04‏/02‏/2011

السياسات البيئية

الفصـل السادس عشر
الـسيـاسـات الـبـيـئـيـة

د.خليل حسين
من كتاب السياسات العامة
دار المنهل اللبناني بيروت 2006

تعتبر البيئة مستودع الموارد لعناصر الثروة الطبيعية المتجددة وغير المتجددة، وتتجلى في الأنظمة المائية والهوائية والتربة والمراعي والغابات والكائنات الحية والأنظمة الإيكولوجية الداعمة للحياة على الارض. كما تمثل البيئة المحيط الطبيعي الذي تعيش فيه الكائنات الحية المختلفة في حالة توازن يضمن استمرارية عيشها وإنتاجها بما يخدم الإنسان وحاجياته الأساسية. ويتبع ذلك بالضرورة المحيط البيئي الناتج عن أنشطة الإنسان الاقتصادية والاجتماعية.
وبما أن عناصر البيئة هي المورد الأساسي لأنشطة الإنسان وحضارته، فينبغي ترشيد استغلالها ومراعاة محدودية قدراتها الإنتاجية والاستيعابية بما يضمن رفاهية الأجيال القادمة واستمرارية الحضارة الإنسانية. لذلك ثمة مسؤولية كبيرة تتحملها المؤسسات الحكومية والشعبية الإقليمية والدولية في رسم السياسات ووضع القوانين والتشريعات اللازمة للمحافظة على سلامة وفاعلية الأنظمة البيئية وحمايتها من التلوث والتدهور.
أولاً ـ المشاكل البيئية في الدول العربية ومسبباتها:
1 ـ المشاكل الرئيسة:
تتعرض البيئات العربية كبقية البيئات العالمية إلى تدهور في نوعية عناصرها بفعل التلوث بأشكاله المختلفة والتنوعة. وتتميز البلدان العربية بشكل عام بخصائص متقاربة من حيث الظروف المناخية، ومحدودية الموارد الطبيعية، والتوازن الهش في الأنظمة البيئية والإيكولوجية. وتتمثل أهم المشاكل البيئية التي تعاني منها البلدان العربية في:
أ ـ الـتـصـحـر: يتعرض الوطن العربي إلى مشكلة تحوّل الأراضي المنتجة إلى أراض قاحلة بفعل أنشطة الإنسان المختلفة كالرعي غير المدروس، واجتثاث الأشجار للزراعة والوقود والبناء، وارتفاع ملوحة التربة وتلوث مياه الري، والتوسّع العمراني العشوائي. وتتسم المناطق المحيطة بالصحراء بتوازن بيئي هش ما يساعد على حركة الكثبان الرملية واتساع الصحراء عند حدوث أي خـلل لهذا التوازن. وتقدّر الأراضي المهدّدة بالتصحر بحوالي 10 % من مجمل مساحة الوطن العربي، منها 50 % في السودان، 40 % في بلدان المغرب العربية و10 % في المشرق العربي.
ب ـ تلـوث الميـاه: تعد المياه من أهم عناصر التنمية وأكثرها ندرة في العالم العربي. ولقد ظهرت مشكلة تلوث المياه بجميع أنواعها (الجوفية، الأنهار، البحيرات والبحار) نتيجة لعمليات التنمية الاقتصادية التي اتبعتها معظم البلدان العربية دون الأخذ في الاعتبار متطلبات التوازن البيئي. وتتمثل أهم ملوثات المياه في المركبات الكيميائية المختلفة الناتجة عن الصناعة، المبيدات الحشرية، مركبات الأسمدة الزراعية، والصرف الصحي في المناطق الحضرية.كذلك كان لتطور صناعة النفط واستخراجه دور مهم في زيادة تلوث البحار والشواطىء العربية بمشتقات النفط، وتعد أقطار الخليج العربي من أكثر الأقطار العربية تأثراً بهذا التلوث. وقد أشارت مصادر المنظمة الإقليمية لحماية البيئة البحرية في الخليج إلى أن التلوث النفطي يحدث خللاً في التوازن البيئي البحري ويقوّض السلسلة الغذائية الأساسية كالطحالب والأحياء المجهرية، التي تعتمد عليها الأسماك والحيوانات البحرية الأخرى.
جـ تدهور نوعية التربة: تتعرض التربة لتدهور في نوعيتها وخصائصها الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية وذلك بفعل الفيضانات، الإفراط في الري، وإزالة الغطاء النباتي.
د ـ تـلـوث الـهـواء: تتعرض البيئة الهوائية في الوطن العربي لعمليات تلوث ناجمة عن تسرّب مواد غريبة إلى الطبقة الهوائية من المصادر الصناعية وعوادم السيارات مثل أول أوكسيد الكربون، النشادر، الكربون الأسود، ثاني أوكسيد الكبريت، الأوزون والغبار. وتفتقر معظم البلدان العربية إلى الوسائل اللازمة وأجهزة التحكم لتقليل انبعاث هذه الملوثات من المراكز الصناعية وقطاع المواصلات والمصادر المنزلية.
هـ التنـوع الوراثـي: ثمة مجموعات من سلالات النباتات والحيوانات البرية والطيور بدأت تنقرض وأخرى مهدّدة بالانقراض في البلدان العربية. ويعود ذلك إلى تلوث مكوِّنات عناصر البيئة وتدهور السلسلة الغذائية التي تعتمد عليها وعدم ملائمة المحيط الحيوي الذي تعيش فيه تلك الكائنات للتكاثر.
و ـ بيئـة العمـل: تتمثل في البيئة المحيطة داخل المصانع ومراكز الإنتاج. وينتج التلوث في هذه البيئة من انبعاث المواد الغازية والصلبة من العملية الإنتاجية الأمر الذي يؤدي إلى تعرض العمال لهذه المواد وتأثر صحتهم بها.
ز ـ البيئـة الحضريـة: أي بيئة المدن والتجمعات السكانية بما فيها من مصادر مختلفة للتلوث الناجم من أنشطة الإنسان اليومية والأنشطة الصناعية المتمركزة داخل المدن وعلى محيطها. وقد ساهم ضعف التخطيط العمراني في البلدان العربية وهجرة السكان من الريف إلى المدن في تفاقم المشاكل البيئية من تمركز لوسائل النقل والصناعات في المناطق السكنية، وافتقار المراكز الحضرية إلى أنظمة الصرف الصحي المناسبة ومرافق جمع النفايات الصلبة ومحطات معالجة النفايات، وارتفاع نسبة الضجيج مما أدى إلى تزايد المشاكل الصحية.
2 ـ مسببات تدهور البيئة:
يمكن تلخيص أهم مسببات التدهور البيئي في الوطن العربي في:
- غياب الوعي البيئي والاعتقاد الخاطىء بأن البيئة قطاع محدود ومستقل وأن المحافظة على العناصر البيئية تعيق التنمية الاقتصادية.
- تدني مستويات دخول الأفراد في معظم الدول العربية وبخاصة في الريف ما يدفع السكان إلى الاعتماد بشكل واسع على الموارد الطبيعية. حيث أن جودة البيئة من السلع الكمالية يقل الطلب عليها بانخفاض الدخل ويزيد بارتفاعه.
- ضعف التوازن الحضري ـ الريفي والتخطيط العمراني في البلدان العربية وما يتبع ذلك من نقص في الخدمات الاجتماعية الضرورية لصيانة البيئة والمحافظة على نظافتها.
- غياب التخطيط الاقتصادي المتكامل الذي يوازن بين متطلبات البيئة من جهة ومستوى الاستغلال الرشيد للموارد الطبيعية في دفع عجلة التنمية من جهة أخرى.
- ضعف المؤسسات وغياب التشريعات التي تنظم طرق تعامل الإنسان مع موارد البيئة وعناصرها.
- عدم ملائمة بعض التقنيات المستوردة للبيئة العربية.
- ضعف الجهود العربية المشتركة في معالجة القضايا البيئية وبخاصة المشتركة بينها.
ثانياً ـ أهداف السياسة البيئية:
السياسة البيئية المثلى هي التي تسعى لموازنة الفوائد التي تعود على المجتمع من الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بالتلوث البيئي مع الأضرار الناجمة عن التلوث، وفي هذا الإطار تعمل السياسة البيئية المتكاملة لتحقيق :
- تحجيم الممارسات والأنشطة التي أدت وتؤدي إلى تدهور موارد البيئة أو تنظيم تلك الأنشطة بما يكفل معالجة مصادر التلوث وتخفيف آثاره البيئية قدر الإمكان.
- استعادة الوضع الأمثل لمكونات البيئة الهامة وخصائصها الفيزيائية والكيميائية والحيوية بما يكفل استمرارية قدراتها الاستيعابية والإنتاجية قدر الإمكان.
- مراعاة اعتبارات البيئة في الخطـط التنموية للقطاعات المختلفة وتضمين الآثار البيئية وكيفية معالجتها في المراحل الأولى لدراسات الجدوى للمشروعات الاقتصادية والاجتماعية.
ثالثا - الاستـراتيجيـات البيئية
1 ـ مكافحة التصحر: تتمثل أهم عناصرها فـي:
- ابتكار وتطوير أنظمة الإدارة المتكاملة للمراعي والأراضي الزراعية المنتجة.
-تطوير تقنيات تثبيت الكثبان الرملية ومنع إغراق التربة بفعل الهواء والماء.
- تطوير أنواع وسلالات من النباتات البرية لزراعتها في المناطق الجافة والقاحلة.
- إقامة الأحزمة الخضراء أمام واجهات زحف الصحراء.
- تطوير تقنيات ري المناطق الجافة والقاحلة بالمياه المالحة وتصميم شبكات السدود لحجز مياه الفيضانات في المناطق شبه الصحراوية.
2 ـ مكافحة تلوث المياه: وتتمثل في:
- تطوير طرق لضبط نوعية مياه الشرب والبحيرات والأنهار والسدود ومراقبة مستوى الملوثات فيها.
- تطوير تقنيات معالجة المياه المدنية والصناعية الملوثة لإعادة استخدامها.
- تطوير معايير ومواصفات لنوعية المياه.
- ضبط وترشيد استخدام المخصبات الزراعية.
3 ـ مكافحة تلوث التربة: وتتمثل أهم عناصرها في:
- التعرف إلى أنظمة وآليات تجدد الخصائص الذاتية للتربة.
- تطوير طرق مكافحة التلوث وحماية التربة.
- تطوير مواصفات قياسية لنوعية التربة لتقدير صلاحيتها الإنتاجية وفق كل محصول.
4 ـ مكافحة تلوث الهواء: وتتمثل أهم عناصرها في:
- تطوير طرق مراقبة وقياس نوعية الهواء.
- معالجة النفايات الغازية وتطوير التقانات عديمة الانبعاثات الغازية.
- التعرف إلى أنظمة وآليات تفاعل الملوثات مع مكونات البيئة الهوائية.
5 ـ المحافظة على التنوع الوراثـي: وتتمثل أهم عناصرها في:
- التعرف على النظم البيئية التي تعيش فيها الأنواع والسلالات.
- حماية النظم البيئية من التلوث والزحف السكاني.
- الكشف عن الأسس العلمية لإعادة استزراع السلالات المختلفة.
- ابتكار برامج لإدارة المحميات الطبيعية للأنظمة البيئية بما في ذلك برامج المراقبة.
- تحديد المعايير والمواصفات للحدود الدنيا للملوثات التي تؤدي إلى الإخلال بالتوازن الإيكولوجي للأنظمة الموجودة.
6 ـ مكافحة تلوث البيئة المهنية: وتتمثل أهم عناصرها في:
ـ تطوير معايير ومواصفات بيئة العمل من حيث تحديد المستويات ومعدلات التركيز القصوى للملوثات المسموح بوجودها في هواء مراكز الإنتاج.
ـ التعرف إلى آلية التأثير الصحي لجميع الملوثات.
ـ تطوير طرق مراقبة الهواء والتخلص من الانبعاثات داخل بيئة العمل.
7 ـ مكافحة تلوث البيئة الحضرية: وتتمثل أهم عناصرها في:
- وضع الأسس العلمية لإدماج المتطلبات البيئية في صلب التخطيط الإقليمي.
- تطوير إدارة البيئة الحضرية للحفاظ على الموارد البيئية وتحسين نوعية الحياة.
- إبعاد مصادر التلوث والمراكز الصناعية إلى خارج المناطق الحضرية.
- العمل على خفض انبعاث التلوث والضجيج من وسائل النقل.
رابعا ـ أدوات السياسة البيئية:
يمكن التمييز بين ثلاثة أنواع من الأدوات لتنفيذ السياسية البيئية هي الأدوات التعليمية والتثقيفية، الأدوات المؤسسية والتشريعية والأدوات التنظيمية المباشرة.
1 ـ الأدوات التعليمية والتثقيفية: تشمل البرامج التلفزيونية والإذاعية، برامج الإنترنت، المحاضرات العامة والندوات والمعسكرات الشبابية. وتهدف إلى توعية الجمهور بضرورة الاهتمام بسلامة ونظافة البيئة، وتغيير الأنماط الاستهلاكية المضرة بالبيئة والاهتمام بالتدوير وإعادة الاستخدام، وكذلك تعريف المستهلك بمصادر التلوث في السلع المصنعة والمواد الغذائية وكيفية التعامل معها. وتقع مسؤولية القيام بهذا الدور على عاتق المؤسسات التعليمية والمنظمات غير الحكومية والجمعيات الأهلية، كجماعات حماية البيئة والتجمعات الشبابية وجمعيات حماية المستهلك. وبالنظر للوضع في البلدان العربية فإنا نلاحظ خلو الساحة من مثل هذه التنظيمات في بعض البلدان وعدم فعاليتها في البلدان التي توجد فيها.وثمة ثلاثة أنواع من الأدوات لتنفيذ السياسة البيئية هي التعليمية والتثقيفية، المؤسسية والتشريعية والأدوات التنظيمية المباشرة.
2 - الأدوات المؤسسية والتشريعية: تشمل مجمل القوانين واللوائح والتشريعات الخاصة بحماية البيئة وما يتبعها من مؤسسات وهياكل تنفيذية. ويأتي في مقدمة ذلك وجود قانون لحماية البيئة وهيئة مركزية مستقلة ومؤهلة لتنفيذ القانون. وبالرغم من وجود قوانين ومؤسسات حماية البيئة في العديد من البلدان العربية، إلا أن هذه القوانين تعاني من الشمولية وعدم الوضوح كما تعاني المؤسسات من الضعف وعدم الفاعلية.
3 - الأدوات التنظيمية المباشرة: يتطلب استخدام الأدوات التنظيمية وجود الأطر التشريعية والمؤسسية المشار إليها ، وتشمل هذه الأدوات مجمل الأنشطة التدخلية لهيئات حكومية في آليات السوق بهدف معالجة الخلل السوقي المتمثل في غياب أسواق السلع البيئية ووجود التأثيرات الخارجية السالبة للأنشطة الاقتصادية المرتبطة بالتلوث البيئي. وهنالك ثلاثة أساليب من التنظيم تستخدم في مكافحة التلوث البيئي هي: التنظيم باستخدام الأوامر والتحكم، التنظيم المبني على التكنولوجيا، والتنظيم المبني على آليات السوق.
ـ التنظيم باستخدام الأوامر والتحكم: ويتمثل في التحديد المباشر لمستوى الملوثات المسموح به للأنشطة الاقتصادية مثل تحديد الحدود العليا للانبعاثات أو لمستويات تركيز الملوث في البيئة المسموح بها من كل مصدر .
ـ التنظيم المبني على التكنولوجيا: يتمثل في التحديد المباشر للمستويات الدنيا للتقنيات التي يجب استخدامها في الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بالتلوث ويكثر استخدام هذا النوع من التنظيم في الدول المتقدمة كأوروبا، اليابان والولايات المتحدة .
ـ التنظيم المبني على آليات السوق: أو تصحيح القوة السوقية للأخذ في الاعتبار آثار التلوث الناجم عن الأنشطة الاقتصادية. وهو النوع الذي تدعمه وتشجعه النظرية الاقتصادية كأنجح الأساليب لمكافحة التلوث وخاصة في الاقتصاديات الحرة والتي تعتمد آلية السوق في توزيع الموارد الاقتصادية.
وهناك نوعان من الأدوات المستخدمة في هذا الأسلوب من التنظيم، النوع الأول هو الأدوات السعرية وتتمثل في الدعم والضرائب. وتفرض الضرائب إما مباشرة على التلوث وتعرف بـ«الضرائب البيقوفية Pigouvian Taxes » أو غير مباشرة على إنتاج أو استهلاك أو مدخلات الإنتاج المستخدمة لإنتاج السلعة المرتبطة بالتلوث كضريبة الغازولين مثلاً. وتعتبر ضريبة التلوث المباشرة هي الأكفأ اقتصادياً إذا تيسر تحديد كمية الملوث أو الانبعاثات من كل مصدر. أما في حالة صعوبة تحديد هذه الكميات فيتم اللجوء للضرائب غير المباشرة كأدوات تقريبية. وفي الحالة الثانية يقرب أثـر الضريبة غير المباشرة على التلوث من أن أثـر الضريبة المباشرة كلما قرَّبت العلاقة بين مقدار التلوث ومقدار المنتج أو المستهلك أو المدخل من العلاقة الخطية. أما الدعم فيمنح عادة للإنتاج النظيف المعتمد على التدوير وإعادة الاستخدام، أو مدخل الإنتاج النظيف كدعم الطاقة المتجددة. هذا وتحقق الأدوات السعرية المباشرة كل من ميزة الكفاءة الاقتصادية بتساوي التكلفة الحدية لخفض الملوث من المصادر المختلفة وميزة تشجيع التقنيات المخفضة للتلوث وتعتبر الأفضل في تحقيق الميزة الأخيرة مقارنة بالأدوات الكمية ولذلك فهي شائعة الاستخدام في الدول الأوروبية والتي تعطي اهتماماً خاصاً لمكافحة التلوث عن طريق التكنولوجيا.
أما النوع الثاني فهو الأدوات الكمية وتتمثل في الحصـص الكمية المسموح بها وتفرض إما مباشرة على مقدار الملوث أو غير مباشرة على مقدار المنتج أو كميات مدخلات الإنتاج أو واردات السلعة المرتبطة بالتلوث كالحصـص التي تفرض على واردات الكلور ;فلور كاربوهايدريدات المسببة لثقب طبقة الأوزون كما في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، والحصـص على صادرات بعض الكيماويات فيما يعرف باتفاقيات التحديد الطوعي للصادرات. وتعتبر الحصـص المباشرة على مقدار الملوث هي الأفضل من الناحية الاقتصادية والبيئية لارتباطها المباشر بتأثير الملوث. هذا وتكون الحصـص المحددة إما مسموح بالإتجار فيها أم لا، وفي الحالة الأخيرة تكون أداة التنظيم شبيهة بأداة الأوامر والتحكم .
خامسا ـ البعد الإقليمي والاتفاقيات الدولية:
تتبنى البلدان العربية على المستوى الإقليمي وبدرجات متفاوتة خطـطاً وبرامج طموحة لتنمية قطاع البيئة ومكافحة التلوث وتتولى تنفيذ الخطـط والبرامج مراكز بحوث متخصصة. فهنالك لجنة شؤون البيئة بالجامعة العربية، المنظمة الإقليمية لحماية البيئة ومقرها الكويت ومركز الطوارىء لتبادل المعلومات التابع لها ومقره البحرين، المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة (أكساد) ومقره دمشق، والمنظمة العربية للمواصفات والمقاييس. بالإضافة إلى الجهود التي تضطلع بها اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) في هذا المجال.
أما على المستوى العالمي فهنالك العديد من الاتفاقيات الدولية لحماية البيئة التي تشارك فيها البلدان العربية كأعضاء مثل معاهدة مونتريال لحماية الأوزون، مؤتمر الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي، معاهدة بازل، قانون البحار، ومؤتمر الأمم المتحدة للتغيير المناخي (FCCC) واتفاقية كيوتو المنبثقة منه. وتلزم هذه الاتفاقيات الدولية الدول العربية كغيرها من دول العالم بالتعاون مع الأسرة الدولية في حماية البيئة المحلية والدولية باعتماد السياسات وخطـط العمل القطرية اللازمة لمواجهة التحديات البيئية الماثلة والمستقبلية. وانطلاقاً من هذه الالتزامات تبذل العديد من الدول العربية جهوداً حثيثة في تبني السياسات والتشريعات اللازمة لحماية البيئة، وتحسين وتطوير البنيات الإنتاجية، وترشيد الأنماط الاستهلاكية بما يتماشى مع هذه الالتزامات وتوجهات التنمية في هذه البلدان. وفي هذا الإطار تأتي جهود المنظمات القومية والإقليمية في تفعيل هذه الاتجاهات بعقد الندوات، وورش العمل والملتقيات العملية وبإعداد البحوث والدراسات اللازمة.
سادسا ـ خفض انبعاث غازات الدفيئة:
تسبب بعض أنواع الغازات التي تسمى غازات الدفيئة مثل ثاني أوكسيد الكربون خطراً كبيراً على طبقة الأوزون مسببة بذلك ظاهرة الدفء الكوني، كما تتسبب أنواع أخرى مثل أكاسيد الكبريت بتساقط الأمطار الحمضية. إضافة إلى المركبات العضوية المتطايرة المسببة لتلوث الهواء. وتعتمد معدلات الانبعاثات الغازية على نوع وكمية الوقود المستخدم وعلى كفاءة عملية الاحتراق.ويشكل قطاع النقل وقطاع توليد الطاقة الكهربائية المصدر الأكثر أهمية الانبعاث الغازات الدفيئة .
1 ـ قطاع توليد الطاقة الكهربائية:
تناولت ورقة قطاع الكهرباء التي أعدتها الإسكوا عدة جوانب لتأهيل وتطوير القطاع في العالم العربي بما يساهم في نظافة البيئة ويكفل استمرارية الأداء التنموي. وفيما يلي تلخيصاً لأبرز ما جاء فيها.
أ ـ الإنتاج والاستهلاك والآثار البيئية:
بلغ إجمالي الكهرباء المولدة في دول الإسكوا في العام 2000 حوالي 340921 جيغاواط/ساعة ويتوقع أن يصل إلى حوالي 445029 جيغاواط/ساعة عام 2005 وإلى 555729 جيغاواط/ساعة عام 2010. كما بلغ إجمالي الاستهلاك 330613 جيغاواط/ساعة عام 2000. وبلغ معدل النمو السنوي في الاستهلاك 9.6 % . ويستهلك قطاع توليد الكهرباء أكثر من 30 % من جملة استهلاك الطاقة الأولية ويمثل الغاز الطبيعي حوالي 50 % ن الطاقة الأولية المستهلكة في القطاع .
ب ـ وسائل الحد من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون:
ابتدرت الجهود الدولية لخفض انبعاث غازات الدفيئة بتوقيع اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيير المناخ في عام 1992. وتلا ذلك المؤتمر العالمي في مدينة كيوتو عام 1997 والذي صدر عنه «بروتوكول كيوتو» الذي يقضي بأن تعمل الدول المشاركة، خاصة الصناعية منها، على تخفيض كمية انبعاث غازات الدفيئة، في الفترة 2008 إلى 2012 بنسبة 5 % عن مستواها في العام 1990. وبالرغم أن الدول النامية، ومنها الدول العربية، غير معنية بالخفض في الوقت الحالي، إلا أنه يتوجب عليها الاستعداد لذلك مستقبلاً. وفي إطار ذلك وضعت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) مرشداً للتقنيات والسياسات اللازمة لخفض انبعاث غازات الدفيئة في قطاع الكهرباء شملت ثلاث وسائل أساسية هي التقنيات والنظم، الوسائل الإدارية، والمعايير والتشريعات.
ـ التقنيات والنظم: نسبة لما تتسم به البيئة الأساسية لقطاع الكهرباء من أعمار اقتصادية طويلة (25 إلى 30 سنة) فإن الاختيار السليم للتقنيات والنظم يصبح أمراً في غاية الأهمية. لذلك لا بدَّ أن تتضمن النظم والتقنيات، الشروط اللازمة للحد من انبعاث غازات الدفيئة من القطاع، وتحسين كفاءة الإنتاج، والتحوّل إلى مصادر أكثر نظافة للوقود. ويمكن تخليص أبرز التقنيات والنظم التي تسهم في تحسين كفاءة إنتاج الكهرباء وخفض استهلاك الوقود وبالتالي تخفيض نظم الدورة المركبة Combined Cycle Systems ) التي تعتمد على نظم توليد مركبة من نوعين من التوربينات الغازية والبخارية تستخدم مصدر وقود واحد لإنتاج الكهرباء وتمتاز بكفاءة عالية تصل إلى حوالي 50 إلى 60 % .
ـ التقدم المحقق في دول الإسكوا:
حقق قطاع الكهرباء في دول الإسكوا تقدماً ملحوظاً نحو الحد من انبعاث غازات الدفيئة خلال العقدين الماضيين تتمثل في:
- مجال تحسين إنتاج الكهرباء: تـمَّ تخطيط وإنشاء شبكات الربط الكهربائي بين دول شمال الإسكوا عام 1992 وهنالك خطة قيد التنفيذ لربط دول الخليج العربية بشبكة مماثلة. إضافة إلى التوجه نحو نظم الدورة المركبة حيث بلغ إجمالي القدرات المركبة في العام 2000 حوالي 6786 ميغاواط/ساعة. وكذلك هنالك برامج مستمرة لإعادة تأهيل المنشآت ورفع كفاءة شبكات النقل والتوزيع.
- مجال التحول إلى مصادر أكثر نظافة للوقود: شهد قطاع الكهرباء توسعاً ملحوظاً في استخدام الغاز الطبيعي في أغلب دول المنطقة وقد بلغ متوسط الاعتماد على الغاز في توليد الكهرباء حوالي 53 % . وتباينت المعدلات القطرية من 100 % في البحرين، قطر وعُمان، 87 % في الإمارات، 75 % في مصر، 48 % في سوريا إلى 28 % في الكويت و20 % في الأردن. كما شهد عام 2001 دخول الطاقة المتجددة (الشمسية وطاقة الرياح) إلى النظم الكهربائية بقدرات كبيرة في مصر.
- مجال المعايير والتشريعات البيئية: أصدرت بعض دول الإسكوا عدداً من المعايير والتشريعات البيئية المرتبطة بقطاع الكهرباء كمصر، السعودية والأردن إلا أن هذه التشريعات ما زالت غير متكاملة وينقصها الخبرة والمعدات اللازمة لمراقبة حسن التنفيذ. وقد تضمَّنت التشريعات والمواصفات الصادرة في مصر عدة جوانب منها: اشتراطات حرق الوقود، حدود الانبعاثات، ومواصفات المداخن، مواصفات مياه الصرف، ومتطلبات حماية المناطق الساحلية والبيئة البحرية. وفي السعودية ركزت التشريعات على نوعية المياه ومعالجتها واشتراطات الصرف والتحكم في التلوث الناتج عنها.
2 ـ قطـاع النقـل:
أشارت ورقة قطاع النقل التي أعدتها الإسكوا لمؤتمر التنمية المستدامة، إلى وجود تباين كبير بين دول المنطقة في هيكل قطاع النقل بجميع أقسامه من نقل بري، بحري، نهري وجوي من حيث حجم الأسطول ونوعية البنية التحتية. وقد شكلت السيارات نسبة 6.63 % من إجمالي المركبات في عام 2000، تليها الشاحنات بنسبة 6.34 % بينما بلغت نسبة الباصات 8.1 % . كما تشير الإحصائيات إلى تباين واضح في نسبة عدد الأفراد لكل مركبة فبينما بلغت هذه النسبة 7.15 فرد لكل مركبة في المتوسط تراوحت بين 29 في كل من مصر وسوريا وأقل من 2 في الكويت، لبنان وقطر في العام 2000 مقارنة بنسبة 2 في الولايات المتحدة و4.2 في فرنسا.
أما لناحية أعمار المركبات فقد أشارت ورقة الإسكوا إلى تميز قطاع النقل البري في أغلب دول المنطقة بنسبة كبيرة من السيارات القديمة منخفضة الكفاءة حيث يمثل عدد السيارات التي تتعدى أعمارها 10 سنوات نسبة 60 إلى 65 % في مصر وسوريا، على سبيل المثال. وقد صاحب هذا التطور في نوعية وحجم قطاع النقل البري توسّع في استهلاك الوقود حيث بلغ متوسط معدل النمو السنوي في استهلاك مشتقات البترول 8.4 % في الفترة (1994 إلى 1999) ليصل إلى 55375 مليون طن في العام 1999 تتوزع بين الغازولين والديزل بنسب 3.73 % و7.26 % على التوالي.
أما من حيث الآثار البيئية فلقطاع النقل تأثيرات بيئية متنوعة على الهواء والمياه والتربة علاوة على ما يرتبط به من زيادة الضوضاء والازدحام في المدن الكبيرة. غير أن تأثيره على نوعية الهواء نتيجة انبعاث غازات الدفيئة يبقى الأهم لما له من مردودات سالبة على الصحة العامة وعلى ظاهرة الدفء الكوني. ويعتبر غاز ثاني أوكسيد الكربون أهم غازات الدفيئة التي تخرجها عوادم السيارات تليه أكاسيد النيتروجين (NOx) وأول أوكسيد الكربون المؤثرة على الصحة العامة. هذا وتشير إحصائيات وكالة الطاقة الدولية إلى أن جملة انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون من قطاع النقل في دول الإسكوا قد بلغت حوالي 113 مليون طن في 2000 بمعدل نمو سنوي 3.3 % للفترة 1990 إلى 2000 وتراوحت حصـص الفرد من الانبعاثات بين 21.0 طـن في مصر و25.0 طن في اليمن إلى 63.4 طـن في الكويت و19.5 طـن في قطر.
ويأتي قطاع النقل في المرتبة الثالثة بعد الصناعة والكهرباء من حيث حجم انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون ولكن يتوقع أن يقفز إلى المرتبة الثانية في العشرة سنوات القادمة إذا استمرَّ معدل نمو القطاع على الوتيرة الراهنة مما يحتِّم ضرورة اتخاذ السياسات لمعالجة تأثيراته البيئية.
أ ـ الحد من انبعاث الغازات في قطاع النقل:
كما في قطاع توليد الكهرباء فقد حددت الورقة أبرز السياسات والنظم الممكن اعتمادها للحد من انبعاث الغازات، أهمها:
ـ التقنيات والنظم: وتشمل صيانة المركبات لرفع كفاءة المحركات وخفض استهلاك الوقود، استخدام تقنية الغاز الطبيعي المضغوط في المركبات، تحسين نوعية الوقود بما يؤدي إلى خفض انبعاث غازات الدفيئة، والتوسع باستخدام المركبات الكهربائية كالتي تعمل بخلايا الوقود.
ـ الوسائل الإدارية: وتشمل تحسين أنظمة المرور، تشجيع استخدام النقل العام والحد من استخدام السيارات الخاصة، تحسين أساليب تخطيط المدن لتحقيق انسياب أفضل للمرور.
ـ المعايير والتشريعات البيئية: وتتضمن معايير أداء الانبعاثات وتهدف إلى ضبط مواصفات الوقود وتحدد المعدلات القصوى للانبعاثات من عوادم المركبات. وكذلك معايير تقنية تطبق على المركبات حديثة الصنع وتهدف إلى تحسين ورفع كفاءة استخدام الوقود في المدى الطويل.
ب ـ التقدم المحرز في دول الإسكوا:
أبدت بعض دول المنطقة اهتماماً كبيراً بتقويم تأثيرات قطاع النقل على البيئة وقامت باتخاذ بعض الخطوات العملية نحو تطبيق عدد من وسائل الحد من انبعاث غازات الدفيئة في القطاع وتجيء كل من مصر، لبنان والأردن في مقدمة هذه الدول . وقد شملت الخطوات المجالات التالية:
ـ تطبيق النظم التقنية:
ـ في مجال تحسين الصيانة: وضعت معظم هيئات البيئة العربية برامج الفحص الدوري والصيانة على المركبات كشرط أساسي لتجديد رخصها. كما أعفت الحكومة الأردنية ملاك سيارات الأجرة القديمة من الضرائب عند شراء سيارات حديثة الصنع.
ـ في مجال استخدام الغاز المضغوط: تبنى قطاع البترول في مصر برنامجاً طموحاً لإدخال هذه التقنية. وقد ارتفع عدد المركبات المسيرة بالغاز الطبيعي في مصر إلى أكثر من 27 ألف بحلول عام 2000، وتملك مصر سابع أكبر أسطول مركبات في العالم يعمل بالغاز الطبيعي.
ـ في مجال تحسين نوعية الوقود: قدمت الحكومة اللبنانية حوافز مالية لاستخدام البنزين الخالي من الرصاص بتخفيض سعره بنسبة 10 % وأدى ذلك لرفع نسبة استخدامه إلى 80 % . كما فرضت ابتداءً من منتصف حزيران 2002 حظراً على استخدام وقود الديزل في المركبات. أما الحكومة المصرية فقد دأبت على تشجيع استخدام البنزين الخالي من الرصاص منذ عام 1996 وبلغت نسبة استخدامه الآن 100 % .
ـ في مجال استخدام خلايا الوقود في الباصات: بدأت مصر عام 2001 تجارب ميدانية بهدف نقل هذه التقنية المتطورة وتوطينها.
(2) ـ السياسـات والإجـراءات:
ـ في مجال تحسين المرور: عملت الحكومة اللبنانية على تحديث شبكات الطرق في منطقة بيروت الكبرى إضافة إلى شبكات الطرق داخل بيروت مما خفف من الازدحام بنسبة 40 % وبالتالي نسبة التلوث. وفي مصر أصدرت إدارة المرور عام 2000 أمراً بوجوب حصول الباصات الداخلة إلى القاهرة على إذن مسبق أو دفع غرامة مخالفة.
ـ في مجال تشجيع النقل العام: تـمَّ تطوير نظام المترو في القاهرة. ويتم في الوقت الحالي تنفيذ خط حديدي بين الدمام والرياض في السعودية.