى تردد المزارعين في التغيير وإلى قلة الثقة في المندوب ذي الخلفية البعيدة عن الزراعة، وإلى فشل المندوبين في تفهّم حاجات المزارعين ومشكلاتهم ،إلا أن الخدمات الإرشادية تدهورت بسبب نقص العاملين في إدارة الإرشاد الزراعي إلى حدٍ كبير (أظهرت القرائن أنه تم تعيين مندوب واحد لكل 7 آلاف أسرة، في حين أوصت منظمة الفاو بأن يكون المندوبون الزراعيين لخدمات الإرشاد بمعدل 1 إلى 500 بالنسبة إلى المزارعين)
كما أن مبيعات المبيدات الحشرية والأسمدة الكيميائية وتوزيعها لا تخضع لأي نظام، كما أن الإدارة السيئة للأرض الزراعية تعود إلى تجاهل المزارعين الناجم عن نقص خدمات الإرشاد الزراعي. وهكذا، فثمة دلائل على أن المزارعين بحاجة إلى زيادة تعليمهم، وعلى ضرورة دعم الخدمات الإرشادية. على أن يترافق ذلك مع تنظيم معدلات استخدام الأسمدة والمبيدات الزراعية، ومع التطلع إلى خفض المخاطر التي يتعرض لها المستهلكون، ومع تحاشي ما يمكن أن تتعرض له البيئة من تلوُّث.
5 - القروض والتمويل
ثمة تدابير حكومية أخرى، منها التوسع في تسهيلات المالية للمزارعين. ففي عام 1954 أنشأت الحكومة مصرف التسليف الزراعي والصناعي والعقاري، وله 12 فرعاً تعمل في كل المناطق لبنان، وتقدم هذه الفروع قروضاً قصيرة أو طويلة الأجل للأغراض الزراعية مقابل نسبة فائدة تبلغ 2%.
حتى عام 1968 قدَّم البنك قروضاً قيمتها 700 مليون ليرة منها 103 ملايين للقطاع الزراعي ،ولمَّا كانت الضمانات المطلوبة من المزارعين مقابل القروض عالية، أي تعادل 4 إلى 5 أضعاف قيمة القرض، فقد حال ذلك دون حصول صغار المزارعين على القروض التي يحتاجونها. وهكذا، تُرِكَ عدد كبير من المزارعين من دون القروض المطلوبة. وقبل نهاية السبعينيات أوقف المصرف جميع قروضه وعلّقَ أنشطته بسبب نقص الميزانية ،وفي الوقت الراهن، لا يتوافر للمزارعين تمويل للنشاط الزراعي ولا تسهيلات مالية حكومية. وترتب على قلة الأموال المخصصة لهذا الغرض قلّة النفقات الاستثمارية وانخفاض مستوى الإنتاج والتسويق.
6 - الخطة الخماسية في القطاع الزراعي
أعلنت وزارة الزراعة في العامين 1993 و 1996 عن خطة تنمية للقطاع الزراعي مدتها خمس سنوات في إطار سياسة زراعية عامة، تُموّل الميزانية العادية جزءاً منها، وتُموّل المنظمات الدولية (منظمة الفاو) الجزء الآخر أما الأهداف الرئيسة للخطة هي :
- زيادة الدخل الصافي للمزارع، وزيادة دخل العمال الزراعيين لكبح الهجرة من الأرياف للمدينة.
- الحفاظ على أسعار مستقرة وتنافسية للمنتوجات الزراعية ولمستلزمات الإنتاج الزراعي.
- زيادة المحاصيل الزراعية من خلال زيادة إنتاجية كل وحدة من الأرض وخفض الواردات الزراعية من خلال تنويع المنتوجات الزراعية.
- صيانة الثروة الزراعية وتحقيق تنمية متكاملة ومستقرة للمناطق الريفية.
- زيادة كفاءة نظام التسويق للمنتجات الزراعية من خلال زيادة الاستثمارات في مجالات تفعيل البنية التحتية، وأعمال البحث لتحسين عمليات نظام التسويق القائم، وخفض عدد وسطاء السوق إلى أقصى حد ممكن.
ولزيادة كفاءة أداء الخطة، اتخذت الحكومة مجموعة من التدابير السياسية والقانونية والإدارية:
- التدابير القانونية: حيث أصدرت الحكومة المرسوم الإشتراعي رقم 83 / 97 حول إعادة تنظيم هيكلية وزارة الزراعة وواجبات العديد من المؤسسات العاملة في قطاع الزراعة. وكذلك، استنادا إلى المواد 22 و23 و24 من هذا المرسوم، التوجه نحو إنشاء صندوق مستقل لتقديم التمويل إلى المزارعين وتعزيز التنمية في المناطق الريفية؛ كما تُجري الدراسات لتقرير سبل تقديم الغطاء التأميني للمنتجات الزراعية ضد الكوارث الطبيعية مثل التجلّد والبَرَد وغير ذلك.
- التدابير الإدارية: حيث قامت الوزارة بملء المواقع الرئيسة الشاغرة في الوزارة، ومنها موقع المدير العام، ورؤساء الإدارات ومساعديهم. واستناداً إلى ذلك المرسوم تمَّ إنشاء مجلس استشاري ليأخذ على عاتقه القيام بالأبحاث المتصلة بالدراسة والتخطيط للحاجات المستقبلية لقطاع الزراعة اللبناني.
- التدابير السياسية وتشمل:
- إنشاء الطرق الزراعية بمعدل سنوي مقداره 100 كلم.
- زيادة مساحة المناطق القابلة للري، والأرض المستصلحة بمعدل سنوي يبلغ 2500 هكتار.
- إعادة تنشيط الإرشاد الزراعي والتعليم، وزيادة عدد العاملين في هذا المجال في كل أنحاء لبنان.
- إعادة تنشيط وزيادة عدد مراكز البحوث والمؤسسات المتصلة بالبحث في المجال الزراعي.
-التوسّع في تمويل المزارعين مقابل نسبة فائدة منخفضة من خلال مصرف التمويل الزراعي.
- البدء في برنامج تحريج لكل الممناطق للتعويض عن الدمار الذي أصاب الثروة الحرجية خلال فترة الحرب.
- البحث عن طرق لزيادة قدرة المنتجين على المساومة من خلال تشجيع الحركات التعاونية وأشكال التعاون الأخرى.
- تنمية القطاع الحيواني، الذي يشمل الحيوانات الداجنة والطيور والأسماك، وحماية الشاطئ اللبناني من خطر التلوث.
لقد أظهرت المراجعة التاريخية لسياسات الحكومة في المجال الزراعي أن مثل هذه السياسات واجهت الفشل في الماضي، ولكن نجاح السياسات الجديدة المعلنة يعتمد، إلى حد كبير، على تصميم الحكومة والتزامها، وبالطبع على زيادة الميزانية الخاصة بالقطاع الزراعي.
7 - التعاون مع المنظمات الدولية
أدركت وزارة الزراعة، في التسعينيات من القرن الماضي، أهميةً للتعاون مع الوكالات الدولية المانحة للإرتقاء بالتطورات في القطاع الزراعي. ويقوم بعض هذه الوكالات وبخاصةً برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومنظمة الفاو، بتمويل وإنجاز العديد من مشروعات التنمية الزراعية التي تهدف إلى إعادة تأهيل البنية التحتية لنظام الري، وتحسين أداء تقنيات الإنتاج، وتحديث وسائل الإنتاج الزراعي. ويعرض الجدول قائمة بهذه المشروعات.
الوكـالة الـمنفذة اسم المــشروع
الفاو فرض الرقابة الصحية على المنتجات الأولية من أصل حيواني
الفاو تحسين وتطوير منتجات شجر الزيتون في الجنوب
الفاو تقديم المساعدة في التخطيط وفي التحليل للمشروعات في القطاع الزراعي
الفاو دعم الجهود المحلية لإعادة تأهيل الثروة الحرجية والسمكية
(IFAD /CDR) إعادة تأهيل مشروعات الري وتحديثها
برنامج الأمم المتحدة الإنمائي برنامج التنمية الريفية المتكاملة في بعلبك – الهرمل (المرحلة الثانية)
(IFAD) برنامج إعادة تأهيل صغار مربي الحيوانات والطيور الداجنة
8 - البرنامج الوطني لدعم الصادرات الزراعية(Export Plus)
في سبيل دفع القطاع الزراعي أطلقت الحكومة برنامج (Export plus) من خلال مؤسسة "ايدال‘" في 14 آب/أغسطس 2001 بموجب المرسوم رقم 6041/2001.أما أبرز أهداف البرنامج المباشرة هي كالتالي :
- زيادة كمية الصادرات الزراعية اللبنانية إلى الأسواق التقليدية.
- إنشاء أسواق تصدير جديدة للمنتجات اللبنانية في غير البلدان العربية.
- مراقبة جودة المنتجات الزراعية اللبنانية المعدّة إلى التصدير وضمان تماشيها مع المعايير الدولية.
- نقل المهارة والمعرفة إلى المزارعين والمصدرين.
أما الأهداف غير المباشرة المبتغاة من الخطة، فهي أولا " تفعيل حركة النقل" خصوصاً أن المصدرين مرغمين على استعمال الشاحنات اللبنانية المبردة لنقل منتجاتهم، وتقوية مرافق التصدير كمعامل التوضيب والفرز والتعريب والمعالجة.
ولتحقيق هذه الأهداف، قدَّمت إيدال برنامجاً ً للدعم يرتكز على أربعة عناصر تشكل الشروط الأساسية التي تخوّل المزارع الاستفادة منها، ويقوم العنصر الأول على تعريف المستفيدين من المساهمة المالية، وهم إما افراداً أو شركة أو تجمعاً يعمل في إطار أعمال شراء وتوضيب أو خزن أو نقل أو تخزين المنتجات الزراعية بغية التصدير ويفترض بالمستفيد أن يكون لبنانياً، وإذا كان شخصاً معنوياً، يجب أن تكون أكثرية الأسهم (بنسبة 51 %) مملوكة من قبل اللبنانيين، كما يجب أن يكون مركزه الرئيسي في لبنان، وان يكون مسجلاً في السجل التجاري ولدى إحدى غرف التجارة والصناعة، وعلى المستفيد أيضا أن يكون مسجلاً لدى وزارة الزراعة ولدى "ايدال" وان يكون للمؤسسة رأسمال أدنى مدفوع ومحرّر نقدا. ولضمان حقوق المزارعين، على المستفيد أن يوافق على اتفاقية نموذجية وإيصال نموذجي معدين من قبل "ايدال". وان يودع صاحب الشركة كفالة مصرفية غير مشروطة بإسم ايدال تحدد حسب نطاق العمل.
وبالنسبة إلى الصادرات المستفيدة من المساهمة المالية، فإن المساهمات المالية توزّع بشكل عادل بين مختلف أصنافها والبلد المستورد، مع العلم أن المساهمة المقترحة تمتد على فترة مرحلية تراوح بين سنتين وخمس سنوات على أبعد تقدير، وتستفيد من الدعم صادرات الفاكهة والخضار والمنتجات الحيوانية والعسل في مراحل زمنية معينة وفقا" لفترة إنتاج كل صنف من الأصناف.
ولقد أسفر البرنامج عن نتائج ايجابية عدة منها :
- تحسين جودة المنتجات الزراعية المصدَّرة بفعل تطبيق مواصفات التصدير الزراعي اللبنانية والعالمية بطريقة تدريجية وفقا للتقارير الدورية الصادرة عن شركات المراقبة المعتمدة.
- دخول المنتجات اللبنانية إلى أسواق جديدة غير تقليدية .
- تمكين المنتجات اللبنانية من منافسة المنتجات الأجنبية في الخارج (منافسة البصل اللبناني لأنواع البصل الأخرى في الأردن).
- توظيف كادر فني متخصص لدى مراكز التوضيب.
وفيما يختص بالخطوات المستقبلية التي ستتخذها ايدال لتطوير العمل ضمن البرنامج هي :
- مكننة عملية التخزين والفرز والتوضيب، مع إصدار قرار يحدد المواصفات الأدنى المطلوبة في مراكز التوضيب.
- تنظيم دورات إرشاد للمصدرين والمزارعين وتوعيتهم على المواصفات الفنية اللبنانية والعالمية.
- إجراء دراسة فنية بما فيها اختبارات جودة التربة والمنتجات، مما يسمح باختيار المنتج المناسب بالجودة المطلوبة.
- إجراء دراسة فنية على أنواع المبيدات والأسمدة المستعملة في لبنان لاعتماد المناسب منها.
- إجراء مسح لحاجات الأسواق الخارجية بهدف تحديد الأنواع، والكميات المستحسن زراعتها في لبنان لزيادة الصادرات.
- العمل على تطوير البرادات في مطار بيروت؛ من اجل المحافظة على جودة المنتجات المعدّة للتصدير جواً.
ثالثا : ملاحظات على السياسات العامة الزراعية اللبنانية
على عكس مما سبق ذكره، فإن مشروعات التنمية وإعادة التأهيل التي قامت بها وزارة الزراعة ، تمَّت في غياب سياسة أو إستراتيجية زراعية متماسكة وواضحة، وعدم التعهد بإنجاز الإستراتيجيات التنموية طويلة الأجل ودعمها، ونقص القدرة على تنمية البرامج وإدارتها، يكشف عن تخاذل الحكومة وضعفها، وعدم جديتها في وضع إستراتيجية زراعية.
كما أن خطة إيدال لدعم الصادرات الزراعية، يرى فيه الكثيرون بأنها لا تساعد على حل المشكلة الزراعية، بل هو عامل تخفيف مؤقت، ولا يؤدي إلى معالجة المشاكل الزراعية بشكل جذري.
إذاً، يعُاني القطاع الزراعي اللبناني التمزق؛ بسبب التجاهل الرسمي وتدفق المنتجات الزراعية بكميات كبيرة إلى السوق المحلية، وفي هذا الإطار يقول رئيس لجنة الزراعة والسياحة النائب حسين الحاج حسن بأن " لبنان يستورد بقرابة الملياري دولار موادًّ زراعية، ويُصدّر بمئتي مليون دولار، وهذا يعني أننا نستورد عشرة أضعاف ما نصدّر، إذا وصلنا إلى نسبة استيراد خمسة أضعاف ما نُصدّر تُحل مشكلة الزراعة في لبنان" ومن المؤكد أن الزراعة لم تعد تقدِّم دخلاً كافياً للحياة. لذلك فهي تحوّلت إلى نشاط جزئي بالنسبة إلى المزارعين. وربما أصبحت الزراعة اللبنانية متخلفة كثيراً بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج، وتخلّف تقنيات التسويق التي تتسبب في الكثير من الهدر. ويعود سبب ارتفاع تكاليف الإنتاج، بما فيها إرتفاع ثمن الأرض، إلى النقص في تحديد المناطق الزراعية وبيعها على نحو عشوائي للمستثمرين في المجال العقاري، وإلى عدم ملاءمة التقنيات المستخدمة في الإنتاج، وإلى نقص التجهيزات الحديثة وكذلك الخدمات التي تستخدم بعد الحصاد، مع الغياب الكامل للمؤسسات المتخصصة في التمويل وتقديم القروض إلى المزارعين، فضلاً عن نقص الأبحاث الجادة والأنشطة التنموية التي تهدف إلى متابعة التغيرات الإقليمية والعالمية،ووضع الخيارات الإستراتيجية لمواجهة هذه التغيرات والتحديات
رابعا : استنتاجات عامة
فضلت السياسة اللبنانية "سياسة عدم التدخل"، عموماً، أو أقل سيطرة حكومية ممكنة على النشاط الإقتصادي، على الرغم من أن تدابير الحماية، مثل فرض التعريفات والحصص النسبية، التي استخدمت لدعم المنتجات الزراعية، وتمَّ تطبيقها على بعض المحاصيل. وقد ركزت سياسات الحكومة على عمليات التجهيزات والإستثمارات المعتادة. ومن العمليات المعتادة فضلت الحكومة أن تقدّم إطاراً عاماً يُرشد أنشطة القطاع الخاص من خلال تأكيد حرية التنافس، وحماية المستهلكين من الغَبِن. واتجهت الحكومة إلى توجيه استثماراتها نحو تطوير تجهيزات البنية التحتية اللازمة للقطاع الخاص. ويشمل بناء شبكة الإتصالات والطرق الرئيسة ومشروعات الكهرباء والمياه. وهكذا قدَّمت سياسات الحكومة دائماً الدعم إلى مبادئ النشاط الحر المستندة إلى هيمنة القطاع الخاص في مجالات إنتاج الثروة، وحماية الملكية الخاصة، وتشجيع المبادرة الخاصة.
خامسا : التطورات العالمية وميزة لبنان التنافسية
يشهد العالم موجة متسارعة من الأحداث والتطورات، ليس أقلها، بروز ظاهرة العولمة، في العقد التاسع من القرن الفائت. وهذه العولمة، لها مظاهر مختلفة، وفي سياق بحثنا، يتأثر القطاع الزراعي بظاهرة العولمة الإقتصادية، والتي تعني إندماج أسواق العالم في حقول التجارة والاستثمارات المباشرة ضمن إطار من رأسمالية حرية الأسواق، و تاليا إلى اختراق الحدود القومية والى الانحسار الكبير في سيادة الدولة وما يتمحور في العالم الآن، من تكتلات إقتصادية من جهة، و الشركات عابرة القارات من جهة أخرى.
عطفاً على تلك التطورات، يشهد القطاع الزراعي تحديات هامة، أهمها: النيّة اللبنانية للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، فضلاً عن توقيع لبنان مع الإتحاد الأوروبي على إتفاقية الشراكة الأوروبية – المتوسطية.
1 - التغيرات والبيئة الدولية
شهد العالم تطورات بارزة، وبخاصةً في ما يتعلق بالأغذية والمواد الزراعية من جهة، والجودة والنوعية الأكثر أماناً، وهي تطورات خاضعة لاتجاهات السوق التي تصبح أكثر صرامةً على هذا الصعيد. ومن الضروري التمعّن في هذه التطورات لما سيترتب عليها من نتائج تؤثر في كل من يعمل في مجال الإنتاج والتسويق. ويشمل ذلك: الحكومة، المصدرون، المزارعون، وغيرهم من المشاركين ويمكن توزيع هذه التغيرات تحت ثلاثة فروع، تشمل:
- بروز منظمة التجارة العالمية ومحاولة لبنان الإنضمام إليها.
- التوقيع على الشراكة الأوروبية – المتوسطية.
- الإهتمام بالشؤون البيئية

أ - محاولات لبنان الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية
تقدّم لبنان بطلب إنضمام إلى منظمة التجارة العالمية، وقد بتَّ المجلس العام للمنظمة بالطلب في اجتماعه المنعقد في 14/4/1999. وقد قرر المجلس العام تشكيل فريق عمل للبنان من أجل متابعة إجراءات الإنضمام ودراسة الطلب. وتمَّ منح لبنان صفة عضو مراقب إلى حين استكماله إجراءات ومفاوضات الإنضمام .
ويهدف الإتفاق الزراعي إلى إقامة نظام حر للتجارة في المحاصيل الزراعية وتسويقها، كما يفرض إلتزامات في ما يتعلق بمجالات حق الدخول إلى السوق، ودعم النشاط الزراعي المحلي، والتنافس في التصدير. وبحسب الإتفاق، لا يُسمح لأي بلد إتخاذ تدابير بديلة بفرض ضرائب إضافية أو تقديم حماية أو إعانات مالية للتصدير تتجاوز الإلتزامات المنصوص عليها في قائمة التعهدات.
كما يهدف الإتفاق المعني بتطبيق تدابير النظافة والسلامة الصحية للنباتات، إلى التقليل من التأثيرات السلبية للتجارة، وحماية صحة المستهلك، والحفاظ على البيئة. وأن تطبيق هذه التدابير على أسس علمية إلى أقصى درجة ممكنة مهمة جداً، وذلك لحماية صحة الإنسان والحيوان والحياة النباتية وهكذا، تركّز مبادئ إتفاقية الغات على التخلص من التدابير التمييزية الموجودة حالياً، ومنع أي تدابير جديدة يتخذها أي بلد عضو في منظمة التجارة.
وتبقى مسألة دعم الصادرات والمنتجات الزراعية، من أهم المسائل التي تعترضها منظمة التجارة العالمية، وخصوصاً بين الأقطاب الإقتصادية العظمى، خصوصاً بين الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي، حيث تطالب الأولى مراراً برفع الدعم عن الصادرات الزراعية في الوقت الذي تدفع 4 مليارات لدعمه ، بالإضافة إلى الإهتمام الكبير الذي يبديه الإتحاد الأوروبي بالقطاع الزراعي. حيث تحاول دول الأخيرة إخضاع الزراعة لنظام خاص بحجة تعدد مهام الزراعة، إذ أن الدعم في الزراعة يؤدي أكثر من مهمة، سواءً فيما يتعلق بالأمن الغذائي أو حماية البيئة أو تشغيل اليد العاملة.
لكن ثمة سؤال مطروح، هل أن لبنان، بمؤسساته، وبموارده البشرية والمادية الذاتية، وبأنظمته وتشريعاته، وبقطاعاته الإقتصادية، مؤهل لكي يصبح عضواً فاعلاً في المنظمة العالمية للتجارة ؟
باختصار، في ظل هذه التطورات المتسارعة التي يشهدها لبنان، تتأثر بها بصورة مباشرة، كل القطاعات الإقتصادية، ولا سيما القطاع الزراعي منها، نجد أن ثمة دافع للإرتقاء بهذا القطاع، والعمل على تنميته وإتاحة الفرص أمامه للدخول في عالم إقتصادي جديد يقتضي التكيّف معه قدر الإمكان، والإستفادة قدر الإمكان من هذه البيئة العالمية الجديدة.
ب - لبنان والشراكة الأوروبية – المتوسطية
وقّع لبنان إتفاقية شراكة مع الإتحاد الأوروبي في 17/6/2002. التي تعتبر وليدة الشراكة الأوروبية –المتوسطية ، وقد حلت هذه الاتفاقية مكان إتفاق التعاون الموقّع عام 1977 مع السوق الأوروبية المشتركة، التي كانت تقتصر على العلاقات التجارية والجمركية، وتشكل شراكة كاملة في مجمل أوجه العلاقات بين لبنان والإتحاد الأوروبي.
ويشمل مضمون اتفاقية الشراكة على المواضيع التالية:
- الشراكة السياسية والأمنية.
- الشراكة الإقتصادية والمالية.
- الشراكة الإجتماعية، الثقافية والإنسانية.
ولمَّا كانت المسألة الزراعية، من أهم المسائل التي طرحت على بساط المفاوضات بين الجانبين، فقد كانت من بين القضايا المهمة التي لا زالت عالقة منذ سنوات بينهما فقد طالب لبنان بتحسين شروط دخول المنتجات الزراعية إلى السوق الأوروبية مقترِحاً مبدأ نسب فائض الإنتاج الزراعي لتحديد الحصص التصديرية إلى هذا السوق على ألا تقل النسبة عن 10% ، كما اقترح توسيع فترات السماح بدخول بعض السلع الزراعية المعفاة من الرسوم ونظام الحصص. إلا أن الأطراف لم تتوصل إلى حل لتلك المشاكل بسبب السياسة المتّبعة من الإتحاد الأوروبي والمتعلقة بحماية المنتجات الزراعية. فما كان من الجانب الأوروبي إلا أن رفض المطلب اللبناني المتعلّق بتحسين شروط ولوج المنتجات الزراعية اللبنانية إلى أسواقه، معتبراً أنه لا يستطيع أن يسجل سابقة في هذا المجال تضر بموقعه التفاوضي مع شركائه التجاريين الكبار في إطار منظمة التجارة العالمية. إلا أن لبنان اعتبر أن الرفض من الإتحاد الأوروبي غير مبرّر لأن الكميات التي سيصدرها لبنان صغيرة، ويمكن استيعابها ضمن السوق الأوروبي بكل سهولة ومن النقاط المختلف عليها في موضوع الزراعة، هي :
- الكمية التي من المقرر أن تستوردها أوروبا من البطاطا لأنه طالب بتصدير 50 ألف طن سنوياً، إلا أن المفاوض الأوروبي رفض ذلك طالباً تقليص تلك الكمية.
- المنتجات الزراعية والمنتجات الزراعية – الغذائية. فالجانب اللبناني يعتبرها من صنف واحد إلا أن المفاوض الأوروبي يعتبرها من فئة أخرى مثل المربيات وغيرها كالمعلبات.
- كمية تصدير الورد اللبناني الجاهز للبيع، بسبب المخاوف التي ظهرت من ممثل هولندا في الإتحاد حول منافسة الورد اللبناني للورد الهولندي. - تبقى المشكلة الأكثر تعقيداً، الموقف الأوروبي تجاه المنتجات الزراعية اللبنانية، حيث لا يعتبر بين هذه المنتجات ضمن المواصفات المقبولة أوروبياً، وبالتالي لا يمكن فتح الأسواق أمامها، باستثناء تلك التي تخضع للمواصفات والمقاييس المعمول بها، وضمن رقابة معينة وكميات محدودة.
إن عدم التساهل من الجانب الأوروبي في هذا المجال يفرض على لبنان التقيّد بالمواصفات والتحاليل المخبرية المفروضة، والتي يصعب على لبنان تطبيقها لعدم توفر سياسة الدعم والحماية الزراعية. فاستجابة لبنان لهذه المطالب ستؤدي إلى زيادة الكلفة على دعم الصادرات اللبنانية.
استنتاجات
إن انضمام لبنان إلى منظمة التجارة العالمية والشراكة الأوروبية، يمنحه حرية اكبر ومرونة في وضع سياسة زراعية للتأقلم مع الوضع العالمي الجديد، وهذه الإتفاقيات تحتم العمل على :
- تخفيض التعرفة الجمركية في لبنان باعتباره دولة نامية إلى ثلثي الخفض العام المطالبة به الدول المتقدمة في فترة 10 إلى 12 سنة.
- السماح بدعم القطاع الزراعي دعما موجها لخفض كلفة الإنتاج مثل دعم خفض تكلفة الشحن والنقل..
- استمرار دعم مشاريع التنمية الزراعية ودعم برامج الغذاء والأمن الغذائي.
- الاستمرار بالدعم المباشر لبعض المحاصيل الزراعية الأساسية.
- منح الأفضلية للدول النامية في الحصول على قروض طويلة الأجل بفوائد متدنية ومساعدات مالية مرنة في برامج الاستيراد الزراعي.
- منح أفضلية الحصول على قروض ومساعدات اقتصادية من المنظمات العالمية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
أما التحديات التي سيواجهها لبنان جرَّاء الانضمام، فتبرز قي فتح الأسواق للسلع والمنتجات الأجنبية ما يعني اشتداد المنافسة والتي غالبا لن تكون لصالح لبنان. فقدرة لبنان الإنتاجية تساوي 25,0% فقط من قدرة الاتحاد الأوروبي في إنتاج الحبوب والخضار والفاكهة وغيرها، ولا يتعدى استعمال التكنولوجيا الزراعية في الإنتاج الزراعي اللبناني 8,0 % من استعمال التكنولوجيا في القطاع الزراعي في الاتحاد الأوروبي.