12‏/02‏/2011

السودان ومصر وثورات العرب

السودان ومصر وثورات العرب د.خليل حسين أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية www.drkhalilhussein.blogspot.com بصرف النظر عن دقة الرقم الذي صوَّت عليه جنوبيّ السودان بالانفصال والذي بلغ 98%، ثمة دلالات رمزية من السهل ان تُستغل في مواقع عربية أخرى جاهزة للتجربة نفسها. وبصرف النظر أيضا عن الظروف الذاتية لهذه المواقع الجاهزة ومدى إمكانية استغلالها للتجزئة والتفتيت، ثمة دروس ينبغي الاستفادة منها من تجارب قائمة حاليا ،وكذلك واعدة في العديد من الدول العربية لاحقا. بكى شمال السودان على دولة لم يُحسن من حكمها الاستفادة من خيراتها وإمكاناتها، وفرح الجنوب لوعود طالما حلموا بها قبل الانفصال وبالتأكيد بعده، لكن المفارقة المرّة ان شعب السودان بشماله وجنوبه سيتحسّر مرة أخرى على أيام فاتت لم يستطع فيه فعل شيء لهذا اليوم المنتظر وغير المفاجئ. الظروف نفسها والوقائع عينها، تعيشها العديد من المواقع العربية من المحيط إلى الخليج، وفي جميعها من ينفخ ويهمس في آذان الطامحين إلى الانفصال،وهذه المرة،لا جهد استثنائي سيصرف ،بل الحراك الشعبي العربي متنقل من عاصمة إلى أخرى على قاعدة الثورات والاحتجاجات للتغيير والإصلاح، لكن من يضمن ان لا تتطوّر هذه المظاهر إلى حركات انفصالية؟ هذا التخوّف ليس هدفه الدعوة إلى خنق الحِراك الشعبي لأنه أكثر من مطلوب،بل يعتبر واجبا وحقا أساسيا من حقوق الإنسان الذي كفلته كافة الشرائع الدولية، إنما المشكلة الكبرى تكمن في من يقود هذا الحراك ويبلوره إلى مشاريع وآليات قابلة للحياة. من السهل إطلاق الثورات لكن من الصعب إيصالها إلى مبتغاها، في لبنان اعتصامات دامت أكثر من سنة انتهت بتسويات لم تصل بأصحابها إلى ما أرادوا منها. في مصر ثورة شبابية لا مثيل لها في تاريخ مصر،انتصرت واسقطت طاغية عصر، لكن ملامح استيعابها ربما بدأت تلوح في الأفق وربما تؤخذ إلى أماكن ليست محمودة النتائج،دعوة احتجاجية مماثلة في ليبيا ،بعدما سبقتها اليمن، الجزائر على اللائحة بعدما فجرت شقيقتها تونس عصر الثورات الشعبية. ولم يقتصر الأمر على تلك الدول بل ثمة دعوات ستطال البحرين أيضا بما لها من دلالات وتداعيات لاحقة. باختصار ربما سيكون السودان قد افتتح عصرا آخرا من أدوات الانفصال والتجزئة، لكن التجربة ستكون أكثر من مُرّة اذا امتدت وأحسن استغلالها خارجيا. نحن العرب بحاجة إلى إعادة صياغة لكثير من المفاهيم والمبادئ التي حكمتنا وتحكّمت بنا، نحن بحاجة للتغيير قبل فوات الأوان. المشكلة الكبرى تكمن في سرعة انتقال المطالب من ضفة إلى أخرى، والمشكلة أيضا سرعة تماهي أوضاعنا الداخلية مع المنتظرين خارجيا، في الوقت الذي لا قدرة لنا على حسم مواقفنا وتحركنا. نطالب بالإصلاح ومن ثم التغيير ونكاد نطلق شعارات محاكمة الرموز، وسرعان ما نعود ونتقوقع في حالات وآليات من الصعب أن تصل إلى أماكن محددة تخدم شعاراتنا ومطالبنا. شعوبنا العربية لم تبخل بالدم يوما لتحقيق ما تحلم به، تحررا وتحريرا ،لكن المشكلة في أننا استرسلنا كثيرا على أمل ما يمكن ان يُقدم لنا، فالحرية لا تمنح بل تؤخذ، شباب مصر أدركوا ذلك ونالوا مطلبهم. اليوم بحاجة إلى نمطية جديدة من التفكير والتعامل مع قضايانا لئلا تجرفنا عواطفنا إلى أماكن مغايرة تماما.ثمة مشروعا لشرق أوسط جديد تعيد إحيائه وترسمه الولايات المتحدة وإسرائيل بوسائل وأدوات جديدة،بعدما فشلتا خلال العقدين المنصرمين، تستغلان واقعنا المزري، فتحاولان احتوائه وتوجيهه من جديد بما يخدم مصالحهما. اليوم كان السودان، فكانت محاكمة الرئيس عمر البشير مدخلا للتقسيم، ومحكمة لبنان الخاصة ستكون مدخلا لأوضاع ربما مشابهة. بالأمس كانت اليمن وتونس واليوم مصر ،ولا نعرف مصير باقي الأشقاء اذا استمرت رؤيتنا وحركاتنا كما هي. ربما قطار التغيير قد انطلق لكن علينا مجاراته بنفس السرعة لئلا يسبقنا زمن التغيير بصور معكوسة تزيدنا آلاما وبؤسا. التشجيع والثناء والمكافآت التي لا تسمن ولا تغني من جوع بدأت على لسان الرئيس الأمريكي باراك اوباما،سيعترف بدولة جنوب السودان، وسيكافئ شماله بإزالته من لائحة الدول الراعية والحاضنة للإرهاب كما يدعي. مكافآت وعطايا جاهزة غب الطلب لمن يتماهى ويتماشى مع الشرق الذي يرسمه الغرب لنا. بات من الضروري انطلاقة تغييرية شاملة هادفة، تتماشى مع نبض الشارع العربي، بعدما كُمت أفواهه وأغلقت أعينه وصُمت آذانه لعقود طويلة، ينبغي النظر إلى واقعه بدقة متناهية وإدراك خطورة ما يحيط به، لئلا يأتي اليوم الذي لا ينفع بعده الندم. ينبغي ان نتعلم من تجارب الشعوب وتاريخها لئلا نفتقد الجغرافيا التي أضعنا قسما كبيرا وعزيزا منها.نحن العرب بحاجة اليوم إلى مراجعة كاملة لكل ما يحيط بنا وفينا، كما أننا بحاجة عارمة إلى عدم التراجع عن حراك التغيير الذي ينبغي ان برسم مستقبل أولادنا وأحفادنا. علَّ ليالي الأنس تُرسم في ميدان التحرير والتحرر في مصر لا النمسا.